هجرة الأطفال القصر ... قنابل موقوتة

هجرة الأطفال القصر ... قنابل موقوتة

تجاوزوا 41 % من المهاجرين غير الشرعيين




[caption id="attachment_55259690" align="aligncenter" width="1892"]عمال الإنقاذ يسحبون جثة مهاجر غير شرعي إلى شاطئ القربول بعد أن غرق قارب يحمل 200 مهاجر غير شرعي قبالة العاصمة الليبية عمال الإنقاذ يسحبون جثة مهاجر غير شرعي إلى شاطئ القربول بعد أن غرق قارب يحمل 200 مهاجر غير شرعي قبالة العاصمة الليبية[/caption]

القاهرة: أحمد طاهر


•تظهر الأرقام أن الأطفال المهاجرين متسربون من التعليم، حيث تبلغ نسبة من سبق له الذهاب للمدرسة 83.8 %، في حين من لم يذهب مطلقاً بلغ 16.2 %.


•الحد من الهجرة غير الشرعية للأطفال القصر يفرض على الدولة والمجتمع معاً أن يتضامنا من سبيل مواجهة هذه الظاهرة.


•تظل مواجهة الأسباب والعوامل الدافعة للأطفال القصر للهجرة غير الشرعية هي حائط الصد الأول في أي استراتيجية مقترحة لمواجهة هذه الظاهرة.


•إذا كان مقبولاً أن للعوامل الاقتصادية والاجتماعية النصيب الأكبر في دفع القصر إلى الإقدام على الهجرة، فإنه من المعلوم أن ثمة عوامل نفسية وثقافية وسياسية تلعب هي الأخرى دوراً مهماً.


•تردي الأوضاع المعيشية وتعثرها أمام الشباب المتعلم من ناحية، وانسداد الأفق السياسي أمام طموحاتهم المتزايدة من ناحية أخرى، يمثلان منظومة متكاملة ومتشابكة تحتاج إلى حلحلة عملية وواقعية لأبعادها المختلفة.



[caption id="attachment_55259691" align="aligncenter" width="3000"]لاجئون ومهاجرون يسبحون ويصرخون لمساعدة أفراد الطاقم من سفينة «فينيكس» التابعة لبرنامج المعونة الخارجية للمهاجرين بعد انقلاب قارب خشبي متجه إلى إيطاليا يحمل أكثر من 500 شخص قبالة لامبيدوزا في إيطاليا لاجئون ومهاجرون يسبحون ويصرخون لمساعدة أفراد الطاقم من سفينة «فينيكس» التابعة لبرنامج المعونة الخارجية للمهاجرين بعد انقلاب قارب خشبي متجه إلى إيطاليا يحمل أكثر من 500 شخص قبالة لامبيدوزا في إيطاليا[/caption]


تواجه مصر واحدة من أبزر المشكلات وأخطرها على أمنها القومي، إذ شغلت قضية الهجرة غير الشرعية اهتمامات الدولة المصرية بكل أجهزتها ومؤسساتها الرسمية وغير الرسمية، انطلاقاً من تداعياتها الخطيرة أمنياً واقتصادياً واجتماعياً وسياسياً. وإذا كان صحيحاً أن هذه القضية مثلت هماً مصرياً، فإنه من الصحيح أيضاً أنها تعد مشكلة عالمية تستوجب إلى جانب الجهود الوطنية الفعالة تعاوناً دولياً عبر تعميق الحوار والتشاور بين البلدان المصدرة والمستقبلة. ويعنى ما سبق أن البحث في قضية الهجرة غير الشرعية بصفة عامة وهجرة الأطفال القصر على وجه الخصوص يتطلب توافر أمرين مهمين: الأول، البحث عن العوامل المؤثرة في تيارات الهجرة ومستوياتها ومساراتها. الثانى، ضرورة الوصول إلى رؤية شاملة وواضحة المعالم تساعد في اتخاذ الإجراءات الصحيحة لمواجهتها.

