الترسانة الكيميائيّة للنظام السوري

الترسانة الكيميائيّة للنظام السوري

[caption id="attachment_55247517" align="aligncenter" width="620"]متظاهرون في بلغاريا يرفعون صور ضحايا مجزرة الغاز الكيماوي في سوريا متظاهرون في بلغاريا يرفعون صور ضحايا مجزرة الغاز الكيماوي في سوريا[/caption]

"بدأت القوات السورية في خلط المُركّبات الكيميائيّة التي من شأنها أن تؤدي إلى إنتاج غاز السارين القاتل لاستخدامه في هجمات بالأسلحة على الثوّار والمدنيين، وقد حصلنا على معلومات استخباراتيّة خلال الأسبوع المنصرم تؤكّد هذا الأمر".
هذا الخبر نشرته الـ"سي أن أن" نقلاً عن "مسئول رسمي أمريكي" بتاريخ 3/12/2012، أي قبل أكثر من 9 أشهر على الهجوم الذي شنّه النظام السوري مؤخّرًا بما يعتقد أنّه غاز السارين على مناطق واسعة في منطقة ريف دمشق (الغوطة الشرقيّة والغربيّة) بتاريخ 21/8/2013 ليقتل أكثر من 1466 مدنيًّا سوريًّا غالبيتهم من الأطفال والنساء والشيوخ وهم نيام في بيوتهم.

وعلى الرغم من أنّ النظام السوري كان قد شنّ -وفق تقرير مفصّل أعدّته "الشبكة السوريّة لحقوق الإنسان"- في شهر 7 من العام 2013، حوالي 26 هجمة استهدفت خمس محافظات أدّت إلى مقتل 83 سوريًّا، وإصابة حوالي 790 آخرين، إلا أنّ الهجوم الأخير كان الأكبر والأوسع والأكثر فتكًا، وباستخدام عنصر كيميائي خطير يرجّح الخبراء أن يكون عنصر السارين الذي تكفي نقطة منه بحجم رأس الإبرة في قتل إنسان خلال دقائق قليلة جدًا إذا ما تم خلطه بطريقة صحيحة، وتفجيره بأنظمة تسليم، سواء عبر المقذوفات، أو الصواريخ البالستيّة أو عبر الطائرات.
في شهر كانون ثاني/ يناير 2013، نشرت الفورين بوليسي تقريرًا حصريًّا يفيد بأنّ برقيّة دبلوماسيّة مصنّفة تحت خانة "سري"، وموقّعة من القنصل العام الأمريكي في إسطنبول"فريديرك كيلنر" تمّ إرسالها إلى الخارجية الأمريكيّة، وقد وصلت إلى الرئيس الأمريكي، تفيد بأنّ نظام الأسد استخدم فعلاً الأسلحة الكيميائية في هجوم شنّه على مدينة حمص بتاريخ 23/12/2012.

[caption id="attachment_55247514" align="alignleft" width="457"]الهجمات التي شنها النظام السوري على المدنيين بالمواد السامّة  منذ إندلاع الثورة  الهجمات التي شنها النظام السوري على المدنيين بالمواد السامّة
منذ إندلاع الثورة
[/caption]

وقد تمّ التوصل إلى هذه النتيجة بعد تحقيقات مكثّفة أجراها فريق من الدبلوماسيين الأمريكيين، والقنصليّة الأمريكيّة في إسطنبول حول المزاعم المتعلّقة باستخدام نظام الأسد للأسلحة الكيميائية، ليصلوا إلى ما يمكن تسميته بالحجّة المقنعة عن استخدام نظام الأسد لما يسمى "العنصر 15".

وفقًا لبعض الخبراء، فإن العوارض التي ظهرت على المصابين آنذاك، تؤكد استخدام النظام السوري لـ"العنصر 15" أو ما يعرف وفق رموز حلف شمال الأطلسي (الناتو) بـ"BZ" والذي يخضع لأحكام الجدول 2 من اتفاقيّة الأسلحة الكيميائية التي لم توقّع عليها سوريا.



ترسانة النظام السوري من الأسلحة الكيميائية




من غير المعروف ما إذا كان النظام السوري يمتلك أسلحة بيولوجيّة أم لا، لكن التقارير الأمريكية أشارت سابقًا إلى إمكانيّة أن يكون لدى الأسد برنامج إنتاج أسلحة هجوميّة بيولوجيّة دون أن يكون هناك تأكيد قاطع بهذا الشأن. ففي العام 2009، قال اللوتانيت جنرال مايكل مابلز مدير وكالة استخبارات الدفاع الأمريكيّة "ليس هناك مؤشر على نجاح سوريا في القيام بتجهيز عناصر بيولوجيّة بأسلحة تتضمن أنظمة تسليم فعّالة ".

