حدود الدور الروسي في المنطقة

حدود الدور الروسي في المنطقة

الإمبراطوريات لا تبعث



[caption id="attachment_55256900" align="aligncenter" width="1669"]ناشطون يتظاهرون ضد التدخلات العسكرية الروسية في سوريا.(غيتي) ناشطون يتظاهرون ضد التدخلات العسكرية الروسية في سوريا.(غيتي) [/caption]

جدة: يوسف الديني

على الرغم من حنق المنطقة على التدخل الروسي السافر في الأزمة السورية فإن قراءة فاحصة لحدود هذا التدخل رغم لا أخلاقيته من ناحية إنسانية أظهرت ارتباكًا روسيًا وهشاشة جعلت من العسير جدًا عقد أي مقارنة بين الاتحاد السوفياتي إبان غزو أفغانستان وروسيا بوتين وهي تحرث موقعًا لها في الأزمة السورية بجانب نظام طهران بميليشياته المسلحة وأذرعه وأبرزها «حزب الله».

مؤخرًا أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن سحبها ست طائرات سوخوي 24 من قاعدة حميميم باللاذقية وأعادتها إلى روسيا، وذلك في إطار تقليص وجودها العسكري وتغيير تركيبة قواتها العاملة في سوريا، مشيرة إلى وجود خطط جادة من قبل وزارة الدفاع الروسية لسحب جزء من الطائرات الروسية والمجموعة التقنية الهندسية وأفراد الجيش المتمركزين بالقاعدة في القادم من الأيام.

وقف إطلاق النار الذي دشنه الرئيس الروسي تمهيدًا استباقيًا لعودة دخول واشنطن على الخط بعد تسلم الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب الملف، ومع ذلك فشل وقف إطلاق النار رغم أنه تم باتفاق مع طرف جديد وهو تركيا التي تعاني من الاستهداف المكثف من قبل عدة أطراف بينها «داعش»، وربما كان جر قدم تركيا إلى سوريا هو جزء من بداية الرغبة في الانسحاب من المستنقع السوري الأمر الذي لم يقتصر على القوات البرية أو الجوية بل شمل القوات البحرية التي عبر عنها رئيس هيئة أركان الجيش الروسي فاليري غراسيموف بتصريح أكد فيه أن قوة بحرية روسية بقيادة حاملة الطائرات الأميرال كوزنتسوف بدأت الانسحاب من شرق البحر المتوسط بعد أن شاركت في سوريا.
استبعاد الأطراف الإقليمية

وعلى الأرجح أن مبادرة وقف إطلاق النار وفرت للمعارضة فرصة كبيرة لإعادة الصفوف وترتيب الأولويات كما هو الحال مع المنظمات الإنسانية التي ستساهم في تخفيف المعاناة غير المسبوقة لسكان حلب لكن السؤال المطروح اليوم هو عن إمكانية إكمال روسيا توغلها في سوريا مع استبعاد الأطراف الإقليمية مضافًا إليها أميركا أوباما في كل التحركات الأخيرة ومنها مبادرة وقف إطلاق النار وهو ما لا يمكن تصور استمراره فسجل الولايات المتحدة في التدخل في المنطقة أكبر بكثير من سجل موسكو بداية من الحرب ضد الاتحاد السوفياتي نفسه في أفغانستان مرورًا بالعراق وليبيا والتحالف الدولي في الحرب على الإرهاب عدا التدخل في الملفات الإقليمية الأساسية مثل الصراع العربي الإسرائيلي أو تمدد نظام إيران وسعيه في امتلاك السلاح النووي.

والحال أن نجاح بوتين في لفت أنظار العالم والمجتمع الدولي بعد تدخله الهمجي في سوريا هو نجاح سياسي أكثر من كونه عسكريا إلا أنه من غير الممكن تصور أن تبلغ حدود التدخل الروسي إلى أن تتحول إلى بديل للولايات المتحدة على طريقة شرطي العالم الجديد.

