قطر والإنحراف عن المعسكر الخليجي

قطر والإنحراف عن المعسكر الخليجي

الهجمات الإرهابية المتكررة على السعودية لم تطل الدوحة



[caption id="attachment_55259709" align="aligncenter" width="1604"]أمير قطر تميم بن حمد أمير قطر تميم بن حمد[/caption]

واشنطن: لوري بلوتكين بوغارت*


* في كلمة ترمب أمام زعماء الدول الإسلامية في الرياض: «لا يمكن تحقيق مستقبلٍ أفضل إلا إذا قامت دولكم بطرد الإرهابيين والمتطرفين. لذلك اطردوهم».


* لدى البعض في واشنطن مخاوف تعكس تلك التي تساور السعودية والإمارات. ومما يبعث على القلق بشكلٍ خاص الدعم السياسي لمختلف قطاعات الإسلاميين السياسيين في جميع أنحاء المنطقة.



منذ انعقاد قمة الرياض في 20 و21 مايو (أيار)، بدأ ميزان القوى يتغيّر بسرعة وبشكلٍ كبير في منطقة الخليج، الأمر الذي خلق وقائع سياسية جديدة.
ويحدث ذلك داخل دول الخليج مثل البحرين والسعودية والإمارات العربية المتحدة من جهة، وقطر من جهةٍ أخرى. ويتضح ذلك في السياسات الإقليمية الخليجية مثل إدارة الحرب في اليمن.
وليست مصادفة أن يغلب الموقف الذي تدعمه السعودية في جميع المجالات الإقليمية المذكورة أعلاه. وقد تم تمكين المملكة وأقرب حلفائها من خلال الزيارة الرئاسية الأميركية التي اختارت الرياض لتكون الأساس في مجال مكافحة الإرهاب ومكافحة التطرف ومواجهة الجهود الإيرانية في المنطقة. كما أن مشاركة ترمب في قمم الرياض، فضلاً عن تصريحاته الرسمية، وضعت الإدارة الأميركية الجديدة في المعسكر السعودي عندما يتعلق الأمر بالكثير من خطوط الصدع الإقليمية.


خلاف متزايد للرياض وأبوظبي مع الدوحة



وعلاوةً على ذلك، فسّر البعض زيارة الرئيس الأميركي على أنّها ضوءٌ أخضر تستطيع الرياض من خلاله تحقيق أهداف إقليميةٍ مشتركةٍ كما تراها مناسبة لصالح المنطقة العربية. وقد أوضح ترمب أنه يؤيد تحويل المزيد من المسؤولية عن أمن المنطقة إلى الجهات الفاعلة المحلية. ففي كلمة ألقاها أمام العشرات من زعماء الدول ذات الغالبية المسلمة التي اجتمعت في العاصمة السعودية لحضور القمة «العربية الإسلامية الأميركية» أعلن ترمب أنه «لا يمكن تحقيق مستقبلٍ أفضل إلا إذا قامت دولكم بطرد الإرهابيين والمتطرفين. لذلك اطردوهم».
ورغم أن إدارة ترامب ربما لم تكن تتوقع أن يكون لرحلة الرئيس الأميركي إلى الرياض تأثير فوري على ديناميات القوى الإقليمية، فمن المنصف القول إن بعض جوانب التطورات الجديدة قد لا تكون موضع عدم ترحيبٍ من وجهة نظر الإدارة الأميركية.
وكان الخلاف المتزايد للرياض وأبوظبي مع الدوحة حول تعليقات مثيرة للجدل للغاية نُسبت إلى الأمير القطري الشيخ تميم بن حمد آل ثاني واحداً من التطورات التدريجية بشأن المصالح الأمنية الأميركية. وقد أكدت الدوحة أن التقارير المتعلقة بالتعليقات المزعومة كانت بسبب اختراق لوكالة الأنباء القطرية.
ومع ذلك، فإن التصدع يزداد بين الجانبين. ويبدو أن السعودية والإمارات حريصتان على إقناع الدوحة بتغيير سياساتها الإقليمية فيما يتعلق بطهران والجماعات الإسلامية وقوى إقليمية أكثر عنفاً وزعزعةً للاستقرار لكي تكون سياسات قطر أكثر انسجاماً مع سياسات دول مجلس التعاون الخليجي. وكانت التوترات حول سياسات الدوحة قائمة منذ بعض الوقت، وبلغت ذروتها في مارس (آذار) 2014، عندما قامت السعودية والإمارات والبحرين بسحب سفرائها من الدوحة لفترةٍ دامت ثمانية أشهر.

