المرأة.. سادية الشعر والسينما

المرأة.. سادية الشعر والسينما

[caption id="attachment_55238240" align="aligncenter" width="620"]غابريال أنور نجمة فيلم "عطر امرأة" بطولة آل باتشينو غابريال أنور نجمة فيلم "عطر امرأة" بطولة آل باتشينو[/caption]



أحبّ شعر نزار وأحب السينما، وخاصة الهوليوودية منها، وقد خطرت بذهني فكرة المقارنة بين بعض أفلام السينما وإبداعات الشعراء.
فمثلاً كتب نزار قباني واحداً من أشهر أبياته الشعرية التي نكررها كثيراً دون التأمل فيها، وربما تغشّتنا حلاوة الشعر وطلاوته عن التمعّن في المعنى الحقيقي خلف البيت، يقول نزار:

فصّلت من جلد النساء عباءة
وبنيت أهراماً من ............

وعند التأمل فإن هذا البيت ليس فيه غزلٌ بأي حالٍ من الأحوال، بل هو بيتٌ ساديٌ بامتياز، ومن هذا المنطلق فإنني وجدت أنّ فكرته أي تفصيل عباءةٍ من جلد النساء، قد وردت ضمن سياقٍ مختلفٍ في فيلم "The Silence of the Lambs" أو "صمت الحملان"، حيث كان القاتل المجهول لا المختل الذكي خيّاطاً يسجن النساء ويحسن تغذيتهن ليزددن سمنةً، ثم يقتلهنّ ويفصل من جلودهنّ ما شاء له ذهنه المجنون من عباءات وألبسة، هذا في صدر البيت فقط. أما عجزه فلا أعلم أنّ أحداً وصل به الخيال لهذا الحدّ في هوليووود وغيرها.


[caption id="attachment_55238241" align="alignleft" width="146"]نزار قباني نزار قباني[/caption]

كنت قد شاهدت قبل سنواتٍ فيلماً هوليوودياً عن حياة مالكوم إكس (1992) وقد أعجبت كثيراً بالأداء المتميز للمثل دينزل واشنطن لشخصية مالكوم إكس، وقد استغربت من عدم حصول الممثل على الأوسكار لذلك الدور، وسألت أحد الأصدقاء الخبراء في مجال السينما وهو الصديق فهد الأسطا، فأخبرني أنّ الذي حصل على الأوسكار تلك السنة هو آل باتشيونو، عن دوره في فيلم يحمل اسم "Scent of Woman" أي رائحة أو عطر امرأة، ونصحني بمشاهدته وقد فعلت فذهب استغرابي، لأن آل باتشيونو كان أفضل أداءً بما لا يقارن.

غير أنّ السادية في بيت نزار، هي أقرب إلى فيلم هوليوودي آخر كان من بطولة داستن هوفمان، وهو فيلم "Perfume: The Story of a Murderer" أو العطر: حكاية قاتل، حيث كان تاجر العطور هوفمان يحلم بصنع عطرٍ جديدٍ وساحرٍ، ولديه تلميذٌ أخذ عنه هذا الحلم، ولكنّه بدل التفتيش عن ذلك العطر في الطبيعة، أخذ يفتش عنه في جلود الشابات اليافعات، فيقتلهن ويعصر جلودهن تفتيشاً عن عطرٍ خالدٍ!

سعة الخيال واحدةٌ من أهم شروط الإبداع شعراً أو نثراً، روايةً أم دراما، ولكن في الشعر كما في السينما بعض المعاني والصور والرسائل الخطيرة والمجرمة، والتي يتمّ تمريرها للمتلقين تحت غطاء الإبداع فلا يتنبه لها كثيرون.
يجب أن أؤكد هنا أن نزار لا يمكن في الواقع أن يفعل شيئاً كهذا، ولا يمكن أن يخطر ببال الشاعر المرهف هذا المعنى السادي، ولكنّها اللغة ومجازاتها وصياغاتها التي تغري الشاعر المتمكن والمبدع، بالجموح في معانيه والشطح في خيالاته ورؤاه.
أخيراً، لا زلت أحب شعر نزار قباني وأحب السينما، ولكنّني أردت التنبيه على هذه الفكرة، ومشاركتها معكم في هذه التدوينة.
font change