خوفا من اقدامها على تشكيل تحالف مضاد

خوفا من اقدامها على تشكيل تحالف مضاد

[caption id="attachment_55252370" align="aligncenter" width="620"]مظاهرة في طهران مناوئة لتنظيم داعش مظاهرة في طهران مناوئة لتنظيم داعش[/caption]


كثيرة هي العوامل التي حملت واشنطن على هذا التراجع بشأن مشاركة إيران في الحرب على «داعش»؛ من أبرزها
تخوف إدارة أوباما من أن يفضي إصرارها على استبعاد طهران من هذا التحالف إلى دفعها نحو تشكيل ما يشبه التحالف المضاد أو المعرقل مع كل من روسيا وسوريا الأسدية، إذ بدأت طهران تتبنى الأطروحات ذاتها التي يروجها الطرفان والتي تعتبر أي تحرك عسكري في العراق وسوريا، بغير مظلة من القانون الدولي أو تفويض من الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، عدوانا على سيادة الدولتين وانتهاكا صارخا للقانون الدولي بذريعة محاربة الإرهاب. وبينما اعتبرت طهران أن التحالف الدولي والهجمات الجوية سوف يشعلان المنطقة، وصفت مؤتمر باريس، الذي لم تدعَ إليه، بالمسرحية الهزلية، معلنة عدم رغبتها في التحالف الدولي ضد «داعش». هذا في الوقت الذي هدد نظام الأسد بإسقاط أي مقاتلات تجوب سماء بلاده لتوجيه ضربات ضد معاقل «داعش» داخل سوريا.

ولقد عزز من هذه المخاوف تحذيرات خبراء أمنيين من احتمالات تحول إيران إلى ملاذ آمن وبيئة حاضنة لفلول تنظيم «داعش»، التي قد تفر من العراق أو سوريا تحت وطأة الضربات العسكرية الموجعة والمكثفة، خاصة أن إيران كانت الحاضن لهذا التنظيم بعد انتهاء الحرب مع الروس مطلع ثمانينات القرن الماضي، فقد تحتضنه وتؤويه توطئة لإعادة تجميعه وتوظيفه وإطلاقه بمسميات مغايرة حينما تستدعي الحاجة.
ومع صدمة واشنطن بتواضع مستوى مشاركة الدول الحليفة لها في الحرب على «داعش» وعزوفها عن الإسهام في العمليات العسكرية بشكل مباشر - عمدت إدارة أوباما إلى البحث عن شركاء لديهم استعداد جادّ لبذل جهد فعال بهذا الصدد، فكان التفكير في إيران، التواقة للمشاركة، والمتغلغلة عسكريا وسياسيا واستخباراتيا في العراق وسوريا.

[caption id="attachment_55252371" align="alignleft" width="202"]روحاني روحاني[/caption]

وعلاوة على موقعها الجيواستراتيجي المميز الذي يتيح لها ملاصقة كل من سوريا والعراق بحدود برية تمتد مئات الكيلومترات، تكمن أهمية مشاركة طهران في التحالف الدولي لقتال «داعش» وأعوانه، في الدور الإيراني القوي والبارز هذه الأيام، على الصعد الأمنية والعسكرية والسياسية، داخل سوريا والعراق، حيث معاقل «داعش» و«النصرة» وغيرهما من التنظيمات الإرهابية، المستهدَفة إقليميا ودوليا.

