ليبيا.. هل يُصلح زيدان ما أفسدَ سلفه؟

ليبيا.. هل يُصلح زيدان ما أفسدَ سلفه؟

[caption id="attachment_55239976" align="aligncenter" width="620"]رئيس وزراء ليبيا علي زيدان رئيس وزراء ليبيا علي زيدان[/caption]




يسجل وصول علي زيدان إلى منصب رئاسة الوزارة الليبية، سابقة غير معهودة تاريخياً، ذلك أن زيدان يعتبر متميزاً عن كل رؤساء وزارات ليبيا السابقين منذ الاستقلال، فقد ولد وتربى وتعلم في بلدة جنوبية نائية صغيرة الحجم والعدد تسمى "ودان"، من ضمن واحات منطقة الجفرة التي تضمها مع " سوكنة وهون ". ولولا عذب تمر نخيلها وبركة "صُلاحها" من الأشراف الذين يمتد أصلهم إلى النبي محمد صلي الله عليه وسلم، وينتمي لهم علي زيدان لما تذكّرها أو ذكرها أحد. ويشتهر أناسها بطيب الخلق والدماثة والكرم، وللبلدة تاريخها الجهادي الذي لا ينسى كما أن العديد من سكانها هاجروا جنوباً إلى شمال تشاد، عقب هزيمة المقاومة الليبية بموت قائدها الشهيد عمر المختار عام 1931.
لدى انتهائه من دراسة المرحلة الاعدادية - كان عليه مثل أترابه في الجفرة وغيرها من مناطق الجنوب الليبي في الستينات من القرن الماضي - أن يترك منزل عائلته في ودان، ويشد رحاله إلى مدينة سبها لمواصلة دراسته الثانوية بالمدرسة الثانوية الوحيدة في كل المنطقة، وكان عليه أن يعيش في القسم الداخلي.



ملتقى للقوافل





كانت سبها - في تلك الفترة التاريخية، عاصمة الأقليم مقارنة بودان البلدة الصحراوية آنذاك ـ مختلفة تعج بالخلق من معظم القبائل الليبية من "أولاد حضير إلى مقارحة ومصاريت وورفله وزويه وأولاد سليمان وقذاذفة وتبو وطوارق"، وتاريخيا كانت ملتقى للقوافل القادمة من جنوب الصحراء والقاصدة مدن الشمال والعكس. وعقب تحصله على شهادته اتمام الدراسة الثانوية "القسم الأدبي" كان عليه مثل أترابه من أبناء الجنوب أن يشد رحاله مرة ثانية، والتوجه شمالا إلى الساحل "بنغازي أو طرابلس" لإكمال دراسته الجامعية.

كان في ليبيا آنذاك، ثلاث جامعات أقدمها جامعة بنغازي التي تخصصت كلياتها في الدراسات الانسانية والنظرية، وجامعة طرابلس التي تخصصت كلياتها في دراسات العلوم التطبيقية وجامعة البيضاء الإسلامية المتخصصة في الدراسات الدينية والشرعية. ونظراً لتخصصه في المجال الأدبي، كان عليه شد الرحال إلى جامعة بنغازي، حيث التحق بكلية الآداب قسم اللغة العربية، وهناك عاش أربع سنوات في المدينة التي اشتهرت شعبيا باسم "رباية الذايح" وكانت ملتقى حقيقيا لكل مناطق ليبيا شرقا وغربا وشمالا وجنوبا. في شوارع بنغازي المجاهدة، وفي ممرات وصالات جامعتها وفي أقسامها الداخلية، كان هناك وطن يتبلور في الصدور والأحلام وأفكار تتلاقى وتتصارع وتتلاقح سياسيا وثقافيا، وكان هناك كتاب شباب وشعراء في طراوة العشب ومسرحيون جاؤوا من كل مناطق ليبيا، وكانت هناك دنيا من لحم ودم وأعصاب وخلايا تضج بالنشاط والتوقد والتفاعل كخلية نحل. وكان على الشاب علي زيدان المولع بالتراث العربي الاسلامي والمفتون بالشعر الشعبي وعلم الانساب، الانخراط في تلك الساحة بما فيها ومن فيها.



