حرب سوريا بوسائل أخرى

حرب سوريا بوسائل أخرى

[caption id="attachment_55259199" align="aligncenter" width="965"]غايل تزيماك ليمون غايل تزيماك ليمون[/caption]

غايل تزيماك ليمون*

لم يحدث من قبل خلال الحرب السورية المشتعلة طوال السنوات الخمس الأخيرة من القتال الدموي أن يكون المدنيون السوريون معرضين للخطر ووحيدين لهذه الدرجة.

قالت لي خلود حلمي، وهي من مؤسسي صحيفة «عنب بلدي» السورية: «أعرف شخصاً قُتِلت ابنته في حي صلاح الدين – أحد أحياء حلب - وكان عمرها سبع سنوات فقط». وتُتابع خلود الصراع السوري لحظة بلحظة من محل إقامتها بجنوب تركيا، الذي فرّت إليه قبل عدّة سنوات. كانت خلود تحلم بثورة سلمية في البداية ثم صارت تحلم بأن يتدخل المجتمع الدولي ليساعد في إحلال السلام في سوريا وإيقاف نظام الأسد عن قتل مواطنيها. ولكن مع مرور الوقت ومع استمرار القتل وانشغال العالم عن سوريا تخلّت خلود عن تلك الأفكار. وقالت: «لم يعد لدي أي أمل في أن يتّخد العالم خطوات إيجابية. الأمور تزداد حدةً، والناسُ يموتون كل يوم».

ولسنواتٍ كثيرة حاول وليد وغيره من المواطنين والصحافيين ونشطاء المجتمع المدني والعاملين في مجال الإغاثة، جذب اهتمام العالم بالشأن السوري لبذل المزيد من الموارد والجهد لإيقاف الحرب، لكن، كما يقول صحافي يُدعى وليد: «لم تقم الأمم المتحدة بعمل أي شيء لوقف حصار حلب ولم يتحدّثوا عن القصف الجوي الروسي ولم يقل أي أحد أي شيء. أهل حلب الآن لا يبالون بالأمم المتحدة ولا بالمجتمع الدولي».

قبل أن تصل المعركة إلى حلب هذا العام، كانت المدينة موطناً للعدد الأكبر من النازحين من مجموع 6,5 مليون نازح في البلاد. فقد فر الناس إلى حلب من أجل الأمان، ولكن الوضع لم يعد كما كان. وتقول كريستي ديلافيلد، مسؤولة الاتصالات بمنظمة «ميرسي كوربس» التي تعمل في سوريا: «إن الأماكن التي كانت آمنة لم تعد كذلك والأماكن التي ظنّ الناس أنها ستكون ملاذهم الأخير لم تعد آمنة». وتضيف: «عملنا في مستوطنة غير رسمية على الحدود مع تركيا وذهب النازحون إليها، لكنها تعرضت للقصف، ورأينا المدنيين يموتون». وقالت إن المساحة التي تم إنشاؤها للمدنيين قد تقلصت خلال الصراع إذ لا يمكن لأي طرف أن يحقق فوزاً حاسماً أو دائماً في ساحة المعركة. وقد تم قصف المستشفيات والمدارس في القتال وتم استهداف مخيمات المشردين داخلياً.

وقد أصبح العثور على مكان آمن للمدنيين شبه مستحيل. «إذا هرب الناس من حلب إلى إدلب فهم يهربون من تحت القصف إلى تحت القصف». ولهذا السبب ترك أكثر من أربعة ملايين سوري وطنهم. ولكن مع إغلاق الكثير من الدول أبوابها أمامهم، لم يعد هذا الخيار متاحاً.