أمّا من ناحية الأسلحة الكيميائية، فيعتقد أنّ سوريا تمتلك واحدة من أكبر الترسانات الكيميائية في الشرق الأوسط، وبعض التقارير تقول في العالم. لم يعترف النظام السوري مطلقاً بأنّه يمتلك السلاح الكيميائي، وقد ظل ينكر ذلك لعقود باستثناء المرّة الوحيدة التي تحدّث فيها "جهاد المقدسي" عن الأمر. ففي 23/7/2012، اعترف النظام السوري للمرة الأولى بأنّ لديه أسلحة كيميائية، وهدد باستخدامها حال تعرّضه لهجوم عسكري غربي، لكن ليس ضد المدنيين السوريين.
لقد قام النظام السوري بتطوير هذه الترسانة منذ الثمانينات من القرن الماضي، وكذلك وسائل تحميلها وإطلاقها، وأهمّها صوراريخ سكود، كما لم يوقّع النظام السوري على معاهدة الأسلحة الكيميائية رغم تأييده لجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل كما يقول.
أمّا أهم عناصر هذه الترسانة الكيميائية السورية، فيعتقد أنّها تتمّثل في:

غاز التابون: وهو أول عنصر من العناصر المكتشفة في إصابة الأعصاب، تم الوصّل إليه في ألمانيا في الثلاثينيات من القرن الماضي، وقام النازيون بإنتاجه بكميات كبيرة، لكن لم يتم استخدامه بتاتًا على أرض المعركة. ويقوم عنصر التابون بإصابة الجهاز العصبي، ويسبب تقلّصًا في العضلات، ويؤدي إلى الموت اختناقًا. يعد هذا الغاز الأسهل إنتاجًا، ويبقى على الأسطح لمدة أطول من غاز السارين.، وقد اعترف الرئيس السابق للترسانة الكيميائية السورية -والذي عمل في إدارة الأسلحة الكيميائية والبيولوجيّة الجنرال المنشق عدنان سيلو- أنّ الترسانة الكيميائية السوريّة تضم هذا العنصر الفتّاك.

غاز السارين: وهو سائل لا لون ولا رائحة له يقتل من خلال استنشاقه. تمّ اكتشافه أيضاً من قبل علماء ألمان، وهو عنصر يصيب الجهاز العصبي، ويؤدي إلى موت الشخص المصاب به خلال دقائق قليلة فقط. البخار الناجم عن غاز السارين أقل حدّة بـ10 مرّات من سمّية غاز الـ "VX" ، ولكنّه أكثر سميّة بـ 25 مرّة من غاز الهايدروجين سيانيد، إذا كان هناك ملابس ملوّثة بها، فإنها تظل مصدرًا لتعريض أي شخص بغاو السارين لمدة نصف ساعة على الأقل بعد تلوّثها. وتضم ترسانة النظام السوري هذا الغاز القاتل.

غاز الـ (V – Series): في بداية العام 1990، أفادت العديد من التقارير عن وجود جهود سورية لتطوير غاز من فئة (V) الأكثر فتكًا من غاز السارين، وقد أشارت بعض الدلائل إلى تحقيق النظام السوري بعض النجاحات المحدودة في هذا السياق خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي.

غاز الخردل: هو مركّب كيميائيي عضوي يسبب حروقًا وتقرّحًا في الجلد لدى الشخص المستهدف، ويسبّب التقيؤ والإسهال، ويسبب أضرارًا في العيون قد تصل إلى العمى، وكذلك في الأغشية المخاطيّة، ويضرب الرئتين، وقد لا يؤدي الخردل إلى الموت مباشرة، لكنّه في هذه الحالة سيؤدي إلى أمراض فتّاكة كالسرطان والتغييرات الوراثية، ولا علاج له.


