هل اختطف الخميني موسى الصدر؟

على خلفية تصريحات مسؤول إيراني سابق: الصدر يستحق الإعدام

هل اختطف الخميني موسى الصدر؟

[caption id="attachment_55263761" align="aligncenter" width="953"]الخميني الخميني[/caption]

واشنطن - حنين غدار

* كان الشاه والصدر على اتصال سري رغم التوترات المعروفة، وأراد رضا بهلوي من الصدر العودة إلى إيران لإحباط طموحات الخميني قبل الثورة. ولو نجح ذلك لتغير كل شيء.
* البرلماني الإيراني السابق جلال الدين الفارسي يؤكد: إيران قررت أن الصدر لا قيمة له ومن ثم قتله القذافي


أدلى الشهر الماضي نائب سابق في البرلمان الإيراني بتصريحٍ أعاد كل الغموض الذي أحاط بقضية اختفاء الإمام موسى الصدر عام 1978، أي قبل عامٍ واحدٍ من ثورة الخميني الإسلامية في إيران. وقال جلال الدين الفارسي إن الصدر يستحق الإعدام لأنه « دعا المسيحيين إلى الصلاة في المساجد ». وأضاف أن إيران «قررت أن الصدر لا قيمة له أو لقتله، ومن ثم قتله القذافي».

ومع أن هذا البيان لم يكن مفاجئاً للكثيرين في لبنان، فإنه تسبب في غضبٍ شديد في كل من لبنان وإيران، وأدى إلى مطالبة نجل شقيقة الإمام الصدر المدعي العام الإيراني بالرد المناسب. وكان هذا البيان أهم بيان إيراني يدلى به منذ اختفاء الصدر، نظراً إلى أنه جاء من شخص قريب جدًا من الخميني. بالإضافة إلى ذلك، فتح الباب أمام السؤال الأكثر تحدياً: هل كان الخميني متورطاً في اختفاء الصدر أو مقتله؟

العلاقات بين الصدر والشاه


وفقًا لكتاب «سقوط السماء: البهلويون والأيام الأخيرة لإيران الإمبراطورية»، الذي نشر عام 2016، يؤكد الكاتب أندرو سكوت كوبر أن الشاه والصدر كانا على اتصال سري رغم التوترات المعروفة، وأن الشاه ربما أراد من الصدر العودة إلى إيران لإحباط طموحات آية الله الخميني قبل الثورة. ولو نجح ذلك لكان تغير كل شيء.
ووفقاً للكتاب، كان واضحاً أن الصدر لم يكن يثق بالخميني، وتشارك عدم الثقة هذه مع الشاه. وأضاف أن الصدر هو الأمل الوحيد للتعايش بين الشيعة والحداثة. وقد فتح اختفاؤه الطريق أمام المتشيعين المتشددين في إيران.
وعندما سقطت حكومة القذافي عام 2011. اعتقد كثيرون في لبنان أن الصدر على قيد الحياة وكان محتجزًا في سجنٍ سري في ليبيا لأكثر من 30 عامًا. وفي 2016. أثيرت أسئلة أخرى عندما قام مسؤولون قضائيون في لبنان باحتجاز ابن القذافي الأصغر هنيبعل، وقاموا باستجوابه عن سر الإمام المفقود. ولكن مصير الصدر لم يكشف أبداً.

[caption id="attachment_55263762" align="alignleft" width="250"]موسى الصدر موسى الصدر[/caption]

ووفقاً للكتاب، فقد بعث الصدر برسالة إلى الشاه عبر وكيل إيراني في بيروت، وعرض فيها التحدث مع آية الله الخميني نيابة عن الشاه. وفي حين وافق الشاه على هذا الاجتماع، عرض القذافي ترتيب الاجتماع بين محمد بهشتي، كبير مساعدي الخميني، الذي كان وراء الانقلاب ضد الشاه. وتوجه الصدر إلى ليبيا برفقة مساعده الشيخ محمد يعقوب، والصحافي اللبناني عباس بدر الدين.
ولم يتم عقد ذاك الاجتماع أبداً، وقرر الصدر العودة إلى لبنان واختفى في المطار قبل أن يستقل الطائرة.

الصدر و«حزب الله»


الصدر هو أصلاً من قُم ولكن انتقل إلى النجف في العراق للتدريب الديني. وعاد إلى لبنان في محاولة لمساعدة الشيعة من خلال برنامجٍ سياسي ورسالة عمل على إيصالها. وكان مقرباً من الرئيس السوري حافظ الأسد وأصدر فتوى عام 1971 تفيد بأن الطائفة العلوية هي ضمن الطائفة الشيعية، مما أعطى الأسد شرعية للبقاء في السلطة. وبالإضافة إلى ذلك، أسس الصدر مدرسة دينية في الجنوب استضافت الكثير من الرجال الذين أصبحوا لاعبين رئيسيين في الثورة الإيرانية وفي قيادة «حزب الله»، مثل الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لـ«حزب الله»، والسيد حسن نصر الله. وقد يكون ساعد في تمهيد الطريق لـ«حزب الله» من غير قصد.