ومن هذا المنطلق، يتناول هذا التقرير قضية الهجرة غير الشرعية بالنسبة للأطفال القصر نظراً لخطورتها ليس فقط على الدول المستقبلة وإنما على الدول المصدرة، وهو ما يمثل تصحيحاً للاعتقاد السائد بأن خروج هؤلاء الأطفال إلى خارج البلاد يمثل تخفيفاً للأعباء الملقاة على كاهل الدولة ومؤسساتها في توفير الخدمات الرئيسية (التعليم، الصحة، الإسكان...) وخصوصاً إذا ما تمت عملية الهجرة بموافقة بل بعون الأسرة التي ترى في سفر الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين (14 و16) عاما، منفعتين: الأولى، تخفيف العبء الملقى على عاتق الوالدين في توفير متطلبات المعيشة في ظل التزايد المستمر في أسعار السلع والخدمات الناجمة عن سياسات الإصلاح الاقتصادي التي تنتهجها الدولة لتصحيح مسار الانحراف الذي أصاب الاقتصاد الوطني على مدار السنوات الماضية، إذ يقف الأب عاجزا في كثير من الأحوال عن تلبية متطلبات أبنائه. أما المنفعة الثانية، فتتمثل في أن يتحول هؤلاء الأطفال بدلا من أن يكونوا عبئاً على الوالدين إلى مصدر للدخل بما يُحسن من ظروف معيشة الأسرة من خلال التحويلات التي تمثل المصدر الرئيسي لدخل الأسرة وخصوصاً في المناطق الريفية التي تشهد تزايداً كبيراً في عدد أفراد الأسرة مع محدودية الدخل الوارد من الزراعة كونها المهنة الرئيسية، إذ إنه مع تزايد أعداد هؤلاء الأبناء تشهد الحيازة الزراعية تفتيتاً في المساحات المملوكة لكل فرد وهو ما يمثل ضعفاً في مصادر دخلها.

ولكن، كل هذه الفوائد والمنافع التي قد تبدو براقة على مستوى الأسرة والفرد، تحمل في طياتها كثيراً من المخاطر والسلبيات على هذه الأسر في حال فشل الابن في رحلته بما يعرضها إما لفقدانه في طريق رحلته أو لضياعه بين ملاجئ اللجوء وغياهب السجون، كما تحمل كذلك مخاطر عدة على الدولة التي أنفقت الملايين على هؤلاء الأطفال في مراحل عمرهم الأولى صحياً وتعليمياً أملاً في الاستفادة من قدراتهم وإمكاناتهم مستقبلا. وفى سبيل رصد أبرز هذه التداعيات والمخاطر وكيفية مواجهتها يستعرض هذا التقرير المحاور التالية:



