دبلوماسية المياه

1.8 مليار شخص يواجهون العطش في 2025

دبلوماسية المياه



القاهرة: حسين البطراوي

* تأثيرات على المشهد الجيوسياسي والتحرك الدبلوماسي وربما وقوع صراعات بين البلدان.
* تستهلك الزراعة 70% من مسحوبات المياه في العالم. و40% نقص بين الطلب المتوقع على المياه والإمدادات بحلول عام 2030.
* تغير المناخ يؤدي إلى فقدان بعض المناطق 6% من الناتج المحلي. والشرق الأوسط وشمال أفريقيا تضم 6% من سكان العالم... وأقل من 2% من الموارد المائية المتجددة.
* تحلية المياه لا تصلح إلا في الدول الأكثر ثراء... وآثار بيئية على الكويت ودبي... والاستغلال المفرط للمياه الجوفية أدى إلى هبوط منسوبها.



في ظل ندرة المياه، قد يصبح الماء سلعة اقتصادية تباع بأسعار تضاهي أسعار النفط. وفي العقود المقبلة، ستؤثر إمدادات المياه على المشهد الجيوسياسي، والتحرك الدبلوماسي، وربما تتسبب في وقوع صراعات بين البلدان.
فقد ظل الماء مصدرا للحياة منذ قديم الأزل، من نهر النيل الذي قامت على ضفافه الحضارة المصرية القديمة، إلى نهر الأمازون الذي يحتضن غابات الأمازون في البرازيل.
ويأتي الماء في صميم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فهو عنصر حيوي للحفاظ على الصحة وزراعة المحاصيل الغذائية وتوليد الكهرباء وإدارة البيئة وخلق فرص العمل. وما زال الأمن المائي يُعتبر من أهم التحديات العالمية من حيث أثره على التنمية. وهو أيضا جزء لا يتجزأ لبلوغ أهداف التنمية المستدامة. ولن يستطيع العالم أن يواجه تحديات التنمية المستدامة في القرن الحادي والعشرين، وهي التنمية البشرية والمدن الصالحة للحياة وتغير المناخ والأمن الغذائي وأمن الطاقة، دون تحسين إدارة الموارد المائية ودون ضمان الحصول على خدمات منتظمة للمياه والصرف الصحي.
غير أن الأمن المائي ما زال يمثل تحديا لكثير من البلدان اليوم، وهي تحاول معالجة مشاكل المياه المعقدة التي تغطي مختلف القطاعات الاقتصادية. وبحسب دراسة للبنك الدولى، خلق النمو السكاني والاقتصادي ضغوطا غير مسبوقة على الموارد المائية. وتُظهِر التقديرات أنَّه حال الممارسات الحالية، فإن العالم سيواجه نقصا نسبته 40 في المائة بين الطلب المتوقع على المياه والإمدادات المتاحة منها بحلول عام 2030.

70 في المائة للزراعة



وتستهلك الزراعة ما نسبته 70 في المائة من مسحوبات المياه في العالم. وسيتطلب توفير الغذاء لتسعة مليارات نسمة بحلول عام 2050 زيادة الإنتاج الزراعي بنسبة 60 في المائة، وزيادة استهلاك المياه بنسبة 15 في المائة. وسيحتاج العالم مزيدا من المياه لتوليد الكهرباء، وإن كان لا يزال هناك اليوم أكثر من 1.3 مليار شخص يفتقرون إلى الكهرباء. ويعيش أكثر من نصف سكان العالم الآن في مناطق حضرية. ويزداد هذا العدد سريعا. وتتعرض المياه الجوفية للاستنزاف بمعدل أسرع من معدل إعادة تغذية مكامنها. وبحلول عام 2025، سيعيش حوالي 1.8 مليار شخص في مناطق أو بلدان تعاني ندرة مطلقة في المياه.