فإلى جانب تأثيرها اللافت على نظام الأسد، المدين لها بالبقاء والصمود حتى الآن جراء الدعم العسكري واللوجيستي الهائل وتموضع قوات وقيادات عسكرية إيرانية في سوريا، إلى حد دفع بمراقبين كثر إلى القول إن إيران هي التي تدير الأمور في سوريا وليس الأسد - ما برحت إيران تحتفظ بنفوذ جم في العراق رغم رحيل المالكي وحكومته، فالرؤساء الثلاثة الجدد للجمهورية والبرلمان والحكومة لا يدورون بعيدا عن الفلك الإيراني، ذلك أن رئيس الجمهورية الجديد ينتمي إلى فريقِ سلفِه جلال طالباني الذي ظل يحظى بدعم طهران ومباركتها طوال سنوات، وفيما لا يمكن الزعم بأن رئيس مجلس النواب الجديد على غير وفاق مع طهران - رهن أوباما البدء عمليا بتشكيل التحالف الدولي المرتقب ضد «داعش» ثم الشروع في تحركه داخل العراق بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة التي يكاد يتساوى رئيسها المكلف حيدر العبادي مع المالكي في درجة القرب من النظام الإيراني.
ولما كانت واشنطن تصر على عدم التورط بريا في سوريا أو العراق، مكتفية بضربات جوية وصاروخية ضد المراكز العسكرية لـ«داعش» - يجمع خبراء استراتيجيون، وكذا البنتاغون نفسه، على أن تلك الضربات لن تكون كفيلة وحدها بدحر «داعش»، حيث يتطلب الأمر عملا عسكريا بريا على الأرض، بينما سينحصر حاصل هذه الضربات في تعطيل تقدم قوات «داعش» مؤقتا بما يمنح واشنطن متنفسا لإعادة تسليح قوات البيشمركة الكردية التي تواجه الآن هجمات المسلحين، فضلا عن إعادة بناء وتسليح وتدريب العناصر «المعتدلة» بالجيش السوري الحر، فضلا عن قوات الجيش العراقي، الذي انهار تقريبا في يونيو (حزيران) الماضي.
وهاهنا، تبرز أهمية دور إيران، التي عززت من وجودها السياسي والأمني داخل العراق وسوريا من خلال التموضع العسكري والتجييش المذهبي، حتى صارت القوة الوحيدة التي تجمع ما بين النفوذين السياسي والعسكري في العراق؛ سياسيا من خلال حزب الدعوة أي في داخل عقل حيدر العبّادي، وعسكريا من وراء الجيش العراقي وفي غرفة عملياته وأجهزته الاستخباراتية ومن خلال الميليشيات الشيعية. أما في سوريا، فالحضور واضح من خلال قيادة قوات الأسد والتخطيط لتحركاته والإشراف على أجهزته وعملياته وعلى تدريب ميليشياته.

وإلى كردستان العراق، حيث ثاني أكبر قوة عسكرية منظمة يعتمد عليها التحالف الدولي ضد «داعش»، وصل الدور الإيراني من خلال ما تقدمه طهران من دعم عسكري لقوات البيشمركة، حسبما أكد رئيس الإقليم مسعود بارزاني خلال مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي كان يزور أربيل في السادس والعشرين من أغسطس الماضي، من أن إيران كانت من أوليات الدول التي زودت بالسلاح والذخيرة قوات البيشمركة الكردية العراقية، التي تعتمد عليها استراتيجية أوباما في مواجهة «داعش». وقد برز جليا على الأرض دور إيران في هذا الخصوص، من خلال تعاون قوات الجنرال قاسم سليماني وميليشيات «الحشد الشعبي» مع قوات البيشمركة لتحرير مدينة آمرلي الشيعية من حصار «داعش» تحت غطاء جوي أميركي.



تحول متوقع





ربما لا يكون ضربا من المبالغة، القول إن التحول في موقف إدارة أوباما من مشاركة إيران في الحرب على «داعش» لم يكن مفاجئا في ضوء إشارات شتى سبقته ومهدت له، إذ لم يخلُ الأفق من إشارات كثيرة تشي بإمكانية حدوث تفاهم أميركي - إيراني خلال الحرب الممتدة ضد «داعش».
فقد راجت معلومات عن لقاءات جمعت خبراء عسكريين إيرانيين بنظراء أميركيين في كردستان العراق بعد موافقة المرشد علي خامنئي، حيث أكد تقرير بثته الـ«بي بي سي» مطلع الشهر الحالي أن الزعيم الروحي الإيراني، آية الله علي خامنئي، صادق للجيش الإيراني على التعاون مع الولايات المتحدة في العراق وكردستان خلال الحرب ضد تنظيم «داعش»، كما طلب من الجنرال قاسم سليماني قائد قوات «القدس»، وهي وحدة خاصة في «الحرس الثوري»، التنسيق والعمل مع القوات التي تقاتل التنظيم، بما في ذلك الولايات المتحدة. وأكد مسؤولون إيرانيون لـ«بي بي سي»: «بالطبع، نحن مستعدون للتعامل معهم كما فعلنا سابقا، على الأخص في أفغانستان».
وبينما ساعدت الطلعات الجوية الأميركية القوات الشيعية والكردية في كسر الحصار الذي فرضه «داعش» على بلدة آمرلي الشيعية التابعة لمحافظة صلاح الدين (شمال العراق) - قال مصدر عراقي مطلع إن قائد فرقة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني فرع الخارج، قاسم سليماني، شارك في عملية فك حصار فرضه تنظيم «داعش» لمدة شهرين على بلدة آمرلي، مما يشي بتنسيق أميركي - إيراني بشأن «داعش» لا تنقصه عدم ممانعة عربية.

