في عيدها الـ54 .. الكويت إلى أين؟

في عيدها الـ54 .. الكويت إلى أين؟

[caption id="attachment_55252914" align="aligncenter" width="620"]وزير الكهرباء والماء ووزير الأشغال العامة المهندس عبد العزيز الإبراهيم يتحدث بجوار وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية يعقوب الصانع والنائب مبارك الخرينج خلال جلسة ساخنة للبرلمان بشأن انقطاع الكهرباء الذي ضرب معظم المدينة فبراير الماضي (غيتي) وزير الكهرباء والماء ووزير الأشغال العامة المهندس عبد العزيز الإبراهيم يتحدث بجوار وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية يعقوب الصانع والنائب مبارك الخرينج خلال جلسة ساخنة للبرلمان بشأن انقطاع الكهرباء الذي ضرب معظم المدينة فبراير الماضي (غيتي)[/caption]


خبراء وأكاديميون لـ «المجلة»: البلاد أمام مفترق صعب


في نظرة فاحصة على الخارطة الكويتية تبدو رقعة جغرافية صغيرة يعيش فوقها عدد قليل من السكان، وسط محيط ملتهب، لكنها تستعر بالصراعات البينية والسجالات التي تكشف أيضا عن فائض قوة لا يمكن تصريفه محليا. ومع احتدام الأزمات الاقتصادية تبرز مشكلة أخرى من شأنها أن تهدد الاستقرار، الذي طالما ظل مرتبطا بالرفاة.
في 25 فبراير (شباط) احتفلت الكويت بعيدها الـ54، وهي مناسبة أقل صخبا من الأعوام التي سبقتها رغم الحديث عالي النبرة عن قضايا الفساد والاتهامات المتبادلة. وفي هذه المناسبة يتحدث لـ«المجلة» عدد من الأكاديميين والخبراء الكويتيين عن التحديات المقبلة للبلاد، وسبل مواجهتها.



الأمن أولا





في البدء يتحدث لـ«المجلة» الدكتور إبراهيم الهدبان، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت، عن تأثير الأزمة الاقتصادية على الاستقرار، قائلا إن «التحديات التي تواجهها الكويت، شبيهة بالتحديات التي تواجهها دول مجلس التعاون الخليجي، فبعض هذه التحديات لها طابع اقتصادي، بما يشمل قضية التوظيف، وإيجاد فرص عمل للخريجين، وكما تعلم، فإن دول مجلس التعاون الخليجي، وبينها الكويت، تكفلت بإيجاد فرص عمل لمواطنيها»، وهذا ما راكم أعداد الخريجين الذين يضغطون على سوق الوظائف التي توفرها الحكومات.
وبرأي الهدبان، فإن العامل الاقتصادي يمثل التحدي الأكبر لدول مثل الكويت، وقال إن «التراجع الأخير في أسعار البترول أعطى درسا لدول الخليج، وللكويت، بأن الرخاء الاقتصادي لن يستمر إلى الأبد، إذا لم توجد بدائل لهذا المصدر».
لكن، لماذا يعتبر العامل الاقتصادي التحدي الأكبر للكويت؟ يجيب الدكتور الهدبان بالقول: «لأن الرخاء يصاحبه الاستقرار عادة، وإذا حدث تراجع في موضوع الثروة والاقتصاد فقد يؤدي إلى تذمر ومن شأنه أن يعرض الاستقرار للخطر».


[blockquote]مع احتدام الأزمات الاقتصادية تبرز مشكلة من شأنها أن تهدد الاستقرار الذي طالما ظل مرتبطًا بالرفاة[/blockquote]


وأكثر من مفكر كويتي قال إن المخاطر الأمنية المحدقة بالكويت، تمثل التحدي الأكبر. ومعلوم أن الكويت تقع في مرمى العاصفة خاصة وهي تجاور العراق البلد الذي تعيث فيه التنظيمات الإرهابية فسادا، لكن الدكتور صلاح الفضلي (ماجستير فلسفة، ودكتوراه نظم معلومات جامعة الكويت)، قال لـ«المجلة» إن «التحدي الأمني لا يأتي بالضرورة من الخارج فقط». ويقول: «عند الحديث عن التحدي الأمني لا بد من الحديث عن الخلايا النائمة، وأعني بها قوى التطرف والتشدد في الداخل، فهناك نحو مائتي عنصر كويتي انتموا لتنظيم داعش الإرهابي قتل منهم نحو 60 شخصا، ويمثل الباقون، ومن ينتمي لأفكارهم خلايا نائمة تهدد السلم والاستقرار في البلاد».
وأمام صعود موجة التشدد في الكويت، أسوة بكثير من الدول العربية، لا يرى الفضلي وجودا لأي استراتيجية وطنية لمكافحة الفكر المتشدد في البلاد، ويقول: «رغم وجود مركز للوسطية منذ أكثر من 10 سنوات، إلا أنه قدم مردودا عكسيا، فبدل أن يساعد على نشر الوسطية أصبح يساعد أكثر على نشر التطرف».