ولكن تدربه الديني في النجف أبعده عن ولاية الفقيه وزاد الاختلاف بينه وبين الخميني، الذي التقى به وأصبحا صديقين في النجف. وكان هدف الصدر توحيد اللبنانيين - المسلمين والمسيحيين - وليس توحيد الشيعة في المنطقة. فكانت تعنيه الهويات الوطنية وأراد من الشيعة اللبنانيين الاهتمام ببلدهم وبالمجتمعات الأخرى قبل الاهتمام بهوياتهم الشيعية أو الخطاب الطائفي. وإذا نجح في ذلك، كان «حزب الله» قد وجد نفسه في المكانة التي يتمتع بها اليوم ضمن الطائفة الشيعية في لبنان.

وبطبيعة الحال، فإن تدريبه الديني ورسالته السياسية مهدت أيضاً الطريق لعسكرة الشيعة في لبنان، بعد عقود من الشعور بالتهميش. وقد تم استخدام هذا الخطاب السياسي الذي ألفه للشيعة لاحقاً كأداة لتمكين «حزب الله». ومع اختفاء الصدر، قام «حزب الله» بملء الفراغ الذي تركه في المجتمع الشيعي في لبنان بسهولة، وذلك لأنه كان واضحاً حول أهدافه المقاوِمة أكثر من ارتباطه بآيديولوجيا الثورة الإسلامية.
وقد رأى المجتمع الشيعي - الذي مكنه الصدر - «حزب الله» كقوة مقاومة طوال فترة الثمانينات والتسعينات. ولم تتضح آيديولوجيا «حزب الله» الشيعية وصِلته بإيران إلا منذ فترة قصيرة، وتحديداً بعد ذهاب قواته إلى سوريا.

الشيعة اليوم


الآن، وبما أن «حزب الله» لم يعد يمثل قوة مقاومة للطائفة الشيعية، أو للّبنانيين عموماً، أصبح إرث الصدر أكثر أهمية. وإلى جانب حركة أمل وأتباعها، فإن الكثير من الشيعة اللبنانيين يبحثون عن بديل مختلف لا يؤدي إلى عزلتهم وعسكرتهم. والواضح أن الصدر لن يعود في أي وقتٍ قريب هذا إذا عاد أصلاً. ومع ذلك، فإن إرثه لا يزال قائمًا اليوم بين مجموعات معينة، وخاصة أولئك الذين تم تدريبهم في النجف أو لديهم صلات بالنجف وقيادته.
ويمكن إعادة النظر بهذا الإرث للتأكيد على الهوية اللبنانية بين الشيعة وفصل لبنان عن الصراعات الإقليمية التي تقودها إيران. وتوجد أرضية خصبة لهذا النوع من الخطابات في لبنان اليوم، ويرجع ذلك في الغالب لأن الناس قلقون من انتصار «حزب الله» في الانتخابات البرلمانية المقبلة، الأمر الذي سيجر لبنان أكثر إلى صراعات الحزب وحروبه الإقليمية، ويعزل لبنان واللبنانيين والشيعة عن المنطقة.
قد تكون إيران تخلصت من موسى الصدر عبر القذافي، وربما ساعدها ذلك على بناء دولتها في لبنان عبر «حزب الله»، ولكن هذا لا يعني أن إرث الصدر قد مات معه. لأنه ينمو اليوم في النقاشات والشواغل الداخلية الشيعية.

[caption id="attachment_55263763" align="alignright" width="300"]القذافي والصدر القذافي والصدر[/caption]

ومع ذلك، لا بد من الكشف عن تورط إيران في اختفاء الصدر. ولأن إرثه ورسالته لا تزال حية في لبنان، فإن تورط إيران سيضع «حزب الله» في موقف صعب للغاية، ولا سيما مع حليفته حركة أمل وقيادتها. ولا يستطيع «حزب الله» أن يفقد المزيد من الدعم الشعبي لأن الحروب في المنطقة لا تزال تتكشف. وإذا بدأ الناس في توجيه أصابع الاتهام للخميني وإيران لقتلهم الصدر، فإن الكثير من الروابط ستكسر، وربما يبدأ الشيعة في لبنان يتذكرون من كانوا قبل أن يستولي «حزب الله» على ذاكرتهم الجماعية.
لقد ارتكب جلال الدين الفارسي خطأً لا عودة عنه. والتحدي يكمن في كيفية الاستفادة من خطئه.

* حنين غدار: زميلة زائرة في زمالة فريدمان الافتتاحية في معهد واشنطن.
font change