آلية اتخاذ قرار استخدام السلاح الكيميائي في الجيش السوري




يشير بعض العسكريين السوريين المنشقين عن النظام السوري -والذي خدموا في قطاع إدارة الأسلحة الكيميائية في الجيش السوري- إلى أنّ ترسانة السلاح الكيميائي لدى الجيش السوري تنقسم إلى قسمين أساسيّين إلى جانب "المواد السمّية المزعجة"، قسم تحت تصنيف "مواد سميّة مخرجة من القتال" ، وقسم تحت تصنيف "مواد سمّية قاتلة". والفرق بين التصنيفيّن يكمن في أنّ تركيز السميّة في الصنف الثاني "مواد قاتلة" أعلى بكثير منه من الصنف الأول "مخرجة من القتال" الذي يكون أقّل تركيزًا.

[caption id="attachment_55247515" align="alignleft" width="300"]رسم يوضع كيف يعمل غاز السارين. (المصدر: روتيرز) رسم يوضع كيف يعمل غاز السارين. (المصدر: روتيرز)[/caption]

1) "المواد المخرجة من القتال": يهدف استخدامها إلى إخراج مجموعة ما في منطقة ما من القتال عبر عزلها عن المكان المتواجدة فيه على اعتبار أنّ استخدام هذا السلاح في هذا التصنيف يؤدي إلى عوارض تدخل المصاب بها إلى المستشفى، حيث يعاني المصاب كثيرًا قبل أن يشفى إذا ما عولج بشكل سريع وصحيح، وقد يصاب بعوارض دائمة إذا لم يعالج بشكل سريع وصحيح، وقد يموت البعض.
• تتوافر هذه المواد لدى كل الفرق العسكرية في الجيش السوري، فكل فرقة عسكرية لديها مخزن خاص لهذه المواد.
• يحق لكل قائد فرقة باستخدام هذه المواد وفق آلية تكليف للمرؤوسين تكون ضيّقة في العادة من ثلاثة أو أربعة أفراد.

2) أمّا "المواد القاتلة": فهي عندما تستخدم تقتل كل من هو موجود في المنطقة المستهدفة بشكل كامل من غير المحميّين ضد هذا النوع من الهجوم الكيميائي. ويتوافر لدى النظام السوري عدد من الأسلحة الفتّاكة من هذا النوع في ترسانته الكيميائية.
• تتوافر هذه المواد لدى فرق محددة بعينها كالحرس الجمهوري، والفرقة الرابعة من الجيش السورية النظامي التي يقودها ماهر الأسد، ويتم الاحتفاظ بهذه الموارد بشكل متفرّق في مخازن هذه الفرق.
• اتخاذ قرار استخدام هذه المواد الشديدة السمّية يعود إلى الهيئة العسكرية والسياسيّة العليا في البلاد. وفي وضع الأزمات تتخذ خلية إدارة الأزمة قرار استخدام هذه الأسلحة، وغالبًا ما تضم "رئيس الأمن القومي، رؤساء أجهزة الاستخبارات الجوّية والعسكرية، وزير الدفاع، وزير الداخلية، رئيس هيئة الأركان" وتقوم الخليّة حال الاتفاق عليه تمرير توصية بالاستخدام إلى القائد الأعلى للقوات المسلّحة.



اتّهامات للمعارضة السوريّة باستخدام المواد السامّة





خلال الأشهر الماضية قام النظام السوري بالادّعاء بأنّ المعارضة السوريّة هي من استخدم المواد السامّة ضد المدنيين، وقد أيّد مزاعم وادّعاءات النظام السوري كل من إيران وروسيا. والحقيقة أنّ المدقق في هذه الادعاءات بإمكانه أن يعرف بكل تأكيد أنّها عاريّة عن الصحة استنادًا إلى عدد من النقاط، لعل أهمّها:

• لم يقم أي مصدر داخلي أو إقليمي أو دولي لا من حيث المؤسسات، ولا من حيث أجهزة الاستخبارات أو المنظمات بما فيها النظام السوري نفسه بالإعلان سابقًا أو حاليًّا، قبل أو أثناء هذه الادعاءات بأنّ المعارضة المسلّحة قامت بالاستيلاء على أيٍّ من المخازن المخصصة لحفظ المواد الكيميائية التي في حوزة النظام السوري، أو على أيٍّ من محتويات هذه المخازن.