[inset_right]د. إبراهيم الهدبان: الرخاء يصاحبه الاستقرار وإذا حدث تراجع في الثروة والاقتصاد فقد يعرض الاستقرار للخطر[/inset_right]


لكن، لماذا تنمو أفكار التطرف في الكويت، وهي المعروفة بـ«دولة الرفاة»؟، يجيب الدكتور الفضلي بالقول: «إن الفكر المتطرف وافد على الكويت ومستورد».
وما يقوله الفضلي، يقوله كثير من النخبة الفكرية والسياسية في الكويت، أسوة ببقية الدول العربية التي ترمي تبعات التشدد إلى منابت وحواضن خارجية.
لكن، ألا يفسر وجود تنامي في ظاهرة التطرف في الكويت، أن الديمقراطية الكويتية لم تنفع في كبح جماح التطرف والتشدد، في حين أن القول السائد إن أفكار التشدد تنمو في بيئات القمع والانغلاق؟ يجيب الفضلي نفسه بالقول: «الانفتاح لم يوفر حصانة ضد التشدد حتى في الدول الأكثر انفتاحا وهي أوروبا والولايات المتحدة، التي أظهرت التقارير وجود الآلاف من أبنائها ضمن عناصر التنظيمات الأكثر دموية في الشرق الأوسط». وبرأي الفضلي أن هناك بيئة للتشدد تركت لتنمو وتتمدد، وهي تتغذى فكريا من المناهج والمساجد والمراكز الدينية، وتتغذى سياسيا من حالة الضعف التي تعاني منها الدولة.
ولا يختلف المحلل السياسي الكويتي الدكتور عايد المناع، بشأن تلك المخاوف، وهو يقول لـ«المجلة» إن «هذا الكيان يواجه خطرا حقيقيا ما لم تتعاون السلطتان التنفيذية والتشريعية، ولم تظهر السلطة التنفيذية القدرة على لجم المتطرفين، ولم تخلص هذه السلطة في كبح جماح المتطرفين».




الديمقراطية والاستقرار





عرفت الكويت أول دستور مكتوب ومجلس شورى في عام 1921، وكان الكويتيون أول شعب خليجي يشكل مجلسا تشريعيا بالانتخاب وذلك في عام 1938، كما عرفت الكويت بنظامها البرلماني، وفي تجربتهم الديمقراطية، يستند الكويتيون إلى الشيخ عبد الله السالم الصباح، رجل الاستقلال، الذي أرسى التجربة الديمقراطية الفتية في الكويت. وفي عهده تم إقرار الدستور، أول وثيقة من نوعها في الخليج، ويطلق اسمه اليوم على قاعة مجلس الأمة، الغرفة التشريعية الأكثر سخونة وجدلا في المنطقة. وصدر الدستور الكويتي الحالي بعد الاستقلال، في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 1962، وبدأ العمل به رسميا في 29 يناير (كانون الثاني) 1963، ويتبنى الدستور الكويتي النظام الديمقراطي، حيث تنص المادة السادسة بأن: «نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا».

وعلى الرغم من أن التجربة النيابية والتشريعية في الكويت ضاربة في القدم، فإنها بقيت على الدوام معرضة للامتحان، بين الديمقراطية والاستقرار.
الدكتور إبراهيم الهدبان، يقول لـ«المجلة»، دائما هناك حاجة لمزيد من الديمقراطية، لكن ما حدث من تطورات في ظل ما بات يعرف بـ«الربيع العربي» وما صاحبه من ارتفاع موجات الإرهاب وصعود التنظيمات المسلحة، شهدنا تضييقا على المسار الديمقراطي خشية من أن يساء استخدام هذه الديمقراطية.
وأضاف: هذا الصعود للعنف طرح تحديا من نوع مختلف، وهو: هل أنت بصدد المزيد من الديمقراطية، أم بصدد التضييق من أجل الضبط «كونترول» حتى لا تسمح هذه الديمقراطية بالانفلات وتفشي الإرهاب والفوضى. وهناك حاجة للموازنة، لأن المزيد من الديمقراطية دون نظام يضبطها يؤدي فعلا إلى الفوضى، وإذا سمحت للجميع أن يتكلم ويعبر عن وجهة نظره، فعليك أن تعي أن هناك مجتمعات في الأصل غير متجانسة (ومنها المجتمع الكويتي) مما يفتح الباب أمام المناوشات والانقسامات على أي أساس كانت، قبلية أو طائفية، التي ينبغي أن يتدخل القانون لضبطها.


