كردستان... استفتاء في واقع مأزوم

كردستان... استفتاء في واقع مأزوم

قرار الاستفتاء تديره سلطة تشريعية معطلة وسلطة تنفيذية لم يبق الكثير ورئيس إقليم منتهية ولايته





* المزاج السياسي في إقليم كردستان لا يختلف كثيراً عنه في أية جغرافيا متوترة، لكنه بالنهاية مزاج النخبة والمتحزبين في المدينتين.
* أميركا: نقدر تطلعات إقليم كردستان... لكن الاستفتاء على الاستقلال قد يشتت الانتباه عن محاربة تنظيم داعش... والاتحاد الأوروبي: مصلحة الشعب العراقي تقتضي البقاء ضمن عراق موحد.
* تركيا: الاستفتاء خطأ فادح ويهدد وحدة وسلامة أراضي العراق... وإيران: يمكن أن يؤدي فقط إلى مشكلات جديدة.
* الحزب الديمقراطي الكردستاني: الاستفتاء حق لشعب كردستان وفي نفس الوقت لا يعني بالضرورة الانفصال والاستقلال.



روشن قاسم

الاسفتاء لا يشغل كثيرا «كاك حمه» الذي قضى سنوات من عمره في سوق زيور للأقمشة الخاصة بالزي الكردي النسائي والرجالي، هذه السوق في شارع مولوي مركز مدينة السليمانية، والتي إلى جانب كونها مركزاً تجارياً فإنها منصة الأصوات المعارضة، الوصف لـ«كاك حمه» البائع المسن، الذي يبسط في وسط السوق لبيع أقمشته، ويقول لـ«المجلة»: «نحن لسنا بحاجة لاستفتاء، الشعب الكردي استفتى سابقاً... وعبرنا عن رأينا في تقرير مصيرنا، نحن كما كنا ولكن يبدو أنهم هم ما عادوا كما كانوا»، موضحاً: «من يديرون هذا الإقليم، المفسدون الذين ما أقاموا أي اعتبار لتضحيات هذا الشعب، بمئات الآلاف من الشهداء الذين قضوا في حملات الأنفال والإبادة في حلبجة، بل أدخلوا الشعب في أزمات متتالية وآخرها الأزمة المالية، إذن برلمان معطل، وحكومة نصف وزرائها مجازون قصرا، وعاجزة، فبدلا من حل الأزمة المالية التي نعاني منها منذ أكثر من 3 سنوات، قامت بالادخار الإجباري لرواتب الموظفين والمتقاعدين وذوي الاحتياجات الخاصة وذوي الشهداء، ليس هؤلاء من يقررون متى نقرر مصيرنا، نحن قررنا مصيرنا قبل أن يقرروا هم».

السؤال الذي وجهناه لـ«كاكا حمه»: لو كان في أربيل ألم يكن كلامه قد أخذ منحى آخر؟

لاحقاً وخلال حديثه إلينا اعترف بذلك وبابتسامة صفراء، يعرف مواطنو الإقليم ماذا تعني أن تنتقد وأنت في أربيل (هولير) الاسم الذي يطلقه الكرد على عاصمتهم.

السليمانية حيث يعيش «كاكا حمه» ويتحدث بحرية، تبعد عن بغداد 331كم بينما تبعد عن أربيل 184كم تحدها من جهة الشمال والشمال الغربي محافظة أربيل ومن جهة الغرب الجنوبي والغرب محافظتا كركوك وديالى، وتحدها من جهة الشرق دولة إيران.

