ثمن بقاء بشار الأسد في السلطة

رئيس النظام السوري فقد قدرته على الحكم

ثمن بقاء بشار الأسد في السلطة

[caption id="attachment_55261808" align="aligncenter" width="1848"]رئيس النظام السوري بشار الأسد يجتمع مع المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في طهران- 08 أغسطس / آب 2005. (غيتي) رئيس النظام السوري بشار الأسد يجتمع مع المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في طهران- 08 أغسطس / آب 2005. (غيتي)[/caption]


واشنطن- حنين غدار*

استناداً إلى تصريحات الكثير من كبار المسؤولين الإداريين، فإن أولوية الولايات المتحدة الآن تكمن في هزيمة داعش. وعلى الرغم من أن حلفاءها يركزون
أكثر على دور إيران وتهديدها في المنطقة، فإن الإدارة الأميركية الحالية لا ترى أن إيران تشكل أي تهديد مباشر أو وشيك. ومن الصعب أن نتجاهل حقيقة أن المجتمع الدولي لم يعد مهتماً بإبعاد الأسد عن السلطة وذلك من خلال العمليات العسكرية الحالية على الأرض وقرار الرئيس ترمب بقطع تقديم المساعدات للمعارضين السوريين.
وتأتي كل هذه القرارات بسبب اعتقاد الغرب بأن إطاحة الأسد تتطلب عملية عسكرية كبيرة مع وجود الجنود الأميركيين على الأرض. وهذا ليس صحيحاً بالضرورة، إذ إن جماعات المعارضة تمكنت من تحقيق نجاحات كبيرة في الماضي بدعم بسيطٍ جداً. وبطبيعة الحال، تغير هذا عندما تم قطع هذا الدعم وبعد تدخل روسيا التي أصبحت لاعباً جدياً في سوريا.


السياسات السورية و الإيرانية المقبلة




واليوم، فإن استنفاد ومضاعفات المشهد في سوريا يدفعان بالموقف القائل بأن إبقاء الأسد الضعيف في السلطة أفضل من تعريض سوريا لخيارات غير مؤكدة. ومع ذلك، فإن هذا الموقف - الذي سيؤثر على السياسات السورية أو الإيرانية المقبلة - لن يؤدي فقط إلى توسيع الصراع في سوريا ولكنه سيعرّضه لمزيدٍ من الصراعات التي ستؤثر سلبا على الأمن الإقليمي والمصالح الأميركية. وسيتم ذلك على الشكل التالي:
أولاً: إن إبقاء الأسد رئيساً لسوريا لا يعني أن الجهات الفاعلة الأخرى (مثل إيران) سيتم احتواؤها. بل على العكس، سيكون الأسد مثل الرئيس اللبناني السابق إيميل لحود، الذي كان أداة النظام السوري خلال الهيمنة السورية على لبنان. وقد فقد الأسد منذ فترةٍ طويلة قدرته على اتخاذ القرارات أو الحكم كما حصل مع لحود. ومن أجل البقاء في قصره، تبادل الأسد صلاحياته في صنع القرار وبلاده مع إيران، التي تقود جميع العمليات العسكرية في سوريا وتسيطر على الاقتصاد من خلال الاستثمارات المتعددة التي تقوم بها وسيكون لها تأثير طويل الأجل في سوريا. وهذا يعني أنه من خلال الأسد، ستكون إيران هي صانع القرار في سوريا. ويقول البعض إن روسيا مؤثرة وإنها لن تسمح لإيران بإملاء سياسة سوريا. ومع ذلك، فإن هذا ليس مضموناً لأن روسيا لا تملك بالضرورة تأثيرا أكبر من إيران على الأسد، بل وهو مجرد افتراض حتى الآن، لا يمكن لأحد أن يقول بوضوح إن أجندة إيران وروسيا في سوريا متناقضة. فكلتاهما تريد الحفاظ على الأسد في السلطة وتحدي التأثير الغربي.


الجسر البري بين طهران وبيروت




ثانياً: بالإضافة إلى وجود نفوذ سياسي في دمشق عبر الأسد، فإن إيران تريد الحصول على قوة جيوسياسية، تتجلى في خطتها لاستكمال الجسر البري الذي يربط طهران ببيروت عبر العراق وسوريا. وعلى الرغم من الشكوك بأن هذا الجسر البري ليس بالفعل أولوية إيرانية، فإن الحقائق على أرض الواقع تثبت أنه كذلك. وتركز معظم الموارد العسكرية الإيرانية في الوقت الراهن على كلٍّ من دمشق ودير الزور، وهو أمرٌ مهم لمواردها وقربها من الحدود العراقية. وإذا لم تفعل الولايات المتحدة أي شيء لمنع بناء هذا الجسر البري في العراق أو سوريا، فإن إيران ستتمكن من ربط الحدود بين البلدين وإعلان إكمال بناء الجسر. وبالإضافة إلى كونه جسراً لتوليد الطاقة، فإن هذا الجسر هو أيضاً سبب إعلان إيران وحلفائها الانتصار - أو ربما هو «انتصارٌ إلهيٌ» آخر - سيحقق المزيد من الدعم الشعبي للحرس الثوري الإيراني في الداخل، ولـ«حزب الله» في لبنان. سيكون لإيران نفوذٌ مستمر سيكون احتواؤه صعباً جداً. ومع ذلك، لن ينهي الصراع لأن بقية جماعات المعارضة في سوريا، بالإضافة إلى القبائل حول دير الزور، لن تقبل وجود هذا الممر وستواصل محاربته. كما سيعطي داعش الثاني مبرراً ليولد من جديد برسالةٍ طائفيةٍ أقوى.