أولاً: هجرة الأطفال القصر في مصر... قراءة في الأرقام والإحصاءات




يصعب تحديد حجم الهجرة غير الشرعية نظراً لطبيعة هذه الظاهرة، ولكون وضع المهاجر السري يشمل أصنافاً متباينة من المهاجرين، منهم:
-الأشخاص الذين يدخلون بطريقة غير قانونية إلى دول الاستقبال ولا يصححون وضعهم القانوني.
-الأشخاص الذين يدخلون إلى دول الاستقبال بطريقة قانونية ويمكثون هناك بعد انقضاء مدة الإقامة القانونية.
-الأشخاص الذين يشتغلون بطريقة غير قانونية خلال إقامة مسموح بها.
ولذا، تتضارب التقديرات بشأن الهجرة غير الشرعية، فقد ذكرت وزارة الخارجية المصرية أن عدد المصريين الذين حاولوا الوصول إلى إيطاليا بطريقة غير شرعية خلال الفترة من 27 أكتوبر (تشرين الأول) 2012 حتى 25 سبتمبر (أيلول) 2013 وصل إلى 1214 فردا بينهم 4711 قاصراً من وجهة نظر القانون الإيطالي الذي يعتبر القاصر أقل من 18 عاما. كما أشارت أرقام المجلس القومي للأمومة والطفولة إلى أن الأطفال القصر هم أعلى المعدلات في الهجرة غير الشرعية بمصر وتجاوزوا نسبة (41 في المائة) من المهاجرين، خلاف من قتل ومن مات من بين 2280 مهاجرا غير شرعي وذلك طبقا لتقديرات عام 2014.
كما كشفت منظمة الهجرة الدولية عن أن مصر تأتي في المراتب المتقدمة في مجال الهجرة غير الشرعية للأطفال عبر البحر وذلك خلال الفترة الزمنية من 2011 إلى 2016. حيث سجلت إحصاءات المنظمة عام 2014 هجرة 2.007 أطفال من مصر إلى إيطاليا وحدها، وفي عام 2015 سجلت هجرة 2.610 أطفال من بينهم 1.711 غير مصحوبين بذويهم أي ما يعادل 66 في المائة من نسبة الأطفال التي هاجرت في تلك الفترة.
وفى السياق ذاته، كشفت دراسة صادرة عام 2016 عن م«ركز البحوث الاجتماعية والجنائية» عن هجرة الأطفال، عن أن هذه القضية تعد أزمة متفاقمة في مصر وأن السبب يتمثل في العامل الاقتصادي والتفكك الأسري، وأن الأطفال المهاجرين لديهم وعي بقوانين أوروبا التي تسمح لهم بالبقاء، و50 في المائة منهم يصر على المحاولة. وأوضحت الدراسة أن هجرة «الأطفال غير المصحوبين» ما زالت ذكورية، حيث نسبة الأطفال بلغت 99.9 في المائة، وتزداد في الفئة العمرية من 16 إلى 18 عاما بنسبة 73.2 في المائة، في حين تنخفض النسبة في الشريحة العمرية من 12 إلى 15 لـ 25.2 في المائة، كما تظهر الأرقام أن الأطفال المهاجرين متسربون من التعليم، حيث تبلغ نسبة من سبق له الذهاب للمدرسة 83.8 في المائة، في حين من لم يذهب مطلقا بلغ 16.2 في المائة، وأوضحت الدراسة أن الأطفال المتسربين والمتوقفين عن الدراسة هم أكثر احتمالا لخوض تجربة الهجرة غير الشرعية.

ويؤكد على خطورة هذه المشكلة وتفاقمها ما جاء في تصريح لوزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج نبيلة مكرم على هامش مشاركتها في مؤتمر اقتصادى بعنوان «مصر أولى بشبابها» بتاريخ 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، إذ ذكرت أن مصر تحتل المرتبة الأولى عالمياً في الهجرة غير الشرعية، وأن هناك 3 محافظات هي كفر الشيخ، والغربية، والفيوم.
وفى هذا الخصوص، يجدر بنا الإشارة إلى ما نشرته وسائل الاعلام الإيطالية في 18 أغسطس (آب) 2016 تحت عنوان «طفل في مهمة إنسانية» وهي قصة الطفل المصري أحمد (13 سنة) الذي هاجر إلى إيطاليا، وكانت العناوين صادمة وتقول: «الطفل المصري الذي فقد الأمل في بلاده لإنقاذ شقيقه من الموت، يواجه الموت سعياً لعلاج أخيه المريض»، حيث كشف الحادث حقيقة موقف بعض الآباء الذين يدفعون آلاف الدولارات لسماسرة الهجرة غير الشرعية لتهريب أبنائهم الأطفال إلى إيطاليا، في رحلات محفوفة بالمخاطر عبر قوارب متهالكة تحمل مئات المهاجرين.
يؤكد كل ما سبق على مدى تفاقم مشكلة الهجرة غير الشرعية بشكل عام وهجرة الأطفال القصر على وجه الخصوص، إذ تدل الأرقام والتصريحات على أن الظاهرة في سبيلها للتزايد تحت ضغط الكثير من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهو ما يمثل بدوره جرس إنذار للدولة المصرية بأهمية إيلاء مزيد من الاهتمام العملي لهذه الظاهرة خوفاً من تزايد حجم التداعيات والانعكاسات السلبية اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وأمنياً.