الاستفتاء... اختلاف أمزجة



السليمانية مدينة لا تعرف الهدوء، متمردة جينيا، تتمتع بفضاء من الحرية وهي مركز الصراعات السياسية في الإقليم، وأيضاً منفى المعارضين، وتسمى أيضاً «الزون الأخضر»، في إشارة إلى لون علم الاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة الرئيس العراقي السابق جلال طالباني، والتي كانت بمثابة معقل للحزب، وعاصمة إدارته قبل أن تصبح أربيل عاصمة إقليم كردستان في عام 2005 بعد توحيد إدارتي السليمانية وأربيل من قبل الحزبين الرئيسيين آنذاك، الديمقراطي والاتحاد الكردستانيين، وشكلت بموجب الاتفاق بين الحزبين حكومة الإقليم الموحدة، إلا أنه لم يتم توحيد الإدارتين بشكل نهائي، كما أنها لم تنجح في توحيد الأمزجة السياسية بين مواطني المحافظتين، وظلت السليمانية إدارياً تابعة لسلطة الاتحاد الوطني الكردستاني، فيما بقيت أربيل «الزون الأصفر»، في إشارة إلى لون علم الحزب الديمقراطي الكردستاني، تابعة لسيطرته دون منازع حتى يومنا هذا.

في السليمانية الوضع اختلف؛ ففي عام 2006 ظهر في جسم الحزب نفسه، أي الاتحاد الوطني الكردستاني، جناح معارض، وسمي جناح الإصلاح، تزعمه نائب الأمين العام للحزب آنذاك نوشيروان مصطفى الذي أسس لاحقاً حركة «كوران» (التغيير)، وكانت بمثانة أول حراك سياسي معارض في الإقليم، ومركز نشاطاتها السليمانية، واستطاعت أن تأتي في المرتبة الثانية بعد «الديمقراطي الكردستاني» في الانتخابات البرلمانية، وحالياً هي شريكة «الاتحاد الوطني» في إدارة المدينة.
ستران عبد الله رئيس تحرير «كردستاني نوي» الناطقة باسم «الاتحاد الوطني الكردستاني»، يقول في تصريح مقتضب مع «المجلة» إن «المزاج السياسي في إقليم كردستان لا يختلف كثيراً عن المزاج السياسي في أية جغرافيا متوترة، لكنه بالنهاية مزاج النخبة والمتحزبين في المدينتين، أي مدينة أربيل ومدينة السليمانية، والمزاج هنا، يخضع لنفوذ ورؤية الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل، ونفوذ ورؤية حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير في السليمانية»، مضيفاً: «وبما أن الخلافات الموجودة بين الأطراف السياسية فيما يتعلق بتفعيل دور برلمان كردستان وحل إشكالية ملف رئاسة إقليم كردستان لم تصل إلى نتيجة مرضية وإمكانية حلها بالحوار والاجتماعات المتتالية، فإن هذا الخلاف برمته يلقي بظلاله على مسألة الاستفتاء أيضاً، وخصوصاً أن الحزب الديمقراطي الكردستاني يحاول بشتى الوسائل الممكنة أن يجير مسألة الاستفتاء لصالحه أو يكون من نتاجه ومن إفرازات سياساته».

ويلفت عبد الله إلى أن «إحدى الملاحظات حول عملية الاستفتاء المزمع إجراؤها، تتعلق بجانب الغطاء الشرعي والديمقراطي لهذا الخيار السياسي الذي، حقيقة، يشكل نقلة نوعية في المسألة الكردية، فالأجواء السياسية والتشريعية في إقليم كردستان وبسبب الاختلافات بين الأطراف السياسية لا يشكل بيئة صحية أبداً، من أجل الاستفتاء الذي نتمنى أن يحظى بأكبر درجة من الشرعية على المستويين: الداخلي والخارجي، حتى يتسنى لنا أن نلتزم به ونلزم الآخرين به أيضاً».
ويذكر قائلا إنه «تاريخياً فإن الاتحاد الوطني الكردستاني هو من حمل راية حق تقرير المصير للشعب الكردي ضمن برنامجه السياسي وضمن أدبياته، وهو الحزب الكردستاني الذي سعى إلى تهيئة الأجواء وخلق الأرضية المناسبة من أجل أن يمارس الشعب الكردي هذا الحق بحرية تامة بما فيه تهيئة الأجواء المناسبة من أجل الاستفتاء على مستقبل كردستان وشعبها، والخطاب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني يتعلق بهذه النقطة بالذات، وهو: ماهية مصير الوضع الملائم لممارسة هذا الحق عراقياً وإقليمياً ودولياً»، مستدركاً: «لكن الخلافات السياسية والتنظيمية الموجودة داخل الاتحاد الوطني الكردستاني ألقت بظلالها على كل المجالات، بما في ذلك، الترويج لسياسة عقلانية حول الاستفتاء، ليس فقط لجهة الأطراف العراقية والإقليمية والدولية المتنازعة والمختلفة حول مصير إقليم كردستان - العراق، بل حتى في ما يتعلق منها بالشروط الذاتية، ومنها أيضاً مستقبل مدينة كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها عراقياً أو المناطق المستقطعة من إقليم كردستان»، مستنتجاً أن «الثقوب الموجودة في السياسة الكردستانية من حيث التنازع حول الشرعية وحول هوية النظام السياسي بل وحول حدود كردستان المستقلة، كلها ثقوب تنخر في جسم سياسة متينة تفضي إلى الاستفتاء، وإلى إحداث نقلة نوعية في مستقبل كردستان العراق كما يتمنى الكرد ذلك، شعباً وسياسة رسمية في الوقت ذاته».