الإشكالية تنبع أولاً من فهم الأولويات الروسية وأهمها إنعاش سوق السلاح بصفقات كبيرة، والحصول على كروت سياسية جديدة عبر المقامرة بالأزمة السورية، إلا أنه لا يمكن تخيل أن تنبعث إمبراطورية الاتحاد السوفياتي كراعية للأنظمة الشمولية ذات المنزع اليساري من جديد فدور كهذا يعني بقاء أطول في المنطقة وتحمل التبعات الأمنية والخسائر في الأرواح وإيجاد خطة متكاملة لإحلال البدائل السياسية الموالية لها على طريقة الولايات المتحدة التي لم تنجح بشكل كبير لا في أفغانستان ولا العراق بقدر ما خلقت تحديات ضخمة وملفات عالقة وهشاشة أمنية بالغة.

ملفات المنطقة



[caption id="attachment_55256901" align="alignleft" width="223"]الرئيس الروسي بوتين أثناء مؤتمر أقيم في اسطنبول لمناقشة الأزمة السورية. (غيتي) الرئيس الروسي بوتين أثناء مؤتمر أقيم في اسطنبول لمناقشة الأزمة السورية. (غيتي)[/caption]

هل تستطيع روسيا الانخراط بشكل أكبر في مشاكل وملفات المنطقة، سؤال يحاول المحللون الاستراتيجيون البحث فيه، لكن المؤكد أن عودة الولايات المتحدة سيكون لها تأثير كبير على تحجيم الدور الروسي؛ إضافة إلى مدى ما ستحصل عليه من عوائد إيرادات الطاقة التي تعاني من انخفاض كبير، كما أن سمعة الدب الروسي السيئة جدًا في المنطقة في تصاعد وهو ما يعني أن شعاراتها في الحرب على الإرهاب عادة لا تؤخذ بجدية لا سيما بعد استهداف المدنيين السوريين، والمشاهد المروعة التي تناقلتها وسائل الإعلام في حين أن رد فعل التنظيمات المتطرفة المسلحة في سوريا هو الارتداد إلى المدن المتاخمة ومحاولة الحفاظ على الكوادر والاستفادة من العدوان الروسي على المدنيين في تجنيد المزيد من الأعضاء.

ما تشهده المنطقة من فوضى عارمة وصعود منطق الميليشيات والمجموعات الإرهابية تحت مظلة الإسلام السياسي سنية وشيعية، يؤكد أن جزءًا كبيرًا من الخريطة الكلاسيكية للنظام الإقليمي قد انهار إلى غير رجعة.
حدود التدخل الروسي لن تنهي على الأرجح وجود «داعش» بالكامل، فحتى في تجربة الموصل ما زالت المعركة أطول مما تخيلتها الحكومة العراقية التي تبدو في وضعية عسكرية أفضل بعد دعم ميليشيات الحشد الشعبي.
في نهاية المطاف مهما حاولت الأطراف الدولية إبقاء شرعية الأسد في صفقة نزعه للأسلحة الكيماوية فإن ذلك لا يمكن أن يقبل به الشعب السوري أو حتى الأطراف الإقليمية، كما أن نزع تلك الأسلحة لا يعني نهاية الحلف الأسدي مع إيران وحلفائها في المنطقة وبالتالي سيظل أمر سوريا مرهونا بالتوازنات الإقليمية، ولذا فالتدخل الأميركي والروسي قد يساهم في إنهاء نظام الأسد ولكن ليس في حل الأزمة السورية مع بقائه.

وبحسب «الغارديان» البريطانية فإن هناك انقساما كبيرا حول أسباب سحب بعض المعدات الروسية من سوريا التي نقلت عن الرئيس بوتين إلى أنها مهمة منجزة تقريبًا إلا أن عددًا من الخبراء يؤكد أن وجود هذه المعدات الروسية في سوريا هو مجرد استعراض عسكري رمزي لمحاولة إعطاء صورة جديدة عن روسيا بوتين القوية.
الأكيد أن أي دعاوى استقلال سيادي يتحدث عنها نظام الأسد قد انتهت إلى غير رجعة فالمدة الزمنية التي قالها بوتين في أول توقيت للتدخل العسكري لم تتجاوز الستة أشهر، وقد شارف التورط الروسي الآن في الدماء السورية على قرابة العامين.
font change