وبعدما أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أنها فرضت عقوبات على أكثر من 25 فردا وشركة، بما في ذلك مصارف وشركات طيران وشحن بحري، اتهمتهم بمساعدة طهران في برنامجيها النووي والصاروخي، ودعم الإرهاب والالتفاف على العقوبات الدولية - شهدت مدينة جنيف السويسرية مطلع الشهر الحالي اجتماعات بين مسؤولين إيرانيين وأميركيين للبحث في سبل تخفيف العقوبات الأميركية المفروضة على إيران.

وفي خضم النفي الأميركي لأي تنسيق مع طهران في محاربة «داعش»، لم تتوقف التسريبات الغربية بوجود تنسيق غربي سري مع إيران على صعيد العمل الميداني، بالتوازي مع دور آخر معلن في التحالف الدولي ضد «داعش» يتجلى في قيام النظام الإيراني بتقديم الدعم والاستشارات لأكراد العراق في مواجهة مسلحي «داعش».
وما كادت تمضي أسابيع قلائل على توقعات الباحث في معهد أبحاث الأمن القومي الأميركي، يوئيل غوجانسكي، في مقال مطول نشره على الموقع الإلكتروني للمعهد، بأن تقبل السعودية ودول الخليج العربية بمشاركة طهران في التحالف الدولي ضد «داعش» درءا للتهديدات الفكرية والمخاطر الأمنية والسياسية الهائلة التي يمثلها التنظيم على هذه الدول مجتمعة، وفيما يمكن اعتباره تفهما عربيا لمشاركة إيران في الحرب على «داعش» - حتى أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية، نبيل العربي، عن تقبله إمكانية قيام إيران بدور بناء في حل القضايا الإقليمية، لا سيما في التصدي لتنظيم «داعش». وأوضح العربي، في تصريحات لوكالة الأنباء الإيرانية «إرنا»، أنه تباحث مع وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بهذا الخصوص.


تداعيات طائفية





يبدو أن المساعي الغربية المزمنة لتعزيز الفجوة بين السنة والشيعة في المنطقة بغية حماية المصالح الغربية والإسرائيلية والحيلولة دون حدوث تفاهم أو تنسيق استراتيجيين بين الدول والشعوب الإسلامية، تفخخ جهوده الحثيثة هذه الأيام لتشكيل ائتلاف دولي إقليمي ضد «داعش». ففي وقت تبحث فيه واشنطن عن غطاء عربي سني لحربها على «داعش» لدحض ادعاءات الأخيرة أنها تتحدث باسم السنة المضطهدين في سوريا والعراق الآن، ولكيلا يفسر التحالف الدولي ضد الإسلام الراديكالي السني على أنه انحياز أميركي إلى جانب الشيعة ضد السنة في المنطقة - تبدو إدارة أوباما مضطرة إلى التنسيق مع إيران، صاحبة التأثير الأكبر في سوريا والعراق.
وتطوي سحب الغموض التي تخيم على علاقات واشنطن وطهران ونظام الأسد بين ثناياها بواعث لتأجيج الهواجس الطائفية لدى الدول السنية في المنطقة، خصوصا مع تفاقم التوتر وعدم الاستقرار الداخلي في اليمن وسط تدخل إيراني سافر وتواطؤ أميركي جائر. فهناك تخوف سني من جنوح الغرب وإيران لشيطنة الإسلام السني، استنادا إلى تصور مفاده أن الإسلام السني، دون نظيره الشيعي، هو معمل تفريخ الحركات الراديكالية المعادية للغرب على شاكلة «القاعدة» و«داعش» و«النصرة» وغيرها، وقد عزز من هذا الهاجس السني أن الحرب على الإرهاب لا تستهدف سوى التنظيمات المتطرفة السنية فقط دون الشيعية منها، إذ يغض الغرب الطرف عن تنظيمات إسلامية شيعية متطرفة تعمل في سوريا والعراق، لا يتورع نظام الأسد عن الاستقواء بها في مواجهة الثورة الشعبية ضده، كـ«حزب الله» و«عصائب أهل الحق» و«سرايا الأشتر» وآخرون يبلغ عددهم 28 فصيلا شيعيا.