وحدّثني جورج ريدينجز الذي يعمل في لجنة الإنقاذ الدولية من مكتبه في عمّان بالأردن قائلاً: «إنهم محاصرون تمامًا. من الصعب حقاً التفكير في أي نزاع آخر حيث تم تسييس الحماية الأساسية للمدنيين وإمكانية وصول المساعدات الإنسانية إليهم لهذا الحد الكبير وأصبح ذلك مرتبطاً بالوضع العسكري... لقد تغير مفهوم وصول المساعدات الإنسانية في سوريا وفقد معناه الحقيقي». كان الهدف من وصول المساعدات الإنسانية أن يكون مُحايداً تماماً ومكفولاً للمدنيين الذين لا يشاركون في الحرب، حتى لا يتم استهدافهم. ولكنه لم يعد كذلك.

وأضاف ريدينجز: «الآن، نتحدث في النهاية عن قوافل طبية تذهب وتوزّع المساعدات لمرّة واحدة، أو عن الاقتراح الروسي لفتح ممرات إنسانية في حلب، وكل هذه الأفكار لا يمكن أن نعتبرها وصولاً إنسانياً مستداماً والذي يعتبر ضرورياً لتلبية احتياجات المدنيين السوريين في تلك المناطق».

وريدينجز من بين الكثيرين الذين قالوا إن بعض المعونات والمساعدات الإنسانية في النزاع السوري «أصبحت مسيّسة بشكل كبير وأصبحت تستخدم كأداة لتحفيز الجماعات للمشاركة في المفاوضات الدبلوماسية». ولكن هذا له تأثير في زيادة ربط المعونة الإنسانية بأحداث ساحة المعركة بدلاً من فصلها عنها. والآن، ومع توقف المفاوضات السياسية، فإن وصول المساعدات الإنسانية قد توقف أيضاً.

«لا يستطيع المدنيون النزوح، ولا يستطيعون الحصول على الغذاء والدواء»؛ هكذا قال زاهر سحلول، وهو طبيب بولاية شيكاغو الأميركية ويقدم مساعدات طبية داخل سوريا، إذ يعمل في الجمعية الطبية السورية الأميركية. وأضاف: «الممرات الإنسانية التي تزعم روسيا أنها فتحتها لم يقترب منها أحد، فهذه الممرات يسميها أهالي حلب ممرات الموت».

وصل عدد الخسائر البشرية نتيجة الصراع السوري إلى درجة غير معقولة. فبحسب ريدينجز قُدّرت أعداد القتلى بأكثر من 400 ألف قتيل والأعداد تتزايد. وقد انتقلت دور الأيتام تحت الأرض تجنباً للموت من القذائف. ويعمل الجراحون في مستشفيات تحت الأرض في حين تهتز الجدران أثناء العملية.

يقول ريدينجز: «لا يوجد مكان للمدنيين ليذهبوا إليه. يجب أن يبقى المدنيون آمنين في منازلهم إذا أرادوا ذلك، لكن هذا غير ممكن في معظم مناطق سوريا. يجب أن يكونوا قادرين على اللجوء، وهذا أيضاً أمرٌ صعب لأنهم يواجهون صعوبة في عبور الحدود ولأن مخيمات النازحين داخل سوريا أصبحت مستهدفة كذلك».

ومع استمرار الكارثة في سوريا، من المستبعد أن تتحسن الأمور بالنسبة للمدنيين على المدى القريب. فكل طرف يريد تحقيق مكاسب في ساحة المعركة قبل استئناف محادثات جنيف المتوقفة في الوقت الراهن. والسعي للوصول للسلطة بدلاً من احترام الحياة المدنية يقود الأمور على الأرض.

يجب على المجتمع الدولي السعي إلى وصول إنساني حقيقي غير مشروط للمدنيين داخل سوريا، بدلاً من الكلام الذي ليس له فائدة، بينما يموت المدنيون كل يوم. وينبغي أن يكون وقف الأعمال القتالية غير المرتبط بالضرورات السياسية هو الهدف المباشر. ويجب أن يضغط العالم على الأطراف المتحاربة لحماية المواطنين الذين لا يشتركون في الحرب، ولا يجدون مكاناً آمناً للذهاب إليه هرباً من الحرب.
* باحثة وكاتبة و زميلة في مجلس العلاقات الخارجية ومؤلفة كتاب «حرب آشلي».
font change