لندن: دراما في عائلة المحافظين

أحدث أزمة في بريكست

لندن: دراما في عائلة المحافظين

[caption id="attachment_55267598" align="alignright" width="1319"]عرض مجسم لتيريزا ماي وبوريس جونسون وغيرهما من أعضاء حزب المحافظين حيث يشارك نشطاء مناهضون لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ومناهضون للتقشف في الاحتجاجات مع بدء المؤتمر السنوي لحزب المحافظين في مانشستر سنترال في 1 أكتوبر 2017 في مانشستر، إنجلترا. (غيتي) عرض مجسم لتيريزا ماي وبوريس جونسون وغيرهما من أعضاء حزب المحافظين حيث يشارك نشطاء مناهضون لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ومناهضون للتقشف في الاحتجاجات مع بدء المؤتمر السنوي لحزب المحافظين في مانشستر سنترال في 1 أكتوبر 2017 في مانشستر، إنجلترا. (غيتي)[/caption]

بقلم: رونالد جي غرانييري*




* لم تترك الخطة التي وُضعت في قصر تشيكرز أحداً راضياً تماماً. وتلا تلك الخطوة الاستقالات التي قُدّمت، والآن لا أحد يعرف ماذا تعني «بريكست»!.
* رغم أن ماي عيّنت بدائل للوزراء الذين استقالوا وتمكنت من رفض الاقتراحات بحجب الثقة، فإن موقفها داخل حزبها غير مستقر أكثر من أي وقتٍ مضى وكذلك منصبها في 10 داونينغ ستريت.
* لدى المحافظين خلافات لا يمكن حلها فيما يتعلق بأوروبا، وكانت تلك الخلافات قائمة خلال فترة ما بعد الحرب.





لم يكن الجدل السياسي بين البريطانيين وشركائهم الأوروبيين أو حتى بين حزب المحافظين الحاكم وحزب العمال المعارض هو الأهم منذ تصويت الشعب البريطاني للخروج من الاتحاد الأوروبي في 2016. فالصراع الأكثر حدة كان داخل حزب المحافظين نفسه، إذ حاول المحافظون حل نزاعهم الداخلي حول علاقة بريطانيا بأوروبا والعالم.
وتم لعب أحدث فصل في هذه الدراما العائلية خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي. وقد جمعت رئيسة الوزراء تيريزا ماي مجلس وزرائها في مقر إقامتها الريفي الرسمي في تشيكرز، لوضع خطة محددة للتفاوض بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وكانت ماي تأمل – بعد أكثر من عام من النقاش ومع اقتراب المواعيد النهائية لمصير العلاقة بين بريطانيا وأوروبا - أن تتفق مع فريقها على خطة تسوية تسمح لبريطانيا بالتوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي يحافظ على أكبر قدر ممكن من المزايا لكلا الطرفين.
ولم يستمر موقف الحزب الموحد أكثر من اثنتي عشرة ساعة بعد إعلان الصفقة، فقد قدم الوزير المكلف بإدارة ملف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ديفيد ديفيز استقالته ليلة الأحد، مدعيًا أنه لا يستطيع دعم الصفقة لأنه لم «يؤمن» بها وكان «غير مقتنع» بأن النهج التفاوضي للحكومة «لن يؤدي إلا إلى طلب بروكسل تقديم المزيد من التنازلات».
وقال ديفيز في رسالة الاستقالة التي قدمها لماي إن «التوجه العام لسياسة الحكومة سيترك البرلمان على أحسن تقدير في موقف تفاوضي ضعيف، وربما يكون موقفًا لا مهرب منه». وأتى صباح اليوم التالي مع خبر أكبر؛ إذ جاء وزير الخارجية بوريس جونسون وتبع ديفيز وعدداً من الوزراء الآخرين في الخطوة التي اتخذوها. وقال جونسون في رسالة استقالته إن عليه المغادرة لأن «حلم (بريكست) يحتضر». واتفق مع ديفيز على أن خطة «بريكست» التي اقترحتها ماي يوم الجمعة الماضي في قصر تشيكرز لم تكن ضعيفة بشكلٍ مريب فحسب، بل كان من المرجح أن تؤدي إلى اتفاق نهائي أكثر ليونة عندما ينتهي المفاوضون الأوروبيون منه.

