في خطاب ملكي وجهه للعالم والشعب

في خطاب ملكي وجهه للعالم والشعب

[caption id="attachment_55266252" align="aligncenter" width="955"]خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز[/caption]
المتتبع لخطابات الملك سلمان بن عبد العزيز أثناء حكمه لعاصمة الحكم السعودي الرياض ومن بعدها في ولايته للعهد وتولي حقيبة وزارة الدفاع، حتى توليه مقاليد الحكم ملكا للمملكة العربية السعودية وخادما للحرمين الشريفين، يجد أنها تعبر عن رؤية شمولية وأهداف دقيقة وتوجيهات حكيمة، ورغم أن كلماته كانت في غالبها مقتضبة فإنها كانت تحمل دلالات كبيرة، ولا تخلو من ثبات في الرؤية السياسية لما يحقق مصلحة بلاده والسلام العالمي، وتعزيز اقتصاد بلاده وانتهاجه سياسة الباب المفتوح سائرا على نهج والده المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن.
ودائما ما يؤكد في أغلب خطبه وفي المناسبات الخاصة أن بلاده دأبت على سياسة الباب المفتوح، حينما شرف في مناسبة خاصة عند أحد أهالي مكة المكرمة وهو عبد الرحمن فقيه قال: «إن الدولة دأبت منذ عهد الملك المؤسس - رحمه الله - على سياسة الباب المفتوح، وسار عليها أبناؤه من بعده، كمظهر من مظاهر الحكم في المملكة»، ولا تخلو كلماته من الحزم في مواجهة أي خطر يواجه بلاده أو مقدراته «بلادنا ستظل قوية أبية متصدية لكل أشكال الفتن».


رؤية شاملة




وبعد أن شكل حكومة بلاده وعزز دعائمها وجه خطابا بتاريخ 10 مارس (آذار) 2015 وذلك بعد توليه مقاليد الحكم بنحو 50 يوما، خلال استقباله، في قصر اليمامة، بحضور ولي العهد، وولي ولي العهد، الأمراء، وأمراء المناطق، ومفتي عام البلاد، والعلماء والمشايخ والقضاة، والوزراء، ورئيس وأعضاء وعضوات مجلس الشورى، وكبار المسؤولين من مدنيين وعسكريين، وجمعا من المواطنين، حمل ذلك الخطاب رؤيته الشاملة في الشأن الخارجي والداخلي التي أكد من خلالها أن سياسة بلاده الخارجية تلتزم دوما بتعاليم الدين الحنيف «الداعية للمحبة والسلام»، وأن السعودية ستواصل الدفاع المتواصل عن القضايا العربية والإسلامية في المحافل الدولية بشتى الوسائل، وفي مقدمتها أن يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، وإقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، وستسعى إلى تحقيق التضامن العربي والإسلامي «بتنقية الأجواء وتوحيد الصفوف لمواجهة المخاطر والتحديات المحدقة بهما».
كما أكد على العمل من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في العالم، وإرساء مبدأ العدالة والسلام، إلى جانب الالتزام بنهج الحوار وحل الخلافات بالطرق السلمية، ورفض استخدام القوة والعنف، وأي ممارسات تهدد الأمن والسلم العالميين.



التطرف آفة عالمية




وشدد خادم الحرمين، على أنه مع بروز ظاهرة التطرف والإرهاب باعتبارها آفة عالمية لا دين لها، فإن السعودية اهتمت بمكافحة التطرف والإرهاب بجميع صوره وأشكاله، أيا كانت مصادره، والتعاون مع الدول والهيئات الدولية في مكافحة هذه الآفة البغيضة عبر اجتثاث جذورها ومسبباتها.
وقال: «نحن جزء من هذا العالم، نعيش مشاكله والتحديات التي تواجهه ونشترك جميعا في هذه المسؤولية، وسنسهم بإذن الله، بفاعلية في وضع الحلول للكثير من قضايا العالم الملحة ومن ذلك قضايا البيئة وتعزيز التنمية المستدامة، وسنستمر في العمل على ذلك مع المنظمات والمؤسسات الدولية والشركاء الدوليين».
ويعتبر الخطاب الملكي خطة عمل وإيضاحا لسياسة الحكم في عهده وتحديدا لملامح السياسة السعودية الخارجية، وفي الداخل كان إعلان برنامج عمل للفترة المقبلة للحكومة وخصوصا الوزارات والهيئات التي تمس أعمالها الخدمات المباشرة بنبض الشارع وحياة المواطن اليومية مثل الإسكان والتعليم والصحة.

