ما سر الطفرة الفندقية السعودية؟

ما سر الطفرة الفندقية السعودية؟

[caption id="attachment_55257826" align="aligncenter" width="944"]برج مكة (غيتي) برج مكة (غيتي)[/caption]

التوسع الفندقي في الديار المقدسة بمكة المكرمة والمدينة المنورة
الخبير الاقتصادي محمد العبد اللطيف: الإصلاحات التشريعية لهيئة السياحة والآثار ساهمت في«الطفرة الفندقية»




جدة: معتصم الفلو

جولة واحدة في الشوارع الرئيسية في المدن الكبرى السعودية، وحتى الطرفية منها، تكفي لملاحظة ورشة بناء عملاقة لأعداد كبيرة من الفنادق، التي يجري العمل على إنجازها حاليًا أو التي أطلقت خدماتها فعليًا، وبدأت باستقبال ضيوفها وروادها. ولا يدور الحديث هنا حول التوسع الفندقي في الديار المقدسة بمكة المكرمة والمدينة المنورة، اللتين تستأثران وحدهما بنحو 75 في المائة من مجمل الاستثمارات الفندقية.
رغم أن أحدث التقارير حول قطاع الضيافة السعودية تشير بوضوح إلى تراجع معدلات الإشغال في المدن الرئيسية ومعها إيرادات الغرفة الفندقية الواحدة، فإن أعمال الإنشاء تسير بوتيرة متسارعة، متجاوزة الحديث عن تراجع معدلات النمو العالية، التي حققها الاقتصاد السعودي حتى انخفاض أسعار النفط عام 2015، وتأثيره على مجمل القطاعات، ومنها القطاع السياحي بشقه الفندقي.
ولا يبدو أن العلامات الفندقية العالمية فقط هي التي تتصدر تلك «الطفرة» الفندقية، بل إن هناك علامات فندقية محلية، تنافس وتبني وتشغل وتتوسع.
فما هو سر هذه الطفرة الفندقية؟ وما هي العوامل المباشرة وغير المباشرة التي تغري المستثمرين في هذا القطاع بالذات؟ ولماذا تغير سلوك المستثمرين نحو الفنادق متوسط التكلفة، بعيداً عن الفنادق الفاخرة؟


أرقام القطاع الفندقي




يسهم القطاع السياحي بنحو 3.5 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي، وهي النسبة ذاتها في البحرين (3.4 في المائة) وأكثر من عمان (2.9 في المائة)، إلا أنها أقل من الإمارات (8.7 في المائة) وقطر (4.7 في المائة).
هذه النسبة المتواضعة لمساهمة القطاع السياحي السعودي في الناتج المحلي هي ذاتها الفرصة الذهبية لقطاع الضيافة، إذ تشير إلى أن ما يعرف بـ«نسبة الاختراق» (Penetration Rate)، أي مدى اكتفاء السوق بما لديه من الاستثمارات القائمة، لا تزال تسمح للمستثمرين بضخ المزيد من الأموال في هذا القطاع.
وصل عدد الفنادق بنهاية عام 2016 إلى 1746 فندقًا بإجمالي إلى 299.480 غرفة، صعودا من 1685 فندقاً عام 2015، فيما وصل حجم الاستثمار في القطاع الفندقي إلى 139 مليار ريال (37 مليار دولار)عام 2015 لوحده، مقارنة بنحو 33 مليار ريال (8.8 مليارات دولار) عام 2005، وذلك وفقًا لمؤشرات مركز المعلومات والأبحاث السياحية، التابع لهيئة السياحة الآثار السعودية.

أسباب مباشرة وغير مباشرة



هناك كثير من الأسباب، التي تعزى إلى النشاط المحموم للاستثمار السياحي. أما الأسباب الظاهرة لهذا التوجه، فيعددها الخبير الاقتصادي محمد العبد اللطيف: «إن الإصلاحات التشريعية التي عملت عليها هيئة السياحة والآثار، من حيث تسهيل الحصول على التراخيص والتصنيف والتثقيف السياحي، إلى جانب المخصصات النقدية لإقراض المستثمرين، كلها تساهم فيما يطلق عليه «الطفرة الفندقية»؛ رغم تراجع بعض القطاعات كالمقاولات مثلاً. فقد خصصت الهيئة 3 مليارات ريال (800 مليون دولار) لإقراض المشاريع الفندقية والسكنية حتى 2020، منها 397 مليون ريال (105.9 مليون دولار) لعام 2017 لوحده. كما أن المصارف السعودية ترتاح إلى تمويل هذا القطاع أكثر من غيره، نظراً لقلة المخاطر نسبياً، مقارنة بالقطاعات الأخرى؛ نظرًا لأنه لا يستخدم فقط لإقامة الضيوف، بل يعمل الفندق كمطعم وصالة أفراح ومقهى وقاعة للاجتماعات، أي أنه متعدد الوظائف».