المعضلة الدستورية




الخبير الدستوري الدكتور محمد الفيلي، قال لـ«المجلة»: بالنسبة للكويت، فإن التحدي المقبل هو في تطوير النظام البرلماني، ويقول في حديثه لـ«المجلة» إن «النظام البرلماني الكويتي كما وضع سنة 1962 كان نظاما يقبل بوضع ويطمح لوضع آخر. فقد كان يقبل بحياة برلمانية ضيقة، ويطمح لحياة برلمانية واسعة. وما نراه اليوم مما يشبه حالة «الطلق» وما يصاحبها من آلام في السجال الدائر بين القوى السياسية هي بالتحديد تعود لهذه المسألة، وهي المعضلة الدستورية. فهناك من يحس بأن القليل من الحياة البرلمانية هي الخيار المناسب للدولة، بينما يرى آخرون بأن تطوير الحياة السياسية لا يتم إلا عبر زيادة رقعة المساحة البرلمانية.

ويمضي الفيلي بالقول إن «الدستور الكويتي الحالي، اختار نظاما برلمانيا ضيقا إلى حد ما، لأنه يجعل الحياة البرلمانية تسير من دون أحزاب سياسية، وعدم وجود أحزاب سياسية يقود إلى عدم وجود حكومة أغلبية داخل البرلمان. وبالتالي، فإن العرف جرى أن يقوم رئيس الدولة (الأمير) بتعيين رئيس الوزراء بعد استشارة البرلمان، لأنه لا توجد أغلبية برلمانية، ولا يوجد تنظيم للحياة السياسية».
ويضيف: «هناك وضع آخر ويمكن أن يتوافق مع الدستور ينتج عنه حكومة ناتجة عن أغلبية برلمانية، وبالتالي يصبح للناخب دور من خلال اختيار الأغلبية». وما يحدث حاليا برأي الخبير الدستوري الكويتي، أنه «لا البرلمان نجح في تنظيم قانوني للحياة السياسية، ولا الناخب يميل لإفراز أغلبية برلمانية على أساس سياسي».
ويرى الفيلي أن «الكويتيين مقبلون على تحديات حقيقية ومتشعبة، بينها انخفاض أسعار النفط وغيرها من التحديات التي تجعل من وجود حكومة منتخبة وذات غالبية برلمانية وتتحمل المسؤولية صمام أمان للمرحلة المقبلة».



[inset_left]الخبير الدستوري د. محمد الفيلي: إن الدستور الكويتي الحال اختار نظامًا برلمانيًا ضيقًا إلى حد ما لأنه يجعل الحياة البرلمانية تسير من دون أحزاب سياسية[/inset_left]



لم يجرب الكويتيون حكومة منتخبة، ومن المبكر الجزم بأن هذه الحكومة يمكنها أن تضع حلولا للتحديات الراهنة والمقبلة، لكن غيرهم من الدول العربية وبينها العراق التي تقع على مرمى حجر من الكويت جربت منذ عام 2003 نظاما برلمانيا تنبثق عنه حكومة تقود البلاد، لكن التجربة العراقية لا تغري كثيرا ليس فقط، لأنها لم تنجح في تطوير الحياة السياسية، ولكنها أصبحت تراكم المشكلات وأدت لانعدام الأمن وفقدان التنمية. وحين نقلت هذه الانطباعات للخبير الدستوري الدكتور محمد الفيلي، أجاب: هناك بالفعل من هو متأثر سلبيا من التجربة البرلمانية العربية، لكن الحقيقة أن المعضلة هي «أننا ذهبنا إلى الدولة قبل أن نبني أركانها وأهم تلك الأركان هي المواطنة».
وبرأي الدكتور شفيق الغبرا، فإن الكويت تمر بمخاض مرتبط أساسا بعملية تنظيم وإعادة تنظيم الحياة السياسية الكويتية. والمخاض هناك مرتبط بكون الكويت التي تمتلك نصف ديمقراطية، قد وصلت إلى مرحلة لا تستطيع من خلالها أن تعالج ديمقراطيتها الناقصة إلا بمزيد من الديمقراطية. يقول الغبرا: «الكويت اليوم وصلت إلى منعطف يجعلها غير قادرة على معالجة نصف ديمقراطيتها التي تمتلكها إلى بمزيد من الديمقراطية».