• ما يدعم النقطة السابقة هو أنّ هذه المستودعات التي يحتفظ النظام السوري فيها بالمركّبات الكيميائية تخضع لمراقبة شديدة أيضًا من قبل أجهزة الاستخبارات العالميّة وعلى رأسها الولايات المتّحدة الأمريكية وإسرائيل، وهم يعلمون تمامًا أنّها تحت سيطرة النظام السوري، وأنّه قام بخلط عدد من المركّبات كما تدل عليه التصريحات السابقة، وهم لن يترددوا على الإطلاق ولو للحظة في قصفها في حال اعتقدوا أنّها ربما تكون معرضة لخطر السقوط في أيدي الثوار، أو أنّها سقطت فعلاً في أيديهم.



[blockquote]واشنطن أعطت رسائل أنّها غير مستعدّة لمعاقبة الأسد على استخدامه للأسلحة الكيميائيّة. ليس هذا فقط، بل ذهبت إلى البحث عن كل الذرائع والمبررات الممكنة لتتفادى الإقرار بواقع أنّه استخدم هذه المواد؛ لأن مثل هذا الاعتراف سيرتّب عليها مسؤوليات تجاه الالتزام بما أعلنت عنه بنفسها من خطوط حمراء، وبالتالي التحرّك لردع الأسد.[/blockquote]




• استخدام الأسلحة الكيميائية يحتاج إلى فرق متخصصة خاصّة عندما يتعلّق الأمر بالمواد شديدة السمّية، حيث تقوم بنقل المواد المتفرقة وخلطها، وبعد ذلك تجهيزها في صيغة مركّب نهائي. وبعد ذلك أيضًا تحتاج الجهة التي تقوم بذلك إلى أنظمة نقل وتحميل لتركيب السلاح عليها، وغالبًا ما تكون صواريخ أو طائرات، وفي بعض الأحيان قذائف، وخلال كل هذه المراحل يجب تأمين العناصر التي تقوم بهذا العمل بشكل تام، كما أنّ هذه العملية تحتاج إلى وقت طويل نسبيًّا، وليس هناك ما يعزز وجود إمكانيات من هذا النوع لدى المعارضة السورية، فضلاً عن أنّه سيكون من شبه المستحيل قيامها بكل هذا العمل دون أن يتم كشفها في مرحلة من المراحل.

• المناطق المستهدفة تقع تحت سيطرة المعارضة السورية، ومن المنطقي القول أنّه لو كان لديهم مثل هذه المواد، ولو كان لديهم أنظمة تحميل لها، بالإضافة إلى القدرات اللازمة والفرق المتخصصة لاستخدامها، لكانت استخدمتها ضد جنود وشبيحة النظام فرق المرتزقة التي يستعين بها.



الموقف الأمريكي، خط أحمر أم ضوء أخضر؟




في 20/8/2012، صرّح الرئيس الأمريكي أوباما لأوّل مرّة بأنّ الولايات المتّحدة ستعتبر لجوء النظام السوري إلى أي من ترسانته المميتة تخطّيًا للخط الأحمر، وكان ذلك على ما يبدو إثر رصد تحرّكات وعمليات نقل للمكوّنات الكيميائية. فعادة ما يتم تخزين مواد مثل هايدروكلوريك أسيد، أيزوبروبيل ألكول، هايدروجين فلورايد، فوسفوراس ترايكلورايد، وغيرها من المواد التي تعتبر سامة وخطيرة في أماكن متباعدة أو مختلفة، لكن ما أن يتم خلطها مع بعضها البعض حتى تكفي قطرة واحدة من غاز السارين لقتل شخص في غضون دقائق قليلة، لذلك يتم عادة تخزين هذه المواد في أماكن منفصلة، وما أن يتم البدء في استجلابها إلى مكان واحد حتى يعدّ ذلك مؤشّرًا خطيرًا على نيّة أي نظام في خلطها، وبالتالي الاستعداد لاستخدامها.

[caption id="attachment_55247516" align="alignleft" width="187"]طريقة صنع القناع الواقي من الغازات. المصدر (موقع مشروع حماية) طريقة صنع القناع الواقي من الغازات.
المصدر (موقع مشروع حماية)[/caption]

ورغم أنّ تقارير أمريكيّة أشارت في شهر كانون أول 2012، إلى أن واشنطن رصدت وحدات عسكرية سورية تقوم بخلط المواد الكيميائية استعدادًا لاستخدامها في الرؤوس الحربية، حيث يعتقد أنّ النظام السوري وصل تقنيًا إلى مرحلة متقدمة في الاستعدادات تمكنه في أي وقت من تحميل المواد الكيميائية على متن طائرة وإسقاطها، إلا أنّه لم يتم التحرّك لردع النظام السوري.