نقلة مهمة





النقلة الثالثة المهمة في حياته جاءت بعد تخرجه وحصوله على "الليسانس" مباشرة إذ كان عليه هذه المرة أن يشد الرحال إلى مدينة أخرى. هذه المرة كانت طرابلس العاصمة المدينة الموعودة والمشتهاة والبوابة التي سيدخل منها الشاب زيدان إلى دنيا جديدة، ليبدأ حياته العملية موظفا في الدولة الليبية بوزارة الخارجية.
العاصمة الليبية طرابلس توصف في التراث الشعبي بأنها "قروز حداد" والقروز في اللهجة العامية الليبية هو القفة الصغيرة المصنوعة من سعف النخل والديس. وعادة ما تكون قروز الحداد ممتلئة بمختلف المعادن والأدوات اللازمة لصناعته، وكانت طرابلس كذلك مدينة كوزموبوليتية، تصب فيها كل مناطق وجهات ليبيا إضافة إلى وجود جاليات عربية وأوربية، وكانت مقرا للحكومة وللكل الوزارات والسفارات والشركات الكبرى، وكانت أيضا مركزا يعج بالكتاب والشعراء والصحافيين والمسرحيين والملحنين. طرابلس كانت ملتقى ليبيا بالعالم، العالم الأوسع والأرحب الذي سيبدأ زيدان الشاب في التواصل معه عبر القنوات الدبلوماسية عبر عمله في وزارة الخارجية صباحا، وفي شوارع العاصمة مساء.

فتحت طرابلس الطريق للشاب زيدان لكي يعبر البحر قاصدا الهند (وما أدراك ما الهند؟) حيث عمل في السفارة الليبية في نيودلهي، وعقب سنوات قليلة أعلن رفضه لنظام العسكر في ليبيا، وقرر الانضمام إلى حركة المعارضة الليبية ضد نظام القذافي التي بدأت في التشكل والتبلور، ومن تلك النقطة الزمكانية انخرط زيدان في العمل السياسي مع الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا التي كان يترأسها الدكتور محمد يوسف المقريف رئيس المؤتمر الوطني حاليا ومن ذلك التاريخ عام 1980 بدأ زيدان علاقته بالمنافي وبالغربة، وازدادت المسافات به بعداً عن ودان وسبها وبنغازي وطرابلس. وحين بدأت العلاقة التنظيمية مع قيادة الجبهة في التدهور ترك زيدان الجبهة وكرس نفسه للدفاع عن حقوق الانسان.
حين بدأت انتفاضة فبراير العام الماضي، كان زيدان من أول الملتحقين بصفوفها وعبر علاقاته التي راكمها طوال السنوات الماضية في المهجر، تمكن من فتح قناة دبلوماسية بين القيادة الليبية للانتفاضة والرئيس الفرنسي السابق نيكولاي ساراكوزي كما لعب دورا رئيسا ومهما في فتح أبواب البرلمان الاوروبي أمام محمود جبريل رئيس المجلس التنفيذي آنذاك للقيام بزيارة تاريخية وعرض القضية الليبية أمام النواب الأوروبيين.



رحلة مضنية





رحلة علي زيدان طويلة ومضنية وثرية وتختلف عن رحلة سلفه الدكتور عبد الرحيم الكيب وغيره من الشخصيات التي "هبطت من السماء" عقب الانتفاضة وتولت مقاليد الأمور في ليبيا بقدرة قادر!!
حكومة الكيب كانت حكومة تكنوقراط الغالبية العظمى من أعضائها كانوا أكاديميين يعيشون ويعملون في الخارج، ولا علاقة لهم بالمشهد السياسي الليبي خلال حكم القذافي، الذي استمر لمدة 42 عاما وافتقدوا المعرفة بأسئلة الواقع الليبي المر وبتضاريسه القبلية والتاريخية الصعبة، ولم يكن لديهم ما يكفي من الخبرات للتعامل مع ما طرحه واقع الثورة من اشكالات جديدة/ قديمة، عقب سقوط القذافي ونظامه. لذلك يجيء انتخاب السيد على زيدان حاملا معه بصيصا من الأمل في أن تسعى الحكومة الجديدة في انتهاج منهج يختلف كلية عن منهج الحكومة السالفة في التعامل مع اشكاليات الواقع ومشاكله، وأن تتصدى للاشكالات التي جبنت حكومة الكيب على مواجهتها، وفي مقدمتها الاشكالية الأمنية، وتأسيس جيش وطني وأجهزة أمنية قادرة على حماية ليبيا وشعبها وحدودها وثروتها، وإرثها التاريخي من كل العصور الغابرة.
السؤال هو: هل يتمكن زيدان بما اكتسبه من معرفة وخبرات ومهارات من العبور بليبيا وسط بحر متلاطم الأمواج بسلام إلى بر الأمل والأمان، أم أنه، مثل سلفه، سوف يرفع الراية البيضاء ويغادر الساحة كما فعل الكيب؟
font change