جيمس زغبي يتحدث لـ"المجلة" عن العرب وأميركا.. والمخاوف

جيمس زغبي يتحدث لـ"المجلة" عن العرب وأميركا.. والمخاوف

[caption id="attachment_176" align="alignnone" width="620" caption="الدكتور جيمس زغبي رئيس المعهد العربي - الأميركي"]الدكتور جيمس زغبي رئيس المعهد العربي - الأميركي[/caption]



ما زال العديد من الأميركيين يصارعون سؤال «من هم العرب وماذا يريدون؟»، وعلى الرغم من الحضور المتزايد للجاليات العربية في الولايات المتحدة والتفاعل الذي يتسم عادة بالعداء بين الحكومة الأميركية والعرب بالخارج، لم يبذل معظم السياسيين الأميركيين وصناع السياسة جهدا كافيا لفهم الهويات المتنوعة واحتياجات المقترعين العرب بالداخل، بل وكذلك العرب حول العالم الذين ما زالت العديد من المصالح الأميركية ترتبط بهم.

نشر الدكتور جيمس زغبي، مؤسس ورئيس المعهد العربي - الأميركي الذي يقع مقره بواشنطن العاصمة، أخيرا كتابا بعنوان: «أصوات عربية: ماذا يقولون عنا ولماذا ذلك مهم؟» يستكشف فيه الإجابات حول تلك الأسئلة مستعينا باستطلاعات الرأي التي تم إجراؤها في الشرق الأوسط والولايات المتحدة.

وباعتباره من الجيل اللبناني - الأميركي الأول، ومحاضرا وأكاديميا مختصا بقضايا الشرق الأوسط، وباعتباره من كبار المحللين لاستطلاعات الرأي، للدكتور زغبي أهمية خاصة في كواليس السياسة الأميركية بالإضافة إلى كونه من القيادات المخلصة للجالية العربية - الأميركية في مسعاها لتحقيق التمكين السياسي.

في 1975، حصل زغبي على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية من قسم الأديان بجامعة تمبل، كما أنه باحث ما بعد الدكتوراه بالمؤسسة الوطنية للعلوم الإنسانية بجامعة برنستون في 1976. وهو يكتب عمودا أسبوعيا بعنوان «واشنطن ووتش» حول السياسة الأميركية ينشر في كبرى صحف جنوب آسيا والعالم العربي وقد ألف عددا من الكتب بما في ذلك «ما الذي تفكر فيه حقا الأعراق الأميركية؟» (2001) و«ماذا يعتقد العرب: «القيم، المعتقدات، والمخاوف السياسية» (2002).

وفي حواره مع «المجلة»، يشاركنا دكتور زغبي رؤيته حول المجتمع السياسي الأميركي وموقع العرب به بالإضافة إلى العديد من أخطاء وإخفاقات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. كما يناقش الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، والانقسام الحزبي المتزايد في أميركا والذي يزيد من صعوبة جعل أصوات العرب والمسلمين مسموعة. ولكن الانتفاضات الشعبية في المنطقة ربما تكون من العوامل الدافعة للتغير، حيث إنها أرسلت رسالة واضحة للولايات المتحدة وحلفائها وهي أنه على صناع السياسة أن لا يقتصروا على النظر إلى احتياجات حكوماتهم، بل يجب عليهم النظر أيضا إلى احتياجات المواطنين أنفسهم.

«المجلة»: إلى أي حد يتخذ صناع السياسة الأميركيون قراراتهم بناء على استطلاعات الرأي العام؟
- إنهم لا ينظرون إلى استطلاعات الرأي في باقي أنحاء العالم عندما يفكرون في اتخاذ قرار. وهذا ما يجعلني أعتقد أنهم يحتاجون إلى أن يلقوا أذنا صاغية، فهم لا يصغون لما يقوله الناس أو ينظرون إلى ماهية احتياجاتهم أو كيف ينظر هؤلاء الناس إلى السياسة الأميركية أو كيف يتم فهم كلامهم أو النظر إلى سياستهم في باقي أنحاء العالم. وهو ما يخلق سخطا رهيبا.

