الديموغرافيا وسيلة طهران إلى القوة

الديموغرافيا وسيلة طهران إلى القوة

[caption id="attachment_55258087" align="aligncenter" width="1700"]المعارضة السورية وعائلاتهم خلال عملية الإخلاء من حي واير غرب مدينة حمص 18 مارس 2017(غيتي) المعارضة السورية وعائلاتهم خلال عملية الإخلاء من حي واير غرب مدينة حمص 18 مارس 2017(غيتي)[/caption]

ميليشيات طائفية للنظام الإيراني تجبر السوريين على ترك منازلهم



واشنطن: حنين غدار

يتعرض السوريون مرة أخرى للطرد من مدنهم، على يد قوات النظام و«حزب الله»، وتحت رعاية روسيا. في هذه المرة، أُمر سكان الوعر، في مطلع الشهر الماضي، بمغادرة حيهم المحاصر في حمص، بناء على اتفاق بين قوات النظام وفريق مفاوضات حي الوعر. وتضمن الاتفاق شروطاً محددة، مثل إجلاء المقاتلين وعائلاتهم من الحي، بالإضافة إلى المدنيين الآخرين الذين «قد يرغبون في المغادرة»، ليتجهوا إلى مناطق في ريف حمص وريف إدلب وريف جرابلس. وتتوقع مصادر محلية أن يصل عدد من سيتم إجلاؤهم إلى 15 ألف شخص.

النقل الطائفي للمواطنين



ليست تلك المرة الأولى التي يُجبر فيها السوريون على ترك منازلهم. وقد اتضح منذ فترة أن هذا النقل الطائفي للمواطنين من مناطق معينة في سوريا يعد جزءاً من مخطط إيراني أكبر لإجلاء السوريين السُنة من مدنهم وقراهم التي تقع داخل ما يسمى بـ«سوريا المفيدة». كما تعمل إيران جاهدة من أجل إحضار عائلات شيعية متشددة ، من العراق في الأغلب، للاستقرار في المناطق التي خرج منها السُنة، لكي تضمن أن ذلك الممر سيكون صديقاً لإيران.

ويمتد هذا الجزء في سوريا من الساحل العلوي إلى معاقل «حزب الله» في لبنان. وبصفته القوة الرئيسية لإيران، أجرى بعض المتشددين في «حزب الله» بالفعل تطهيراً عرقياً من نفسه في مناطق محددة على طول الحدود (على سبيل المثال، حملاته في عام 2013 في منطقتي القصير والقلمون). كذلك، تم إجلاء مئات الآلاف من السنيين من حمص فيما بين عامي 2011 و2014، عندما تم إبرام اتفاق مع قوات النظام، بعد أن وصل التجويع إلى مستويات صادمة.

ومنذ ذلك الحين، أصبحت محاصرة المدن والقرى، وتجويع سكانها، استراتيجية النظام لفرض اتفاقات تؤدي إلى خروج السكان من «سوريا المفيدة» بالنسبة لإيران، وللسماح للحرس الثوري الإيراني بإتمام الممر الذي يربط بين الساحل السوري وحدود لبنان، من حمص إلى القلمون، تحتاج إيران أن يخلو هذا الممر من السنة، ولكن لضمان ذلك يجب إتمامه قبل عقد أي اتفاق سياسي أو دبلوماسي دولي بشأن سوريا، ويجب أن يعترف أي اتفاق دولي بسيطرة إيران على هذه المناطق في سوريا، وإلا لن تترك الميليشيات العميلة سوريا مطلقاً، ولن توقف عملياتها العسكرية.



الاستراتيجية الديموغرافية




ربما لن تتوقف هذه الاستراتيجية الديموغرافية عند الوعر، وسيتم إجبار السنيين الباقين في الغوطة وزبداني ومضايا واليرموك، وغيرها من المناطق المحيطة بدمشق، على الخروج في النهاية أيضاً. يحدث ذلك بالتوازي مع تغييرات ديموغرافية أخرى في حلب وضواحيها، ومناطق أخرى في سوريا. فكما يريدون ربط الساحل بحدود لبنان، يحتاجون أيضاً إلى ربط الحدود السورية بحدود العراق.
إن تصور إيران الأكبر عن «سوريا المفيدة» يحقق غرضه فقط إذا وضع في سياق العمليات والسيطرة الإيرانية على كل من العراق ولبنان. وبالتالي، سيربط هذا الممر في سوريا كلا من إيران والعراق و«سوريا المفيدة» بوادي البقاع ومعقل «حزب الله» العسكري في جنوب لبنان، وبذلك يكتمل الهلال التابع لطهران.

وفي العراق، تجرى عمليات إيرانية لإتمام فرض سيطرتها على الموصل. ومن المرجح أن تتمكن إيران من إقامة ممر يمتد من محافظة ديالى، على الحدود العراقية، حتى جبال حمرين، شمال شرقي تكريت، وبطول الطريق حتى تل عفر وصولاً إلى سنجار، على الحدود السورية. وعلى الجانب الآخر من سوريا، تملك القوات التي تدعمها إيران بالفعل طرقاً متعددة إلى لبنان، عبر القصير وغيرها من المناطق في القلمون. وحتى الآن، على الرغم من تجدد التهديدات الأميركية الموجهة لإيران مع قدوم إدارة ترمب، لم يتم اتخاذ إجراءات جادة لمواجهة مخطط إيران في المنطقة. وإذا استمر الأمر، سوف تتمكن إيران من إتمام هلالها الطائفي قبل مرور وقت طويل.