وتم تحديد موعد نهائي لإجراء الاستفتاء على الاستقلال بإقليم كردستان بعد اجتماع رئيس إقليم كردستان، مسعود بارزاني، مع قادة الأحزاب والأطراف الكردستانية، في 25 من العام الحالي، ولم تشارك كل من حركة التغيير والجماعة الإسلامية، في الاجتماع.

وستشكل ثلاث لجان ممثلين عن الأحزاب والأطراف السياسية على أن يكونوا من أعضاء المكتب السياسي للأحزاب التي ينتمون إليها، وبرئاسة رئيس الإقليم مسعود بارزاني، اللجنة الأولى ستكون لزيارة الدول العربية وبحث عملية الاستفتاء معها، ولجنة ثانية لزيارة الدول الإقليمية، ولجنة ثالثة لبحث الاستفتاء مع العاصمة العراقية بغداد.

والسؤال الذي سيطرح على المواطنين المشاركين في الاستفتاء سيكون: هل توافق على استقلال إقليم كوردستان؟ نعم، لا.
كان استفتاء استقلال كردستان في يناير (كانون الثاني) 2005 الذي أجرته حركة الاستفتاء الكردستانية إلى جانب الانتخابات البرلمانية العراقية وانتخابات كردستان العراق لعام 2005، استفتاء غير رسمي طالب فيه شعب كردستان العراق إذا كانوا يفضلون البقاء جزءاً من العراق أو يفضلون كردستان مستقلة. وكانت النتيجة أغلبية ساحقة من 98.8 في المائة لصالح كردستان المستقلة.

[caption id="attachment_55259845" align="aligncenter" width="1613"]سوران عمر عضو برلمان كردستان عن الجماعة الاسلامية سوران عمر عضو برلمان كردستان عن الجماعة الاسلامية[/caption]

أزمة تشريعية



قرار الاستفتاء في إقليم كردستان الذي يدار من قبل سلطتين: تشريعية (معطلة) وتنفيذية (لم يبق سوى أشهر قليلة على شرعيتها) ورئيس إقليم منتهية ولايته، حسب وصف رئيس برلمان كردستان يوسف محمد في حوار ل«المجلة» معه، في السليمانية، يؤكد فيه على ان «قرار تحديد موعد لاستفتاء استقلال الإقليم لم يكن دستورياً حسب دستور العراق ولا قانونياً حسب القوانين في إقليم كردستان»، موضحا أن للإقليم طريقين للانفصال عن العراق إما عن طريق الحوار مع بغداد وأن ينتج عن الحوار إجراء الاستفتاء أو أن يكون هناك حوار مع المجتمع الدولي على أقل تقدير، وأن بفضي الحوار إلى استفتاء المواطنين في إقليم كردستان لتحديد مصيرهم وأن تقوم الحكومة العراقية بموجبه بإجراء الاستفتاء كما هو الحال في اسكوتلندا، حيث تم إجراء هذا الاستفتاء وفق الاتفاقية التي وقعتها كل من الحكومة الإسكوتلندية والحكومة المركزية واختار الشعب الاسكوتلندي البقاء في الاتحاد حيث رفضوا فيه استقلال اسكوتلندا عن المملكة المتحدة، إذن الطريق الأولى عن طريق الحوار مع بغداد، أما الطريق الثانية أي الانفصال من جانب واحد من العراق، في هذه الحالة يجب أن تقوم المؤسسات الرسمية وخصوصا التشريعية في إقليم كردستان بذلك، فبحسب القوانين الموجودة في إقليم كردستان وخصوصا قرار رقم واحد لعام 2005 فإن برلمان كردستان هو المرجع الأعلى لاتخاذ القرارات المصيرية بالنسبة لشعب كردستان».