صراعات مائية



ويشير تقرير للبنك الدولي إلى أن ندرة المياه التي تتفاقم بسبب تغير المناخ قد تؤدي إلى فقدان بعض المناطق ما يصل إلى 6 في المائة من إجمالي ناتجها المحلي، وتحفز على الهجرة، وتؤدي إلى تأجيج الصراعات. وستؤدي الآثار المجتمعة لنمو السكان وارتفاع مستويات الدخل وتوسع المدن إلى زيادة الطلب على المياه زيادة كبيرة بينما سيصبح المعروض منها غير منتظم وغير مؤكد بدرجة أكبر.
وتشكل المسطحات المائية حدودا طبيعية بين بعض الدول، وتتقاسم دول عديدة مياه الأنهار أو البحيرات، إذ يجري نهر النيل على سبيل المثال عبر نحو 12 دولة. وبالنظر إلى الاستعداد الفطري لدى البشر للدخول في صراعات، فمن غير المتوقع أن المياه لم تكن سببا في نشوب معارك بين الدول حتى الآن.
ويذهب بعض الخبراء إلى أن السلام العالمي مرهون بضمان حق الدول في الاستفادة من المياه. ولهذا، ربما يصبح الحفاظ على الإدارة السلسة للمياه بين الدول، والحيلولة دون تطور أي نزاعات، من التحديات الكبرى في العقود القليلة المقبلة.

المياة العذبة



وقد أصبحت موارد المياه العذبة في القرن الحادي والعشرين مهددة بالنضوب، وأدى التغير المناخي إلى زيادة مستويات مياه البحر، وتغيير الحدود بين البلدان، وزاد الضغط على الموارد على أثر النمو السكاني المتسارع، وفي ظل تصاعد النزعة القومية في مختلف أنحاء العالم، باتت العلاقات الدبلوماسية بين البلدان على المحك.
وشكلت المسطحات المائية حدودا طبيعية بين البلدان وبعضها، وأجبرت سكانها على البحث عن سبل سلمية لاقتسام المياه. وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن يزداد الطلب على المياه بنسبة 55 في المائة في الفترة بين عامي 2000 و2050. وفي القرن المقبل، ستزداد قيمة المياه كمورد عالمي، ويقول البعض إنها ستفوق قيمة النفط.

السلام العالمي



يمتد دور المياه في تشكيل السياسات لقرون عدة، فقد رسمت المياه قديما حدودا طبيعية بين الأمم وبعضها البعض، والبلدان وبعضها البعض. لكن المشهد الجيوسياسي اليوم يبدو مختلفا تماما. ولا يزال ضمان حق الدول في الاستفادة من موارد المياه يمثل أهمية قصوى، وتمر القنوات المائية عبر دول عديدة، أو ترسم حدود دول أخرى، وتخضع حقوق البلدان الواقعة على ضفافها لما يسمى «حقوق الدول المتشاطئة في تقاسم مياه الأنهار الدولية».
وفي حالة الأنهار، تتمتع دول المنبع، التي تقع في أعالي النهر، بقوة وأفضلية، بحكم موقعها، مقارنة بدول المصب. وقد أثيرت خلافات حول هذا الأمر في الكثير من البلدان المتشاطئة على ضفاف الأنهار الدولية، وتقع هذه البلدان في الغالب في مناطق تكثر فيها الاضطرابات بالفعل.



الشرق الأوسط



وفي منطقة الشرق الأوسط، يعد حوض نهر الأردن مصدر المياه الرئيسي للكثير من البلدان، منها الأردن وفلسطين وإسرائيل، وهذه المناطق تشهد توترات سياسية منذ وقت طويل. وفي سوريا، ربط البعض بين موجة الجفاف التي وصفت بأنها الأسوأ منذ نحو ألف سنة، وبين الحرب الأهلية التي غيرت مصير جيل بأكمله في سوريا، والتطرف، وهو ما شكّل بيئة خصبة لظهور تنظيم الدولة الإسلامية.
واستمر التجاذب المصري الإثيوبي بشأن استغلال مياه النيل لقرون طويلة، إذ ينبع نهر النيل في إثيوبيا وينتهي في مصر، وهذا العامل يؤسس لعلاقة عدائية بين البلدين. وفي عام 2015، نحّى البلدان الخلافات جانبا للتوصل إلى اتفاق لبناء سد النهضة على نهر النيل، وهو أكبر سد في أفريقيا.
كما «وقعت كل من ماليزيا وسنغافورة اتفاقا مدته 99 عاما، على سبيل المثال، تحصل بموجبه سنغافورة على حصة مدفوعة من المياه العذبة من نهر جوهور. ويرى البعض أن سنغافورة أحد البلدان الأسرع تطورا في العالم، لكن الصناعة والتجارة والثقافة في هذا البلد ستصاب بالشلل إذا لم تلب موارد المياه العذبة احتياجات السكان».

