سراديب الاستخبارات شهدت نشأة الجماعات المتطرفة

سراديب الاستخبارات شهدت نشأة الجماعات المتطرفة

[caption id="attachment_55253585" align="aligncenter" width="620"]مقاتلون موالون لحكومة طرابلس يحتفلون بتهاجا بيسطرتهم على موقع لتنظيم داعش قرب العاصمة مقاتلون موالون لحكومة طرابلس يحتفلون ابتهاجا بيسطرتهم على موقع لتنظيم داعش قرب العاصمة[/caption]


[blockquote]أوضحت الخلافات ما بين الظواهري و«داعش» والسجال مع العدناني، المتحدث باسم «داعش»، تفاصيل عن علاقة «القاعدة» بالاستخبارات والحكومة الإيرانية
[/blockquote]


الحديث عن الجماعات المتطرفة ونشاطاتها لم يعد مقتصرًا على النشاطات التقليدية «الدعوية» والجهد العسكري، بقدر ما توسع عمل هذه الجماعات إلى العمل الاستخباراتي الأمني. وكشفت هيكلية تنظيم داعش إلى وجود مجلس أمني يعنى بأمن التنظيم وقياداته وأمن أفراده. وأصبحت لعبة الاستخبار ليست حكرًا على الحكومات.
إن علاقات هذه الجماعات المتطرفة بأجهزة الاستخبارات كشفت حقيقة أن هذه الجماعات على شكل أفراد أو جماعات وتنظيمات، كان البعض منها يعمل وفق أجندة مخابرات دولية وإقليمية. وما يزيد في الأمر تعقيدًا على المتلقي أن هذه الجماعات كانت قد خضعت لعمليات تجنيد من قبل أجهزة الاستخبارات لتنفيذ مصالحها القومية. هذه الحقائق قد تكون إجابة إلى التساؤلات حول نشاط هذه الجماعات على أراضي دول إقليمية ودولية دون اتخاذ إجراءات قانونية ضدها.



تقارير استخبارية




وتعتبر الولايات المتحدة الأميركية واحدة من الدول التي تستضيف محركات إنترنت عملاقة للجماعات الإرهابية المتطرفة، وقد يعود ذلك إلى مفهوم أمني هو أن تدع هذه الجماعات تنشط أمام أعينها! لكنها من الناحية القانونية والأخلاقية، تعتبر تجاوزًا على حقوق الحريات والمتلقي، للدعاية المتطرفة التي ذهب ضحيتها مئات الآلاف من الشباب، وهي سياسة تتطلب إعادة النظر فيها ومراجعتها.
كشفت تقارير استخبارية عن لقاء سري غير مسبوق جمع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم حركة طالبان الملا أخطر منصور، نهاية شهر ديسمبر (كانون الأول) 2015. وتأتي هذه التقارير في أعقاب اعتراف موسكو بأنها فتحت قنوات اتصال مع حركة طالبان. ويقول رئيس قسم الشؤون الأفغانية في وزارة الخارجية الروسية وممثل الكرملين في أفغانستان، زامير كابلوف، إن مصالح روسيا في أفغانستان «تتفق بموضوعية» مع من يقاتلون «داعش» من أعضاء حركة طالبان. المراقبون وصفوا هذه الخطوة الروسية بأنها محاولة من بوتين لسد جبهة أفغانستان وتسلل مقاتلين من القوقاز وآسيا الوسطى من شأنها تهدد أمن روسيا.