ويلفت إلى أن «البرلمان شرع قوانين تمنع زج القوات المسلحة والأمنية في الصراعات السياسية، وأصدرنا قرار رقم 19 في 2014 بعد احتلال الموصل من قبل تنظيم داعش الإرهابي، ويقضي بتوحيد كافة تشكيلات اليبشمركة وأن تكون بعيدة عن التدخلات الحزبية ولكن لحد الآن لا يتم تطبيق القانون».
ويختم رئيس برلمان كردستان حواره مع «المجلة» معبراً عن رأيه بأن «البرلمان كان ضحية لكرسي الرئاسة في إقليم كردستان، مع الأسف الشديد عدم رغبة بارزاني التخلي عن السلطة أدى إلى أن قتل السطة التشريعية، وبالتالي هو رئيس منتهي الولاية وبعد أشهر قليلة حكومة تصريف أعمال فاقدة للشريعية، كل ذلك بسبب تعطيل البرلمان وهناك مفارقة كبيرة بارزاني في الوقت الذي يتحدث فيه عن حق شعب كردستان في التعبير عن رأيه وتقرير مصيره عطل عمل ممثلي الشعب تحت قبة البرلمان وهم الممثلون الذين اختارهم الشعب»، مشدداً: «يجب توفير مقومات الدولة من البنية التحية والاقتصاد القوي وتهيئة الجوار الإقليمي قبل الاستفتاء وإعلان الانفصال، والفشل في تحقيق كل ذلك والسبب الرئيسي في كل تلك المشكلات والأزمات التي لحقت الإقليم هو عدم القبول عملياً بالديمقراطية وعدم القبول ببناء المؤسسات في الإقليم».

وقد أجريت أول انتخابات لبرلمان كردستان عام 1992 وكان من المفروض إجراء انتخابات أخرى بعد أربعة أعوام في مايو (أيار) عام 1996 ولكن صادف ذلك الحرب التي كانت دائرة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني آنذاك مما جعل تلك الدورة أطول دورات البرلمان وقد تم تمديدها حتى عام 2005.

الشيء نفسه حدث بالنسبة لرئاسة الإقليم فقد تولى بارزاني عام 2009 عبر الانتخابات رئاسة الإقليم وفي عام 2013 أجريت انتخابات برلمان كردستان فيما لم تجر انتخابات رئاسة الإقليم، وتم تمديد ولاية الرئيس لمدة عامين، أي إلى 2015 ومنذ أغسطس (آب) من عام 2015 فإن ولاية بارزاني قد انتهت حسب القانون.

وفي عام 2015 أصدر مجلس الشورى وهو هيئة استشارية قانونية قراراً بإبقائه رئيساً حتى الآن، ما اعتبرته أطراف سياسية التفافاً على القانون؛ إذ إن قرار تشكيل مجلس الشورى لم يكن في البرلمان، وفي 23 يونيو (حزيران) عام 2015 شرع برلمان كردستان بمناقشة تعديل قانون رئاسة الإقليم، إذ نص القانون على انتهاء ولاية مسعود بارزاني في 19 أغسطس، وكانت هذه الجلسة بمثابة إشعال فتيل أزمة سياسية مزمنة في الإقليم، وكان البرلمان أبرز ضحاياها، وفشلت جميع المحاولات الداخلية لإنهاء الأزمة التشريعية في الإقليم، فيما لم تنجح مبادرات إعادة تفعيل برلمان كردستان المعطل بل الأمور اتجهت للأسوأ في عاصفة أزمة اقتصادية هوجاء في الإقليم.

