مجلة المجلة.. أول التعرّف وأوّل الكتابة

مجلة المجلة.. أول التعرّف وأوّل الكتابة

[caption id="attachment_55242903" align="aligncenter" width="620"]د. رشيد الخيّون د. رشيد الخيّون[/caption]

كان دخول الدَّوريات محدوداً بعدن عاصمة جمهورية اليمن الدِّيمقراطية الشَّعبية، حيث كنت أعمل مدرساً هناك، ليست عدن فقط إنما معظم العواصم آنذاك كانت محكومة بالرَّقابة، ما يدخل وما لا يدخل، ومجلة المجلة، على ما يبدو، كانت ضمن "غير الداخلات" إلى عدن. لكن في منتصف الثَّمانينيات اطلعت على عددٍ منها، واستغربت حينها الاسم مجلة "المجلة"، وكأنك تقول "جوهر الجوهر" أو "ماء الماء"، حتى صار الاسم مألوفاً، فعندما تقول "المجلة" يذهب البال إليها.
كان العدد الأول الذي وقع بيدي، واستعنت به في كتابتي وبحثي حول الدِّيانة العِراقية القديمة الصَّابئة المندائية، وما زلت احتفظ به، وهو المؤرخ نوفمبر (تشرين الثَّاني) 1986 نشر فيه تحقيق عن هذه الطَّائفة مِن داخل العِراق، مع صور حديثة لشيوخ الدِّيانة، والغطس في النَّهر للتعميد، وعقد الزَّواج، وذُكر عددهم آنذاك بعشرين ألف نسمة. ومِن حينها بقيت أبحث عنها، وتصلني بين الحين والآخر عن طريق المسافرين.

كان أكثر ما تابعتها، في ما بعد، خلال حرب الكويت يناير (كانون الثَّاني) 1991، كانت تنقل يوميات الحرب في الصُّور، يوم لم تكن الفضائيات ناشطة أو منتشرة، ولا مواقع الانترنيت معروفة، وكانت صنعاء مع النِظام العِراقي والمجلة تصل إلى عدن، فعملياً احتفظت السلطتين بعاصمتيهما كلاً على انفراد، ومعلوم لو تقدم النِّظام العراقي ودخل الكويت قبل إعلان الوحدة اليمنية ما قامت هذه الوحدة، وتلك قصة طويلة.
احتفظت بأعداد منذ ملفات تلك الحرب، واللقاءات المثيرة بوزير الخارجية الأسبق عبدالله الأصنج، الذي تعرفت عليه عن قُرب في ما بعد. أما الجولة الأخرى التي تابعت "المجلة" فيها فكانت خلال الحرب بين عدن وصنعاء صيف 1994، وكنت بلندن، واحتفظت بلقاء نُشر فيها مع آخر أئمة اليمن بصنعاء المنصور محمد بدر آل حميد الدِّين (ت 1996)، وظهر يهتم بورد حديقته ويحمل وريث العرش الإمامي على كتفه.
وكنت أعود إلى تلك الملفات بين الحين والآخر، لما فيه مِن معلومات حيَّة ولقاءات مع القيادة السِّياسية بعدن، وواضح، كانت "المجلة" تنتصر للجنوب اليمني، وهذا ما جعلني أواضب على متابعتها، فآنذاك كنت مغادراً عدن، بعد عشر إلى إحدى عشر سنة مِن العمل والإقامة فيها، ومعلوم ما يتركه طول المقام مِن مودة مع المكان، وقد نفعتني عدن بتوفير العمل والأمان لي، وقرأت للجاحظ (ت 255 هـ): كثرة المنفعة تولد المودة.

استمرت علاقتي بالمجلة علاقة قارئ متابع لملفاتها الثرية، حتى أصبحت كاتباً فيها لأكثر مِن عام، كتبت فيها صفحة تُراثية، قَلّبت فيها صفحات التُّراث، وفي مواضيع شتى، الاجتماعية منها والثَّقافية وأحياناً السِّياسة. كتبت فيها (1999- 2001)، أول مادة عن الورد وانتعاش المجالس به في العهد العباسي، وكتبت عن مجتمع القهرمانات ودورهنَّ في القصور، وعن الثَّلج وكيفية جلبه مِن أعالي الجبال والاحتفاظ به، وصناعة الشَّمع واستخدامه، وتوزيعه كرواتب مِن مكتب الوزير، وعن تفاحة المعتزلة، عندما ناقشوا مسألة الجاذبية وسقوط الأجسام، وكتبت عن عجائب المخلوقات، ونكبات الوزراء، وما بين النخلة والإنسان مِن شبه وأخلاق، كتبت عن الآثار والاهتمام بها قديماً، وعن الكنوز، والسَّرقات الأدبية، عن النَّفط وكيف نظر إليه القدماء بأنه مادة نَحسة الفال.

كان التحرير يشترط عليَّ إرفاق الصورة المناسبة مع المقال، الذي كنت أُسلمه يداً بيد قبل أن ادخل عالم البريد الألكتروني، وقبل التعرف على المستر "غوغل". كنت أبحث عن الصُّور في صفحات الكتب ثم تصويرها بالألوان، فاشترطوا أن تكون الصُّورة ملونة، حتى كنت في حَيرة عندما اكتب صفحة تراثية يصعب مطابقة صورة معها. استمر مستأنساً بما أكتب في التُّراث حتى أتى يوم مِن الأيام وتبدل رؤساء التحرير، فطُلب مني أن أكتب قضايا حديثة، فقلت حينها لا أُجيد سوى القديم وافترقنا أنا و"المجلة"، حتى عدت إليها كاتب مدونة.
font change