ضربة سوريا آتية.. ماذا عن اليوم التالي؟!

ضربة سوريا آتية.. ماذا عن اليوم التالي؟!

[caption id="attachment_55247555" align="aligncenter" width="620"]استعدادت عسكرية أمريكية لتوجيه ضربة لسوريا استعدادت عسكرية أمريكية لتوجيه ضربة لسوريا[/caption]

يعود مشرعو القانون البريطاني اليوم إلى مجلس العموم، بعدما استدعاهم رئيس الحكومة من عطلتهم، كي يشرعنوا حربا يرغب في تسجيلها باسمه. إذن، من جديد، مرة أخرى، إنها الحرب تدق الأبواب، إنما هل تكون الحرب جيدة، أم... ماذا؟
يقال إن أصل ذلك التساؤل متضمن في فصل الألعاب (GAMES) ضمن مناهج مدارس سياسية يزعق فلاسفتها كلما اشتدت أزمة ما: نحتاج إلى حرب جيدة (GOOD WAR) كي نحقق الانفراج المطلوب. هل يمكن الاستنتاج أن خزانات التفكير الاستراتيجي في واشنطن ولندن اقتنعت أخيرا أن الأزمة السورية باتت تتيح فرصة، ربما لن تعوض إن تركت تضيع، لجس نبض إيران وقياس ضغطها في حال ضرب حليفها في دمشق، ومعرفة ما إذا كان المتوفر ميدانيا لحلفائها على الأرض اللبنانية، سلاحا وخبرة قتالية، يمكنه إثبات صدقية ما لمعاركهم الكلامية المستمرة 24 ساعة طوال 7 أيام من كل أسبوع على مدار الأعوام؟

ربما، يبقى ما يكتب ضمن إطار الاحتمال ما دام لم تتوفر معلومة تعزز الرأي. في هذا السياق يمكن القول إن كاميرون استعجل عودة البرلمان من عطلة الصيف لاستصدار رخصة توظيف فرصة متاحة. صحيح أن لكل زعيم حربه، كما قال، أو سيقول، كثيرون ضمن عقد مقارنات بين زعامات بريطانية ارتبطت أسماؤها وفترات حكمها بحروب، بدءا من ونستون تشرشل وصولا إلى توني بلير، ومن دون نسيان حربي أنتوني إيدن في السويس ومارغريت ثاتشر في جزر الفوكلاند. ثم إن لكل زمان حروبه أيضا. لكن الاكتفاء بالقول إن مبرر الضربة التي هي في الطريق إلى دمشق ينحصر فقط في حاجة كاميرون إلى حرب تحمل اسمه، فيه تبسيط لمشكل معقد يتعلق بتعقيدات إعادة ضبط «لعبة الأمم» كلما شط أحد اللاعبين، أو خرج ممثل ما عن النص المنوط به.

في تعريف كتابه «The Game of Nations» يقول مايلز كوبلاند التالي: «... ومن السذاجة الخاطئة بمكان أن يفسر أي تصريح رسمي حول السياسة الخارجية بصفاء النية وخلوص السريرة، فالمناورة شرط أساسي لأي زعيم في اللعبة، فهو يظهر ما لا يبطن، ويقول شيئا ويعني به شيئا آخر» (تعريب مروان خير – الطبعة الأولى، بيروت 1970). هل يعني هذا أن أغلب ما نسمع ونقرأ ونشاهد من تصريحات تتوخى تسويق الضربة المقبلة لسوريا، أو في المقابل ترويج أقاويل إفشالها قبل وقوعها، يجب أن لا يعتبر بريئا من أي تزويق، أو حتى التزوير، إذا تطلب الأمر؟ الجواب، باختصار، نعم.