«المجلة»: هل تعتقد أن تلك قضية إصغاء أم أنها لا مبالاة من قبل صناع السياسة الأميركيين؟
- من خلال رصد ذلك لسنوات طويلة، مع الصعوبة الواضحة في ذلك، أعتقد أننا لا نضع «الآخر» في المعادلة. ربما نكون قد بدأنا نفعل ذلك أخيرا ولكنني أقول إننا لعقود كنا نتعامل مع القضية الإسرائيلية - الفلسطينية.. وهي المعادلة التي تدركها العقول الأميركية باعتبارها الإنسانية الإسرائيلية في مقابل المعضلة العربية، وهو تبسيط لا تراه الآراء ذات الأهمية باعتباره إنسانيا تماما، فأتذكر أنه في الفترة التالية لاغتيال رئيس الوزراء الحريري مباشرة، رأينا مظاهرة في لبنان وتم النظر إليها وكأن الشعب اللبناني خرج بأسره بها. وكنت على شاشة التلفزيون أناقش ذلك مع أحد الأشخاص من البنتاغون وصحافي أميركي مشهور ومرموق للغاية، وقلت: لا، للأسف، أستطيع أن أخبرك أننا أجرينا استطلاعا للرأي في لبنان وأن البلد منقسم بهذا الصدد. ولكن ذلك لم يقبل ولم يصدق. فقد حددنا ما نرغب في عمله وكنا نتحرك باتجاهه رغم الحقيقة على الأرض. وفي العراق أجرينا استطلاعا. ولم يتجاهلوا الاستطلاع فقط بل الأسوأ، إنهم لفقوا نتائج الاستطلاع. فقد ظهر ديك تشيني على التلفزيون قائلا: «لقد أجرى زغبي استطلاعا عظيما. فنحن محبوبون في العراق وهم يريدوننا أن نبقى ويعتقدون أننا نقوم بمهمة جيدة». وكانت نتائج الاستطلاع الذي أجريته تقول العكس تماما.

لقد كنا نجري استطلاعات رأي منذ خمسة وعشرين عاما، وكنا نؤكد طوال الوقت أن سياستنا تمثل إشكالية إلى حد كبير. وأن أصدقاءنا، حلفاء أميركا، الزعماء الذين كانوا يساندوننا، يعرضون أنفسهم للخطر في بلدانهم نظرا لتأييدهم سياستنا. وهم يتم تجاهلهم تماما. ولا أرغب في أن أتمادى قائلا إن تلك عنصرية ولكنني أقول إنهم لا ينظرون إلى حقيقة أن العرب أناس حقيقيون لهم ثقل حقيقي في المعادلة عند صناعة القرارات السياسية. رغم أنهم يفعلون ذلك مع البلدان الأخرى، كيف سيكون سلوكها، كيف سيفهم ذلك القرار، هل يستطيع الإسرائيليون أن يفعلوا هذا أو ذاك، هل يتقبل قادتهم ذلك، فإذا قبل نتنياهو مثل ذلك القرار هل تسقط حكومته. أعني أننا قد ضغطنا على العرب، وضغطنا على أبو مازن. فما فعلناه أدى إلى انقسام حقيقي في المجتمع من دون أن تطرف لنا عين.

«المجلة»: لماذا لم يستطلع الأميركيون آراء العرب إلا بعد ثمانية عقود؟
- لماذا نجري استطلاعا للآراء إذا لم يكن ذا معنى. فقد كنا نعرف الإجابة مسبقا: إنهم يكرهوننا لمنظومة قيمنا. فعندما أجرينا استطلاعا وقلنا شيئا مختلفا، شعر الناس بالصدمة. حيث وجدنا أنهم يحبون منظومة قيمنا. ولم يكونوا يعرفون ما الذي عليهم فعله حيال ذلك. فحوالي 80 في المائة من الأميركيين ما زالوا يعتقدون أن العرب يكرهون منظومة قيمنا، رغم أننا عندما أجرينا استطلاعا للرأي في العالم العربي وجدنا أن 65 في المائة من العرب يحبون منظومتنا للقيم. ولكن السخط كان هائلا.

«المجلة»: لماذا نجد أن رؤية الأميركيين للعرب والمسلمين اليوم أصبحت أكثر سلبية مما كانت عليه في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) مباشرة؟

- لأن هناك شيئين قد حدثا. أولهما أن الناس كانت تتساءل: الأميركيون كانوا يتساءلون. فإذا كان الناس يقدمون الإجابات.. فنحن نعرف كم كان محبطا أن تفتح التلفزيون أو يتم دعوتك لبرنامج حواري حول كيفية معاملة العرب الأميركيين. فما رأيته كان أن من يجري تحليلا للعالم العربي يكون عادة من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية أو غيرها من مؤسسات المحافظين الجدد أو مراكز الأبحاث الآيديولوجية المناهضة للعرب. فكنت أذهب وأتحدث حول ما يحدث في إحدى الدول العربية، وغالبا ما يكون الشخص الذي يحاورني حول تلك القضية مناهضا للعرب لأنه إن كان عربيا وكان يتحدث حول إسرائيل فسيعتبرونه مناهضا للسامية. ولكن هؤلاء الأشخاص أدركوا أنهم حولوا أن تكون خبيرا سعوديا أو خبيرا إسلاميا أو خبيرا عربيا إلى حرفة للأشخاص المناهضين للعرب والذين أصبحوا هم من يقدمون الإجابات.

