حرب اقتصادية أميركية صينية

رسوم جمركية وإجراءات حمائية... وتحقيقات حول الملكية الفكرية

حرب اقتصادية أميركية صينية

[caption id="attachment_55264166" align="aligncenter" width="3000"]-	الرئيس الامريكى دونالد ترامب خلال مراسم استقبال الرئيس الصينى شي جين بينغ له 9 نوفمبر من عام 2017 فى بكين بالصين -  (غيتي). - الرئيس الامريكى دونالد ترامب خلال مراسم استقبال الرئيس الصينى شي جين بينغ له 9 نوفمبر من عام 2017 فى بكين بالصين - (غيتي). [/caption]

القاهرة: حسين البطراوي

* «ترمب»: الصين اغتصبت أميركا... وتنفذ أكبر عملية سطو في التاريخ.
* إعلان الصين «متلاعبة بالعملة»... ووضع نهاية لدعم الصادرات الصينية.
* التخفيف من المعايير البيئية والعمالية... شروط الولايات المتحدة لإنهاء الحرب.
* واشنطن تمنع الاستثمارات الصينية من دخول أسواقها... و«علي بابا» و«هواوي تكنولوجي» الأبرز.
* بكين: الحرب الباردة عفى عليها الزمن... والسياسات الأميركية سبب الخلل في التجارة بين البلدين.



تصعيد أميركي خطير تجاه الصين في إطار خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لمعاقبة بكين، بعد اتهامها بـ«اغتصاب أميركا»، وتأتي القرارات الأميركية الأخيرة بفرض رسوم جمركية على واردات الألومنيوم والفولاذ من الصين وروسيا، وفتح تحقيق فيما سماه ترمب انتهاكات الصين لحقوق الملكية الفكرية، لتدق طبول حرب اقتصادية بارد بين أكبر اقتصادين في العالم.
يذكر أن الرئيس الأميركي يتخذ موقفاً معادياً للصين، وبدا ذلك واضحا خلال حملته الانتخابية، وفور توليه السلطة، شكل فريقا رئاسيا يتسم بالعداء للصين، ولم يترك ترمب فرصة إلا واستغلها لتهديد الصين.
وعلى الجانب الآخر، طالبت الصين الرئيس الأميركي بالبعد عن الحرب الباردة، والتي وصفتها بأنها «عفى عليها الزمن»، نافية كافة الاتهامات الأميركية، ومهدده في الوقت نفسه باتخاذ إجراءات لحماية مصالحها الاقتصادية، وتمتلك الصين عوامل قوة تجعلها قادرة على إدارة الصراع الصيني – الأميركي، وأكدت الصين أن الخلل في التجارة بين البلدين هو نتيجة للسياسات الاقتصادية الأميركية التي أدت إلى ضعف تنافسية المنتجات الأميركية، وليس سعر الصرف.


رسوم جمركية



قرار أميركا المفاجئ أشعل الصراع من جديد بين الصين وأميركا، حيث تدرس إدارة الرئيس دونالد ترمب، ثلاثة مقترحات لفرض الرسوم الجمركية على واردات الألومنيوم والفولاذ من الصين وروسيا خاصة، بدعوى إضرارها بالأمن القومي الأميركي والوظائف.
وقال وزير التجارة الأميركي، ويلبور روس: «توصلنا إلى حقيقة مفادها أن واردات الفولاذ والألومنيوم تهدد بإلحاق الضرر باقتصادنا، ولذا نوصي بتبني هذه الاقتراحات». وأضاف: «الولايات المتحدة أكبر مستورد للفولاذ في العالم... إلا أن وارداتنا أكبر بأربع مرات تقريبا من صادراتنا منه».
وشملت مراجعات الأمن القومي للبند 232 الخاص بالتجارة في القطاعين، والتي طال انتظار إعلانها، خيارات رسوم دولية لا تقل عن 24 في المائة على جميع منتجات الصلب الواردة من جميع الدول، وما لا يقل عن 7.7 في المائة على جميع منتجات الألومنيوم الواردة من جميع الدول.
وأكد وزير التجارة الأميركي أن ترمب سيكون له القول الفصل بما في ذلك ما يتعلق باستثناء دول بعينها، مثل الحلفاء في حلف شمال الأطلسي، من أي إجراءات. وأضاف أن الرسوم الدولية ستشمل جميع منتجات الصلب والألومنيوم التي تدخل السوق الأميركية قادمة من الصين.
وأوصت وزارة التجارة بفرض رسوم لا تقل عن 53 في المائة على جميع واردات الصلب القادمة من 12 دولة هي البرازيل والصين وكوستاريكا ومصر والهند وماليزيا وروسيا وكوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا وتايلاند وتركيا وفيتنام.
وستخضع دول أخرى لفرض حصص تقيد وصولها المعفى من الرسوم تعادل صادرات كل دولة من تلك الدول من الصلب إلى الولايات المتحدة في عام 2017.