[caption id="attachment_55267600" align="aligncenter" width="796"]رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي تجلس عند وصولها إلى اجتماع مشترك مع رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك خلال قمة للاتحاد الأوروبي في بروكسل في 20 أكتوبر 2017. (غيتي) رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي تجلس عند وصولها إلى اجتماع مشترك مع رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك خلال قمة للاتحاد الأوروبي في بروكسل في 20 أكتوبر 2017. (غيتي)[/caption]

وأثارت استقالة جونسون المخاطر السياسية إلى حدٍ كبير بالنسبة لماي. ويعتبر قرار جونسون – باعتباره أرفع عضو في مجلس الوزراء ومرشحا لرئاسة الوزراء كما يشاع منذ فترة طويلة - بمغادرة الحكومة تحديا مباشرا لماي ويضعه في موقف المنافس لها لتولي القيادة. وعلى الرغم من أن ماي قد عيّنت بدائل للوزراء الذين استقالوا وتمكنت في الوقت الراهن من رفض الاقتراحات الممكنة لحجب الثقة إلا أن موقفها داخل حزبها غير مستقر أكثر من أي وقتٍ مضى وبالتالي كذلك منصبها في 10 داونينغ ستريت.
كيف يمكن أن يفشل جهدٌ للوصول إلى توافق في الآراء بشكل مذهل؟ السبب بسيط: لدى المحافظين خلافات لا يمكن حلها فيما يتعلق بأوروبا وكانت تلك الخلافات قائمة خلال فترة ما بعد الحرب. وعلى الرغم من أن وينستون تشرشل الذي يتطلع إليه المحافظون قد أيد فكرة «الولايات المتحدة الأوروبية» عام 1946. إلا أن تأييده كان مبنيًا على فكرة أنه على الدول الأخرى في أوروبا الغربية أن تتحد، في حين استمرت بريطانيا في لعب دور عالمي كقوة إمبريالية والشريك الأصغر في «العلاقة الخاصة» مع الولايات المتحدة على حدٍ سواء.
ومع تغير هذه الأدوار، تحمس المحافظون البريطانيون لفكرة أوروبا. وفي 1961. قام رئيس الوزراء المحافظ حينها هارولد ماكميلان الذي اعترف بواقع العلاقات الاقتصادية البريطانية مع القارة وأخذ بنصيحة الرئيس الأميركي جون كنيدي، بتقديم طلب رسمي للحصول على عضوية لبريطانيا في المجموعة الاقتصادية الأوروبية. وتعثرت المفاوضات حينها بسبب المعارضة الفرنسية والأسئلة التي لم يكن لها أجوبة حول علاقات الكومنولث البريطانية. ومع ذلك، كان حزب المحافظين الداعي الرئيسي على مدى العقد المقبل للعضوية البريطانية في المجموعة الاقتصادية الأوروبية، التي أصبحت مكتملة في 1973 تحت قيادة رئيس الوزراء إدوارد هيث. وكان حزب العمال في تلك المرحلة هو من عارض التكامل الأوروبي. وفي استفتاء عام 1975 على عضوية المجموعة الاقتصادية الأوروبية، نجح هيث وقيادة حزب المحافظين (بما في ذلك خلفه في النهاية مارغريت ثاتشر) في إقناع الشعب البريطاني بالبقاء.
إلا أنه عندما أصبحت ثاتشر نفسها رئيسة للوزراء بدأت العلاقة بين حزب المحافظين وأوروبا بالتدهور. وبالنسبة لشخص مولع بالسوق الحرة وناقد للرفاهية الاجتماعية مثل ثاتشر، بدأت المجموعة الأوروبية تبدو مثل منظمة اشتراكية قارية. وهكذا أصبحت أكثر انتقادًا لتنظيمها، رغم إدراكها للمزايا المادية التي تستفيد منها بريطانيا من خلال عضويتها في السوق الموحدة.
ونجحت في التفاوض والحصول على سلسلة من الإعفاءات الخاصة لبريطانيا، بما في ذلك تخفيض سنوي خاص على جزء من مساهمات بريطانيا في ميزانية المفوضية الأوروبية، ولم تقترح أبدا على بريطانيا أن تغادر المجموعة في الوقت الذي كانت تشجع فيه أيضًا انتقاد طموحات بروكسل المزعومة والمتسمة بالغرور. وشجع ذلك على وجود اتجاه ثنائي المحاور بين صفوف حزب المحافظين تجاه أوروبا، والذي أضعف الحزب في سنوات حكم ثاتشر الأخيرة وأدى إلى حرب أهلية مباشرة في ظل عهد جون ميجور الذي خلفها.