صراع الهويات




برأي الدكتور شفيق الغبرا، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، فإن التحدي الأهم هو المقدرة على الحفاظ على المساحة السياسية العامة، ومساحة الخلاف السياسي، ومساحة النقاش السياسي التي تسمح بتوسط كل الآراء والتعبير عن كل الاتجاهات، ومع هذا التحدي التعامل مع الهويات المتنوعة التي يزخر بها المجتمع الكويتي، فهناك هويات متعددة، ومتنوعة، وهويات فرعية، بعضها هويات سياسية، وبعضها هويات فئوية، ودينية، واجتماعية، وثقافية، يزخر بها المجتمع.
ويمضي بالقول: «إن عدم القدرة على خلق الصياغة التي تدمج الفئات الجديدة وتعقلن العلاقة بين الهويات المختلفة ضمن الحالة الوطنية الأوسع من شأنه أن يفاقم الصراع بينها».


[blockquote]هل يفسر تنامي ظاهرة التشدد في الكويت أن الديمقراطية فيها لم تنجح في كبح جماح التطرف في حين يسود الاعتقاد أن أفكار التشدد تنمو في بيئات القمع والانغلاق؟[/blockquote]


لكن هل يملك مشروع الدولة الإمكانية والقدرة عن أن ينهض بهذه المهمة..؟ يجيب الدكتور الغبرا قائلا: «الدولة تستطيع أن تتعامل مع هذه الهويات المتعددة، وهي قادرة على أن تدمج باحترام وإيجابية هذه الهويات، وهذا حتما يتطلب تطويرا لآليات الدولة من حيث مشروعها ومساءلتها وقوانينها ومن حيث قدرتها على التعامل مع البناء مع المساحة العامة، كقضايا العدالة الاجتماعية والحريات وغيرها».
ويشدد الغبر على أنه ليس المطلوب أن تندمج أو تنصهر الهويات المتعددة، لكن المطلوب هو الوعي بوجودها والاستعداد للتعامل البناء والعادل والإيجابي بما يسمح بتحويل قوتها ووجودها إلى طاقة إيجابية لصالح المشروع الوطني الأوسع.
لكن، ما هو المشروع الوطني الأوسع الذي يستحق أن تبذل الدولة جهدا لتآلف الهويات التي يشي واقعها بالتفتت والتصارع؟ يجيب الدكتور الغبرا: «مشروع الهوية الوطنية، هو مشروع بناء الدولة، وحين نتحدث عن الكويت وهي دولة صغيرة بمجتمع صغير وعدد سكان صغير فهي تحتاج إلى تلك الصياغة تخلق الاطمئنان متوسط وطويل الأمد لكل القوى ولكل أنواع النسيج الاجتماعي المتنوع في المجتمع».


[inset_right]د. شفيق الغبرا: مشروع الهوية الوطنية هو مشروع بناء الدولة.. والكويت تحتاج إلى صياغة لهوية وطنية تخلق الاطمئنان لكل القوى ولكل أنواع النسيج الاجتماعي المتنوع[/inset_right]