تشابك استخباري ما بين الحكومات والجماعات المتطرفة




لقد استفادت القاعدة من تداخل العلاقة بينها والاستخبارات المركزية منذ حربها في أفغانستان عام 1989. يشار إلى أن الاستخبارات الغربية والعربية تستهدف الجماعات المتطرفة، من تحقيق اختراقات داخل التنظيم بهدف تغيير مسارات تلك التنظيمات والحصول على المعلومات من داخل التنظيمات. وكانت علاقة بن لادن بالإدارة الأميركية مباشرة في أعقاب حرب طلبان ضد الاتحاد السوفياتي السابق 1989 لتغيير مسار القاعدة، هذا التغيير اتضح أكثر في «القاعدة» ما بعد عام 2005 وأحداث قطارات لندن. كذلك ارتبطت طالبان أفغانستان بعلاقات قوية مع الاستخبارات الباكستانية، رغم أن الباكستانية مرتبطة في علاقات تعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية. كان للاستخبارات الباكستانية دور كبير في اختراق طالبان أفغانستان من خلال تجنيد قياداتها وتغيير مساراتهم والحصول على المعلومات التي كانت بدورها يتم عبورها إلى وكالة الاستخبارات المركزية مقابل الحصول على الدعم. التقارير كشفت عن علاقة أن أبو حمزة قد عمل سرًّا مع جهاز الاستخبارات البريطانية، وهو تأكيد شكوك تعاون قادة تنظيم القاعدة سابقين عملوا مع أجهزة الاستخبارات العالمية.
وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة «ديير شبيغل» الألمانية في إحدى تقاريرها، أن وكاله المخابرات المركزية طلبت تعاون «B.N.D» (المخابرات الخارجية الألمانية) للتعاون معها في تجنيد نزلاء في السجون الألمانية لزرعهم داخل تنظيم القاعدة، لكن اعتراض المحكمة الدستورية الألمانية منع ذلك لكن لم يمنع الوكالة المركزية من استخدام التوريط في تجنيد عملاء لزرعهم داخل التنظيم من خلال التعاون الاستخباري مع حلفائها.



علاقة القاعدة بالنظام السوري




دعم النظام السوري تنظيم القاعدة في العراق بعد عام 2003 وكان يدير عملية استقبال المقاتلين من مختلف الدول لإعادة تصديرهم إلى العراق، وكانت هذه المجموعات تخضع لتدريبات في معسكرات اللاذقية بإشراف النظام. إن الكثير من تنظيم جند الشام والمتورطين في مواجهات نهر البارد كانوا على علاقة بالنظام، ويدير النظام بعض مشايخهم، ليحول الأسد «القاعدة» ورقة ضغط ضد سياسة الولايات المتحدة في العراق. النظام كان يسيطر على قيادات ومقاتلي «القاعدة» في سوريا ومنها «جند الشام» بزجهم في المعتقلات بعد الضغوطات الأميركية على بشار عام 2005، لسحب يده من دعم الإرهاب في العراق. وبعد اندلاع «الثورة» السورية عام 2011، أفرج الأسد عن معتقلي «القاعدة» عام 2012 - 2013 أبرزهم أحد منظري فكر «القاعدة» أبو مصعب السوري. الهدف هو تغيير مسارات التنظيمات المتطرفة وأن يكونوا مصادر معلومات داخل التنظيمات القاعدية. وكشفت الخلافات ما بين الظواهري و«داعش» والسجال مع العدناني، المتحدث باسم «داعش»، تفاصيل عن علاقة «القاعدة» بالاستخبارات والحكومة الإيرانية.


أكد أحد عناصر «داعش» في اليمن صحة المعلومات التي وردت في فيلم «مخبر القاعدة»، الذي عُرض على قناة «الجزيرة»، الذي دارت أحداثه حول عنصر سابق في تنظيم القاعدة باليمن تم تجنيده من قبل ابن أخ الرئيس المخلوع، العقيد عمار محمد عبد الله صالح. وزاد «مُشمر» أحد أبرز عناصر «ولاية اليمن» على فيلم «الجزيرة»، باتهامه قاسم الريمي (أبو هريرة الصنعاني)، أحد أبرز القادة العسكريين في تنظيم القاعدة في اليمن بالعمالة للنظام اليمني، ولجهات غربية.
يقول الباحث علي بكر في «مجلة السياسة الدولية» إن عمليات الاختراق التنظيمي، التي تعد من أخطر التحديات التي تواجه التنظيم خلال الفترة الأخيرة، وأصبحت تهدد مستقبله بشكل كبير، حيث إن عمليات الاختراق من قبل العملاء والجواسيس أدت إلى سقوط الكثير من قيادات التنظيم ورجاله، مما دفع إلى تأسيس جهاز أمني داخلي، مكنه من تفكيك عدد من الخلايا التجسسية التي كانت تعمل في أوساط مقاتليه لمصلحة أجهزة الاستخبارات اليمنية والأميركية في بداية 2012، وألقى القبض على أكثر من 50 عميلا، وكان قاسم الريمي، القائد العسكري في ذلك التوقيت، هو الذي أشرف على تأسيس الجهاز، برعاية مباشرة من القائد ناصر الوحيشي.



