دبلوماسيون تحت خط النار

كلمات ناعمة في مواجهة الرصاص... وآخرها مقتل بريطانية في بيروت

دبلوماسيون تحت خط النار

[caption id="attachment_55262956" align="aligncenter" width="1516"]اغتيال السفير الروسي في أنقرة، أندريه كارلوف، ديسمبر 201 اغتيال السفير الروسي في أنقرة، أندريه كارلوف، ديسمبر 201[/caption]

القاهرة: عصام فضل


* في كثير من الأحيان يكون استهداف الدبلوماسيين أو البعثات الدبلوماسية شكلا من أشكال الانتقام من دولهم.
* القانون الدبلوماسي هو أساس ومنشأ القانون الدولي... وحماية وحصانة البعثات الدبلوماسية هما جوهر اتفاقية فيينا.



مع تصاعد الإرهاب عالميا، تحولت وظيفة الدبلوماسي من مهنة الكلمات الناعمة المدروسة إلى مهنة مواجهة الرصاص تحت خط النار في عواصم ملتهبة، كان آخرها، قبل أيام، مقتل ريبيكا دايكس، الدبلوماسية البريطانية في بيروت. وطوال سنوات تصدرت أخبار استهداف الدبلوماسيين ومقار السفارات عناوين الصحف ووكالات الأنباء، ولا يكاد يمر شهر إلا وتقع واحدة من تلك الحوادث.
وفي عالم معقد وعنيف ومتغير مقارنة بما كان عليه في الماضي، تطرح وقائع استهداف الدبلوماسيين عديد التساؤلات حول تدريبهم على مواجهة المواقف الخطرة في العواصم الملتهبة، كما يثير تساؤلات عن موقف القانون الدولي من استهداف مقار البعثات الدبلوماسية طبقا لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1962.

عثرت الشرطة اللبنانية مساء السبت 16 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، على جثة الدبلوماسية البريطانية ريبيكا دايكس (30 عاما) ملقاة على إحدى الطرق السريعة قرب العاصمة بيروت، وسط غموض أسباب مقتلها، إذ رجحت التحقيقات الأولية تعرضها للخنق والاغتصاب.
ويأتي مقتل دايكس، ضمن قائمة طويلة لدبلوماسيين لقوا مصرعهم خلال تأدية عملهم في عواصم مختلفة. بعض هذه الوقائع حدثت أمام كاميرات التلفاز لتتحول إلى مشاهد صادمة للعالم، كما حدث في واقعة اغتيال السفير الروسي في العاصمة التركية أنقرة، أندريه كارلوف، قبل عام، على يد شرطي تركي أطلق عليه الرصاص أمام أعين العالم خلال افتتاحه معرضا فنيا.


[caption id="attachment_55262955" align="aligncenter" width="810"]البريطانية ريبيكا دايكس، التي قتلت في بيروت البريطانية ريبيكا دايكس، التي قتلت في بيروت[/caption]

وفي فبراير (شباط) الماضي، أعلنت السلطات الأفغانية مقتل أحد دبلوماسييها في قنصليتها بمدينة كراتشي جنوبي باكستان رميا بالرصاص على يد أحد الحراس الباكستانيين، وقبلها بأيام في يناير(كانون الثاني) قتل 5 دبلوماسيين إماراتيين في أفغانستان، بينما ما زال مشهد اقتحام متظاهرين إيرانيين مقر السفارة السعودية في طهران قبل عامين عالقا في أذهان الدبلوماسيين حول العالم.
وفي هذه الواقعة قام المتظاهرون الإيرانيون وقتها باقتحام مقر البعثة الدبلوماسية السعودية وأضرموا النار فيها، ردا على تنفيذ المملكة حكما قضائيا بالإعدام بحق رجل يدعى نمر النمر، ضمن 47 شخصا أدانهم القضاء السعودي بتهمة الإرهاب، وهو ما أثار تساؤلات حول التزام الدول بحماية مقار البعثات الدبلوماسية الموجودة على أرضها بغض النظر عن الخلافات الدبلوماسية بين البلدين.
ويقول أستاذ القانون الدولي، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، الدكتور أيمن سلامة لـ«المجلة»: «إتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1962 حددت التزامين رئيسيين على الدولة المستضيفة للبعثات الدبلوماسية، أولهما هو الدور الإيجابي ويعني أن تتخذ الدولة المضيفة كافة التدابير والإجراءات التي تحقق الأمن الكامل للبعثات الدبلوماسية من خلال سلطاتها المحلية وأجهزتها الأمنية المختصة، والالتزام الثاني هو الدور السلبي ويعني أن تقوم الدولة المضيفة بمنع العامة والغوغاء من التعرض لسلامة وأمن البعثات الدبلوماسية».
ويضيف: «لا تستطيع الدولة المضيفة أن تتنصل من التزامها بتأمين البعثات الدبلوماسية على أراضيها إلا في حالة واحدة وهي الحرب الأهلية وثبوت استحالة تأمين البعثات نظرا لفقدان الدولة للسيطرة الأمنية على أراضيها».



