طريق الحرير الجديد

خط سكة حديد يربط بين أوروبا وآسيا

طريق الحرير الجديد

[caption id="attachment_55262503" align="aligncenter" width="940"] صينيون حضروا انطلاق قطار شحن محمل بحاويات بضائع من المملكة المتحدة ، من مستودع شحن السكك الحديدية التابع لشركة"دبوورلد لندن غايت اواي" في كورينغهام شرق لندن شهر أبريل الماضي(غيتي)[/caption]


* رفض «البنك الدولي»، و«البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية»، تمويل المشروع، وبالتالي تمت تغطية تكاليفه عن طريق طرفين معنيين مباشرين: أذربيجان وتركيا
* في مايو، رحب شي جينبينغ بمبادرة حزام واحد طريق واحد (أو طريق الحرير الجديد) واصفا إياه بـمشروع القرن
* من المؤكد أن وجود خط سكة حديد بكو - تبليسي - كارس سوف يزيد من أهمية منطقة القوقاز في الصورة الكبيرة لأوراسيا




فيلادلفيا - مايا أوتاراشفيلي*


في نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) شارك رئيسا تركيا وأذربيجان إلى جانب رئيسي وزراء جورجيا وكازاخستان في مراسم افتتاح خط سكة حديد باكو - تبليسي - كارس، الذي طال انتظاره. ويعد خط السكة الحديد الذي يمتد طوله إلى 846 كيلومترا الأول من نوعه، إذ يربط عن طريق البر بين باكو عاصمة أذربيجان الواقعة على ساحل بحر قزوين، وتبليسي العاصمة الجورجية، وكارس المدينة الشهيرة في شرق تركيا. علاوة على ذلك سيكون خط السكة الحديد جسرًا بريًا ضروريًا بين أوروبا وآسيا. وسوف يخدم قريبًا في نقل السلع من الصين إلى الاتحاد الأوروبي في مدة تستغرق 15 يوما، كما سيقدم فرصاً تنموية واستثمارية كبرى إلى المنطقة التي تتسم بتعقيدها الجغرافي، وتعقيد جغرافيتها السياسية أيضاً.
بدأ العمل في خط سكة حديد باكو - تبليسي - كارس، على الأقل كفكرة، منذ عام 1993. وأصبح واقعاً في عام 2007 عندما وقّع قادة كل من أذربيجان وجورجيا وتركيا على اتفاقية في تبليسي. تتحمل سعة الخط في الوقت الحالي مليون مسافر و5 ملايين طن من البضائع في العام. في عام 2007، رفض البنك الدولي، والبنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية، تمويل المشروع، وبالتالي تمت تغطية تكاليفه عن طريق طرفين معنيين مباشرين: أذربيجان وتركيا. وفضَّلت المؤسسات المالية الدولية إعادة بناء الطريق القديم الذي يمر عبر أرمينيا، وكانت قلقة من أن مشروع باكو - تبليسي - كارس قد يؤدي إلى عزل أرمينيا. كان قرار تلك المؤسسات منطقيًا فيما يخص أولوياتها. فأرمينيا دولة حبيسة تحيط بها دول مجاورة تعد من أعدائها على مدار التاريخ، وكان لها نزاعات قديمة مع أذربيجان وتركيا. وتفصلها حدود ودية وحيدة مع جورجيا التي تملك حظاً أوفر من أرمينيا فيما يتعلق بموقعها الجغرافي السياسي. ولكن طبيعة جورجيا الجغرافية ليست ملائمة أيضاً بسبب حدودها الممتدة مع جارتها الشمالية العدوانية روسيا. ومع ذلك يسمح ساحل جورجيا المطل على البحر الأسود بجعلها باباً حيوياً إلى أوروبا والأسواق الأوروبية. ومن خلال خط سكة حديد باكو - تبليسي - كارس وغيره من طرق المرور والأنابيب، يمكن أن تصبح جورجيا مركز مرور بين شرق أوراسيا (شرق ووسط آسيا) وغربها (شرق ووسط أوروبا) [في الأصل الإنجليزي: شرق أوراسيا (شرق ووسط أوروبا) وغربها (شرق ووسط آسيا)]. أما بالنسبة لأرمينيا، يصبح خط سكة حديد مثل هذا ذا أهمية بالغة، ولكن من الممكن أن يصبح هذا المشروع محاولة غير واقعية نظراً لأن علاقات أرمينيا مع أذربيجان وتركيا لا تزال غير جيدة حتى الآن. وبالتالي يتعرض المشروع لانتقادات أحياناً لأنه يعزل أرمينيا تماماً. ولكن خسارة أرمينيا الجغرافية السياسية تأتي في مقابل مكسب كبير لجورجيا، حيث تستطيع استيعاب مسافة طولها 178 كيلومترا يحتاج القطار إلى قطعها من أجل الربط بين أذربيجان وتركيا. وتم تمويل الجزء الخاص بجورجيا عن طريق قروض منخفضة الفائدة من أذربيجان وبتكلفة 435 مليون دولار.