وحين سألناه عن استفحال الهويات الفرعية منذ عام 1990، أجاب: «إن الهويات الفرعية تكبر وتستفحل حين تفشل الدولة في بناء المشروع الوطني وعندما تخفق الدولة في التعامل معها، أو عندما تتراجع المساحة العامة، ولا تبنى المؤسسات اللازمة لعمليات الاستيعاب والدمج للفئات الجديدة، وعندما يكون هناك ضعف في التنمية السياسية وفي المأسسة السياسية وفي التعبيرات السياسية، ينتج عنه حتما تنامي الهويات الفرعية وتقويتها وتتحول وكأنها بديل عن الهوية الوطنية».
لكن هل هناك أسباب اجتماعية لاشتعال الهويات؟
يجيب الدكتور الغبرا: «إن الامتيازات والتمايزات بين الناس تؤدي لاشتعال الهويات، وهي شكل آخر من التحديات الاجتماعية، فهذه الامتيازات بين الناس تخلق أنواعا من التحزبات التي تنشأ من شعور بعض الناس بأنهم يمتلكون امتيازات أقل من فئة أخرى».
ويقول: «الامتيازات والتمايزات هي تلك الفروقات سواء أكانت طبقية أو عرقية أو اجتماعية التي تجعل الناس تتحزب. فكلما زادت الامتيازات لفئات اجتماعية أو مجموعات على حساب فئات ومجموعات أخرى يحدث ما نسميه باشتعال الهويات».
ويدعو الغبرا للوعي بإشكالية الامتيازات داخل الكويت وخارجها، يمكن أن يحد من المشكلة، لأنه «مع الامتيازات والتمايزات تنشأ مشكلة العنصرية وهو ما يفسر بروز الظواهر المتطرفة، وهو يتطلب وعيا ووقتا».
لكن، هذه التمايزات والامتيازات هي جوهر النظام الرأسمالي، وهي واقع المجتمعات الخليجية، فكيف تصبح أحد التحديات المقبلة؟ يجيب الدكتور الغبرا بالقول: «قد تصبح أحد التحديات، لأننا ندخل في مرحلة تكون فيها هذه التمايزات والامتيازات تصبح عصية على تطوير البلاد وتطوير الدولة وتطوير مشاريعها وتدخل الجميع في مأزق سياسي، اجتماعي، ثقافي، وتؤدي إلى تصلب الهويات وإلى التطرف، وتسهم في تقويض الدول».



الصعود الإسلامي





تقع الكويت في مرمى العاصفة الإقليمية، فهي تتأثر بالصراعات في منطقة الخليج، وقد دفعت البلاد ثمنا باهظا نتيجة وقوعها كدولة ثرية وضعيفة في مرمى الدول المحيطة، كان أبرز مثال على ذلك تهديدات العراق بضم الكويت في الستينات، واجتياحها بالكامل وتشريد أهلها في عام 1990، وتلعب هذه التجاذبات دورا في تأجيج الوضع الداخلي، مثلما تمثل عامل قلق دائم للحكومة في أن ترتفع وتيرة الصراعات الداخلية بشكل تقحم الخارج في الأوضاع الداخلية للإمارة الصغيرة.
يتوقف أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت، الدكتور إبراهيم الهدبان، أمام التحديات الاجتماعية التي تواجهها الكويت، ويقول: «إن التغيرات الاجتماعية في دول الخليج، بما يشمل الصراع بين ما هو تقليدي ومحافظ وبين الحداثي، خلقت إشكالا تعاني منه الكويت كغيرها من دول مجلس التعاون، وخصوصا القدرة على التوفيق بين الفكرين المختلفين بطريقة حضارية وديمقراطية».
تغيرت إلى حد كبير خارطة القوى السياسية والاجتماعية في الكويت، منذ الستينات حتى اليوم، فقبل صعود التيارات الإسلامية لواجهة المشهد السياسي في الكويت، كانت التيارات القومية والليبرالية تتصدر الحياة السياسية وكانت فترة السبعينات الفترة الذهبية لهذه التيارات. مفكر قومي كويتي بارز يعد أحد رموز تلك المرحلة، عن قراءته للصعود الإسلامي، قال (في حديث سابق)، إنه لا يقرأه على أنه مؤشر سيئ بالضرورة. بل ربما مثل «فرصة» لتقعيد الأفكار الطوباوية والنزول بها إلى الواقع.


[inset_left]يرى الدكتور أحمد الخطيب أن صعود التيار الديني سيساعده على تنزيل الأفكار من عليائها إلى أرض الواقع وربما التعامل ببراغماتية[/inset_left]


وبحسب الدكتور أحمد الخطيب، وهو من قيادات العمل القومي في العالم العربي منذ الخمسينات، وكان نائبا لرئيس المجلس التأسيسي 1961 وأحد واضعي دستور الكويت، وأبرز الأصوات المعارضة في مجلس الأمة خلال الفترة من 1963 - 1992، فإن «التيار الديني سيجد نفسه معنيا بتنزيل الأفكار من عليائها إلى أرض الواقع، وربما التعامل ببراغماتية».
تعرض التيار الليبرالي في الكويت لضربات عنيفة منذ السبعينات، سواء عبر الانقسامات الداخلية التي واجهته، أو بسبب تداعيات خسارته في الانتخابات، كما أن التحالف الحكومي مع التيارات الدينية أسهم في تفتيت هذه الحركة، فالكويت شأن كثير من الدول العربية التي صعد فيها التيار الديني بتحالف ودعم الحكومة ليحتل مراكز في التعليم والأوقاف والإعلام والتلفزيون، وكان ذلك على حساب التيارات الأخرى وبينها التيار الليبرالي.