ونقلت الـ"AFP" آنذاك عن "مسئول رسمي أمريكي" ما نصّه: "لقد التقطنا مؤشرات تقودنا إلى الاعتقاد بأنّه يقوم بخلط المركبات الكيميائية"، من الممكن أن يكون الهدف من العملية إنتاج السارين. لقد دفعت هذه المعلومات حينها البيت الأبيض للقول "نحن قلقون من أن يكون النظام يفكر ربما في استخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبه"، كما صرّحت وزير الخارجية آنذاك "هيلاري كلينتون" من أنّ استخدام السلاح الكيميائي سيغيّر من سياسة واشنطن في سوريا تجاه الحرب "لقد أوضحنا وجهة نظرنا بشكل كامل، هذا خط أحمر بالنسبة إلى الولايات المتّحدة... نحن نحضّر بالتأكيد لاتخاذ عمل إذا حصل هذا فعلاً".

لكنّ الحقيقة أنّ واشنطن اختارت أن تتجاهل الوثيقة التي جاءتها من قنصليتها في إسطنبول حول استخدام النظام السوري للأسلحة السميّة، كما تجاهلت كل المؤشرات السابقة. وفي 20/3/2013 حذّر أوباما مجدداً النظام السوري من استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، معتبرًا أنّ ذلك سيعدّ عاملاً مغيّرًا لقواعد اللعبة، وفي 15/4/2013، اعتبر البيت الأبيض أنّ النظام السوري استخدم على الأرجح أسلحة كيميائية ضد المعارضين بـ"كميات صغيرة"، ومشددًا في الوقت نفسه على أنّ أجهزة الاستخبارات الأمريكية لم تحصل على تأكيد بنسبة 100% في الوقت الذي صرح فيه وزير الخارجية جون كيري في 10/5/2013 أنّ هناك براهين قويّة على استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية ضد معارضيه. وفي 13/6/2013 قال البيت الأبيض أنّه قد تمّ تخطي الخط الأحمر، ولكنّه عمليًّا لم يقدم على أي عمل.

هذه التصريحات المتتابعة لواشنطن أعطت رسائل على أنّها غير مستعدّة لمعاقبة الأسد على استخدامه للأسلحة الكيميائيّة. ليس هذا فقط، بل ذهبت إلى البحث عن كل الذرائع والمبررات الممكنة لتتفادى الإقرار بواقع أنّه استخدم هذه المواد؛ لأن مثل هذا الاعتراف سيرتّب عليها مسؤوليات تجاه الالتزام بما أعلنت عنه بنفسها من خطوط حمراء، وبالتالي التحرّك لردع الأسد.

هل ستتحرّك واشنطن هذه المرّة؟ ليس هناك من شيء ثابت في هذا المجال، لكنّ الأكيد أنّ المتابع لعمليات استخدام النظام السوري للمواد السميّة والأسلحة الكيميائيّة منذ السنة الماضية وحتى اليوم، يستطيع أن يدرك تمامًا أنّه يتّبع نفس المنطق الذي استخدمه في الأسلحة التقليديّة، وهو ما يمكن أن نسمّيه بأسلوب "التدرّج الكاشف" أو "اختبار الحدود" حيث يبدأ النظام باستخدام القوّة الأقل فتكًا في فئة السلاح المستخدمة، ثم يبدأ بقياس ردود الفعل الدوليّة، فإن لم يكن هناك ردود فعل حازمة، فإنه يلجأ إلى القوّة الأكثر فتكًا، وهكذا حتى يصل إلى السقف الأعلى من القوّة القاتلة.

فقد كان بدأ باستخدام الرشاشات، ثم الدبابات، ثم المدفعيات، ثم الراجمات، ثم الطائرات العاموديّة، ثم الطائرات الحربيّة، ثم الصواريخ البالستيّة سكود، ثم الأسلحة السميّة، والآن الأسلحة الكيميائيّة. وطالما أنّه ليس هناك رد فعل حاسم وقاطع تجاه هذه الخطوات التي يقوم بها؛ فهذا يعني تشجيعه على اختراق جميع الخطوط الحمراء الواحدة تلو الأخرى وهو ما حصل فعلاً، وبالتالي تحوّل الخط الأحمر إلى ضوء أخضر لمواصلته القتل واستعمال الأسلحة المحرمة دوليًّا، وأسلحة الدمار الشامل.

font change