قطاع الألومنيوم



وسيشمل الخيار الموجه لدول بعينها في قطاع الألومنيوم فرض رسوم نسبتها 23.6 في المائة على جميع المنتجات القادمة من كل من الصين وهونغ كونغ وروسيا وفنزويلا وفيتنام. وسيخضع الآخرون جميعا لفرض حصص تساوي صادرات عام 2017 للولايات المتحدة.
ويدعو خيار ثالث ترمب إلى فرض حصص دولية على أساس 63 في المائة من صادرات الصلب من كل دولة من الدول في عام 2017 وعلى أساس 87 في المائة من صادرات الألومنيوم للولايات المتحدة.
وقال: روس إن الإجراءات تهدف إلى زيادة معدل الاستفادة من الطاقة الإنتاجية في الولايات المتحدة إلى نحو 80 في المائة في كل قطاع من القطاعين، مقارنة مع 48 في المائة في قطاع الألومنيوم حاليا، و73 في المائة في قطاع الصلب.
وقدمت تلك المقترحات إلى ترمب الشهر الماضي بعد شكاوى من منتجين أميركيين من أن إغراقا أجنبيا للمعدنين يقلص بشكل حاد قدرتهم على المنافسة.


قانون التجارة



وكان ترمب قد أجاز إجراء هذه المراجعات بمقتضى قانون للتجارة يرجع إلى عام 1962 لم يجر تفعيله منذ 2001. وأمام ترمب حتى 11 أبريل (نيسان) كي يعلن قراره بشأن القيود على واردات الصلب وحتى 20 أبريل لاتخاذ قرار بشأن القيود على الألومنيوم. وأكد وزير التجارة الأميركي أن ترمب سيكون له القرار النهائي، بما في ذلك احتمال استثناء دول معينة، مثل شركاء أميركا في حلف شمال الأطلسي، من أي قيود.

[caption id="attachment_55264167" align="alignleft" width="220"]-	هيرو سايجو الرئيس التنفيذي لشركة ياماها موتور فينتوريس خلال مؤتمر ريس 2017 الذي عقد بمركز هونغ كونغ للمؤتمرات والمعارض في هونغ كونغ -  (غيتي). - هيرو سايجو الرئيس التنفيذي لشركة ياماها موتور فينتوريس خلال مؤتمر ريس 2017 الذي عقد بمركز هونغ كونغ للمؤتمرات والمعارض في هونغ كونغ - (غيتي).[/caption]

الصين تنفي... وتهدد



ومن جانبها، ردت وزارة التجارة الصينية بالقول إن التقرير «لا أساس له» ولا يتسق مع الحقائق، مضيفة أن الصين ستتخذ الخطوات الضرورية لحماية مصالحها إذا أثر القرار النهائي على بكين. وحثت وزارة التجارة الصينية الولايات المتحدة على ضبط النفس في استخدام أدوات الحماية التجارية واحترام قواعد التجارة المتعددة الأطراف والقيام بإسهام إيجابي في النظام الاقتصادي والتجاري العالمي.
وقالت الوزارة: «إذا أثر القرار النهائي للولايات المتحدة على مصالح الصين، فعلى الصين اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية مصالحها المنطقية». وأضافت أن الولايات المتحدة في تعاملها مع بكين، تحتاج إلى التخلي عن ضيق الأفق لديها والتفكير بشكل أبعد وأرحب.