قاعدة العديد الجوية



وقد يخلق النهج الأخير الذي اتبعته الرياض وأبوظبي تجاه الدوحة التصور بوجود تباين مع السياسة الأميركية. فقد أعرب كبار المسؤولين في الإدارة الجديدة عن تقديرهم للعلاقة الاستراتيجية مع قطر، بما في ذلك دعمها للتحالف المناهض لتنظيم داعش من خلال مركز العمليات الجوية المشتركة في قاعدة العديد الجوية.
ومن بين المسؤولين وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس الذي اجتمع مع الشيخ تميم ووزير الدفاع القطري في الدوحة في أبريل (نيسان)، ووزير الخارجية ريكس تيلرسون الذي اجتمع مع وزير خارجية قطر في واشنطن في مايو. وفي مقابلة مع الشيخ تميم خلال قمة الرياض، قال ترامب: «إن علاقتنا جيدة للغاية».
ومع ذلك، فلدى البعض في واشنطن مخاوف تعكس تلك التي تساور السعودية والإمارات. ومما يبعث على القلق بشكلٍ خاص في العاصمة الأميركية هو الدعم السياسي وغيره من أشكال التأييد لمختلف قطاعات الإسلاميين السياسيين في جميع أنحاء المنطقة. وقد أدى هذا الدعم إلى زيادة التأثير الإقليمي لقطر وسمح لها أن تلعب دوراً بارزاً في التوسط في النزاعات الدولية مع الجهات الفاعلة من جميع الفئات. كما أنه كان السبب الرئيسي وراء تعرض الإدارة الأميركية الجديدة لضغوطٍ متزايدة من مختلف الجهات للنظر في تخفيض الوجود العسكري الأميركي في قطر أو حتى سحبه، وهو الذي عمل حتى اليوم كحماية أمنية هامة للقطريين.
وجرى كثير من النقاش في الأشهر القليلة الماضية حول مدى التقدم الذي أحرزته الدوحة في مكافحة النشاط المتعلق بالتمويل الخاص للإرهابيين داخل حدودها. ويُنظر إلى ذلك على أنه مقياس لأي تغيير في المقاربة إزاء تحدي تمويل الإرهاب. وكانت مسألة مكافحة تمويل الإرهاب في إدارة ترمب موضوعاً متكرراً في المناقشات الرفيعة المستوى التي جرت مع المسؤولين القطريين. كما كانت معالجة تمويل الإرهاب أولوية قصوى على جدول أعمال ترمب في الرياض، مما أدى إلى إعلان الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي إقامة «مركز استهداف تمويل الإرهابيين».


القطريون يرغبون في مواصلة أعمالهم في الخفاء




وأحد الجوانب الصعبة في تقييم التقدم المحرز هو أن القطريين يرغبون في مواصلة أعمالهم في الخفاء. ويبدو أن النتيجة هي أن الدوحة قد عالجت بالفعل نشاط مموّلين إرهابيين محدّدين بجهدٍ أكبر مما ظهر سابقاً. فقد نفذت الدوحة عقوباتٍ وأكملت ملاحقات جنائية ضد بعض المموّلين الإرهابيين المصنّفين على لوائح خاصة بهم. وفي الوقت نفسه، يُنظر إلى التقدم المحرز في جعل قطر بيئةً معادية لتمويل الإرهاب على أنه بطيء جداً. ويدرك كبار المسؤولين المكلفين بمحفظة تمويل مكافحة الإرهاب أنه يتعيّن على الدوحة العمل على إضفاء المزيد من التحسين في هذا المجال.
لقد طال أمد تحدي تمويل الإرهاب مع الدوحة. وعلى الرغم من بذل واشنطن جهوداً حثيثة للتأثير على شريكها من أجل أن يتّبع نهجاً أكثر شمولية لهذا الجزء الهام من مشكلة الإرهاب، فإن النجاح اقتصر على حالات محددة وقوانين جديدة مدوّنة في السجلات. ويبدو أن التقدم الذي أحرز حتى الآن - المحدود في الممارسة والهامد كما يبدو - يعكس في المقام الأول الاهتمام بمواصلة العمل من كثب مع الولايات المتحدة والشركاء الدوليين الآخرين.


لا عمليات إرهابية في قطر




ولحسن الحظ، لم تكن قطر ضحيةً لهذا النوع من الهجمات الإرهابية المتكررة مثل تلك التي وقعت في السعودية والتي أجبرت المملكة على أن تكون فاعلة إلى حد كبير في مكافحة تمويل الإرهاب.
وإذا كانت المشاركة الأميركية قد حققت نجاحاً محدوداً في أنشطة تمويل مكافحة الإرهاب والسياسات ذات الصلة، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل سيثبت الضغط الشديد من قبل جيران دول الخليج بأنه أكثر فعالية؟ بإمكان واشنطن أن تعمل مع الرياض وأبوظبي، جنباً إلى جنب مع الدوحة، لتحديد الخطوات المعينة التي يمكن أن تتخذها قطر لمعالجة الفروق الحاسمة، بما يتماشى مع مبادرات مكافحة الإرهاب وغيرها من المبادرات الأمنية الإقليمية التي أعلن عنها خلال قمم الرياض. وينبغي أن يكون الهدف الأساسي هو دفع العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الخليج وكذلك العلاقات الإقليمية نحو تعاونٍ أوثق. وسترحب الولايات المتحدة بدخول الدوحة إلى أسرة الشركاء الخليجيين الذين يوافقونها الرأي حول تمويل أعمال مكافحة الإرهاب والمصالح الإقليمية الإضافية، وهي مواضيع يختلف الطرفان حولها في الوقت الراهن.

* زميلة في معهد واشنطن،تخصصت في العلاقات الأمريكية الخليجية. عملت الدكتورة بوغاردت لأكثر من عشر سنوات كمحللة لمنطقة الشرق الأوسط في وكالة الاستخبارات الأمريكية.


font change