ثانياً: التدابير المصرية لمواجهة الهجرة غير الشرعية... لا تزال الطريق طويلة




حرصت الحكومة المصرية على اتخاذ الكثير من التدابير لمواجهة جريمة الهجرة غير الشرعية، حيث تنوعت هذه التدابير ما بين تشريعية وإجرائية، ومن أبرزها ما يلي:
أ‌- التدابير التشريعية، شملت حرص الدولة على إصدار الكثير من التشريعات والقوانين لتجريم الهجرة غير الشرعية وفرض عقوبات على مرتكبيها، ومنها:
-القانون رقم 64 لسنة 2010 بشأن تجريم ومكافحة الاتجار بالبشر.
-القانون رقم 82 لسنة 2016 بشأن قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين.
ب‌- التدبير الإجرائية، شملت مجموعة السياسات والإجراءات التي انتهجتها الدولة في سبيل وقف الهجرة غير الشرعية، ومنها:
-إنشاء اللجنة الوطنية التنسيقية الخاصة بتجريم الاتجار بالبشر، وذلك بموجب نص المادة 28 من القانون الصادر رقم 64 لسنة 2010، وتتبع وزارة العدل.
-إنشاء اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية، وذلك بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 380 لسنة 2014، وتضم ممثلين لكل الهيئات والجهات الوطنية المعنية، ومقرها وزارة الخارجية.
-وضع أنظمة وقواعد صارمة بالتنسيق مع بعض القنصليات الأجنبية لفحص المستندات المزورة المقدمة من راغبي السفر للخارج، والتنسيق مع حرس الحدود لضبط حالات التسلل غير الشرعية عبر الحدود. وتكثيف الجهود لضبط العناصر النشطة في مجال الهجرة غير الشرعية.
-تنظيم الكثير من البرامج التوعوية الهادفة إلى توعية الشباب والأسر بمخاطر الهجرة غير الشرعية وخصوصا في المحافظات التي تأتي في المرتبة الأولى في هذا الخصوص.
ولكن ما يلفت الانتباه أنه رغم كل هذه الجهود التي تبذلها الدولة المصرية لمواجهة الهجرة غير الشرعية، فإنها لم تؤت أُكلها على النحو المطلوب، بل ظلت معدلات الهجرة إن لم تزد، فقد استمرت عند مستوياتها على الأقل، وهو ما يمكن رصده من خلال حوادث الغرق للكثير من الرحلات البحرية التي تضع المهاجر غير الشرعي أمام خيارين كلاهما صعب، إما الرضوخ للواقع المؤلم الذي تعانى منه أسرهم، وإما يلقوا بأيديهم في التهلكة. مع الأخذ في الاعتبار أن قياس هذه المعدلات يقتصر على الرحلات التي فشلت نتيجة غرق المراكب أو ضبطها من جانب خفر السواحل، مع استبعاد الرحلات الناجحة التي يصل فيها المهاجر إلى غايته ليبدأ صفحة جديدة من معاناة مختلفة تتعلق بالبحث عن الأمان والاستقرار في البلد الذي وصل إليه. وبقطع النظر عن حالة وصولهم سالمين إلى أراضي الدولة المستقبلة، يكشف رصد حوادث الغرق لمراكب الهجرة غير الشرعية خلال العشر سنوات الأخيرة عن تفاقم حجم الأزمة وتشعبها وتعقدها، ومن أبرز هذه الحوادث ما يلي:
1-حوادث غرق مراكب الهجرة غير الشرعية خلال 4 سنوات (2007 - 2011): شهد نوفمبر 2007 غرق نحو147 شاباً قرب السواحل الإيطالية، وغرق مركب خلال يونيو (حزيران) 2008 قرب جزيرة كريت اليونانية بالبحر المتوسط وعلى متنه 100 شاب مصري. وفى مارس (آذار) 2009، غرق قارب انطلق من سواحل محافظة كفر الشيخ، وغرق 10 أشخاص، وتم القبض على 24 منهم.
2-حوادث غرق مراكب الهجرة غير الشرعية خلال الفترة (2011 - 2016): أنقذت القوات البحرية المصرية (عام 2011) 81 مواطناً قبل تعرضهم للغرق على متن مركب للصيد أمام سواحل الإسكندرية في محاولة للهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا، وفي أغسطس من عام 2012، انتشلت القوات البحرية المصرية ضحايا غرق مركب أمام السواحل الليبية، بلغ عدد الناجين 33 شخصاً في حين غرق 39 شخصا. في أكتوبر 2013، غرق 12 شخصاً بعد انقلاب مركب الهجرة في البحر قرب سواحل الإسكندرية، ويذكر ان المصادر الأمنية ذكرت أن المركب كان على متنه ما لا يقل عن 100 شخص، وكانوا في طريقهم للسفر إلى إيطاليا. وفى يوليو (تموز) من عام 2015 غرق مركب هجرة على متنه أكثر من 56 شخصاً ومعظمهم من المصريين، وفى مايو (أيار) من عام 2015 غرق 3 وأنقذت السلطات المصرية 31 آخرين كانوا على متن مركب هجرة، بينهم 13 يحملون الجنسية السورية، و15 سودانياً، واثنان يحملان الجنسية الإريترية، ومصري واحد. وفي أكتوبر من نفس العام 2015، تم انتشال (10) جثث من البحر المتوسط بمنطقة البرلس، وتم إنقاذ 25 آخرين بعد سقوطهم في المياه أثناء سفرهم على متن مركب صيد. وفي أبريل (نيسان) عام 2016، غرق 12 شخصاً على الأقل بينهم 3 أطفال، و3 سيدات. وكان على متن المركب 105 أشخاص من جنسيات مختلفة، بينهم 18 مصرياً، و74 صومالياً، و11 سورياً، وسوداني واحد، وآخر فلسطيني. وفي يونيو 2016، انتشلت القوات البحرية 31 شخصاً من جنسيات مختلفة، وعثر على 9 جثث متحللة الأجزاء، بينها جثة سيدة مصرية. وفي 21 سبتمبر (أيلول) 2016 غرق مركب رشيد ووصل عدد ضحاياه إلى 204 غرقى في حين تم إنقاذ نحو 163 كما أعلنت ذلك القوات المسلحة، ويذكر أن أجهزة الأمن كانت قد ألقت القبض على صاحب المركب إضافة إلى 7 آخرين متورطين في القضية.