علاقات أبو بكر البغدادي مع الاستخبارات المركزية




المعتقلات في العراق كانت تحت السيطرة الأميركية ويتم عزل السجناء أو المعتقلين على أساس الانتماء الطائفي - هوياتي؛ أي أن مقاتلي القاعدة والتنظيمات «الجهادية» كانوا بعيدا عن المعتقلين من الشيعية أو الميليشيات الأخرى. وهذا يعني أن نشاط البغدادي ضمن التنظيمات المتطرفة كان قائما، مع الأخذ في الاعتبار أن القوات الأميركية كانت تحرص على إعادة تجنيد المعتقلين وإعادتهم إلى الأوساط المتطرفين. السؤال هو سر صعود البغدادي على رأس التنظيم! وهذا يرجح أن البغدادي كان عميلا مزدوجا إلى القوات الأميركية رغم عمله داخل الأوساط المتطرفة، ورغم ذلك يبقى في إطار التحليلات، كون العميل المزدوج يحصل على معلومات من الجانب الأميركي ويسربها إلى التنظيم البعض منها مفبركة والبعض الآخر تكون معلومات حقيقية لغرض كسب ثقة التنظيم بالبغدادي أو بأي عميل مزدوج.
إن حصول العميل المزدوج على تغذية بالمعلومات وتغذية عكسية تمكنه من كسب ثقة التنظيم ومنحه أدوارا قيادية، وهذا ما يحصل في روايات الاستخبارات، فهنالك الكثير من العملاء المزدوجين وصلوا إلى صدارة المواقع القيادية، وما يدعم هذا التحليل هو أن سيرة البغدادي تنقصها الإدارة والحوكمة والخبرات العسكرية، عكس ما تناقلته بعض وسائل الإعلام. البغدادي اعتمد المعلومات الاستخبارية داخل التنظيم، لتكون علامة فارقة عند البغدادي وتنظيمه حتى وصف بأنه يقوم على الشراسة الاستخبارية أكثر من القدرة والقوة العسكرية، وهذا يعني أن البغدادي حصل على خبرات استخبارية داخل المعتقل ليوظفها تنظيميا بعد خروجه. إن إدارة البيت الأبيض ووكالة الاستخبارات المركزية، لم تعلن أي معطيات أو معلومات عن البغدادي رغم إعلان الاستخبارات العسكرية العراقية عنها وأن تحفظ الولايات يرجح بأنها كانت متورطة بتجنيد البغدادي ضمن سياستها بتفريخ الإرهابيين داخل معتقلاتها.



دعاة أوروبا مجندين لصالح الاستخبارات





يقول الباحث السوري هيثم مناع إن استراتيجيات تنظيم داعش تكشف عن مخططين بارعين من ضباط سابقين من الجيش العراقي قبل أن يقوم بول بريمر بحله بعد احتلال العراق، ويعود الفضل لهؤلاء في تحديد الأهداف ذات القيمة المالية الأعلى في العراق وسوريا كما تبين أن الخطط الاستخباراتية لهؤلاء أتقنت استغلال سوء الإدارة والفساد المالي والسرقات التي تورطت بها فئات غير قليلة بين فصائل المعارضة السورية المسلحة.

لقد رسم أبو بكر البغدادي هيكلية تنظيمه على أساس مؤسسة عسكرية استخبارية عقائدية، أكثر من أن يكون مجرد جماعة متطرفة، الوثائق كشفت الدائرة المغلقة في التنظيم وأبرزهم الحاج أبو بكر الذي قتل في سوريا عام 2013 وأبو مسلم التركماني واليبلاوي والأنباري وغيرها من الأسماء بأنهم من الضباط الذين خدموا في أجهزة الاستخبارات والدفاع العراقية ما قبل الغزو الأميركي عام 2003. وهذا يعني أن البغدادي قد بدأ من حيث انتهى بن لادن، ليظهر تنظيم باسم واستراتيجية وأساليب عمل اختلفت كثيرًا عن تنظيم القاعدة. ورغم الطفرات التي حققها التنظيم تنظيميًا في نوع وأساليب عمله، فإنه لم يكن بعيدًا عن أساليب القاعدة، في مجال الإعلام واستخدام الإنترنت وفاق كثيرًا بن لادن والظواهري في أساليبه الاستخبارية، بالإضافة إلى وحشية وشراسة التنظيم. ينشر تنظيم «داعش» على مواقعه دورات استخبارات متخصصة، فضلاً عن الدورات الفنية الخاصة بالمتفجرات وغيرها، وهي دورات أمن المعلومات وأمن الشخصيات والمنشآت ليتخرج مقاتليه بخبرات استخبارية، هذا ما تميّز به البغدادي كثيرًا عن زعيمه الروحي أبي مصعب الزرقاوي الذي كان يعتمد على القوة العسكرية القتالية والقوة البدنية أكثر من المعلومات.