[caption id="attachment_55252372" align="alignright" width="270"]اوباما اوباما[/caption]

ولا يخفي العرب مخاوفهم من أن تفضي الحرب على «داعش» إلى حدوث تقارب أميركي - إيراني يمهد بدوره السبيل لإمكانية تقبل دور ما للأسد في المرحلة التالية من تلك الحرب داخل الأراضي السورية، حيث يفرض الاحتياج الغربي لتعاون نظام الأسد نفسه على مسرح الأحداث، لا سيما أن القوى الغربية تبني استراتيجيتها على استحالة التدخل الميداني لأي قوات أطلسية أو غربية وتعول على قوات محلية في العراق وسوريا ينتظر أن تحارب بالوكالة نيابة عن الدول الأساسية في التحالف عبر التوغل البري داخل العراق وسوريا، كالجيش العراقي، الذي أعلن كيري عن عملية عاجلة لإعادة تأهيله، وقوات البيشمركة الكردية المنظمة وغير الممذهبة، التي لا تتردد كل من بريطانيا وأميركا في دعمها وتزويدها بالعتاد العسكري لصد تمدد «داعش»، إضافة إلى بعض وحدات الجيش السوري الحر.
وفي ظل عدم استبعاد تعاطف بعض العشائر بالعراق وسوريا مع «داعش» و«النصرة» ضد الشيعة المتعاونين مع الغرب ضد السنة، ليس من السهل على الدول السنية بالمنطقة تقبل أي تدخل إيراني مباشر في الحرب على «داعش» بالمحافظات الغربية والشمالية وتدمير مدنهم كالموصل والرمادي والفلوجة وتكريت وغيرها كثمن باهظ لدحر الإرهابيين.

ويغذي مخاوف العرب السنة، ما بدا من انحياز أميركي فج إلى الأقليات الشيعية العربية في كل الثورات الشعبية العربية، تجلى في تمكينها أو تشجيعها على الحراك، حيث تلقى بعض هذه الفصائل تدريبات عسكرية على أيدي الجيش الأميركي خاصة في العراق، في حين تماطل الإدارة الأميركية في دعم المعارضة السورية السنية المعتدلة وتتلكأ في تسليح «الجيش الحر» السني، بينما تتغاضى في المقابل عن جرائم «حزب الله» و«عصائب أهل الحق» وغيرهما من التنظيمات الشيعية المسلحة المتعاونة مع الحرس الثوري الإيراني ضد المعارضة السنية في سوريا، التي تصنف واشنطن بعضها كجماعات إرهابية! بل إنها تغاضت حتى عن استخدام النظام السوري الأسلحة المحرمة ضد المعارضين السنة من شعبه. وهكذا، نراها إما أنها تتدخل لتعزيز موقع هذه الأقلية وإما تتغاضى عن جرائمها في موقع آخر.
لذا، ترى قطاعات واسعة داخل الشعوب العربية ذات الغالبية السنية أن سعي الولايات المتحدة اليوم للحصول على تأييدها لتحالف دولي، تشارك فيه إيران ولو سرا أو جزئيا، إنما يعد تعاونا أميركيا - إيرانيا من أجل استكمال مشروع تمكين الأقليات من «الشيعة العرب» على الغالبية السنية، علاوة على وقف تقدم ثورة العشائر العراقية السنية بسبب النجاحات التي حققتها على الأرض، وهي الثورة التي تهدد مشروعا أميركيا لإعادة هندسة المنطقة جيواستراتيجيا وإثنيا استغرق اثني عشر عاما وكلف مليارات الدولارات.