[caption id="attachment_55259692" align="aligncenter" width="2480"]مهاجرون قيد الإنقاذ من قبل سفن البحرية الإيطالية إثر انقلاب قاربهم في مضيق صقلية بين ليبيا وإيطاليا مهاجرون قيد الإنقاذ من قبل سفن البحرية الإيطالية إثر انقلاب قاربهم في مضيق صقلية بين ليبيا وإيطاليا[/caption]

إيطاليا الملاذ الأكثر جذباً للهجرة غير الشرعية للأطفال القصر... لماذا؟



تكشف الكثير من تجارب المهاجرين غير الشرعيين أمرين مهمين:
الأول، المقصد أو الدولة المستقبلة، ونقصد بها إيطاليا، حيث تتجه أغلبية رحلات الهجرة غير الشرعية من مصر من جانب الأطفال القصر إلى إيطاليا، وهو ما يطرح التساؤل لماذا إيطاليا من أكثر الدول إن لم تكن أكثرهم هدفاً للمهاجرين غير الشرعيين؟ وتأتي الإجابة بأنه وفقاً للإطار التشريعي الإيطالي، تتحمل الحكومة الإيطالية مسؤولية أي طفل يوجد لأي سبب من الأسباب داخل أراضيها دون مساعدة أو دون وجود والديه أو أي من البالغين الآخرين المسؤولين عنه قانوناً. ولا يجوز طرد الأطفال المهاجرين غير المصحوبين بل يحق لهم الحصول على ما يلي:
1) تصريح إقامة، 2) الإيواء في مكان آمن، 3) تعيين وصي عليهم، 4) عدم التمييز ضدهم، 5) الرعاية الصحية، 6) التعليم، 7) تدابير حماية خاصة لهم.
وعليه، يجب إحالة الأطفال غير المصحوبين بمجرد وصولهم للأراضي الإيطالية إلى الهيئات المعنية بتوفير خدمات حماية الأطفال ذات الصلة ووضعهم في مراكز الإيواء/ الاستقبال الأولية لمدة تتراوح من 60 إلى 90 يوماً بحد أقصى، ومن ثم يتعين على مسؤولي الخدمات الاجتماعية اتخاذ الخطوات التالية:
-مقابلة الطفل والتعرف عليه وجمع بيانات عنه مثل الاسم والعمر وبلد المنشأ.
-إخطار محكمة الأحداث بوجود الطفل (للبدء في تحديد الوصي القانوني عليه).
-البدء في إجراءات إصدار تصريح الإقامة وذلك بعد التنسيق مع الشرطة والوصي القانوني على الطفل.
وفى أعقاب ذلك، تعد السلطات المعنية مع الطفل مشروعاً مستداماً وطويل الأجل لمساعدته على الوصول إلى مرحلة البلوغ والاندماج في المجتمع الإيطالي. ويخصص نظام الحماية ميزانيات وموارد محددة لاستثمارها في تعليم المهاجرين من الأطفال غير المصحوبين وخلق فرص عمل لهم.
ومع بلوغ الطفل سن 18 عاما أي أنهى مرحلة الطفولة، يتم توفير تصاريح الإقامة الدائمة استنادا إلى أحد الشرطين التاليين:
-تقديم الأدلة التي تثبت أن الطفل قد أتم مسار الدمج بنجاح، بما في ذلك الإقامة في إيطاليا لمدة ثلاث سنوات ومشاركة الطفل في مشروع الدمج الاجتماعي ومدته سنتان.
-تلقي تقرير إيجابي صادر من وزارة العمل والسياسات الاجتماعية بشأن الأطفال الذين لم يكملوا مشروع الدمج الاجتماعي ولم يقيموا في إيطاليا لمدة 3 سنوات على الأقل.

الثانى: الأطفال القصر غير المصحوبين، يقصد بالأطفال القصر غير المصحوبين حسبما ورد في المادة (1) من اتفاقية حقوق الطفل المؤرخة في 20 نوفمبر 1989، هم الأطفال الذين انفصلوا عن كلا الوالدين أو غيرهم من الأقارب ولا يتلقون الرعاية من أحد البالغين ممن يتحملون مسؤولياتهم بحكم القانون أو العرف. والطفل هو كل شخص لم يتجاوز 18 عاماً. وهنا يبرز التساؤل: لماذا الأطفال القصر غير المصحوبين؟ وتأتي الإجابة بأن هؤلاء الأطفال يجهلون حقوقهم أو كيفية حصولهم على الحماية أو المساعدة بموجب القانون الإيطالي، فالمعلومات الوحيدة المتاحة لديهم هي تلك التي يقدمها لهم أقاربهم أو معارفهم من نفس البلدة التي يأتون منها من مصر. ولذلك يضطر الأطفال في معظم الأوقات أن يدفعوا مبالغ من المال لهؤلاء لاصطحابهم إلى الجهات المعنية بتوفير الخدمات الاجتماعية أو أقسام الشرطة أو المحكمة، وقد يحتاجون إلى القيام بذلك أيضاً للحصول على وصي مُعين من هؤلاء المعارف والذي يمكن أن يقوم باستغلالهم، إذ يضطرون في معظم الأحيان إلى العمل في ظروف سيئة والتعرض للمعاملة غير الإنسانية من قبل أصحاب العمل وذلك حتى يستطيعوا سداد تكلفة رحلة الهجرة للمهربين أو توفير الأموال اللازمة لتسديد احتياجات أسرهم، وهو ما يجعل هناك فرصاً سانحة للتنظيمات الإرهابية وجماعات الجريمة المنظمة لاستغلال هؤلاء الأطفال إذا قاموا بالهرب من مراكز الإيواء، في أنشطة هدامة كالدعارة أو الاتجار في المخدرات أو الاتجار بالبشر، بل ويمكن إعادتهم إلى بلادهم أو بلاد أخرى تشهد صراعات وحروباً كما هو الحال في اليمن وليبيا وسوريا للانغماس في هذه الصراعات والقيام بعمليات إرهابية كما جرى في كثير من بلدان المنطقة ومن بينها مصر.