غرامات أميركية



وأشارت الصين إلى أنه من قبيل حلول الذكرى السنوية الأولى لتولي ترمب، هدد بالسعي لفرض غرامة ضخمة على الصين بشأن مزاعم حول انتهاكها لحقوق الملكية الفكرية. وأمر إدارته أيضا بفتح تحقيق فيما تصفه بتدخل الصين في الشؤون الداخلية للولايات المتحدة.
وجاءت هذه التحركات بعد عدة محاولات من جانب الولايات المتحدة لمنع استثمارات صينية من دخول سوقها، بما في ذلك استثمارات من شركة «علي بابا»، عملاق التجارة الإلكترونية الصينية، ومن شركة «هواوي تكنولوجي» الصينية الرائدة في صناعة الهواتف.

وجاءت هذه الإجراءات الحمائية، بعد شهر واحد من قيام إدارة ترمب بوصف الصين بأنها منافس استراتيجي في أول استراتيجية للأمن القومي للولايات المتحدة الأميركية.
وخلال العام الماضي، حمّل ترمب في مناسبات كثيرة بكين مسؤولية العجز التجاري الضخم لواشنطن في التجارة البينية، مبديا غضبه من أن بلاده تعرضت للاستغلال، وتعهد بالرد.
وحذرت الصين أنه في حال إقرار إدارة ترمب دفع الاتهام قدما مع فرض الإجراءات العقابية الموعودة ضدها، فقد تضطر الصين إلى اتخاذ خطوات مماثلة. ما قد يفضي إلى إشعال حرب تجارية مدمرة بشكل متبادل.


الملكية الفكرية



وكان الرئيس الأميركي قد أعلن أن الولايات المتحدة تدرس فرض «غرامة» كبيرة في إطار تحقيق في سرقة مزعومة للملكية الفكرية من جانب الصين، في إشارة إلى أن إدارته ستتخذ إجراءً تجاريا انتقاميا ضد بكين.
وقال مستشار ترمب الاقتصادي، جاري كوهن، إن بكين أرغمت شركات أميركية على نقل ملكيتها الفكرية إلى الصين في إطار تكلفة تنفيذ أعمال هناك. وبدأت الولايات المتحدة تحقيقا تجاريا في هذه المسألة.
ولم يحدد ترمب ما الذي قد تعنيه «غرامة» على الصين. ويسمح قانون التجارة لعام 1974. الذي أجاز تحقيقا في سرقة مزعومة للصين للملكية الفكرية، للرئيس الأميركي بفرض تعريفات جمركية انتقامية على البضائع الصينية أو عقوبات تجارية أخرى حتى تغير الصين سياساتها.
وتقول شركات أميركية إنها تخسر تكنولوجيا بمئات المليارات من الدولارات وملايين الوظائف التي تذهب إلى شركات صينية سرقت أفكارا أو برمجيات أو أجبرتها على تسليم حقوق للملكية الفكرية لتنفيذ الأعمال في الصين. وقال: ترمب إنه يريد أن تكون للولايات المتحدة علاقة جيدة مع الصين، لكن يجب على بكين أن تعامل الولايات المتحدة بإنصاف.