كشفت التقارير حقيقة علاقة لداعية البريطاني المتطرّف أنجم تشودري وعلاقته بأجهزة الاستخبارات البريطانية. وقد ورد اسم تشودري، إلى جانب أسماء أبو قتادة الفلسطيني وأبو حمزة المصري وعمر بكري السوري، في طيات ما كُشف عن معلومات حول ارتباط رموز التطرف الإسلامي في بريطانيا بالاستخبارات البريطانية بموجب اتفاق سرّي. وتُرجّح المعلومات المتوفرة أن أجهزة الاستخبارات البريطانية توصّلت منذ تسعينات القرن الماضي إلى مقاربة تقوم على أساس السماح لقادة النشاط الإسلامي في بريطانيا، وأبرزهم أبو قتادة وأبو حمزة وبكري وتشودري وآخرون، بالعمل في الساحة البريطانية مقابل الالتزام بـ«ميثاق أمني يقضي بعدم المس بأمن بريطانيا وسلامة مواطنيها».



علاقات طالبان بالاستخبارات الروسية




إن تقارب بوتين من حركة طالبان تعكس البراغماتية عند أجهزة الاستخبارات بإيجاد قنوات اتصال مع هذه الجماعات للحصول على معلومات حول بعضها البعض الآخر. الخطوة الروسية ربما جاءت بعد قراءة روسيا إلى الانشقاقات داخل حركة طالبان بعد تولي الملا أخطر زعامة الحركة نهاية عام 2015 بدلا عن سلفه الملا عمر. ويبدو أن موسكو استغلت الخلافات ما بين تنظيم داعش وحركة طالبان، بالحصول على معلومات حول قيادات «داعش»، وهذا ما يرجح أن تقوم «داعش»، هي الأخرى بتسريب معلومات حول حركة طالبان إلى الاستخبارات المركزية واستخبارات غربية وربما الاستخبارات الباكستانية، التي عرفت بمسكها بملف طالبان في أفغانستان وباكستان.
هذه التنظيمات تستعين بخبرات رجال أمن واستخبارات منشقين عن الأنظمة والتحقوا بالتنظيم، فاستعان أسامة بن لادن بخبرات سيف الدين العدل، في الأعوام المبكرة من تشكيل التنظيم الذي بدأت ملامحه عام 1989، وهذا يعني أن هذه التنظيمات تبدأ ببناء نفسها من الداخل من أجل التماسك والحماية وسد الثغرات بقوة وتجنب الخروقات. إن تجربة العراق وسوريا، بالانشقاقات ولجوء ضباط من الجيش النظامي إلى التنظيمات المتشددة كجبهة النصرة والجبهة الإسلامية وجبهة ثوار سوريا والجيش الحر و«داعش» و«القاعدة» وغيرها، ربما هي الأوسع في تاريخ ارتداد رجال الدفاع والاستخبارات في حروب المنطقة.
إن العلاقة بين الاستخبارات، إقليمية أو غربية، مع الجماعات المتطرفة، هي واحدة من مهام الاستخبارات بتنفيذ سياساتها الخفية التي تعجز عنها الدبلوماسية. لقد اعتمدت الجماعات المتطرفة هي الأخرى على الجهد الاستخباراتي المعلوماتي داخل تنظيماتها، وبدأت تستقطب رجالا خدموا في أجهزة أمن واستخبارات ودفاع في وقت سابق لتوظف هذه الجماعات تلك الخبرات لصالحها، وهذا يعني أن هذه الجماعات المتطرفة لم تعد مجموعات ساذجة، تعتمد عل النشاط الدعوي أو القوة البدنية والتدريب بقدر ما تتبنى دروس في الاستخبارات وحماية الشخصية وتنفيذ العمليات الإرهابية. إن التطور الحاصل في تقنية عمل هذه الجماعات المتطرفة، صعد من حدة الحرب الذكية ما بينها والحكومات، وهذا ما عمل على مطاولة المواجهة وتمدد هذه الجماعات المتطرفة. أصبحت الاستخبارات من الركائز الأساسية للتنظيمات المتطرفة أبرزها «القاعدة» و«داعش»، لتكون الحروب استخبارية ومعلوماتية، بالإضافة إلى الحروب الميدانية. الجماعات المتطرفة، لم تعد مجرد مجموعات دعوية أو مسلحة، بقدر ما تقوم على بناء نفسها من الداخل، تبدأ بحلقات مغلقة، لتتوسع وتتحول إلى شبكة أكثر من تنظيم.



font change