[caption id="attachment_55259693" align="aligncenter" width="3000"]رجل ينفعل بعد أن تم سحبه إلى قارب إنقاذ في ميناء فينيكس قبالة لامبيدوزا في إيطاليا رجل ينفعل بعد أن تم سحبه إلى قارب إنقاذ في ميناء فينيكس قبالة لامبيدوزا في إيطاليا[/caption]


هكذا، يتضح مما سبق، أنه بالتدقيق في طرفي المعادلة (إيطاليا – الأطفال القصر غير المصحوبين) يمكن فهم النتيجة التي وصل إليها حجم جريمة الهجرة غير الشرعية، فإذا كانت إيطاليا مقصدا للأطفال القصر غير المصحوبين، في سبيل الحصول على الجنسية الإيطالية، فإن تحقيق هذا الهدف يستوجب أن يصل الأطفال إلى إيطاليا وهم في سن لا تتجاوز 15 عاما على الأكثر، الأمر الذي يدفع بعض الآباء لتشجيع أبنائهم على السفر إلى إيطاليا رغم كل هذه المخاطر التي يتعرضون لها، لأنه يحقق لهم مستويات حياة مختلفة عما يعانون منه في بلادهم.

نحو رؤية عملية للمواجهة



من غير مبالغة القول إن مواجهة الهجرة غير الشرعية للأطفال القصر في مصر لن تختلف كثيرا عن مواجهة الهجرة غير الشرعية بصفة عامة وإن كانت ثمة عوامل يجب التركيز عليها في كيفية الحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية للأطفال القصر كونها – كما سبق ذكره - من أخطر الفئات التي يتم استغلالها من جانب الجماعات الإرهابية وتنظيمات الجريمة بكافة صورها، وهو ما يفرض على الدولة والمجتمع معا أن يتضامنا من سبيل مواجهة هذه الظاهرة التي تفاقمت بشكل غير مسبوق تحت ضغط الكثير من العوامل والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والتعليمية. وفى سبيل الوصول إلى رؤية عملية للحد من هذا النوع من الهجرة، وجب الأخذ في الاعتبار مجموعة من الأمور المهمة، أبرزها:
1-تظل مواجهة الأسباب والعوامل الدافعة للأطفال القصر للهجرة غير الشرعية هي حائط الصد الأول في أية استراتيجية مقترحة لمواجهة هذه الظاهرة، إذ إنه من الأهمية بمكان أن تتم دراسة أكثر الأسباب والعوامل الدافعة لهؤلاء الأطفال للإقدام على مثل هذه الخطوة التي يعلمون مدى المخاطر والتهديدات التي تحيط بهم سواء في محاولة هروبهم على مراكب متهالكة تعرض حياتهم للموت أو فيما بعد نجاحهم في الوصول إلى شواطئ الدول المستقبلة وحجم المهانة التي يتعرضون إليها سواء في استغلالهم للقيام بأعمال تتنافى مع إنسانيتهم أو تهدد مستقبلهم من خلال انخراطهم في جماعات إرهابية أو تنظيمات الجريمة المنظمة أو من خلال إرجاعهم إلى بلادهم. بمعنى أكثر وضوحاً تحتاج الجملة التي يرددها المهاجرون (هنا ميت وهناك ميت) إلى تصحيح من خلال العمل على تغيير أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. فإذا كان مقبولا أن للعوامل الاقتصادية والاجتماعية النصيب الأكبر في دفع هؤلاء إلى الإقدام على الهجرة، فإنه من المعلوم أن ثمة عوامل نفسية وثقافية وسياسية تلعب هي الأخرى دوراً مهماً في دفع هؤلاء الأطفال إلى الهجرة غير الشرعية، فتردي الأوضاع المعيشية وتعثرها أمام الشباب المتعلم من ناحية، وانسداد الأفق السياسي أمام طموحاتهم المتزايدة من ناحية أخرى، كل هذه العوامل تمثل منظومة متكاملة ومتشابكة تحتاج إلى حلحلة عملية وواقعية لأبعادها المختلفة إذا ما كانت ثمة إرادة فاعلة لمواجهة مخاطر وتداعيات هذه الظاهرة.
