عادل إمام زعيمٌ لا يُقال له: ارحل

عادل إمام زعيمٌ لا يُقال له: ارحل

[caption id="attachment_55255464" align="aligncenter" width="952"]عادل امام بريشة: علي المندلاوي عادل امام بريشة: علي المندلاوي[/caption]

نص: منصف المزغني وريشة: علي المندلاوي


(1)



الشعب العربي الذي أحبّ مسرحية عادل إمام «الزعيم» هو الذي منح عادل إمام لقب «الزعيم» فصار الزعيمَ العربي الوحيد الذي لا يغار منهم الزعماء، فهو لا يملك طول البال للنظر في مشكلات الناس، وليس له، على سبيل المثال، وقت فراغ لحضور مؤتمرات القمة.

(2)



هذا الزعيم طليق حرّ، وغير مربوط بالوعود المسجلة عليه، لأن منطقة حكمه هي خشبة المسرح أو الشاشة، وحدودها معروفة بشباك التذاكر أو بنسبة المشاهدة.. فلا يحاسبه أفراد الشعب على طول البقاء ولكن على الوقوف على الخشبة أو أمام الشاشة..
ومن حق هذا الزعيم أن يخطئ في كل شيء إلاّ في التمثيل دون أن يسمع من شعب المتفرجين كلماتٍ أو أوامرَ من نوع: «ارحلْ».

(3)



لم يأتِ عادل إمام على دبابة، جاء على خشبة المسرح، وصاغ حضوره الطاغي المستحبّ عبر نقد ساخر للمجتمع والسلطة، كما لم يخرج اسمه من صناديق الانتخاب، لأن الشعب هو الذي دخل عليه في المسرح وتفرج على مسرحياته التي استمرّ عرض بعضها بضع سنوات..
وهكذا وصل الزعيم إلى القلوب من العيون ومن العيوب التي بسطها فوق المسرح، فاستقرّ على الخشبة منذ سنة 1962 لكي لا ينزل عنها أبدًا، إلاّ للتشمّس أمام أضواء الشاشة والسينما لتصوير مسلسل أو فيلم جديد.

(4)



كيف يحكمُ الزعيمُ مثل غيره، بلا كتاب أبيض أو أحمر أو أخضر؟
- السؤال في الصميم، فقد كانت للزعيم «قفشات» مأثورة ومواقف منثورة في أفواه الناس مثل الأمثال الشعبية، يلهجون بها في حواراتهم، ويعيشونها، ويتواصلون، من خلالها، فيما بينهم مثل شفرة مفهومة من المحيط إلى الخليج.

(5)



وقبل انتشار الوسائط التواصلية، وحتى بعدها، كانت أغلب التلفزيونات العربية تُسَلّي مشاهديها بالفرجة على أفلام إمام أو إحدى مسرحياته في كل عيد، وكم كان «الواد سيد الشغال» شغالاً في الأعياد الدينية!
فهل قرّرتْ إدارات التلفزيونات العربية قرارًا لا رجعة فيه، وصمّمت على الاستنجاد بمسرحيات إمام للتفريج عن الهمّ والغمّ عند المواطن من خلال «مدرسة المشاغبين» أو لمشاهدة وإعادة المشاهدة لـ«شاهد ما شفش حاجة»؟

(6)



ولكن لم يُقدِّمُ الزعيم لبلده مصر ولباقي الوطن العربي شيئا ملموسا محسوسا خلال مخططه الخمسيني غير أفلام ومسرحيات ومسلسلات!! ومع ذلك صار عادل إمام عابرا لأجيال عربية تمتد على أكثر من نصف قرن من سينما الأبيض والأسود إلى الألوان إلى جيل «فيسبوك» و«يوتيوب».

(7)



لم يشرح الزعيم نظرياته للناس عبر وسائل الإعلام، فقد كان أقل الفنانين إجراء للحوارات الصحافية، فلا وقت لديه، لشرح أدواره الموضوعية أو توضيح اختياراته الجمالية ورؤيته الدينية أو السياسية، أو رفع الالتباس، ولكن عندما يتعرض إلى سوء الفهم، فإنه يكون محل مساءلة من القضاء.

(8)



ولأنّ الزعيم يخيطُ بنودَ الدستور في البرلمان على مقاسه، فإنّ عادل إمام كان يقوم بالأدوار التي تناسب مزاجه واهتماماته ومواقفه الفكرية والاجتماعية والقومية، وينتقل في الأعمال الدرامية الساخرة من دور إلى دور بلباقة مقنعة:
فهو التلميذ المشاغب، وهو الواد سيّد الشغال، وهو الأفوكاتو، وهو الإرهابي، وهو البهلوان الألعبان في «مرجان أحمد مرجان» الذي يؤرخ لانهيار كل القيم الاجتماعية والثقافية والعاطفية أمام سلطة المال، وهو الزعيم، ثمّ، أليس من حق عادل إمام أن يكون مشدودا بالحنين إلى كلية الزراعة التي تخرج منها، فيصير وزيرًا للزراعة في مسلسله «أستاذ ورئيس قسم» (2015)؟

(9)



لقد مثّلَ عادل إمام مصرفا عربيّا لا يُفلسُ من المواقف، وكنزًا لا يفنى من الطرائف، لأن مصدرَهُ الرئيسي هو الناس الذين لا يكفّون عن المعاناة والجريان والطوفان أحيانا، مثل نهر النيل، وكان الزعيم الفنانُ شبيهًا بشركة الترويج الكبرى لهذا السيل من المعاناة الساخرة التي ما انفكت تتدفق فيضا من البسمات في مسرحيات، عمودها الفقري هو حركة الزعيم، ووقفته الاستثنائية الواثقة وأسئلته الناشرة، وتدخلاته المبتورة الساخرة..

(10)



إنّ عادل إمام، كأي زعيم، قليل الابتسام، ينتج النكتة ولا يستهلكها، بل يمنحها بمنتهى الكرم للجمهور، فلقد أدرك الزعيمُ هذا السرّ، وهذا دليل على أن الرجل الضاحك رجل جدّي في العمل والموقف، ولسببٍ مثل هذا، لم يكن اختياره عام 2000 سفيرًا للنوايا الحسنة في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، من قبيل المزاح..
font change