وخلال أكثر من عقد من الزمان في المعارضة، أصبح أعضاء حزب المحافظين معروفين أكثر بتشكيكهم بأوروبا، حتى مع اعتراف قيادة الحزب بأن عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي (كما أصبح معروفًا في النهاية) قد جلبت لها فوائد كبيرة. وهكذا عندما عاد حزب المحافظين إلى السلطة في عهد ديفيد كاميرون عام 2010. كان على رئيس الوزراء الجديد أن يتوصل إلى كيفية تطوير سياسة متماسكة بشأن أوروبا. وباعتباره من الثابتين على مبدأ الحفاظ على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، فقد أمل كاميرون في أن يتمكن من تهدئة حزبه المشكك في أوروبا وإبعاده عن الانضمام إلى حزب استقلال المملكة المتحدة المناهض لأوروبا الذي يتسم بمزيد من العداء العسكري، ووعد بإجراء استفتاء جديد يقرر فيه الشعب إذا أراد «البقاء أو الخروج» من الاتحاد الأوروبي.
ولأنه نجح عندما وافق على إجراء استفتاء حول استقلال أسكوتلندا عام 2014. والذي أدى إلى بقاء الوضع على ما هو عليه، كان كاميرون يأمل من خلال إجراء استفتاء بريكست أن يرضي المشككين بأوروبا وينهي النقاش مما يسمح له بالانتقال لبنود أخرى في برنامجه السياسي. ولم يتوقع الخسارة، ولكنه خسر. وفيما وصفه العالم السياسي أندرو غلينكروس بـ«حسابات خاطئة كبيرة» لكاميرون، اختار نحو 52 في المائة من الناخبين الخروج من الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من أن الغالبية في آيرلندا الشمالية وأسكوتلندا فضلت البقاء، إلا أن معظم الأغلبيات في ويلز وخاصة في إنجلترا قررت العكس.
والأسوأ من ذلك بالنسبة لحزب المحافظين وكذلك بريطانيا، فقد عمّقت نتيجة الاستفتاء الانقسامات داخل الحزب المحافظ. وعلى الرغم من أن كاميرون وماي وقادة الأحزاب الآخرين قاموا بحملة (بشكل ثابت ولكن غير فعال) من أجل البقاء، فإن المحافظين البارزين الآخرين، وخاصة بوريس جونسون ومايكل غوف، أعلنوا دعمهم لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ومن خلال قيامهم بذلك، أظهروا ثبات آرائهم واعتمادهم على خطاب المشككين بأوروبا والذي يعود إلى عقود داخل حزب المحافظين ووسائل الإعلام الحليفة له. لكن الاختلافات العميقة ستصعب مهمة الحكم للغاية.
وردًا على ذلك، فقد قدم كاميرون – الذي وعد بأنه سيبقى في منصبه بغض النظر عن النتيجة – استقالته ببساطة مسلّمًا الدفة لتيريزا ماي التي تحاول حل الأمور منذ ذلك الحين. وقد حرم كل من جونسون وغوف بعضهما البعض من تسلم منصب رئيس الوزراء، إلا أنهما دخلا في النهاية إلى مجلس الوزراء.
وقد وعدت ماي بتشكيل حكومة «قوية ومستقرة»، وأعلنت أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يعني ذلك حرفيًا، دون أن يكون بمقدورها تحديد معنى ذلك على الأرض.
وعلى الرغم من أن مؤيدي الخروج من الاتحاد الأوروبي اعتبروا أن نتيجة الاستفتاء بمثابة إرادة مؤكدة للشعب البريطاني، فإنه لم يتضح أبدا ما إذا كان جميع الذين صوتوا لصالح بريكست يصوتون لصالح نفس الهدف. وقدمت حملة الخروج الكثير من الوعود، تتضمن مكاسب مفاجئة لمنظومة الصحة الوطنية وإعادة إظهار بريطانيا كقوة عالمية. وتم كذلك تشجيع الناخبين على افتراض أن البريطانيين يمكنهم الهروب من كل ما لم يعجبهم في الاتحاد الأوروبي (مثل حرية التنقل للناس والمزيد من التكامل السياسي والمساهمة البريطانية في ميزانية الاتحاد الأوروبي) مع الحفاظ على جميع المزايا الاقتصادية التي توفرها لهم عضويتهم (من التجارة الحرة داخل الكتلة إلى الدور الخاص الذي تلعبه مدينة لندن في التعامل المالي في أوروبا). وقد تصادمت هذه الآمال بسرعة مع الواقع بمجرد أن بدأت المفاوضات، كونها لم تكن في الأصل واقعية أو متماسكة.