تدريب الدبلوماسيين




مع زيادة المخاطر التي تواجهها البعثات الدبلوماسية خاصة في العواصم الملتهبة لجأت معظم الدول إلى تدريب دبلوماسييها وإشراكهم في تدريبات أمنية بهدف إعدادهم لممارسة عملهم والتعامل مع المخاطر التي يواجهونها.
يقول مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير جمال بيومي لـ«المجلة»: «الدبلوماسي أصبح مثل ضابط الجيش يواجه مخاطر كثيرة وكأنه وسط حرب، وبسبب تصاعد الإرهاب حول العالم أصبحت العديد من الدول تهتم بالبرامج التدريبية التي يخضع لها السفراء وخاصة البرامج الأمنية، ويشارك السفراء الجدد في العديد من البرامج التدريبية معظمها برامج ثقافية تتعلق بالدولة التي سيعملون فيها، ويخضع الدبلوماسيون الذين يعتزمون العمل في عواصم ملتهبة لبرامج تدريبية أمنية مكثفة يتعلمون خلالها كيفية مواجهة المخاطر واستراتيجيات أمنية خاصة بتأمين تحركاتهم، وعادة ما يتم أخذ رأي الدبلوماسي في العاصمة التي سيعين فيها، وذلك لمراعاة ظروفهم الاجتماعية، فالدبلوماسيون الذي لديهم أطفال في سن صغيرة لا يرحبون بالعمل في عواصم خطيرة».
ويضيف: «عام 1982 عُينت سفيرا لمصر في ألمانيا، وفور وصولي فوجئت بأن السلطات الألمانية قد رفعت الحراسة الأمنية عن مبنى السفارة المصرية ولم يعد يوجد أي أفراد أمن أمام مقر السفارة، فشعرت بتوتر شديد خاصة أن الواقعة جاءت قبل أيام قليلة من زيارة مرتقبة للرئيس المصري الأسبق حسني مبارك لألمانيا، وتواصلت مع السلطات الألمانية فأخبروني أنهم ألغوا الحراسة الأمنية التقليدية على أي مبانٍ سواء حكومية أو خاصة بالبعثات الدبلوماسية أو غيرها، ولأنهم شعروا بقلقي أخبروني أنهم سيؤجلون تطبيق القرار على مقر السفارة المصرية إلى أن تنتهي زيارة مبارك».



الانتقام




في كثير من الأحيان يكون استهداف الدبلوماسيين أو البعثات الدبلوماسية شكلا من أشكال الانتقام من دولتهم نتيجة سياسات ما، ويتذكر مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير أحمد القويسني، واقعة تعرضه لمحاولة اغتيال خلال عمله سفيرا لمصر في إندونيسيا، ويقول لـ«المجلة»: «عام 2008 كانت غزة تشهد توترات عسكرية كبيرة وقامت السلطات المصرية بإغلاق معبر رفح وقتها، واعتبرت بعض وسائل الإعلام إغلاق المعبر حصارا للفلسطينيين، وكنت سفيرا لمصر في إندونيسيا وبينما كنت أستقل سيارتي وأوشك على الدخول من باب السفارة كان يتعقبني أحد الأشخاص وألقى على سيارتي قنبلة بدائية محلية الصنع».
ويضيف: «يخضع الدبلوماسيون لبرامج تدريبية تجريها الأجهزة الأمنية، ويتوقف الأمر على طبيعة الدولة التي سيعمل فيها السفير وحجم المخاطر، وفي بعض الأحيان يتطلب الأمر إعداد السفير كي يتمكن من تأمين نفسه وعائلته، ويكتسب الدبلوماسي مع الوقت القدرة على ملاحظة الخطر والانتباه إلى أي شيء غير طبيعي خلال تحركاته، وعادة لا يذهب السفير إلى أي مكان قبل إبلاغ السلطات المحلية كي تتمكن الأجهزة الأمنية للدولة المضيفة من تأمينه».
ويظل التزام الدول بحماية مقار البعثات الدبلوماسية الموجودة على أراضيها، التزاما دوليا لا يمكن التنصل منه، بل إنه يمكن لأي دولة أن تطلب إجراءات تأمين إضافية لبعثتها الدبلوماسية، خاصة في حال وجود توترات دبلوماسية بين البلدين، كما حدث خلال أزمة الرهائن الأميركيين في العاصمة الإيرانية طهران.
يقول أستاذ القانون الدولي عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية الدكتور أيمن سلامة، أنه يمكن لأي دولة أن تطلب من الدولة المضيفة تأمينا إضافيا لبعثتها الدبلوماسية بحسب ما تقتضيه الظروف، ويتابع: «عقب الأزمة الشهيرة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران على خلفية اقتحام مقر السفارة الأميركية في طهران واحتجاز دبلوماسيين أميركيين في ثمانينات القرن الماضي فيما عرف بأزمة الرهائن، أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي حكما تاريخيا أدان إيران وأرست من خلاله مبدأ جديدا فيما يتعلق بتأمين البعثات الدبلوماسية، حيث قالت المحكمة إن القانون الدبلوماسي هو أساس ومنشأ القانون الدولي وإن حماية وحصانة البعثات الدبلوماسية هما جوهر اتفاقية فيينا».
font change