ليبيا: شرعية الدولة

ليبيا: شرعية الدولة

[caption id="attachment_55249113" align="aligncenter" width="620"]مظاهرة في طرابلس مناهضة لوجود الميليشيات المسلحة مظاهرة في طرابلس مناهضة لوجود الميليشيات المسلحة[/caption]

الإصرار الطرابلسي على إغلاق ملف التشكيلات المسلحة، ونزع شرعيتها، لقي تجاوبا ليبيا واسعا، وتردد صداه في مدينة درنة معقل الجماعات التكفيرية الأكثر نفوذا فيها، والتي تعتبر أقوى وأشرس التشكيلات المسلحة. لكن الأبرز هو الاشتباكات المسلحة العنيفة التي اندلعت بين قوات الصاعقة و«أنصار الشريعة» داخل مدينة بنغازي. لقد اكتسبت شرعية الدولة أسنانا منذ انتفاضة طرابلس على اللاشرعيين..
ما النتائج السياسية القصيرة والمتوسطة المدى لما يحصل في ليبيا من تطورات؟


الميليشيات




تلقت لميليشيات هزيمة جزئية ولكن لا يزال دورها فاعلا، ويمكن أن تفعل تماما مثلما فعلت شقيقاتها في بنغازي عقب جمعة إنقاذ بنغازي، وهو أن تتراجع تكتيكيا، ثم تعيد انتشارها من جديد بشكل علني أو موارب. الحالة العامة أن معركة إسقاط التشكيلات المسلحة قد بدأت، لكن لا أحد يعرف نهايتها على ضوء قدرة هذه الجماعات على الاحتماء بسلسلة تحالفات سياسية داخل المؤتمر الوطني العام، ومن بين أجهزة الدولة، بما فيها الجيش والشرطة وجهاز المخابرات. لقد بلغ التشكيك الشعبي في هذه الأجهزة درجة وصلت إلى التشكيك في قوات الجيش التي جرى إنزالها إلى شوارع طرابلس، بوصفها ميليشيات متنكرة في شكل جيش. لا يمكن الحديث عن الميليشيات في المطلق، وربما من الأفضل الحديث عنها حالة بحالة.

ميليشيات مصراتة: هي الخاسر الأكبر، حيث اضطرت للانكفاء بعد حملة شرسة شنت على مدينة مصراتة بأكملها. هذه الحملة شُنّت أساسا من قبل تيارات كثيرة لقي كل منها فرصة تاريخية للقصاص من مصراتة. أبرزهم حلفاؤها السابقون (الإخوة الأعداء) اليوم. وعجزت قيادات مصراتة عن الاستيعاب السريع لأخطاء أبنائها وتصحيحها. كما عانت من عدم القدرة على فهم مزاج الشارع الليبي المحتقن من جميع المظاهر المسلحة دون استثناء. الانكفاء المصراتي بدا وكأنه قطيعة مع العاصمة تصل إلى درجة سياسة حافة الهاوية. مصراتة تحتاج الآن إلى إعادة ترتيب أوراقها وإعادة رسم تحالفاتها وتقديم وجوه مقبولة للرأي العام الليبي، بدلا من الأوراق التي احترقت وكادت تحرق العقلانية المصراتية. خطر الميليشيات إن لم تُحاصَر قد يسبب مشكلة داخل مصراتة نفسها، فالأرتال لن تتخلى عن عاداتها اليومية ببساطة. مصراتة تحتاج أيضا أن تعيد رسم تحالفاتها مع برقة التي ابتعدت عنها بشكل كبير، وجعلت من نفسها رأس حربة ضد التطلعات الفيدرالية. مصراتة التي رفضت الفيدرالية قد يؤدي انكفاؤها إلى التوجه نحو الكونفدرالية. مصراتة ضلع أساسي في أي حل في ليبيا، وتصعيد التهييج السياسي ضد مصراتة نهج خطير نحذر منه. وباب التحالفات هنا مفتوح شرقا مع أنصار الفيدرالية، وغربا مع خصومهم في الزنتان وورشفانة.

ميليشيات الزنتان: أقل قدرة على المناورة بعد انكفاء مصراتة. انسحبت خارج طرابلس دون أن تبتعد كثيرا. هم أكثر قدرة على الاحتفاظ بوجودهم بسبب تحالفاتهم السياسية مع التحالف الذي يجد في تقلص نفوذ مصراتة ميزة سياسية له ولحلفائه في مناطق طرابلس الغربية.

ميليشيات طرابلس: هي ميليشيات متعددة يربطها تقريبا خيط آيديولوجي واحد سواء منها تلك القريبة من الإخوان أو تلك القريبة من الجماعة الليبية المقاتلة، وهي تملك وجودا عسكريا مهما في معتيقة، وبقية الكتائب الأمنية المنتشرة الأخرى، كما تملك غطاء سياسيا مهما يوفره لهم المجلس المحلي لطرابلس وجماعة الإخوان المسلمين واختراقهم لمفاتيح عسكرية وأمنية وإدارية مهمة في العاصمة.

الميليشيات المتطرفة تتمركز أساسا في درنة وبنغازي وسرت، وبشكل متفرق في الجنوب وغريان، وهي ميليشيات يتراوح التأييد لها ما بين الخوف والاستعمال السياسي. ولا يزال الإسلام السياسي يوفر غطاء شرعيا لها لا سيما «أنصار الشريعة» في بنغازي، الذين يوفر المجلس المحلي غطاء لهم خلال الأزمة. هذه الميليشيات هي الأصعب، وستقاوم بشدة نزع سلاحها، وربما ستكون العقبة الكأداء أمام حل سياسي شامل في ليبيا.

الجيش: ليس هناك ما يؤكد أن الجيش الذي نزل طرابلس هو بالفعل جيش محترف. والأرجح أنه شُكّل بسرعة من مجموعات تنتمي للميليشيات أصلا. لكن على الرغم من هذا التحفظ فالشارع رحب بهذه القوات وعدّها بادرة خير. ويمكن لحكومة زيدان لو تصرفت بذكاء أن تجعل انطلاقة هذا الجيش مقدمة لفصل عناصره كأفراد عن أمراء الحرب، وبالتالي وقف النزيف المالي الذي كان ينفق معظمه على أمراء الحرب، وإدخال الجنود في الإطار المؤسساتي. من المهم ألا يتصرف أفراد الجيش كأفراد الميليشيات وخلق آلية تشعر المواطنين بأن هذا الجيش يساهم في تخفيف وطأة الممارسات اليومية البغيضة.

زيدان أحد الرابحين على الرغم من سوء أدائه في البداية، وبإمكانه الآن استعمال قوة الدولة المعنوية في تثبيت أركان حكومته. تعديل حكومته لحكومة أزمة قد يكون ضروريا، خصوصا مع الزخم المؤيد لنزول الجيش إلى الساحات.

طرابلس حرّكت المياه الراكدة بتحركها الأخير. وعلى الرغم من محاولات الإخوان المسلمين توظيف ذلك لصالح معركتهم في إسقاط رئيس الحكومة، فإن حكومة «جلد الثعبان» لا تزال قادرة على انتزاع انتصارات صغيرة، بينما يُصاب خصومها بالإحباط. وحتى مرحلة دخول الدولة؛ مرحلة بنائها الحقيقية، تظل الميليشيات رقما صعبا لم يعد صعبا جدا.

font change