حلم الوحدة الأوروآسيوية





كذلك عرقل خط سكة حديد باكو - تبليسي – كارس دور روسيا كطرف إقليمي فيما يتعلق بطرق المرور بين أقاليم المنطقة والاتصال بينها. ولا يعد الخط أفضل رابط أرضي بين أذربيجان وتركيا عبر جورجيا فقط، بل هو أيضا قطعة مهمة مفقودة في محاولة حالية لتنفيذ «حلم الوحدة الأوروآسيوية» الممثل في طريق الحرير الجديد، وهو «صورة حديثة لطرق التجارة القديمة، ومراكز الشحن، والممرات الاقتصادية التي كانت تمتد في السابق في أوروبا وآسيا».
وكما أوضح رئيس الوزراء الجورجي في خطابه أثناء افتتاح خط باكو - تبليسي - كارس: «يتم اليوم وضع أساس لجسر أوروآسيوي جديد سوف يربط كلا من اقتصادنا ومواطنينا، ويحسن من رخائهم. وبمجرد إتمامه بالكامل، سوف يعزز طريق السكة الحديد الجديد من إمكانيات بلادنا في النقل واللوجيستيات، ويقوي مكانة المنطقة في النقل والتجارة». وحضر الافتتاح مسؤولون رفيعو المستوى من طاجيكستان وتركمانستان وأوزباكستان أيضاً فيما يؤكد على الأهمية الإقليمية الشاملة للخط.
تحمل فكرة طريق الحرير الجديد إمكانية اضطلاع الصين بدور أكبر في هذه المعادلة. ولا يسع المرء إلا أن يلاحظ تنامي الوجود الصيني في القوقاز. تملك مجموعة (هيولينغ غروب)، المملوكة لحكومة الصين، مشروعات إنشاءات كبرى وتطوير عقاري في جورجيا، مثل مشروع «تبليسي سي نيو سيتي»، مما يوضح أن الصين سوف تبقى هناك. يتضمن هذا المشروع على وجه التحديد إنشاء برجين مرتفعين وفندقا خمس نجوم ومركزا تجاريا ضخما خارج العاصمة الجورجية تبليسي. ولا تخفي دول القوقاز رغبتها في جذب مزيد من المشروعات الصينية هناك. ووفقاً لما صرح به رئيس الوزراء الجورجي:
«إن نجاح خط سكة حديد باكو - تبليسي - كارس، سيستفيد إلى حد كبير من التوسع في علاقاتنا التجارية والاقتصادية مع الصين. ونحن سعداء لأن هذا الطريق يعد ممراً وسطاً في خريطة التجارة والنقل بين الصين والاتحاد الأوروبي، وهو المصطلح الذي أعلنه الرئيس إردوغان في خطابه الأخير في قمة طريق الحرير في الصين. وفي الوقت الحالي، يستغرق قطار شحن البضائع ثمانية أيام لتوصيل بضائع من الصين إلى جورجيا عبر كازاخستان وأذربيجان».
وأضاف رئيس تركيا رجب طيب إردوغان أنه بحلول عام 2034 سوف تزداد سعة نقل خط السكة الحديد إلى 3 ملايين مسافر و17 مليون طن من البضائع في العام، أي ثلاثة أضعاف سعته الحالية. ويبدو أن هذه الزيادة الكبرى في سعة النقل سيتم تجهيزها لأجل الصين. ووفقاً لما صرح به إردوغان: «عندما تدخل جميع قطاراتنا فائقة السرعة في الخدمة، سوف تتمكن البضائع الواردة من الصين من الوصول إلى بلدان الاتحاد الأوروبي في غضون 15 يومًا».