القبيلة والطائفة




يتحدث الكويتيون عن استفحال دور القبيلة والطائفة على حساب الدولة منذ الغزو العراقي للكويت، لكن الدكتور شفيق الغبرا، يقرأ واقع القبيلة في الكويت بنحو مختلف، فهو قال لي إن القبيلة في الكويت هي «منتج حديث، وهي إفراز لآليات المجتمع الحديث»، حيث جاءت القبائل للاستقرار ولكنها وجدت «غربة في المدينة» ووجدت أنها «لا تمتلك ذات العلاقات والوسائط والأدوات التي يمتلكها ابن المدينة الأصلي، فالتجأت إلى القبيلة كوسيلة من وسائل الحماية وبمجرد ما تطور الدولة آلياتها تصبح القبلية أقل تأثيرا»، ويرى الغبرا أن القبيلة، كما الطائفة، هي جزء من الوطن ونشأت بنشوء الكويت الحديثة.
جانب آخر من الصراع الاجتماعي يراه الدكتور أحمد الخطيب مصدرا للتهديد وهو الانقسام الحضري/ القبلي، أو بين الداخل والخارج، وهو صراع حاد جدا.




الصراع الطائفي





قال الدكتور إبراهيم الهدبان إن معظم دول الخليج تعاني من وجود أزمة طائفية، «وعلى دول الخليج أن تحتاط لمثل هذه الأمور، وأن تراعي كثيرا حساسية المشكل الطائفي».
خطر الصراع الطائفي على دولة صغيرة مثل الكويت، تقع في مرمى التجاذبات الإقليمية، يراه مفكر قومي عريق هو الدكتور أحمد الخطيب أبعد من صراعات سياسية، فهو قال لي (في لقاء سابق): «أشعر بالخوف على الكيان الكويتي، لأن الصراع الطائفي السني/ الشيعي حاد للغاية. والكويت تحت خط الجذب الإقليمي. وبالتالي، فإن هذا الصراع حين يصل إلى نهايته، قد يؤدي إلى تقسيم المنطقة جغرافيا على أساس طائفي، وأمام هذه التحدي فإن الدول الكبيرة كالعراق وسوريا لديها القدرة على تحمل مثل هذه التقسيمات، أما الدول الصغيرة كالكويت لا تتحمل التقسيم. وهذا النوع من الصراع قد يؤدي لزوال الكيان، ولذلك أشعر بالخوف عليه».




صراع النخبة





يعول الكويتيون على الدولة التي مرت بامتحانات صعبة أهمها الغزو العراقي للكويت أغسطس (آب) 1990، لكي تأخذ مسؤولياتها في الحفاظ على وحدة بيت الحكم من جهة ومنع الانقسام أن يمتد للشارع. ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت الدكتور إبراهيم الهدبان: «صراعات بيت الحكم تؤثر على الشارع وتمثل تحديا لدور الدولة»، ويضيف: «أعتقد الآن أن الدولة في مرحلة إعادة الحسابات، حيث تحاول أن تعود الآن مرة أخرى لتفرض الهيبة والقانون واللجوء للقضاء، وتظهر نفسها كمسيطرة على الأحداث، وأن تلعب دورا فاعلا مرة أخرى، وتعيد الاعتبار لسلطة الدولة وهيبتها التي تعرضت للتحدي أثناء ما عرف بفترة الحراك».
ويقول الكاتب الدكتور صلاح الفضلي، (ماجستير فلسفة، ودكتوراه نظم معلومات في جامعة الكويت) لـ«المجلة»، إن مشروع الدولة في الكويت ما زال متراجعا، فـ«مفهوم الحكم غالب على مفهوم الدولة»، وينعكس ذلك بالضرورة على الشارع، ف«توازنات الحكم تستدعي التقريب والإبعاد».
وبرأي الفضلي، فإن صراعات النخبة الحاكمة في الكويت، تشكل قلقا رئيسيا، ويمكن أن تمثل تهديدا حقيقيا على الكيان. وإلى جانب هذا الصراع يأتي صراع آخر لا يقل أهمية يتمثل في صراع المصالح الذي يمثله التجار والطبقة الاقتصادية في البلاد.
كباشن:
font change