[inset_left]أكد أن التحديث وفقًا لما يشهده المجتمع من تقدم وبما يتفق مع الثوابت الدينية والقيم الإنسانية[/inset_left]

ولم يخل خطاب الملك من السياسة الداخلية، وكان واضحا فيها أن الفترة المقبلة ستكون مرحلة شراكة كبيرة وواسعة بين الدولة والمواطن بدءا من توجيه الملك لأمراء المناطق برفع أفكار المواطنين واقتراحاتهم إلى ولي ولي العهد وزير الداخلية الذي يقوم بدوره برفعها إلى الملك سلمان، مؤكدا أن العنصر الأهم في العملية التنموية هو المواطن، وأن حركة التنمية التي ستعيشها البلاد بمدخلاتها ومخرجاتها تؤكد على حفظ أمن واستقرار الوطن بصد الأفكار الخارجة على تعاليم الإسلام ومحاربة أسباب الإرهاب وبذوره.
وكان الملك سلمان واضحا في الخطاب بأنه يقف ضد الأفكار التي تنخر في المجتمع السعودي أو في اللحمة الوطنية والتي تتمثل في تصنيف المجتمع، مؤكدا أن الجميع متساوون في الحقوق والواجبات، لتكون دعوة صريحة من ولي أمر البلاد للتأكيد على الاعتدال ونبذ التشدد، وأن تكون الأمة أمة وسطا لا غلو فيها ولا تشدد، ودائما ما كان يؤكدها خادم الحرمين الشريفين في جميع المحافل الوطنية أو الدولية حينما كان أميرا للرياض ثم وليا للعهد، إلا أنها هذه المرة جاءت من السلطة العليا وملك للبلاد، لتكون بذلك أكثر شمولية ووضوحا من القائد الأعلى للدولة.



ثبات الدولة




خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز عبر في كلمته عن ثبات الدولة على ما قامت عليه في عهد المؤسس الملك عبد العزيز، وما سار عليه أبناؤه الملوك من تطبيق العقيدة الإسلامية والتفاني في خدمة الحرمين الشريفين، معبرا في خطبة بقولة «لقد أسس الملك عبد العزيز رحمه الله وأبناء هذه البلاد دعائم هذه الدولة، وحققوا وحدتها على هدي من التمسك بالشرع الحنيف واتباع سنة خير المرسلين صلى الله عليه وسلم وخلال العقود التي تلت مرحلة التأسيس إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله، ودولتكم ولله الحمد والمنة تسير على خطى النمو والتطور بكل ثبات مع التمسك بعقيدتها الصافية، والمحافظة على أصالة هذا المجتمع وثوابته».
أراد الملك سلمان من خلال كلمته التأكيد على العدالة الحقة بين المواطنين والمناطق المختلفة، وإيمانه العميق بالعناصر المكونة لوحدة الوطن التي تتمثل في العدل وتسخير مداخيل ومدخرات البلاد الاقتصادية لرفع القيمة الحضارية للإنسان السعودي وتعزيز علاقته بالوطن، وبرز من خلال خطابه تأثره الواضح بشخصية المؤسس الملك عبد العزيز موحد البلاد، والمتتبع لخطب المؤسس يعلم أنها كانت تحمل دائما حرصه الشديد على العدل والمساواة بين المواطنين وأن وحدة المملكة العربية السعودية حق مشترك بين الدولة والمواطن وأن الدولة ملتزمة بالدفاع عنه بكل ما تملكه من القوة حتى لا يقع ضعاف النفوس في جريمة المساس أو التشكيك في هذا الحق.

الملك سلمان أكد في خطابه أنه لا فرق في بلاده بين مواطن وآخر، أو منطقة وأخرى، وقال: «إن كل مواطن في بلادنا وكل جزء من أجزاء وطننا الغالي هو محل اهتمامي ورعايتي»، وأضاف أنه يتطلع إلى إسهام الجميع في خدمة الوطن، مشيرا إلى أنه وجه وزير الداخلية بالتأكيد على أمراء المناطق باستقبال المواطنين والاستماع لهم ورفع ما قد يبدونه من أفكار ومقترحات تخدم الوطن والمواطن وتوفر أسباب الراحة لهم، كما أكد الملك سلمان بن عبد العزيز حرصه على التصدي لأسباب الاختلاف ودواعي الفرقة، والقضاء على كل ما من شأنه تصنيف المجتمع بما يضر بالوحدة الوطنية: «فأبناء الوطن متساوون في الحقوق والواجبات».
الكلمة الملكية تناولت جملة من الموضوعات التي تهم المواطن من كافة المناحي الاقتصادية والتنموية والأمنية والعسكرية، وسياسة البلاد الشاملة التي ترفض أي محاولة للتدخل في شؤونها الداخلية، والدفاع المتواصل عن القضايا العربية والإسلامية في المحافل الدولية بشتى الوسائل. وكثيرا ما كانت كلماته للشعب تؤكد أن المواطن هو الأساس وتنميته هي الهدف الأهم للدولة.