الصين ليست مشاركة بالكامل





ولكن على الرغم مما يبدو، فالصين ليست ملتزمة بصورة كاملة تجاه القوقاز. يقول دونغ يان، وهو باحث مساهم في معهد أبحاث السياسة الخارجية، إن المصالح الصينية في القوقاز في الوقت الحالي أكثر تناقضاً بالمقارنة مع استثمارها الظاهر في آسيا الوسطى. وفي دراسته الأخيرة عن استراتيجية البحر الأسود، أوضح يان أنه على الرغم من اشتراك الشركات الصينية في بعض المشروعات في القوقاز، فإنها أصغر كثيرا في الحجم مقارنةً ببنيتها التحتية ومشروعات الطاقة التي تمت في روسيا ودول آسيا الوسطى الخمس كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزباكستان. في عام 2013، وصل حجم التجارة بين الصين وهذه الدول الخمس إلى 50 مليار دولار. يفسر ذلك رغبة الصين في إنشاء الطرق وخطوط الأنابيب لتسهيل وصولها إلى المنطقة.
في مايو (أيار)، رحب شي جين بينغ بمبادرة حزام واحد طريق واحد (أو طريق الحرير الجديد) واصفًا إياها بـ«مشروع القرن»، وأعلن أن الصين سوف تزيد حجم استثماراتها في المشروع. لكن حتى في إطار مبادرة طريق الحرير الجديد، يبقى دور القوقاز غير واضح. يكشف العديد من خرائط المبادرة عن طريق مرور بري يقطع إيران ويتجنب تماماً منطقة القوقاز. ويربط الخط بين طهران وإسطنبول، ويعبر البحر الأسود وصولًا إلى موسكو، ثم يتصل بروتردام. وتؤيد جورجيا وأذربيجان بقوة إضافة رابط بين البحر والأسود وبحر قزوين إلى الطريق. وقد تم تجهيز مشروع ميناء أناكليا على البحر الأسود لأجل جذب الاستثمارات الصينية، ولكن بعد فشل المفاوضات في عام 2016، تم منح عمليات الإنشاء والإدارة إلى شركة جورجية أميركية. بيد أنه منذ ذلك الحين، وقعت جورجيا والصين عدداً من الاتفاقيات التمهيدية المتعلقة بإنشاء مناطق تجارة خاصة وإقامة علاقات تجارية، مع ذكر رغبتهما في «تعزيز مبادرات طريق الحرير الجديد». علاوة على ذلك، تشترك الصين في مشروع سكة حديد آخر يمكن أن يربط إيران بأرمينيا، ومن ثم بجورجيا. ولكن يوجد مشروع سكة حديد قائم أيضاً، والذي تم إطلاقه في الفترة الأخيرة. يمثل خط السكة الحديد بديلًا لخط باكو - تبليسي - كارس للربط بين الصين وأوروبا، حيث يتجنب تماماً منطقة القوقاز وينقل البضائع من الصين وصولًا إلى لندن عبر روسيا. استغرق القطار 17 يوماً للوصول إلى وجهته، بعد أن قطع 12 ألف كيلومتر، ومر بثماني دول: الصين وكازاخستان وروسيا وبولندا وألمانيا وبلجيكا وفرنسا وبريطانيا.




أسئلة مهمة وإجابات قليلة






في إيجاز، يبدو في الوقت الحالي أن الصين على الرغم من تعاملها مع منطقة القوقاز بجدية شديدة، فإنها تأمل في أن يزداد تقارب أذربيجان وجورجيا وتركيا منها. وسوف يجيب مستقبل اشتراك الصين في القوقاز على العديد من الأسئلة المثيرة للاهتمام: هل تتجاوز الصين عن الجغرافيا السياسية بإرضاء الجميع وعدم إرضاء أحد في الوقت ذاته في منطقة أوراسيا الشيوعية سابقًا؟ هل ستستفيد من خط سكة حديد باكو - تبليسي - كارس مع الاحتفاظ باستثماراتها في خط السكة الحديد العابر لروسيا للوصول إلى الاتحاد الأوروبي؟ هل ستستمر في كونها شريكاً تجارياً مهماً للغرب، مع أنها تعمل عن قرب مع دول تخضع لعقوبات صارمة، مثل روسيا وإيران، وهما شبه معزولتين في الوقت الحالي عن الأسواق الأوروبية؟ هل تستمر دول القوقاز ذات النزعات القومية العالية وأحياناً الخوف من الأجانب في التقرب من الصين لأجل أموالها (وهي مكاسب قصيرة الأجل)، على الرغم من التبعات الحتمية لإقامة علاقات وطيدة مع الصين، مثل زيادة الهجرة الصينية إلى القوقاز والوقوع رهنا لرغبات الصين (وهي خسائر طويلة الأجل)؟
من المؤكد أن وجود خط سكة حديد باكو - تبليسي - كارس سوف يزيد من أهمية منطقة القوقاز في الصورة الكبيرة لأوراسيا، ويرجع جزء من الفضل في ذلك إلى الصين. ولكن عندما تظل أولويات بكين في حوضي البحر الأسود وبحر قزوين غير ملزمة إلى حد ما، فسوف يستمر توطيد الاتصال الفعلي داخل منطقة القوقاز بمشاركة الصين أو من دونها. ولا يعد خط باكو - تبليسي - كارس تقدماً كبيراً فقط لتحقيق مزيد من الحداثة في القوقاز، ولكنه يجذب أيضاً فرصاً استثمارية أخرى إلى المنطقة، لا سيما تلك القادمة من الغرب.



*مديرة برنامج أوراسيا وزميل معهد أبحاث السياسة الخارجية في فيلادلفيا

font change