إغراق صيني



وأرجعت شبكة «فوكس نيوز» الأميركية، قرار ترمب إلى الممارسات التجارية غير العادلة من الصين والمكسيك. حيث تأتي الزيادة في التعريفات الجمركية بعد إغراق الألواح الشمسية المصنعة في الصين، بالأسواق الأميركية، بأسعار أقل من أسعار السوق، لإخراج الشركات الأميركية من السوق.
وكشفت الصحيفة أنه في 2013 قدمت البنوك الصينية الحكومية قروضًا ميسرة لشركات الألواح الشمسية بقيمة 18 مليون دولار، كما وفرت بكين أراضي لتلك الشركات. وهو ما تسبب في تشبع السوق بالألواح الشمسية، وبيعها بأسعار قليلة، مما أدى إلى إعلان الكثير من الشركات الأميركية إفلاسها، وتسريح موظفيها.
وفي محاولة للتحايل على السلطات الأميركية، قامت الشركات الصينية بنقل بعض مصانعها إلى دول أخرى كالمكسيك، وهذا هو السبب في أن التعريفات الجديدة التي أعلنتها الإدارة تطبق في جميع أنحاء العالم.


ترمب... أميركا أولا



وكان ترمب إبان الحملة الانتخابية له قد هاجم الصين واتهمها بـ«اغتصاب» الولايات المتحدة، والمسؤولية عن «أكبر عملية سطو في التاريخ». وكان ترمب قد قال إن الصين مسؤولة عن «أكبر عملية سطو في التاريخ»، في تجدد لانتقادات سياسة الصين التجارية. وأضاف أن الصين تتلاعب بعملتها لتجعل صادراتها أكثر قدرة على المنافسة عالميا، وذلك يلحق ضررا كبيرا بالشركات والموظفين في الولايات المتحدة.
وتابع أنه «لا يمكننا الاستمرار في السماح للصين باغتصاب بلادنا، وهذا ما نقوم به الآن». وأضاف: «سنغير الوضع، كما أن لدينا الأوراق لفعل ذلك، لا تنسوا هذا»، وتابع أن الولايات المتحدة لديها «الكثير من النفوذ لتمارسه إزاء الصين».
وحدد ترمب أربعة أهداف، تشمل إعلان الصين على الفور أنها «متلاعبة بالعملة» ووضع «نهاية لدعم صادرات الصين والتخفيف من وطأة المعايير البيئية والعمالية».

[caption id="attachment_55264168" align="alignright" width="300"]-	كريستينا تشن المؤسس المشارك لـ «سكاليزد» خلال مؤتمر ريس 2017 الذي عقد بمركز هونغ كونغ للمؤتمرات والمعارض في هونغ كونغ -  (غيتي). - كريستينا تشن المؤسس المشارك لـ «سكاليزد» خلال مؤتمر ريس 2017 الذي عقد بمركز هونغ كونغ للمؤتمرات والمعارض في هونغ كونغ - (غيتي).[/caption]

حرب باردة



ويحلل الدكتور أحمد قنديل في دراسة له العلاقات الأميركية الصينية، فيشير إلى أنه مع تولي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مقاليد منصبه في 20 يناير (كانون الثاني) 2017. توجد درجة عالية من الضبابية والغموض تحيط بمستقبل العلاقات الأميركية الصينية. وتسببت المواقف المعلنة بين ترمب والصينيين خلال الشهور الأخيرة في إحداث شكوك كبيرة حول قدرة الجانبين على إدارة هذه العلاقات، التي تجمع بين أكبر اقتصادين في العالم، بشكل بناء وتعاوني خلال الفترة القادمة، الأمر الذي ينذر بإمكانية نشوب حرب باردة جديدة بين القوة العظمي الوحيدة التي سيطرت على مقاليد الشؤون العالمية منذ انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي السابق، وبين العملاق الصيني الذي شهدت قوته تناميا عسكريا واقتصاديا وسياسيا ملحوظا في العقد الماضي.


تحسن العلاقات... ولكن



وشهدت العلاقات بين بكين وواشنطن تحسنا ملموسا وزيادة متواصلة في العمق والاتساع خلال فترة حكم أوباما على مدى السنوات الثماني الماضية، ومع ذلك، لم يكن طريق العلاقات بين واشنطن وبكين مفروشا بالورود طوال فترة رئاسة أوباما، خاصة إذا ما تذكرنا اشتعال القضايا الشائكة بين الجانبين من وقت إلى آخر، فيما يتعلق بتايوان والتبت وحقوق الإنسان وبحر الصين الجنوبي، حيث كثيرا ما أدت هذه القضايا إلى حدوث توتر شديد في العلاقات بين الجانبين.