صلاحيات «حزب الله»




ثالثاً: سيعطي الأسد - بصفته رئيس سوريا - «حزب الله» حريته في أي مكانٍ على الأراضي السورية. وسيستغل «حزب الله» الأسد وقواته للسيطرة على الأراضي في جنوب وجنوبي شرق سوريا. ومن شأن ذلك أن يعزز ويوسع من صلاحيات «حزب الله» كلاعب إقليمي ويعطيه المزيد من السيطرة على لبنان. ومع ذلك، فإن هذا التأثير المضخم سيزيد على الأرجح من التوتر بين إسرائيل و«حزب الله»، مما قد يؤدي إلى مزيدٍ من الاحتكاك وإمكانية نشوب حرب كاملة لن تقتصر على لبنان. ومع تقدم دور «حزب الله» الإقليمي وجدول أعماله، فإن الحرب المقبلة مع إسرائيل ستتخذ أيضاً شكلاً إقليمياً، إذ ستتهتّك كل من لبنان وسوريا، وقد تنضم ميليشيات شيعية أخرى إلى «حزب الله» في الحرب ضد إسرائيل.
رابعاً: تعني سيطرة إيران على سوريا عبر الأسد أن لديها دوراً أكبر في العراق. ومن شأن المكاسب السياسية والعسكرية التي ستحققها إيران في سوريا - وأبرزها الجسر البري - أن تعزز قوة إيران في العراق، من خلال قوات الحشد الشعبي بقيادة قائد فيلق القدس قاسم سليماني. وعلى الرغم من أن المشهد السياسي الشيعي في العراق أكثر تعقيداً من المشهد في لبنان، وإيران تواجه بالتأكيد تحديات لنفوذها على المجتمع الشيعي والقيادة الشيعية، فإن القدرة على ربط سوريا بالعراق ستحسن فرصها في العراق قبل الانتخابات البرلمانية لعام 2018.

خامساً: لن يكون الأسد بالفعل رئيساً لسوريا. وسيصعب على المجتمع الدولي أن يعترف به بعد أن قتل شعبه ودمر مدنه وبلداته. وأن دولة سوريا - مثل دولة لبنان، وربما دولة العراق في مرحلة معينة - لن تعتبر من الدول السيادية والمستقلة، وستبدأ بالتفكك حتى تختفي كلها في كيانٍ واحد تحت علم الإمبراطورية الإيرانية أو الفارسية. ويعني هذا أن التعاون المستقبلي بين مؤسسات هذه الدول أو الحكومات والمجتمع الدولي سيعني بشكلٍ غير مباشر التنسيق مع إيران، وهو أمرٌ يراه الكثير من الحكومات الغربية على أنه مشكلة.

بالنسبة لواشنطن، يبدو أن الحرب قد انتهت تقريباً فلم تعد تذكر في عناوين الأخبار أو الخطابات الحكومية، إلا إذا حدث شيءٌ خارج عن العادة. الرأي العام مستنفد ويبدو أن الجميع يركّز أكثر على كوريا الشمالية، التي يبدو أنها تشكّل تهديداً مباشراً للولايات المتحدة. ومع ذلك - وبسبب العوامل المذكورة أعلاه – يبدو أن الحرب بعيدة كل البعد عن الانتهاء، وسيدرك المجتمع الدولي أنه لا يكفي هزيمة داعش.
ودون وجود استراتيجية ما بعد داعش، ستجد الولايات المتحدة نفسها تنجر إلى المزيد من الحروب أو الصراعات في الشرق الأوسط. وتتطلب استراتيجية ما بعد داعش تأملاً جدياً في مرحلة إعادة الإعمار، والتي يمكن أن تسمح بالوصول والتأثير على المؤسسات السورية أو أن تكون فرصة للحد من نفوذ إيران، ولكن الأهم من ذلك أن هذه الاستراتيجية تتطلب عملية انتقال واضحة يتنحى فيها الأسد عن السلطة ويسمح بإجراء انتخابات ديمقراطية. وفي هذه المرحلة، قد تكون هذه أفضل طريقة لمنع عودة داعش الثاني، وفي الوقت نفسه تراجع النفوذ الإيراني في سوريا، وبالتالي في العراق ولبنان.
* حنين غدار: زميلة زائرة في زمالة «فريدمان» الافتتاحية في معهد واشنطن.


font change