وهناك أسباب أخرى قد لا تبدو واضحة للعيان، أهمها بحسب العبد اللطيف: «هو فرض ضريبة الأراضي البيضاء، وهي الضريبة المفروضة على الأراضي غير المطورة، والتي تصل إلى 2.5 في المائة من القيمة الإجمالية للأرض، والتي بدأت وزارة الإسكان بالفعل بتحصيلها على مراحل. وقد تكون الضريبة واحدة من المحفزات غير المباشرة، إذ إن خيارات المستثمرين ستتجه إلى قطاعات تكون فيها الأرباح المتوقعة شبه مضمونة، ولو على البعيد. كما أن ذلك سيجنب ملاك الأراضي ضرائب تلتهم قيمة الأرض، عامًا بعد عام».
ويضيف: «على عكس الأبنية السكنية أو الأبراج المكتبية، فإن الفنادق تضيف إلى نفسها كل عام قيمة لا تقل عن قيمة العقار، وهي قيمة العلامة التجارية أو الاسم التجاري. فكل يوم يمر هو رصيد إضافي وسمعة يتناقلها الضيوف والمستثمرون، وهذا الأمر ينطبق على العلامات التجارية المحلية والعالمية على حد سواء».
كما تشهد المملكة حراكًا يزداد فيه النقاش حول الصيغة المناسبة لفتح البلاد سياحيًا، وهي صيغة معقدة نوعًا ما، فالبلاد ليست وجهة للسياحة التقليدية؛ رغم غناها بالآثار ووجود بعض المناطق ذات الطبيعة الخلابة وينابيع المياه الكبريتية. وكان آخرها ما أثير حول وجود توجه لتعزيز سياحة ما بعد العمرة، أي فتح المزيد من المناطق أمام السياحة للمعتمرين. ومن المعقول جدًا أن صناع قطاع الضيافة يستشعرون قرب إصدار قرارات في هذا الصدد، بما يواكب رؤية 2030، التي تولي دورًا أكثر أهمية للاقتصاد السعودي غير النفطي، بحسب العبد اللطيف.


فنادق التكلفة المنخفضة




يقول تقرير من إعداد «هوتليير الشرق الأوسط» صدر في يناير (كانون الثاني) الماضي إن العمل يجري حاليًا في السعودية على إنشاء 37.864 غرفة في 83 فندقًا.
ولكن من أبرز الملاحظات هي أن معظم تلك الفنادق الجديدة أو التي تحت الإنشاء هي من فئة 3 نجوم ونجمتين، فيما تتضاءل حصة الفنادق من فئة 5 نجوم.
ويعلق العبد اللطيف على ذلك، بأن البلاد تشهد معروضاً كافياً من الفنادق الفاخرة. وفي ظل غلاء التكاليف لتلك الفنادق، فإنها تستهدف فئات محددة، بقدرات مالية عالية، لذا فهي بعيدة نوعاً ما عن المنافسة وهامش الأسعار غير معرض للهبوط. أما الفنادق من فئة 3 نجوم ونجمتين، فإنها قادرة على استقطاب شريحة أكبر من الضيوف، وهي قادرة على تقديم خدمات بجودة عالية بتكاليف معقولة. كما أنها ترفع مستوى التنافسية ضمن هذه الشريحة، وهي بديل معقول أو حتى منافس للوحدات السكنية المفروشة، من حيث التزامها بالمعايير الفندقية وتقيدها بما تفرضه العلامة التجارية المالكة للفندق.


إقبال رغم التراجع




كشف تقرير أعدته «إرنست ويونغ» ونشر في فبراير (شباط) الماضي عن تراجع إيرادات الغرف الفندقية السعودية على نحو ملحوظ العام الماضي، مقارنة بعام 2015 في جدة والمدينة المنورة ومكة المكرمة والرياض، مع انخفاض في معدلات الإشغال بحسب الجدول التالي:

Untitled

ويظهر الجدول أعلاه أن هناك تراجعاً حقيقياً في إيراد الغرفة الفندقية، لكن الإيرادات الأخرى كانت أقل تأثراً مثل إيرادات حفلات الأعراس والمطاعم والمقاهي وغيرها.
وقد مرت الصناعة الفندقية السعودية بانخفاضات مثل هذه إبان الأزمة المالية العالمية عام 2008 - 2009، حيث شهدت إيرادات الغرف تراجعاً مماثلاً، إلا أنها ما لبثت أن انتعشت من جديد، بعد مرور الأزمة.
ويذكر للقطاع الفندقي السعودي أنه لم يشهد حالات صرف للموظفين مثل قطاع المقاولات الذي حظي بالنسبة الكبرى من المصروفين على مدار العام الماضي.

ومما لا شك فيه أن المستثمرين لا يضخون أموالهم إلا بعد دراسات مستفيضة، وهم في حقيقة الأمر مستفيدون حاليًا من رخص المواد الخام ومتاعب قطاع المقاولات، الذي اضطر للقبول بأسعار أقل تحت وطأة المنافسة، حيث إن من يبني فندقًا الآن يوفر ما لا يقل عن 30 في المائة من التكلفة الإجمالية فيما لو بناه قبل 4 أو 5 سنوات.
font change