دبلوماسية المياه



تحاول أفغانستان على سبيل المثال أن تستغل موقعها في منطقة أعالي النهر لتنمية أوضاعها الاقتصادية. وبالطبع يمثل النفوذ السياسي المستمد من موارد المياه، مثل نهر كابل، فرصة سانحة لدولة عانت على مدار عقد من الزمن من الحروب والاضطرابات.
ولهذا، زاد حرص الباحثين والأساتذة الجامعيون على رفع الوعي بالمساعي الدبلوماسية بين الدول لحل مشكلات المياه، وليس أثر المياه على السياسة فحسب. وعلى الرغم من أن المياه قد تكون سببا محتملا لنشوب صراعات، فإنها أيضا قد تعزز من التعاون الدولي.
تضم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 6 في المائة من سكان العالم، وأقل من 2 في المائة من الموارد المائية المتجددة في العالم. فهي المنطقة الأكثر جفافا في العالم، حيث تضم أكثر 12 بلدا في العالم من حيث ندرة المياه، وهي الجزائر والبحرين والكويت والأردن وليبيا وسلطنة عمان والأراضي الفلسطينية وقطر والسعودية وتونس والإمارات واليمن.
وفي المتوسط، لا يتجاوز توفر المياه 1200 متر مكعب، أي أقل بحوالي ست مرات عن المتوسط العالمي البالغ 7000 متر مكعب. ولا تستطيع معظم بلدان المنطقة تلبية الطلب الحالي للماء بشكل مستدام. ومع نمو السكان وزيادة الطلب، فإن نصيب الفرد من وفرة المياه سينخفض إلى النصف بحلول عام 2050.

معدلات عالية للفقد



وتظهر دراسة استمرت سبع سنوات وانتهت عام 2009 أن معدل فقدان احتياطي المياه العذبة في المنطقة يعادل تقريبا حجم البحر الميت بأكمله، ما يجعله أعلى معدل لفقدان المياه العذبة على وجه الأرض خلال ذلك الوقت.
ومع ذلك فإن بعض أجزاء المنطقة (تحديدا البلدان ذات الدخل الأعلى في مجلس التعاون الخليجي) تسجل بعض أعلى معدلات استهلاك المياه للفرد في العالم. وتشهد بلدان مجلس التعاون الخليجي أيضا أكبر الفجوات بين إمدادات المياه المتجددة والطلب، فالبحرين تستخدم 220 في المائة من احتياطي المياه المتجددة لديها مقابل 943 في المائة في السعودية، و2465 في المائة في الكويت.
وخلال السنوات الثلاثين الماضية انخفض مستوى المياه الجوفية في الإمارات حوالي متر واحد كل عام. وبالمعدل الحالي، من المقدر أن تستنفد الإمارات مواردها من المياه العذبة الطبيعية خلال حوالي 50 عاما.

ويعتمد كثير من بلدان المنطقة على تحلية مياه البحر لتلبية الطلب على المياه. فأكثر من 75 في المائة من مياه البحر المحلاة في العالم موجودة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، 70 في المائة منها في بلدان مجلس التعاون الخليجي (السعودية والكويت وقطر والبحرين والإمارات) و6 في المائة في ليبيا والجزائر.
وفي كثير من بلدان المنطقة، يستهلك قطاع الزراعة 85 في المائة من المياه المستهلكة. ويمكن أن تساعد الممارسات الزراعية الأكثر كفاءة في استخدام المياه في توفير المياه لاستخدامها لأغراض أخرى. ويعتمد حسن إدارة الموارد المائية على سياسات الري الجيدة.
فعلى سبيل المثال، ترتبط السياسات الزراعية وممارسات الري المعتمدة منذ الثمانينات باستنفاد ما يقدر بثلثي إمدادات المياه الجوفية في السعودية.
ومن المتوقع أن يسفر تغير المناخ عن انخفاض معدلات هطول الأمطار بنسبة 20 في المائة وزيادة معدلات التبخر، مما يزيد من ندرة المياه. ففي سوريا، على سبيل المثال، قد يؤدي ارتفاع درجات الحرارة ونقص هطول الأمطار والأحداث المناخية غير المتوقعة إلى تصحر 60 في المائة من أراضيها.
وسيزداد وضع المياه إلحاحا مع نمو السكان في المنطقة وأحداث تغير المناخ المتوقعة. ويجب على بلدان المنطقة أن تعتمد حلولا مراعية للبيئة سواء في جانب الطلب أو جانب العرض.