فرصة إيرانية




لم تفتأ طهران تتحرى السبل كافة للمشاركة في التحالف الدولي والإقليمي ضد «داعش» بغية بلوغ حزمة من المقاصد والأهداف، التي يأتي في صدارتها: توظيف هذه المشاركة من أجل إعادة صياغة الاصطفافات والتحالفات الإقليمية في المنطقة من جهة، ولترميم علاقاتها الدولية من جهة أخرى، بما يعينها على التفلت من أي صدام جديد محتمل مع الغرب على خلفية برنامجها النووي يستتبع بدوره جولة جديدة من العقوبات.
وتراهن طهران على أن يفضي تطييف الحرب على «داعش» و«النصرة» باعتباره يمثل إرهاب الإسلام السني الراديكالي، إلى تعزيز فرص نجاح جهودها الرامية إلى تهيئة الفرصة لحليفها بشار الأسد كيما يكون جزءا من التحالف الدولي والإقليمي المنخرط في تلك الحرب، بطريقة أو أخرى، بوصفه نظاما علويا شيعيا يحارب ما يعتبره «إرهابا سنيا»، يسمي نفسه ثورة شعبية للإطاحة بنظام طائفي فاشل ومتسلط، خصوصا بعدما طالبت المستشارة السياسية والإعلامية للرئيس السوري بشار الأسد، بثينة شعبان، أن تكون بلادها جزءا من التحالف الذي تقوده واشنطن لمواجهة «داعش». هذا في الوقت الذي ترى فيه واشنطن أن الأسد يمثل تهديدا محليا، بينما تمثل «داعش» تهديدا عالميا.

بيد أن تلك التطلعات الإيرانية تصطدم بتحديات عدة، لعل أبرزها: استمرار دعم طهران لنظام الأسد، فضلا عن مخاوف واشنطن من اعتبار الدول السنية أن التحالف الدولي ضد «داعش» موجه ضدها بالأساس، علاوة على تربص إسرائيل، حيث تدرك تل أبيب جيدا النوايا الإيرانية ويتملكها قلق بالغ من مشاركة إيران في التحالف المناهض لـ«داعش»، حيث تخشى، حسب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق ورئيس «معهد أبحاث الأمن القومي» في جامعة تل أبيب عاموس يادلين، من أن تصرف الاهتمام في إسرائيل والعالم عن البرنامج النووي الإيراني، الذي هو الخطر الاستراتيجي الحقيقي على أمن العالم وأمن إسرائيل، أو أن تغري واشنطن والدول العظمى بالتسامح مع إيران في المحادثات المقبلة حول البرنامج النووي الإيراني على نحو قد يسفر عن رفع العقوبات الدولية عن طهران كمكافأة لها على تعاونها في محاربة «داعش».

وإذا كان نجاح التحالف الدولي ضد «داعش» يبقى مرتهنا بقيام توافق دولي وإقليمي على تعليق الصراع المذهبي الشيعي - السني حتى بلوغ مقاصد هذا التحالف، يبدو حريا بواشنطن مثلما راعت حساسية الموقف التركي وحصرت دور أنقرة ضمن التحالف الدولي لمحاربة «داعش» في وقف عبور العتاد العسكري من السلاح والذخيرة، كما تسلل المقاتلين الأجانب، عبر أراضيها للانضمام إلى صفوف «داعش» و«النصرة» في العراق وسوريا - أن تحدد معالم أي دور إيراني ممكن في الحرب على «داعش»، بحيث تتعهد طهران وتلتزم بسحب القوات والميليشيات الإيرانية كافة وجميع التنظيمات الشيعية والسنية المسلحة من كلتا الدولتين المنكوبتين، وأن تتوقف طهران عن خلق ودعم الجماعات والميليشيات المسلحة في المنطقة كـ«حزب الله» اللبناني وقوات «بدر» العراقية ولواء أبو الفضل العباس، والحوثيين في اليمن وعشرات أخرى مثلها، كيما تصير أدوات وأذرعا لإيران في البلدان المحيطة والقريبة. على أن يواكب ذلك تحرك أميركي عاجل لتوجيه رسائل طمأنة للمجتمع الدولي بألا تتمخض مشاركة طهران في محاربة «داعش» عن تقديم أي تنازلات لها أو التهاون معها فيما يخص برنامجها النووي، وأخرى للدول السنية تحديدا تتضمن تأكيد استبعاد الأسد من أي تحالف ضد «داعش» حتى لا يستغله في إعادة تبييض وجهه أمام العالم، والحيلولة دون استفادته من أي أعمال عسكرية ضد مقاتلي التنظيم ومعاقله داخل سوريا في تقوية مركزه القتالي، واتخاذ إجراءات صارمة لتقويض قدراته العسكرية الغاشمة ووقف الجرائم التي يقترفها بحق شعبه؛ كفرض مناطق لحظر الطيران مثلا في الأجواء السورية ورفع مستوى تسليح المعارضة السورية المعتدلة، بالتوازي مع وضع خطة لإحداث تغيير سياسي داخل سوريا يمهد السبيل لإبعاد الأسد عن السلطة على غرار ما جرى مع المالكي في العراق.
font change