مراجعات يمنية ما بعد اغتيال صالح

لحظة حرجة في تاريخ المنطقة

مراجعات يمنية ما بعد اغتيال صالح

[caption id="attachment_55262827" align="aligncenter" width="2062"]علي عبد الله صالح علي عبد الله صالح [/caption]

واشنطن - حنين غدار*



* الحوثيون خصوم لجميع العناصر داخل اليمن وخارجه ... والأستثناء إيران و مليشياته
* يخشى المجتمع الدولي من أن يؤدي قتال عملاء إيران في المنطقة إلى حرب مع إيران. وتستفيد إيران من تلك المخاوف وتستغلها لنشر وترسيخ وجودها وسيطرتها في المنطقة.




قُتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح على يد الحوثيين بعد 48 ساعة من إعلانه أنه مستعد لإجراء محادثات مع السعودية وحلفائها، لينهي ثلاثة أعوام من التحالف المؤقت مع الحوثيين الذين تدعمهم إيران. وحتى تلك اللحظة، كان أنصار صالح يقاتلون إلى جانب الحوثيين في حربهم ضد رئيس اليمن الحالي عبد ربه منصور هادي.
بعد حادث الاغتيال، رحب زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي بمقتل صالح، واصفًا إياه بالنصر على «مؤامرة من أعداء اليمن»، ودعا إلى تنظيم مسيرة حاشدة في ساحة عرض عسكري بالقرب من موقع الهجمات الجوية. في الوقت ذاته، حث الرئيس عبد ربه منصور شعب اليمن في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون المدعومون من إيران بالانتفاض ضد الميليشيات التي قتلت رئيسهم السابق علي عبد الله صالح.
ووسط هذه التوترات التي تنذر بوقوع مزيد من العنف، خسر الحوثيون دون شك حليفًا لهم، وبالتالي فقدوا الغطاء الشرعي الذي كان يمثله صالح لهم. ويدرك المُطَّلِعون على السياسة الإيرانية في المنطقة أن استراتيجية إيران تقوم على خوض المخاطر، وعن طريق اغتيال صالح، تخوض إيران مخاطرة سيكون لها تبعات خطيرة على عملائها في اليمن.



غياب صالح وأنصاره




يجد الحوثيون أنفسهم اليوم، في ظل غياب صالح وأنصاره، في موقف الخصوم لجميع العناصر اليمنية. فهم يقفون منفردين كميليشيات تدعمها إيران دون عنصر محلي. ومع ما يبدون عليه اليوم من انتصار، سيستيقظ الحوثيون في اليوم التالي لمواجهة تحديات قد لا يقدرون عليها.
على المدى القريب، ربما تكون اليد العليا للحوثيين، حيث يظل الجميع في حالة صدمة وحيرة فيما يمكن أن يفعلوه بعد ذلك. بيد أنه على المدى البعيد، لن تعود القوى الموالية لصالح للقتال إلى جانب الحوثيين. يعني ذلك أنهم خسروا جزءًا كبيرًا من قوتهم القتالية. ومن المؤكد أن هذا النقص في القدرات العسكرية يجب أن يستفيد منه التحالف الذي تقوده السعودية في أقرب وقت ممكن، وإلا ستتحرك إيران لملء الفراغ، كما تفعل دائمًا.
على المدى القريب أيضًا، قد يحاول الحوثيون استعادة المناطق التي خسروها في العاصمة في الأيام الأخيرة، ولكن لا يعني ذلك أنه سيكون استحواذًا نهائيًا. وسوف يكون البحث عن بديل لصالح مناورة صعبة أيضًا. يرى البعض أن ابنه أحمد مرشح محتمل لأن يحل محل والده، ولكنه ليس كوالده وربما لا يقدر على قيادة أنصار صالح كما كان أبوه يفعل.
في هذا الإطار، سوف يواجه اليمن أيامًا صعبة مقبلة. وسوف يسعى الجميع إلى الاستفادة من التطورات. هل سيستمر القتال ضد الحوثيين؟ من الذي سيقوده؟ هل اليمنيون مستعدون أو قادرون على الثورة على الحوثيين؟ كيف ستتعامل إيران مع كل تلك السيناريوهات؟ سيجيب الزمن على ذلك، ولكن إذا عرفنا كيف تتصرف إيران في هذه المواقف، قد يكون من السهل القول إنه سيتم إرسال مزيد من دعم الحرس الثوري الإيراني إلى الحوثيين.