[caption id="attachment_55259846" align="alignleft" width="300"]ستران عبد الله رئيس تحرير جريدة (كردستان نوي)  الناطق باسم الانحاد الوطني الكردستاني ستران عبد الله رئيس تحرير جريدة (كردستان نوي)
الناطق باسم الانحاد الوطني الكردستاني
[/caption]

أزمة مالية عاصفة



كيف يجرى الاستفتاء في ظل الفساد الإداري وهدر المال العام؟ يتساءل سوران عمر عضو برلمان كردستان عن الجماعة الإسلامية، معتبراً أن الفساد هو الخطر الأكبر على مستقبل كردستان، وهو أكبر التحديات التي تواجه إقليم كردستان والتي فشل الإقليم في معالجتها.

عمر، البرلماني المعروف لدى مواطني الإقليم بطرحه وكشفه ملفات الفساد وإقامته الدعوات القضائية ضد مسؤولين في الحكومة بتهم فساد، يكشف - في حوار مع «المجلة» - عن واقع الأزمة الاقتصادية في إقليم كردستان ويسلط الضوء على مكامن الخلل.

يقول: «إن الأزمة الاقتصادية في الإقليم سببها وجود فساد إداري وسياسي ومالي، فإن كابينة نيجرفان بارزاني وفور تسلمه الحكومة قام في عام 2014 وعلى نحو غير مبرر بإفراغ أرصدة البنوك وسحب 12 تريليوناً و700 مليار دينار من أموال المواطنين وأرصدة البنوك في الإقليم، مما أدى إلى إفلاس البنوك والتصرف بأموال المواطنين التي كانت مودعة فيها، وقدمت الكثير من الأرقام التي تثبت اختفاء مبالغ ضخمة من واردات الإقليم من مبيعاته النفط ووارداته الأخرى».

ويؤكد عمر أن «ملف النفط في الإقليم غير شفاف وموارده لا تخضع لأية مؤسسة رقابية، والمواطنون غير مطلعين على تفاصيل العقود النفطية التي أبرمتها حكومة كردستان، وكثير من هذه العقود التي أبرمتها حكومة إقليم كردستان شكلت خسارة كبيرة ليس لمواطني كردستان فحسب وإنما للأجيال المقبلة أيضاً»، مضيفاً «حالياً يبيع الإقليم يومياً 700 ألف برميل، والرواتب ما زالت تخضع لنظام الادخار الإجباري، وهناك ما زال 6000 مشروع متوقف، وحركة الاستثمار مشلولة، والبطالة في ازدياد. كل ذلك خلق - إضافة إلى الأزمة الاقتصادية - أزمة أخلاقية واجتماعية أيضاً»، مستغرباً «وفي ظل هذه الطرح يشير الاستقلال إلى ما يدل على أنهم يستهزئون بعقول المواطنين»، مستأنفاً «أوضاع المواطن المعيشية سيئة جدا ووضع المؤسسات الحكومية سيئ وفقط الحزب الديمقراطي لديه فائض مالي وهو المسيطر عملياً على ثروات إقليم كردستان ويتصرف بها كما يشاء ويسيطر على جميع مؤسسات الدولة وحتى الأمنية والاستخباراتية والدفاع».
ويقول: «إن الحكومة غير شفافة، لحد الآن لا نعرف قيمة قروض الحكومة، دعونا مرارا الحكومة إلى الكشف عن قائمة القروض إلا أنها ترفض، كما أن حكومة الإقليم غير مفلسة، وليست مدينة كما تدعي، وأن خزائنها خاوية نتيجة للفساد وهيمنة الأحزاب المتنفذة على مؤسساتها».