2-خلق الوعي وتصحيحه لدى الأهالي بصفة عامة وأبنائهم على وجه الخصوص، بخطورة هجرة أطفالهم وتنمية إدراك الأطفال أنفسهم، يظل من العوامل الأكثر إيجابية لمواجهة الهجرة غير الشرعية، فإذا كانت هناك حملات توعية تقوم بها مختلف أجهزة الدولة المعنية وكذلك مؤسسات المجتمع المدنى، وأن مردود ذلك لا يزال ضعيفا، فإنه من الأهمية بمكان أن يعاد النظر في الجهات التي تقوم على تنظيم هذه الحملات وعلى الوسائل المتبعة في تنظيمها، بحيث تلائم طبيعة الخصوصية المحلية والثقافية لكل محافظة أو منطقة، ليكون خطابها التوعوي قادراً على الوصول إلى الجميع دون استثناء.
3-يظل الجانب الأمني من أبرز الجوانب الفعالة في الحد من الهجرة غير الشرعية، إذ يتطلب الأمر مزيداً من التشدد الأمني على أهم النقاط التي يتم انطلاق السفن منها، فصحيح أن الشرطة المصرية نجحت في القبض على بعض السماسرة فور غرق السفينة، ولكن من الأجدر أن تُحبط العملية قبل بدايتها.
4-تحقيق العدالة الناجزة من خلال سرعة إصدار الاحكام بشأن المتهمين في قضايا الهجرة غير الشرعية، بما يمثل ردعاً للجميع. وتحقيقاً لذلك، يُقترح إنشاء محكمة متخصصة أو تخصيص دوائر ضمن المحاكم القائمة لمحاسبة المهاجرين غير الشرعيين وسماسرة الهجرة غير الشرعية. مع الأخذ في الاعتبار أن هذا الإجراء وإن ساعد في التخفيف من المشكلة، فإنه يظل حلا مرتبطاً بالنتيجة وليس بالسبب أو بجذور المشكلة، بما يعنى أنه من الحلول المكلمة وليس من الحلول الفعالة والكافية.
5-إبرام اتفاقات عاجلة مع الحكومة الإيطالية بشأن إرجاع هؤلاء الأطفال الموجودين لديها بدلا من الإبقاء عليهم في الملاجئ، صحيح أن هناك اتفاقية مصرية إيطالية موقعة عام 2007 بشأن تنظيم إجراءات الهجرة بين البلدين، وفي عام 2011 وقعت مصر وإيطاليا اتفاقيتي تعاون بدعم مباشر من المنظمة الدولية للهجرة تحددان سبل التعاون المستقبلي المشترك بين البلدين، في معالجة قضايا الهجرة غير الشرعية بين الشباب المصري تجاه إيطاليا وتوفير البدائل الإيجابية لها. إلا أنها كانت متعلقة بالهجرة غير الشرعية للبالغين وليس للأطفال غير المصحوبين الذين ينظم شؤونهم القانون الإيطالي، وهو ما يتطلب أن يبرم بشأن ذلك اتفاقية خاصة بشأن كيفية إرجاعهم لبلادهم دون انتظار كل هذه الأعوام، حماية للأمن القومي الإيطالي من ناحية، والحفاظ على مستقبل هؤلاء الأطفال من ناحية أخرى.
* باحث زائر بمركز الدراسات الاستراتيجية التابع لرئاسة جمهورية أذربيجان
font change