[inset_right] برز من خلال خطابه تأثره الواضح بشخصية المؤسس الملك عبد العزيز والسير على نهجه بالعمل على وحدة الوطن[/inset_right]


خادم الحرمين الشريفين كان واضحا في كلمته وهو يستشهد بأن التطوير سمة من سمات الحياة، مشيرا إلى أنها لازمة للدولة منذ أيام المؤسس الملك عبد العزيز، وقال: «سوف يستمر التحديث وفقا لما يشهده مجتمعنا من تقدم وبما يتفق مع ثوابتنا الدينية وقيمنا الاجتماعية، ويحفظ الحقوق لكافة فئات المجتمع».
الملك سلمان كان شفافا حين تعهد بدوره التاريخي أمام المواطنين واضعا الجميع سواء من الوزراء والمسؤولين أو المواطنين أمام مسؤولياتهم في حركة التنمية القادمة، والعمل على توسيع الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص في سبيل تبادل الخبرات واستثمار الرأسمال الوطني وتكوين وحدة في التوجه والأهداف، ليعلن أنه وجه جميع المسؤولين «وخاصة مجلس الشؤون السياسية والأمنية ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، بمضاعفة الجهود للتيسير على المواطنين، والعمل على توفير سبل الحياة الكريمة لهم، وهو أقل الواجب المنتظر منهم، ولن نقبل أي تهاون في ذلك».
وشدد في هذا الصدد على أنه خاطب الوزراء والمسؤولين في مواقعهم «إننا جميعا في خدمة المواطن الذي هو محور اهتمامنا»، وقال: «وقد وجهنا بمراجعة أنظمة الأجهزة الرقابية بما يكفل تعزيز اختصاصاتها والارتقاء بأدائها لمهامها ومسؤولياتها، ويسهم في القضاء على الفساد ويحفظ المال العام ويضمن محاسبة المقصرين».


نعمة الأمن




وأكد الملك سلمان أن الأمن مسؤولية الجميع وقال: «لن نسمح لأحد أن يعبث بأمننا واستقرارنا»، واصفا الأمن بأنه «نعمة عظيمة» وهو الأساس في رخاء الشعوب واستقرارها، وقال: «على الدوام أظهر المواطن السعودي استشعارا كبيرا للمسؤولية، وشكل مع قيادته وحكومته سدا منيعا أمام الحاقدين والطامعين، وأفشل بعد توفيق الله، الكثير من المخططات التي تستهدف الوطن في شبابه ومقدراته».

الملك سلمان يحس ما يحسه المواطنون من متابعة الاقتصاد العالمي وانخفاض أسعار البترول بعد ارتفاعه في السنوات الماضية، مبينا أن ارتفاع أسعار البترول خلال السنوات الماضية كانت له آثار إيجابية على اقتصاد البلاد في المشاريع التي تحققت، وقال: «وسوف نعمل على بناء اقتصاد قوي قائم على أسس متينة تتعدد فيه مصادر الدخل، وتنمو من خلاله المدخرات وإيجاد فرص العمل في القطاعين العام والخاص، وتشجيع المؤسسات المتوسطة والصغيرة على النمو، ودعمها لتكوين قاعدة اقتصادية متينة لشريحة كبيرة من المجتمع»، مبينا أن السنوات القادمة ستكون زاخرة بإنجازات مهمة، بهدف تعزيز دور القطاع الصناعي والقطاعات الخدمية في الاقتصاد الوطني، معلنا بصوت وطني تاريخي وقلب نابض بالشعور بالمواطن أن الحكومة ستتحمل تبعات انخفاض أسعار البترول وتداعياتها وستعالج كل الآثار التي قد تمس الاقتصاد السعودي، وقال: «إن ما يمر به سوق البترول من انخفاض للأسعار، له تأثير على دخل المملكة، إلا أننا سنسعى إلى الحد من تأثير ذلك على مسيرة التنمية، وستستمر عمليات استكشاف البترول والغاز والثروات الطبيعية الأخرى في المملكة».
كلمة الملك سلمان هي للمواطن السعودي معلنا «سنعمل على تطوير أداء الخدمات الحكومية ومن ذلك الارتقاء بالخدمات الصحية لكل المواطنين في جميع أنحاء المملكة بحيث تكون المراكز الصحية والمستشفيات المرجعية والمتخصصة في متناول الجميع حيثما كانوا»، وبالنسبة للإسكان، قال الملك سلمان «إننا عازمون بحول الله وقوته على وضع الحلول العملية العاجلة التي تكفل توفير السكن الملائم للمواطن».
رجال القوات العسكرية ورجال الأمن في بلاده كانوا حاضرين في قلب الملك سلمان باعثا لهم رسالة مفادها «أنتم محل القلب من الجسد وأنتم حماة الوطن ودرعه وكل فرد منكم قريب مني ومحل رعايتي واهتمامي، والوطن يقدر جهدكم وعملكم»، وأضاف: «نحن بصدد تعزيز قدراتكم، بما يضمن بإذن الله تعالى حماية هذا الوطن وتوفير الأمن والأمان للمواطنين».

font change