ولم يكن من المستغرب أن الاتحاد الأوروبي، الذي لديه مصلحة في تثبيط خروج بريطانيا، لن يسمح لبريطانيا بالحفاظ على كل المزايا التي تمتلكها دون أن يجعلها تدفع ثمن الحصول عليها. وكان من بين أصعب ما تم طرحه مستقبل الحدود بين آيرلندا الشمالية وجمهورية آيرلندا (المعبر البري الوحيد بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة) وما إذا كان بإمكان المملكة المتحدة أن تتوقع الاستفادة من حرية حركة السلع والخدمات مع تقييد حركة الأشخاص. ولم تؤدِ المفاوضات المشتتة التي قادها ديفيد ديفيز إلى الوصول إلى أي حل، في حين زادت الخلافات بين الفصائل داخل الحكومة.
وقد لخص بوريس جونسون - الذي كان مع مخيم البقاء قبل أن يفاجئ (صديقه وعدوّه) ديفيد كاميرون ويصبح قائدًا لمخيم الخروج - استراتيجيته الخاصة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بقوله إن بريطانيا العظمى يمكن أن تحتفظ بما تنتجه وتستفيد منه. ولم ترضِ أحدًا تصريحاته الصادقة وإن كانت غير مسؤولة. وقد ندد المحافظون، الذين يعتقدون ببساطة أن على بريطانيا أن تخرج من الاتحاد الأوروبي بالكامل وبناء علاقاتها مع العالم من الصفر، بهذه التصريحات ووصفوها بالضعيفة للغاية. ومن بين المدافعين عن «خروج بريطانيا الصعب» ليس فقط السيد ديفيز الذي استقال مؤخرًا، بل أيضًا العضو البارز في مجلس النواب الذي لا يشغل منصبًا وزاريًا جيكوب ريس موغ، الذي أصبح مشهورًا جدًا ومحبوبًا من المحافظين البريطانيين.
ونفت ماي دعمها لبريكست من قبل. وقد أعلنت من قبل أن بريكست تعني خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حرفيًا في الوقت الذي أشارت فيه إلى المرونة في التفاوض على الصفقة النهائية مع بروكسل وذلك بدعمٍ من وزير الخزانة فيليب هاموند.
ولم تكن عروضها مستساغة جدا بالنسبة لكلا الجانبين حتى الآن. فمن أول يوم لها كرئيسة وزراء وصولاً إلى هذا الأسبوع، كافحت ماي وحكومتها للتوصل إلى توافق في الآراء. وقد أضعفتها الانتخابات العامة المبكرة في 2017. عندما فقد المحافظون أغلبيتهم وأصبحوا يعتمدون الآن على أصوات الحزب الاتحادي الديمقراطي التابع لآيرلندا الشمالية.
وقد اعتزمت ماي، التي تواجه ضغوطًا متزايدة من النقاد الداخليين ومحاوريها الأوروبيين بسبب افتقارها الواضح لخطة متماسكة، أن تجعل خطة بريكست التي اقترحتها في قصر تشيكرز الأساس النهائي لخروج بريطانيا السلس نسبيًا، مما يضع بريطانيا في مكانة تشبه تلك التي تتحلى بها النرويج – أي تصل إلى الأسواق الأوروبية ضمن بعض القوانين غير المحددة وتتحرر من التكامل السياسي للاتحاد الأوروبي.
وستجعل هذه الخطة بريطانيا أدنى من عضويتها الحالية في الاتحاد الأوروبي (إذ سيتعين على المملكة المتحدة دفع رسوم للوصول إلى السوق، كما تفعل النرويج، ولكن لن يكون لها أي رأي فيما يخص القوانين التي من المتوقع أن تتبعها)، ولكن ستتمكن في المقابل من السيطرة على موضوع الهجرة وبالتالي تلبية المطلب الرئيسي لمؤيدي الخروج من الاتحاد الأوروبي. ويمكن أيضا للخروج السهل أن يجنب الاحتكاك غير المبرر على طول الحدود الآيرلندية.