[blockquote]لو أن تلك الأنظمة حكمت من منظور إنساني بسيط، خلاصة مضمونه تقول: عش ودع غيرك يعِش، فربما سادت وتمكنت من تجديد أدواتها وبعض وجوهها، فما بادت، وما كانت جرت على شعوبها، ولا على ذواتها، كل ما حصل، وسوف يحصل، من كوارث[/blockquote]



الشواهد متاحة في تجارب سابقة، أقربها إلى الذاكرة ما عايشناه في شأن شن حرب إسقاط حكم صدام حسين باستخدام ذريعة الكيماوي وأسلحة الدمار الشامل. ثم تبين، باعتراف كولن باول، وما اتضح من استجواب توني بلير، أن تزويرا ما حصل. لكن هذا لا يعني غسل أيدي أنظمة حكم من نوعية صدام حسين، ومعمر القذافي، والآن: بشار الأسد، من تبعات الجعجعة والتباهي بامتلاك أسلحة لم يحصل استخدامها أدلة عليهم بغرض ضربهم، إلا حين فاحت روائح جريمة استخدامهم لها، أو استخدام من استولوا عليها من مستودعاتهم، كما يزعمون، داخل بلادهم وفتكوا بشرائح من شعوبهم، كما في حالة حلبجة بالعراق، والآن: مجزرة الغوطة بدمشق.

عجبا لأنظمة الحكم تلك، والأصح: تبا لغبائها. فهي لو كانت أنظمة وطنية بحق، بل بصرف النظر عن معايير الوطنية، كونها موضع تباين في الفهم هنا وهناك، لو أن تلك الأنظمة حكمت من منظور إنساني بسيط، خلاصة مضمونه تقول: عش ودع غيرك يعِش، فربما سادت وتمكنت من تجديد أدواتها وبعض وجوهها، فما بادت، وما كانت جرت على شعوبها، ولا على ذواتها، كل ما حصل، وسوف يحصل، من كوارث. غير أن هذا نوع من التخيل البريء، أو بصراحة: الساذج. ذلك أن تضخم الذات، والشعور بالتميز عن الآخرين، عند ذلك النوع من الأنظمة يبلغ مرحلة من الانتفاخ تتجاوز نقطة التراجع، فيضرب عصبها سرطان العظمة، ينهش أطرافها أولا، حتى يصل إلى تفتيت عظامها.

على كل حال، ثمة ما أضحى الآن على قدر كبير من الوضوح في سيناريو المشهد المقبل، هل يجب أن نجهد العقل بفهم الغامض منه؟ كلا، ليس هذا ضروريا في رأيي، أو قل هو ليس شغلي، لكن هذا لا يجب الحق في القلق من احتمال أن ينزل ضرب دمشق بشعب سوريا أولا، وبالمنطقة في الإطار الأوسع، من الضرر أبشع بكثير مما دار في رؤوس خزانات التفكير الاستراتيجي، أو ما داعب أمانيهم. هل ضروري أن نتذكر؟ حسنا، يمكن الرجوع إلى أرشيف ريتشارد بيرل (أمير الظلام، كما كان يعرف). لكن ذلك الماضي تولى، ماذا عن الحاضر؟ بالتأكيد، بعض الجواب، بالضرورة، لدى قيصر روسيا، وفق مقدار تفاهم بوتين مع تنين يراقب عن بعد، من وراء سور الصين العظيم.

ليل الثلاثاء الماضي بدأ إطلاق رصاص داخل بريطانيا نفسها، لكن المعركة مختلفة. فبعد سنين من الجدل يعود إلى تسعينات القرن الماضي، أعطت حكومة ديفيد كاميرون الضوء الأخضر للشروع في قتل خمسة آلاف حيوان ثديي يسمى الغرير «BADGER» بغرض القضاء عليهم تماما. مساكين؟ «نعم» وفقا للمتعاطفين مع أي حيوان، و«كلا» لخصومهم من المزارعين، بعدما ثبت حملهم فيروس «TB» القاتل لقطاع كبير من الأغنام والأبقار. أسبوعان من معارك الرأي الشرسة بين مؤيدي القتل ومعارضيه، سبقا تنفيذ قرار قتل الغرير. لعل أسابيع، ستمضي، قد تمر أشهر، وقد تنقضي بضع سنين، من المعارك الشرسة، ليس على مستوى الرأي فقط، إنما في ميادين قتال عدة، بعد ضربة سوريا المقبلة، ويسيل من الدم الكثير. ومن المحتمل أن لا يحدث شيء من ذلك كله، فإذا بها مجرد عاصفة عابرة في منطقة تعبرها زوابع كثيرة. إنما في كل الأحوال، سواء في أدغال بني آدم أو بغابات الأنعام، يبقى جوهر المسألة في جانبها الفلسفي، وأحيانا الأخلاقي، مزيجا من شدة الألم... وشفافية البساطة: من الموت تولد حياة.
font change