واتهم عمر الحزب الديمقراطي الكردستاني «بتعطيل عمل البرلمان لأنه كشف حجم الفساد الكبير في ملف النفط والتربح الحاصل من قبل الأحزاب المتنفذة على حساب قوت الشعب، وأخيرا تعاقدت الحكومة مع شركة (روس نفط) الروسية ليستمر النزيف النفطي والمالي لإقليم كردستان إن الاتفاق النفطي الأخير مع شركة (روس نفط) الروسية ما هو إلا امتداد لاتفاقيات خلقت أوضاعا سيئة في كردستان»، موضحاً «الاتفاق الذي أبرم أخيرا بين (روس نفط) هو عقد واحد ومذكرتا تفاهم، العقد حول النفط، حيث تتولى (روس نفط) ببيع النفط لعامي 2017 - 2018 لتصل هذا العام إلى مليون برميل في اليوم، وحاليا تبيع 700 ألف برميل وفد دفعت الشركة للحكومة مليار دولار كمقدمة إلا أن حكومة الإقليم تنكر هذا الأمر ويتوقع أن تكون قد اتفقت مع (روس نفط) على 33 دولاراً عن البرميل وهو سعر منخفض جدا وسعر مغرٍ مقابل سعر النفط في العراق والمنطقة كما أن هناك عقداً آخر مدته 20 عاماً بموجبه تقوم (روس نفط) باستخراج النفط في خمسة حقول معظمها في الزون الأصفر أي مناطق سيطرة حزب بارزاني، وهناك أيضاً مذكرة تفاهم حول الغاز الطبيعي في الإقليم، إلا أنه ليس عقداً بسبب المشكلة مع (دانا غاز) حيث الأخيرة أبرمت مع الإقليم عقداً في منطقة كورومور وجمجمال، وهناك مشكلات مالية وغرامات تطالب (دانا غاز) حكومة الإقليم بدفعها».

وحول غياب البرلمان أي غياب الرقابة يقول: «لجأنا إلى رفع الدعاوى في المحاكم، حيث رفعت في العام 2015 شكوى لدى محكمة محلية ضد وزارة الموارد الطبيعية التي هي من حصة حزب مسعود بارزاني بسبب تزويد عقد مع شركة غير مسجلة لشراء واستخراج النفط، مبلغ العقد بلغ 6 ملايين دولار، ولم تبدِ المحاكم رأيها حتى الآن بسبب التدخلات الحزبية».

ويؤكد البرلماني الكردي على أن «الاستفتاء على الاستقلال هو مزايدة لاستغلال نتائج الاستفتاء أمام الدول الإقليمية (تركيا وإيران والعراق) وأميركا ليقولوا لهم إن شعب كردستان يدعو إلى الانفصال إلا أننا حاليا لن نقوم به لاستخدامه كورقة ضغط ونحن نقول إن كنتم جادين تعالوا فلنعلن الدولة».

في عام 2014 حين تم إيقاف صرف حصة الإقليم من الموازنة العامة بقرار من نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي السابق، مما أدخل الإقليم في نفق أزمة مالية لم تخرج منها حتى الآن، رغم اتفاقات الحكومة مع شركات دولية لبيع النفط دون الرجوع إلى بغداد. وكان آخر اتفاق توصلت إليه حكومتا أربيل وبغداد حول النفط والميزانية في عام 2014، إلا أن الاتفاق بقي حبرا على ورق ولم ينفذ منه شيء.

وكان الاتفاق ينص على أن تصدر حكومة إقليم كردستان يومياً 550 ألف برميل من نفطها من الحقول الخاضعة لسيطرتها وحقول محافظة كركوك عن طريق شركة تسويق النفط العراقي (سومو) وأن ترسل الحكومة العراقية في المقابل حصة الإقليم من الميزانية المقدرة بـ17 في المائة. ولم تستطع حكومة الإقليم الالتزام بالاتفاق الذي وقعته مع الحكومة العراقية في الفترة الماضية.

وخصصت بغداد في مشروع قانون الموازنة لعام 2017 المقبل نسبة 17 في المائة لإقليم كردستان، وتم تخصيص حصة الإقليم في مشروع قانون الموازنة العامة للعراق والمقدرة بـ11 تريليون دينار شرط أن تسلم حكومة إقليم كردستان يومياً 550 ألف برميل من النفط والواردات الاتحادية إلى بغداد، إلا أن هذه النسبة مرهونة بالاتفاق المبرم منذ عامين لوم ينفذ.