تقديرات عالمية



وتشير التقديرات إلى أن الطلب العالمي على المياه سيزداد بنسبة 55 في المائة ما بين عامي 2000 و2050. والمحرك الرئيسي لهذا الطلب هو الزراعة التي تستهلك 70 في المائة من المياه العذبة في العالم. وبحلول عام 2035 يجب أن يزداد إنتاج الطعام بنسبة 69 في المائة ليلبي احتياجات النمو السكاني. ومن المتوقع أن يزداد سحب المياه لتبريد محطات الطاقة بنسبة أعلى من 20 في المائة. وهذا يعني أن موارد المياه العذبة مهددة بالنضوب في المستقبل القريب.
وقد أظهرت دراسة بقيادة باحثين من وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) أن معدل نضوب الكثير من موارد المياه العذبة في العالم يسير بوتيرة أسرع من معدل إعادة تغذيتها. وتحتجز الأنهار الجليدية والأغطية الجليدية 68 في المائة من موارد المياه العذبة في الكرة الأرضية، ولكن العلماء يرجعون ذوبانها السريع في الآونة الأخيرة إلى التغير المناخي وتتعرض 21 طبقة من أصل 37 من أكبر الطبقات الحاملة للمياه الجوفية في الهند والصين والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، للاستنزاف، وهذه الطبقات هي عبارة عن مستودعات للمياه الجوفية مؤلفة من حصى ورمال.

تحلية المياه



تعتبر تكاليف تحلية المياه أعلى بنحو خمس إلى سبع مرات في المتوسط من معالجة المياه العذبة، وتستهلك كميات هائلة من الطاقة. وخلفت تحلية المياه فى الكويت ودبي، وهي المناطق التي تعتمد على تحلية المياه، أضرارا على الأنظمة البيئية البحرية، ونظرا لارتفاع تكاليف تحلية المياه، سواء اقتصاديا أو بيئيا، فإنها لا تصلح إلا في الدول الأكثر ثراء.



مساعدات دولية



تساعد مجموعة البنك الدولي حكومات البلدان الأعضاء على حل التحديات المعقدة لتنمية مواردها المائية من خلال إتاحة التمويل التحويلي والمعارف والابتكار. فالبنك الدولي أكبر مصدر متعدد الأطراف لتمويل مشاريع المياه في البلدان النامية، ولديه محفظة من الاستثمارات في عمليات المياه بقيمة 35 مليار دولار، ومنذ عام 2014، سجَّل الإقراض في مجال إدارة الموارد المائية نموا سريعا، ومن المتوقع أن يزيد إلى 31 في المائة من المحفظة في عام 2017، ويبلغ إجمالي المشاريع التي لها مكون متصل بقطاع المياه تديره قطاعات الممارسات العالمية الأخرى 10 مليارات دولار.
وقدمت مؤسسة التمويل الدولية 2.9 مليار دولار لنحو 100 مشروع للمياه والبنية التحتية للبلديات منذ عام 2005 من خلال الخدمات التمويلية والاستشارية ومساندة إعداد المشاريع لشركات القطاع الخاص، وكذلك الأجهزة الحكومية البلدية والإقليمية.