وكما هو الحال في الكثير من التسويات، لم تترك الخطة «التي وضعت في قصر تشيكرز أحدًا راضيا تمامًا. وتلا تلك الخطوة الاستقالات التي قُدّمت، والآن يبدو أنه لا أحد يعرف ماذا تعني بريكست. وقد تحركت ماي بسرعة لاستبدال زملائها الذين غادروا وتعهدت بمحاربة أي جهد لإسقاطها، إلا أن مستقبلها لا يزال غامضًا. ويحوم منافسوها السياسيون حولها لتحديد ما يمكنهم الحصول عليه.
وعلى الرغم من أن ماي لم تستطع توحيد حكومتها، فإنه يبدو أنها استطاعت توحيد منتقديها. واستقبل مؤيدو البقاء في الاتحاد الأوروبي في جميع أنحاء بريطانيا أخبار الاستقالات بسرور ظاهر بالكاد، زاعمين أن ذلك يمكن أن يكون بداية لإعادة تشكيل السياسة البريطانية، إن لم يكن عكس قرار بريكست تمامًا. وفي المقابل، هتف مؤيدو بريكست المتشددون أيضًا للاستقالة، لسبب معاكسٍ تمامًا. فقد أملوا أن تشير تلك الاستقالات إلى بداية تمرد رسمي داخل صفوف حزب المحافظين. وفي غياب أي تنازلات في اللحظة الأخيرة، يبدو الآن أن النتيجة الأكثر احتمالاً ستكون خروج بريطانيا الصعب، سواء عن قصد أو عن غير قصد.
ومن بين الشخصيات الرئيسية التي ستبرز في الأيام القادمة وزير البيئة مايكل غوف. وقد اختار غوف، وهو شريك ومنافس جونسون في الدعوة إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، البقاء داخل الحكومة واصفًا نفسه بـ«الواقعي» وحث زميله على دعم خطة قصر تشيكرز. يلعب غوف بحذر، ويعتمد على مؤيدي بريكست لمنحه مصداقية كخليفة محتمل لتيريزا ماي، مع تجنب ظهوره بمظهر الشخص غير الوفي.
ويقود كل ذلك، بالطبع، إلى طرح سؤال عما إذا كان أي شخص في حزب المحافظين يريد حقًا إجراء تصويت بعدم الثقة والمخاطرة بإجراء انتخابات عامة جديدة. ومن الصعب رؤية هذا الخيار على أنه الأنسب لأنه سيؤدي إلى مزيد من عدم اليقين في مفاوضات بريكست ولأن الاستطلاعات تشير إلى أن حزب المحافظين والحزب الاتحادي الديمقراطي قد يفقدان الأغلبية التي يتمتعان بها بالكامل. وسيكون زعيم حزب العمال جيرمي كوربين الذي وعد بإكمال حملة الخروج وتحقيقها سعيدًا لتولي المهمة وتدمير الأحلام الثاتشرية للكثير من مؤيدي الخروج الصعب. وقد استخدمت ماي هذا التهديد بالفعل في جهودها لتأديب زملائها في الحزب. إلى متى سيظل بإمكانها إيقاف منافسيها حتى تتم رؤيتها؟
وأعربت تيريزا ماي عن أملها في أن يؤدي مؤتمر تشيكرز إلى السلام داخل عائلتها السياسية لتوفير أساس قوي للعلاقات الخارجية البريطانية وذلك مع اقتراب عقد قمة الناتو هذا الأسبوع والزيارة الوشيكة للرئيس دونالد ترمب. وكما هو الحال في الكثير من الروايات البريطانية، فإن المؤامرات العائلية والاستياء يتجولون عميقًا ويطاردان الحاضر. دخلت «تيريزا ماي إلى قصر تشيكرز بتوقعات كبيرة، ولكنها اليوم تواجه مع حزبها وحكومتها أوقاتًا عصيبة.

* رونالد جي غرانييري: المدير التنفيذي لمركز معهد أبحاث السياسة الخارجية لدراسة أميركا والغرب ومقدم برامج الجغرافيا السياسية مع غرانييري، وهو برنامج نقاش شهري في معهد أبحاث السياسة الخارجية.
font change