تم تأليف ثلاثة كتب حول المملكة العربية السعودية في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) مباشرة، وقد حققت الكتب الثلاثة مبيعات مرتفعة، كما تمت مناقشة الكتب الثلاثة في الكونغرس ولم يدخل أي منهم إلى المملكة العربية السعودية. وكان للكتب الثلاثة عناوين تتعلق بالشيطان أو هل تعلم.. كان الأمر مروعا حقا، كان ذلك أحد الأسباب.

وكان السبب الثاني، جزئيا، نتاج لذلك، وجزئيا، نتائج عمل محدد لبعض الجمهوريين في الأعوام القليلة الماضية، فقد اتضح أن فوبيا الإسلام لها جذور عميقة في الحزب الجمهوري. فقد استخدموها كممارسة أساسية وكنمط ثابت كاستخدامهم لزواج المثليين لتوحيد قواعدهم والحصول على أعلى نسب في التصويت. وبالتالي، ففي الانتخابات الأخيرة كان لدينا العديد من مرشحي الكونغرس الذين ينشرون إعلانات حول مساجد النصر أو الإسلام الذي يحاول غزو أميركا وما هو موقف خصمي الديمقراطي بذلك الصدد. لقد كان عرضا مخزيا ولكنه تم استخدامه وبالتالي خلق موقفا خاصا لم يعد يتعلق بالموقف تجاه العرب والمسلمين ولكنه كان نتاج انقسام حزبي. فالمشكلة ليست في ذلك الموقف ولكن في حدوث ذلك داخل جماعة واحدة.

«المجلة»: ما أهم ثلاث قضايا تتعلق بالسياسة الخارجية بالنسبة للعرب الأميركيين؟
- بناء على حقيقة أن ثلاثة أرباع العرب الأميركيين ولدوا في أميركا وبالتالي فإنهم مرتبطون إلى حد كبير بالأولويات الأميركية، ونظرا لأن قطاعا كبيرا من العرب الأميركيين من اللبنانيين، فإن أهم ثلاثة موضوعات بالنسبة للسياسة الخارجية من دون ترتيب ستكون لبنان، فلسطين، والخروج من العراق. لا أستطيع ترتيب تلك القضايا لأن الترتيب يختلف وفقا للأحداث الجارية. وأستطيع القول إنهم في الوقت الراهن يتابعون ما يحدث في مصر كبقية العالم.

«المجلة»: ما الذي يفعله العرب الأميركيون للتأثير على السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط؟ وكيف يحاولون التأثير على الرأي العام الأميركي في ذلك الصدد؟

- تزايد في الآونة الأخيرة تعريفهم لأنفسهم باعتبارهم عربا أميركيين، بخاصة الأجيال التي ولدت هنا. فقد توقفوا عن وصف أنفسهم باعتبارهم منفيين أو مهاجرين، وبدأوا ينظرون لأنفسهم باعتبارهم جزءا من أميركا وهم لا يميزون بين الجماعات العربية المختلفة. فهم ينظرون لأنفسهم كجالية. ليس جميعهم ولكن ما يكفي لكي نرى شيئا قد بدأ يحدث. فهناك إحساس عام يتكون. فإذا نظرت لما كنا نفعله، فقد كنا نعمل حول لبنان. وفي الوقت نفسه، كنا نساند المحكمة. فقد التقينا بالإدارة بذلك الشأن. وقابلنا أيضا أعضاء البرلمان. فلم نكن نرغب أن نراهم وهم يلعبون لعبة «إما - أو» مع لبنان، لأننا نرى أن ذلك سيئ. ولكننا قلنا إنه يجب علينا مساندة العدالة والاستقرار. وإنه كان خيارا خاطئا أن نقترح أنه كان أحدهما أو الآخر.