وأظهرت مساندة البنك الدولي للبلدان في الآونة الأخيرة بعض الحلول لمعالجة التحديات المائية وتقليل درجة الإجهاد المائي. وفي لبنان، أدَّت الزيادة المفاجئة في الطلب على المياه التي يحركها تدفق أكثر من مليون لاجئ سوري إلى اعتماد تقنيات جديدة وأسلوب متطور في التفكير، بما في ذلك استخدام تقنيات مراقبة وإدارة فورية ومراقبة التسربات لضمان استمرار إمدادات المياه إلى بيروت. ويقوم مرفق المياه الآن بإصلاح تسريبات المياه على الفور. ونتيجةً لذلك، أصبح الحجم الكلي للمياه المطلوبة أقل مما كان عليه حينما كان يجري تقنين إمدادات المياه بحيث تقتصر في المتوسط على ثماني ساعات يوميا.
وفي الفلبين، كان تقديم مياه الشرب العذبة النظيفة جزءا من مشاريع الإغاثة وإعادة التأهيل والتنمية في المناطق المتأثِّرة بالصراع في ميندناو.
وفي الصين، يجري اتخاذ تدابير متكاملة للتقليل من استخدام المياه، مثل تعديل أنماط المحاصيل من أجل زيادة إنتاجية المياه، وتغيير السلوكيات للتقليل من استهلاك المياه. وأُنشئ نظام للتنبؤات بأرصاد الري في هيبي لجمع البيانات عن درجة الحرارة والرطوبة وسرعة الرياح وسقوط الأمطار ومحتوى رطوبة التربة ومستوى المياه الجوفية.

وفي الهند، قد يساعد البرنامج الطموح للحكومة (مبادرة الهند النظيفة) على إحداث تغيير كبير بالاستثمار في السنوات المبكرة من حياة الطفل من خلال تحسين خدمات الصرف الصحي ومكافحة ارتفاع معدلات التقزُّم بين أطفال الهند.
وفي توغو، تعاون السكان في حوض نهر مونو لإقامة بنية تحتية لمكافحة السيول، ولم تعد المواسم المطيرة مصدر خوف، وإنما مصدر للثروة، إذ أصبح القرويون الآن يجمعون المياه ويستفيدون منها.
وفي أرمينيا، استخدمت الحكومة نموذجا للشراكة بين القطاعين العام والخاص لتطوير خدمات المياه، وهو ما أدى إلى زيادة الكفاءة، وتحسين مستويات تقديم الخدمات، وزيادة رضا المتعاملين. ونتيجةً لذلك، زادت إمدادات المياه إلى العاصمة يريفان من أربع ساعات يوميا قبل الإصلاحات إلى 23 ساعة في المتوسط في عام 2015.

الشرق الأوسط



يشير تقرير صدر حديثا عن البنك الدولي إلى أن أكثر من 60 في المائة من سكان المنطقة يتركزون في الأماكن المتضررة من الإجهاد المائي الشديد أو الشديد جدا، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ حوالي 35 في المائة. كما يحذر التقرير من أن ندرة المياه المرتبطة بالمناخ قد تسبب خسائر اقتصادية تقدر بنحو 6-14 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2050، وهي أعلى نسبة في العالم.

الزراعة بالطاقة الشمسية



يتمثل أحد الاتجاهات في الانتشار السريع للري الذي يعمل بالطاقة الشمسية في بعض البلدان، وذلك لتحقيق أهداف ثلاثة هي تعزيز المياه والطاقة والأمن الغذائي. فعلى سبيل المثال، يتوقع المغرب تركيب أكثر من 100 ألف مضخة شمسية بحلول عام 2020. وبالمثل، تنفذ مصر برنامجا للزراعة الصحراوية يشمل ري 630 ألف هكتار بتكنولوجيا الطاقة الشمسية. وتشرع بلدان أخرى في هذه المشاريع أيضا، مستفيدة من انخفاض تكاليف تكنولوجيا الطاقة الشمسية والإشعاع الشمسي العالي في المنطقة. وستحل هذه المبادرات محل مضخات الديزل الملوثة والمكلفة، وتوفر خيارا جديدا للمزارعين الذين يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى شبكات الطاقة. ويحفز خفض الدعم للوقود التقليدي على التحول إلى استخدام مصادر الطاقة الشمسية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة.