ومع أن جسراً برياً لن يكون له أهمية كبرى لطهران، فيما يتعلق بنقل الأسلحة، فإنه قد يمنحها وسيلة أكبر لإظهار النفوذ، وتأكيد الوجود الإيراني المستمر في العراق وسوريا ولبنان. ووفق ذلك السيناريو، لن تتمكن هذه الدول من البقاء كدول مستقلة ذات سيادة. علاوة على ذلك، سوف يزيد الوجود الإيراني المُعزز على طول هذا الممر اشتعال الخطاب المتطرف المعادي للشيعة الذي يتبناه تنظيم داعش، مما يفاقم النزاعات الطائفية القائمة في المنطقة.


الطريق الذي يربط بين الحدود اللبنانية والسورية




في لبنان، يبدو نفوذ «حزب الله» محدداً بوضوح أكبر، والطريق الذي يربط بين الحدود اللبنانية والسورية وجنوب لبنان عبر البقاع يخضع لسيطرة «حزب الله».
وفي الداخل، يبذل «حزب الله» جهوداً كبيرة لربط المناطق التابعة له ببعضها عبر أنفاق ومشروعات سكنية، حيث يتم نقل بعض المتشددين من الشيعة إلى مدن سنية ومسيحية. وقد تم تصميم هذه المشروعات السكنية وإنشائها بواسطة شركة «تاجكو» التي يملكها قاسم تاج الدين الذي تم إلقاء القبض عليه في المغرب، وتسليمه إلى الولايات المتحدة، لقيامه بتمويل «حزب الله».
إذا ألقينا نظرة أقرب على مشروعات «تاجكو» في لبنان، سيتضح لنا أن «حزب الله» مشترك أيضاً في تغييرات ديموغرافية. فمن خلال تلك المشروعات السكنية، يستطيع «حزب الله» التمتع بممر طائفي في لبنان، حيث تشكل رابطاً ديموغرافياً شيعياً مثالياً من الجنوب إلى البقاع مروراً بالبقاع الغربي، ومن الجنوب إلى بيروت، وأيضاً من البقاع إلى الساحل عبر جبل الدروز، مما يثير استياء السكان والقيادات السياسية الأخرى.

وقد أقامت شركته قرية جديدة بالكامل في جزين، تسمى «القطراني»، وهي تربط جنوب لبنان بكل من البقاع وجبل الدروز. كما شيدت الشركة أيضاً مشروعاً سكنياً في الدلهمية، يربط منطقة الشوف بالطريق الساحلي من الناعمة إلى الجية، وكلا المنطقتين يسكنهما السنة. كذلك تقيم الشركة مشروعات إنشائية في تلك المناطق السنية الساحلية، بالإضافة إلى مناطق سنية ساحلية أخرى هي الخالدية وجدرا وسعديات ووداي الزينة، وذلك لربط الجنوب ببيروت. ومن أجل إتمام الربط من الجنوب إلى البقاع، تشترك الشركة ذاتها في عدد من المشروعات في البقاع الغربي، في مناطق غالبية سكانها من السنة أو المسيحيين.
هذه المشروعات ليست صغيرة، ففي حين يضم بعضها عدداً من المباني السكنية، فإنها يمكن أن تستوعب أكثر من خمسمائة أسرة شيعية، ممن انتقلوا من الجنوب والبقاع والضاحية، نظراً لانخفاض أسعار الوحدات السكنية الجديدة في هذه المشروعات عن الأسعار في غيرها من المناطق.


تجنيد الشباب العاطل




وأثار سكان المدن التي أقيمت بها هذه المشروعات مخاوف بشأن استغلال «حزب الله» لهذه المشروعات لفرض وجوده العسكري، وأيضاً لتجنيد الشباب العاطل من السُنة والمسيحيين في «سرايا المقاومة».
وكان من المفترض أن تحشد «سرايا المقاومة»، التي أسسها «حزب الله» في عام 1997، اللبنانيين من غير الشيعة لدعم المقاومة، بيد أن دورها تغير منذ ذلك الحين. واليوم، تعد السرايا قوات شبه عسكرية غير نظامية موالية لـ«حزب الله»، وقد تورطت في عدد من الوقائع الأمنية في الأعوام الأخيرة، مثل أحداث 7 مايو (أيار) عام 2008، عندما اقتحم «حزب الله» وحلفاؤه بيروت وجبل الدروز، واشتباكات صيدا ضد الشيخ أحمد الأسير. ووفقاً لتصريحات وزير الداخلية اللبناني، يبلغ قوام السرايا 50 ألف مقاتل، ولديها مهمة داخلية.

يشار إلى أن تلك المشروعات الديموغرافية تتم في لبنان منذ أعوام، وتسبق هذه الظاهرة تدخل «حزب الله» في سوريا، وذلك يعني أن تلك كانت استراتيجية فعالة وناجحة تنفذها إيران وعملاؤها، وليست جديدة في سوريا، ولكنها تحمل مضامين أكثر خطورة في سوريا، حيث تربط جميع الأراضي الشيعية في لبنان وسوريا والعراق معاً، مما يكمل الهلال الطائفي من دون توقف.
سوف يكون هذا الهلال معرضاً للخطر لأن الأغلبية السنية في المنطقة وقياداتها لن تقبل بمثل هذا البرنامج الشيعي المتشدد لاكتساب النفوذ.

حنين غدار: زميلة زائرة في زمالة فريدمان بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.
font change