مواقف غير إيجابية



ورغم هذا التذبذب بين التعاون والتوتر في العلاقات الأميركية الصينية خلال رئاسة أوباما، جاء الرئيس المنتخب ترمب بمواقف وتغريدات غير إيجابية، على طول الخط، تجاه الصين، سواء في حملته الانتخابية أو بعد فوزه في الانتخابات، حتى إن بعض المراقبين يؤكد على أن ترمب لم يصدر أي تصريح إيجابي تجاه بكين قبل توليه السلطة.
فخلال حملته الانتخابية، اعتبر ترمب الصين تهديدا رئيسيا لبلاده يعادل تهديد الإرهاب الدولي، ممثلا في «داعش». وكان أحد أسباب انتقاده للصين، بحسب قوله، هو أنها تتعمد تخفيض قيمة عملتها الوطنية، لكي يتفوق المنتجون الصينيون على نظرائهم الأميركيين. ولذلك، دعا ترمب إلى اعتبار الصين «دولة تتلاعب بالعملة»، مضيفا: «بيننا حرب تجارية، ونحن نخسرها». ووعد ترمب بزيادة الضرائب المفروضة على البضائع الصينية بنسبة 45 في المائة، لحماية السلع الأميركية في مواجهة مثيلتها الصينية.
وبعد فوزه في الانتخابات، انتقد ترمب، مرة أخرى، عبر «تويتر»، السياستين النقدية والعسكرية للصين. حيث اتهم بكين بأنها تخفض سعر عملتها لمنافسة الشركات الأميركية بشكل أفضل، وبأنها «تبني مجمعا عسكريا ضخما في بحر الصين الجنوبي»، كما اتهم الصين أيضا بسرقة غواصة أميركية غير مأهولة كانت تعمل ضمن عمليات المراقبة التي تقوم بها واشنطن في بحر الصين الجنوبي.


فريق رئاسي عدائي



ومن ناحية أخرى، اختار ترمب فريقا تجاريا يكن العداء لبكين بهدف تغيير شكل العلاقة بين أكبر اقتصادين في العالم. إذ عين بيتر نافارو، أستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا والمعروف بعدائه للصين، ليكون رئيسا لمجلس التجارة الوطني المشكل في البيت الأبيض، وعين أيضا روبرت لايتهايزر، المعروف بأنه من أشد المدافعين عن حماية المنتجات المحلية أو ما يعرف بالسياسة الحمائية، في منصب نائب الممثل التجاري الأميركي ليكون مسؤولا عن المفاوضات التجارية الدولية.
يبدو الرئيس ترمب عازما أيضا على الدخول في «حرب تجارية» مع بكين لوقف التمدد الصيني في العالم، والذي يأتي على حساب المصالح الأميركية، من وجهة نظر الرئيس ترمب. فالصين تعمل منذ فترة على توسيع استثماراتها وفتح الأسواق أمام منتجاتها في أفريقيا وفي جمهوريات روسيا الاتحادية والدول العربية والأوروبية، من خلال مبادرة «الحزام والطريق» الصينية. كما عملت بكين أيضا، خلال العامين الماضيين، على تأسيس مؤسسات مالية موازية لصندوق النقد والبنك الدولي، كبنك التنمية الجديد ومقره شنغهاي برأسمال يقدر بنحو 100 مليار دولار، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية ومقره بكين برأسمال أولي قيمته 50 مليار دولار. وهذه التحركات من جانب بكين تثير كثيرا من الهواجس لدى دوائر صنع القرار الأميركية، لأنها تعزز من المكانة العالمية للاقتصاد الصيني في مواجهة الاقتصاد الأميركي، خاصة أن بكين أصبحت أكبر مالك لسندات الخزانة الأميركية، وهو ما قد يؤثر بشدة على سعر صرف الدولار مستقبلا، إذا ما قرر الصينيون بيع هذه السندات.