وتأمل الحكومات أن توفر تكنولوجيا الطاقة الشمسية وسيلة للمجتمعات الزراعية كي تقفز من الضعف المزمن نحو التكثيف المستدام والمرن للإنتاج. غير أن هذا الخيار ينطوي على الجانب السلبي الناجم عن عدم كفاية الفهم للمياه الجوفية وسوء تنظيمها.
وأدت أوجه القصور هذه، عن طريق السماح بالاستغلال المفرط للمياه الجوفية، إلى هبوط منسوب المياه، مما يجعل الضخ من طبقات جوفية أعمق أكثر تكلفة، كما تسببت في مشاكل مثل ملوحة التربة. ويمكن أن يؤدي الري بالطاقة الشمسية إلى تفاقم الأمور من خلال السماح باستخراج المزيد من المياه الجوفية بتكلفة أقل، مما يؤثر على المجتمعات المحلية الضعيفة التي تعاني من ضعف فرص الحصول على الموارد المائية.
ويمكن أن تساعد تكنولوجيات الرقابة المبتكرة (مثل المضخات التي تعمل عن بعد وأجهزة قياس المياه الذكية) على مواجهة بعض التحديات. وعلاوة على ذلك، وكما يحدث بالفعل في الأردن، يمكن للخبراء استخدام تقنيات الاستشعار عن بعد لمساعدة الحكومات في السيطرة على التوسع في الري القائم على المياه الجوفية.

استغلال المورد الطبيعي



هناك اتجاه ثان يركز على مياه الصرف الصحي في المنطقة، التي يبقى 82 في المائة منها بلا إعادة تدوير، مقارنة بحوالي 30 في المائة فقط في البلدان ذات الدخل المرتفع. وهذا يشكل تهديدا كبيرا لصحة البشر والبيئة ولكن أيضا فرصة كبيرة لتلبية الطلب على المياه بشكل أفضل. فالمياه العادمة هي المورد الطبيعي الوحيد الذي يزداد مع نمو المدن والسكان. وتولد بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 18.4 كيلومتر مكعب من مياه الصرف البلدية في السنة.
وهناك العديد من التكنولوجيات المتاحة لمعالجة وإعادة استخدام المياه المستعملة لأغراض إنتاجية، بما في ذلك رعاية الغابات، والزراعة، والأراضي الطبيعية، وإعادة تغذية المياه الجوفية. بيد أن عملية اعتماد هذه الخيارات كانت بطيئة حتى الآن بسبب اللوائح ووجود فجوة سياسات بين قطاعات الزراعة والصرف الصحي وغيرها من القطاعات.

وعندما تبدأ مشاريع إعادة الاستخدام، فإن عدم وجود تعريفة ملائمة وحوافز اقتصادية يقوض استدامتها حيث يتعذر استرداد تكاليف معالجة المياه المستعملة. وتتمثل الاعتبارات الرئيسية للمضي قدما في اختيار المحاصيل الأنسب للري باستخدام المياه المعاد استخدامها والتدابير اللازمة لمعالجة الشواغل الصحية المحددة.
وأمام منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الكثير من المكاسب التي يمكن تحقيقها من خلال الجهود الرامية إلى التغلب على هذه الحواجز. ومع توفر المعالجة المناسبة، فإن مياه الصرف الصحي تستطيع توفير مياه الري والأسمدة لأكثر من مليوني هكتار من الأراضي الزراعية. ومن شأن ذلك أن يسهم في حفظ المياه العذبة، مما يتيح زيادتها في الاستخدام المنزلي ومجموعة واسعة من الأغراض الإنتاجية.
إن نجاح الأردن في تسخير الابتكار التكنولوجي والتمويل من القطاع الخاص لإعادة تدوير المياه العادمة يقدم حالة مفيدة بشكل خاص. ويمكن لهذه التكنولوجيات، التي تعززها سياسات جديدة، أن تساعد المنطقة على تحقيق الأمن المائي. وسيتطلب ذلك التزاما على جميع مستويات المجتمع بمعالجة الحواجز الثقافية التي تعرقل التغيير في استخدام المياه، وتجاوز الانقسامات المؤسسية والسياساتية، وتنقيح اللوائح شديدة الصرامة.



font change