استراتيجية إيران




ولكن كما هو الحال مع بقية الدول التي تسيطر فيها إيران، مثل لبنان وسوريا والعراق، يظل وجود إيران وسيطرتها دائما عرضة للخطر. إن استراتيجية إيران هي ملء الفراغ بالعنف والفوضى. وفي سوريا والعراق، الحرب ضد داعش كانت فرصة ممتازة لإيران للاستحواذ، وساعد غياب سياسة أميركية في سوريا الميليشيات الشيعية الإيرانية على فرض السيطرة على الأرض. بيد أنه بسبب استفادة هذه الاستراتيجية من الفوضى والفراغ، دائما ما تتسم بقابليتها للقصور ونقاط الضعف. ومن ثم، كانت إيران تحاول دائمًا الدفاع عن قوتها المعرضة للخطر عن طريق العنف. وذلك على وجه التحديد يوضح كيف قُتل صالح.
سوف يظل اليمن دائمًا معرضًا للخطر بالنسبة لإيران، ولهذا السبب يصبح بذل جهد جماعي ضد الحوثيين أهم في الوقت الحالي، قبل أن يحصلوا على دعم أكبر من الحرس الثوري الإيراني.
فقد الحوثيون غطاءهم، وسوف يسعون إلى تعويض ذلك بمزيد من الغطاء الإيراني الذي يفتقد الشرعية، ولكنه أكثر كرمًا في السلاح والمال. لقد خسروا شريكهم اليمني المحلي، لذا سيحاولون التعويض بإقامة شراكة أقوى مع إيران. وبالطبع إيران على استعداد أكبر لتعويض واستغلال هذا الضعف الذي أصبح عليه الحوثيون لفرض سيطرة وسلطة أكبر في اليمن.
وتلك طريق خطرة، لأنها تحديدًا الوسيلة التي سيتحول بها الحوثيون من حلفاء يمنيين لإيران إلى عملاء يمنيين لإيران. هكذا سيتحول الحوثيون إلى «حزب الله» اليمني، وسيصبحون ذراعًا في الفيلق الأجنبي الإيراني. وسوف تكون إيران المستفيد الأساسي من اغتيال صالح، إلا إذا تم احتواء الموقف.
ما الذي يمكن فعله إذن؟ يُقدم مقتل صالح فرصة لجميع الجماعات والقبائل المعارضة للحوثيين للاجتماع والتعاون. ولن يحدث ذلك تلقائيًا بسبب مشكلة الثقة وأيضًا لغياب استراتيجية القتال. لذا تحتاج هذه الجماعات إلى إطار عمل ودعم إقليمي.



لحظة حرجة




إنها لحظة حرجة للغاية، ليس فقط في تاريخ اليمن، ولكن أيضًا للمنطقة بأسرها. إن مفترق الطرق الذي يواجهه اليمن اليوم يُعد مفترق طرق للمنطقة ونقطة حاسمة في هيمنة إيران الإقليمية. لا تنظر إيران إلى اليمن بمعزل عن بقية المنطقة. بالنسبة لإيران، يُعد اليمن وسوريا ولبنان كيانًا واحدًا يجسد قوة إيران التوسعية في العالم العربي. ولذلك على وجه التحديد لا يجب فصل حرب اليمن عن بقية المنطقة.
ويجب ربط أي قرار يخص اليمن بأي قرار في العراق وسوريا ولبنان. إذ يجب احتواء إيران في جميع هذه البلدان؛ وإلا سوف تستمر في الانتشار حتى تستحوذ عليهم. نحن بالفعل في مرحلة يخشى فيها المجتمع الدولي من أن يؤدي قتال عملاء إيران في المنطقة إلى حرب مع إيران. وتستفيد إيران من تلك المخاوف وتستغلها لنشر وترسيخ وجودها وسيطرتها في المنطقة. ولكن احتواء إيران ليس سيناريو مستحيلًا حتى الآن، إذا اتخذت جميع الأطراف الإقليمية والدولية قرارًا وتحركوا بناء على استراتيجية مشتركة.
يُمثل اليمن اليوم فرصة، إذا لم يتم انتهازها سيصبح هدف احتواء إيران أكثر تعقيدًا في الأيام المقبلة.

* حنين غدار: زميلة زائرة في زمالة فريدمان الافتتاحية بمعهد واشنطن.
font change