شكاوى أميركية



تشكو الولايات المتحدة بشكل دائم من أن الصين تبقي عملتها أقل من قيمتها الحقيقية بشكل مصطنع، الأمر الذي يساعد المصدرين الصينيين على زيادة صادراتهم – وخاصة إلى الولايات المتحدة – بصورة «غير عادلة». كما تتهمها بتحقيق فائض ضخم من تجارتها معها بسبب انخفاض قيمة عملتها مما يجعل الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة أقل تكلفة والواردات من الولايات المتحدة أكثر تكلفة.


رد صيني



في المقابل، تعتبر الصين أن الخلل في التجارة بين البلدين هو نتيجة للسياسات الاقتصادية الأميركية التي أدت إلى ضعف تنافسية المنتجات الأميركية، وليس سعر الصرف. وأعلنت الصين مرارًا أنها تنتظر نهوضًا قويًا للنشاط الاقتصادي العالمي قبل أن تعيد النظر في سعر صرف عملتها لكي لا ينعكس ذلك سلبًا على صادراتها، وبالتالي نموها الاقتصادي الذي يشكل (مع الأسواق الصاعدة الكبرى الأخرى) قاطرة النمو الاقتصادي العالمي.
وتتهم الولايات المتحدة الصين باستمرار بقرصنة المنتجات الأميركية، وتعد السينما والموسيقى والنشر وألعاب الفيديو والنسيج والمواد الكيماوية والتجهيزات الكهربائية وتكنولوجيات الإعلام أكثر القطاعات تأثرًا بالقرصنة. كما تشكو الشركات الأميركية التي تستثمر في الصين من سرقة حقوق الملكية الفكرية، والمزايا غير العادلة التي يتمتع بها المنافسون المحليون.


صراع موارد



كما يتصاعد الصراع بين الولايات المتحدة والصين ليشمل السباق على الحصول على المواد الأولية وخاصة من أفريقيا وأميركا اللاتينية. ومن الأمور الأخرى التي تزيد التوتر بين البلدين أن الصين تنتج نحو 97 في المائة من عناصر الأرض النادرة، والتي تدخل في الصناعات التكنولوجية والأجهزة الإلكترونية، والهواتف الجوالة، وأجهزة الكومبيوتر والصواريخ الموجهة، والليزر، وأنظمة الاتصالات والرادارات، وإلكترونيات الطيران، وأجهزة الرؤية الليلية، والأقمار الصناعية، وغيرها من الكثير من الصناعات الاستراتيجية. وتقلق أميركا من احتمال خفض الصين للإمدادات من هذه المعادن النادرة.


سلوك سلبي... ومحاولات أميركية



وعلى الرغم من السلوك السلبي الأميركي، فقد أثبتت الدولتان خلال العام الماضي قدرتهما على إدارة خلافاتهما والالتزام بروح التعاون.
وعقب خطة عمل استمرت 100 يوم، بدأت خلال اجتماع جمع بين الرئيس الصيني شي جينبينغ وترمب في منتجع مارلاغو في أبريل الماضي، أُعيد جلب لحوم البقر الأميركية إلى طاولات طعام المستهلكين الصينيين. وفي نوفمبر (تشرين الثاني)، تم توقيع اتفاقات بقيمة 250 مليار دولار أميركي بين الجانبين خلال زيارة الدولة الأولى لترمب للصين.
الاختلافات لا مفر منها، ولكن الصراع ليس كذلك. وأي اختلاف أو تناقض يمكن معالجته عن طريق الحوار طالما أن البلدين لديهما نوايا حسنة للعمل معا. وقد وعد ترمب بجعل أميركا عظيمة مرة أخرى، بيد أنه إذا كان دفع الصين إلى الوراء هو طريقته المتصورة لتحقيق ذلك، فإن ذلك لن يفضي به إلى أي مكان قريب من هدفه.