ردود فعل



حذرت الولايات المتحدة الأميركية من إجراء استفتاء على استقلال إقليم كردستان على اعتبار أنه قد يشتت الانتباه عن محاربة تنظيم داعش، رغم تقديرها تطلعات إقليم كردستان لإجراء استفتاء الاستقلال لكن إجراءه سيصرف الانتباه عن الحرب ضد «داعش».

أما الاتحاد الأوروبي فتحفظ على إجراء الاستفتاء في إقليم كردستان، واعتبر أن مصلحة الشعب العراقي تقتضي البقاء ضمن عراق موحد.
فيما الخارجية التركية وصفت قرار رئاسة إقليم كردستان بتنظيم استفتاء حول الاستقلال في 25 سبتمبر (أيلول) المقبل بأنه خطأ فادح ويهدد وحدة وسلامة أراضي العراق.

أما الخارجية الإيرانية فاعتبرت أن الاستفتاء «يمكن أن يؤدي فقط إلى مشكلات جديدة».
الحكومة العراقية من جهتها عارضت أي مساع من جانب السلطات الكردية لإعلان الاستقلال.



استفتاء الاستقلال لا يعني الانفصال



الحزب الديمقراطي الكردستاني بدوره وضح موقفه من الاستفتاء باعتباره حقاً لشعب كردستان وفي نفس الوقت لا يعني بالضرورة الانفصال والاستقلال.
وقال رئيس الهيئة المشرفة على الاستفتاء في الإقليم وزير الخارجية السابق هوشيار زيباري إن الاستفتاء سيعزز موقف الإقليم في المفاوضات مع بغداد، لكنه أكد أن نتيجة الاستفتاء لا تعني الانفصال والاستقلال.

ونقلت وكالة «رويترز» عن زيباري قوله إن التصويت على الاستفتاء لا يعني أيضاً ضم كركوك ومناطق أخرى متنازع عليها إلى الإقليم.
وأضاف أن «الاستفتاء عملية ديمقراطية ولا يمكن أن تعارض أي دولة ديمقراطية إجراء استفتاء. نحن لا نتحدث عن الاستقلال، نحن نتحدث عن استفتاء».
أما رئيس كتلة الديمقراطي الكردستاني في برلمان العراق عرفات كرم، فيرى أن «الاستفتاء موضوع قانوني ودستوري وليس بدعة»، مبيناً أنه «ستكون لدينا تحركات في بداياتها على بغداد لوضع الآليات القانونية والدستورية للمضي بالاستفتاء وبعدها ستكون لنا تحركات إقليمية ودولية لتوضيح الصورة».
وأوضح كرم أن «تحركاتنا الإقليمية والدولية ليست من أجل الحصول على الموافقات من تلك الأطراف فهو حق لنا ولا نحتاج موافقة أحد، لكن لتوضيح الصورة كي لا تستغرب تلك الأطراف خصوصا أن البعض يشوه الصورة ويصور الأمر وكأنه محاولة لتمزيق البلد»، معتبراً أن «الاستقلال لا يمثل الانفصال بل هو تحقيق لرغبة الشعب، والنظام العالمي الجديد يسير باتجاه تحقيق إرادة الشعوب».

النائب عن كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني ماجد شنكالي، أيضاً يقول إن الاستفتاء لا يعني الانفصال أو إعلان دولة خلال يوم أو شهر أو سنة، لافتا إلى أنه حق طبيعي وسيعطي القوة لتفويض الشعب للدفاع عن حقوقه وتحقيق أحلامه.

وأكد شنكالي أن «اصرار حزبه على الاستفتاء أمر بعيد كل البعد عن التوجهات السياسية، وهو إحساس وشعور بالانتماء لقضية، وحلم طال أمده»، لافتاً إلى أن «الاستفتاء سيجرى تحت رعاية وغطاء دولي وأممي كي يأخذ مداه وبعده القانوني».

أما «كاكه حمه» الذي لا تعنيه المعمعة والذوبعة التي تدار في المنطقة حول تقرير مصيره، معتبراً أنها زوبعة في فنجان سياسي فاشل فيقول: «أنا بائع أقمشة الزي الكردي، هذا الزي الذي رفضنا خلعه يوماً، رجالاً ونساءً، لن نخلعه ولن نرتدي زياً آخر».
font change