سندات الخزانة الأميركية



وعلى الجانب الآخر، زادت الصين، حيازاتها من سندات الخزانة الأميركية العام الماضي، لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2010، في مؤشر على مرونة الطلب الصيني على السندات الأميركية، رغم تصاعد التوترات التجارية بين البلدين. ووفقا لبيانات وزارة الخزانة الأميركية، ارتفعت قيمة حيازات الصين من السندات الأميركية من 126.5 مليار دولار إلى 1.18 تريليون دولار في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2017.
وذكرت صحيفة «ساوث تشاينا مورنينغ بوست»: «لا تزال الصين أكبر حامل أجنبي لسندات الخزانة الأميركية تليها اليابان، التي انخفضت حيازاتها للشهر الخامس على التوالي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي إلى 1.06 تريليون دولار أميركي».
وقال مسؤولون صينيون الشهر الماضي، إنه في إطار مراجعة سوق الصرف والنقد الأجنبي، قد تنظر الحكومة الصينية إلى إبطاء أو وقف مشتريات سندات الخزانة الأميركية، لأنها أصبحت أقل جاذبية بالنسبة إلى أصول أخرى، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تعقيد خطط الولايات المتحدة لزيادة الاقتراض لتمويل عجز الميزانية المتزايد.
وكانت التهديدات التي وجهها الرئيس دونالد ترمب بشأن تضييق التجارة مع الصين، قد أثارت مخاوف من أن الدولة الآسيوية قد تستخدم الخزانة الأميركية كأداة للانتقام.
وبحسب الصحيفة، فقد ارتفع احتياطي النقد الأجنبي في الصين للشهر الـ12 على التوالي في يناير الماضي، مع صعود قيمة اليوان. وقال بنك الشعب الصيني، إن الاحتياطي من النقد الأجنبي ارتفع بمقدار 21.6 مليار دولار في الشهر الماضي إلى 3.16 تريليون دولار.
ومنذ بداية هذا العام، صعد اليوان بأكثر من 2 في المائة مقابل الدولار، وقال تقرير صادر عن مؤسسة الصين كابيتال الدولية، إن ضعف الدولار يسهم في الأداء القوي لليوان، رغم النمو القوي المتوقع في الاقتصاد الأميركي عام 2018.

[caption id="attachment_55264169" align="alignleft" width="300"]-	شاب صيني يساعرض  بالتمثيل البصري من كريبتوكيرنسي الرقمية عملة بيتكوين و الدولار الأمريكي -  (غيتي). - شاب صيني يساعرض بالتمثيل البصري من كريبتوكيرنسي الرقمية عملة بيتكوين و الدولار الأمريكي - (غيتي).[/caption]

الذهب الأسود



وأعلنت بكين إطلاق تجارة الذهب الأسود بعملتها «اليوان» بدلا من الدولار، وسوف يبدأ تداول العقود الآجلة للنفط باليوان في بورصة شنغهاي في 26 مارس (آذار) المقبل، وسوف يتمكن المستثمرون الأجانب من الوصول إلى سوق الخام في البلاد للمرة الأولى. ولدى الصين بطاقة رابحة قوية، فهي أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، ويمكنها أن تطمح إلى تشكيل سعره باليوان.
فالاتجاه نحو إضفاء الطابع الإقليمي على الأسواق، وخاصة في بلدان منطقة آسيا والمحيط الهادي، سوف يكتسب مزيدا من الزخم في المستقبل. وينبغي التعامل مع المبادرة الصينية على أنها اختبار جدي: إلى أي درجة يعتبر الاقتصاد العالمي مستعدا لمثل هذا التحول في تجارة النفط؟


الحرب الباردة



وطالبت الصين الرئيس دونالد ترمب، بالتخلي عن عقلية الحرب الباردة، ووصفتها بأنها عقلية «عفى عليها الزمن»، بعد أن أدرج ترمب الصين ضمن الدول التي «تهدد القيم الأميركية» في خطاب ألقاه أمام الكونغرس، وحدد موسكو وبكين بوصفهما خصمين يهددان مصالح واقتصاد وقيم الولايات المتحدة الأميركية.




font change