وفي ما يتعلق بفلسطين، كنا نشطاء للغاية في التحالف مع جماعات مثل «جي ستريت»، و«السلام الآن» و«كنائس من أجل سلام الشرق الأوسط». ونحن نعمل الآن على تأييد المساندة الأميركية المستمرة للأنروا لأن هناك مساعي في الكونغرس لقطع تلك المساعدات. ومن المبكر أن نتحدث حول ما نقوم به بشأن مصر، بخلاف أننا نجمع المصريين الأميركيين في مؤتمرات هاتفية ونجمع قوائم لأن ما نرغب في عمله هو نوع من المؤتمرات للقيادات المصرية للحديث حول مستقبل مصر وإلى أين تتجه. كما كنا ندفع بالمصريين الأميركيين إلى الصحافة، كما أجرينا حوارات مع البيت الأبيض حول السياسة المصرية حيث أجرينا بالفعل مؤتمرين هاتفيين مع البيت الأبيض. وذلك هو أساسا ما نفعله.

«المجلة»: أخذا في الاعتبار أنك عملت مع آل غور وجيسي جاكسون وغيرهما من السياسيين الأميركيين، كيف كانوا يسعون للاستحواذ على الأصوات العربية الأميركية؟ هل لاحظت الاهتمام المتزايد من جانبهم للحصول على تأييد العرب الأميركيين؟

- أعتقد أنهم يعملون بنفس الطريقة التي يحاولون بها الحصول على أصوات أي من الجاليات العرقية. فهم يعملون مع الجاليات. يحاولون الوصول إليهم، وأحيانا يكون كل ما أنت بحاجة إليه هو مجرد الظهور. فقط مجرد حضور إحدى الفعاليات وأن تقول لهم أحتاج إلى أصواتكم. وبالنسبة لجالية مثل جاليتنا، لم يكن يأتي إلينا أحد قبل 30 عاما. فعندما أجرينا إحدى فعالياتنا في 2003، فإن كل ديمقراطي، كل الديمقراطيين الثمانية المرشحين، أتوا إلى تلك الفعالية وأعطوا الجالية بالفعل إحساسا بأن لها ثقلا. وما زلنا نرى ذلك يحدث. حيث إن رجال أوباما الذين يحاولون التواصل مع العرب الأميركيين الذين شكلوا جالية عربية أميركية، أرسلوا رسلا إلى تلك الجالية. وللأسف لم يفعل جون ماكين ذلك، ولكن جورج دبليو بوش فعل وجون كيري لم يفعل. بعض المرشحين فعل والبعض لم يفعل ولكن من يفعل ذلك عادة قادر على أن يحصل على بعض الأصوات لصالح ذلك. لصالح طريقته.

«المجلة»: هل زاد ذلك الاهتمام في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) أم أنها كانت عملية تدريجية؟

- أعتقد أنه كان تغيرا تدريجيا وهو شيء سرنا حدوثه. فمنذ بداية الثمانينيات وبعد أن رد المرشحون الأموال في حملة جاكسون عام 84، و88 وحملة كلينتون في 90 أصبحت بعدها كل الأبواب فجأة مفتوحة ورحب الحزبان بنا. وحتى التسعينيات كان الأمر عظيما. في 2000، اشتركنا في كلتا الحملتين على مستوى القيادات، ثم عندما جاء عام 2001، ولم يكن هناك تراجع حقيقي في ذلك الإطار، استمر تحقيق تقدم. وإذا لم يحدث ذلك التقدم أعتقد أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) كانت لتصبح ضربة مدمرة للجالية لأننا في تلك الحالة لم يكن لدينا حلفاء، ولم نكن لنجد مساندة ولكن أعتقد أن حقيقة أنه كان لدينا حلفاء وأن الناس كانوا يعرفون أننا قد سجلنا بالفعل مقترعينا ونظمنا أصواتنا ما كانوا ليأتوا للحصول على تأييدنا كما فعلوا في 2003. ولكن أعتقد أن ذلك كان مهما للغاية في تقدمنا بعد ذلك.

«المجلة»: قال كثير من الناس إن الخطاب السياسي في الولايات المتحدة بشأن الفلسطينيين يتحسن. هل يمكن أن نتوقع أن نرى تغيرا سياسيا كنتاج لذلك؟

- لقد تغير الخطاب. أعني أن الجميع يقبل الآن بحل الدولتين، ولكن السياسة والممارسة لم تتغير. وبالتالي فقد كنت أقول إنني كنت أتمنى ولكنني لم أكن متفائلا. ولكنني لم يعد لدي نفس القدر من الأمنيات. فأعتقد حقا أنه على الرغم من أن الناس ربما يرغبون في حل تلك المشكلة فإنها أصبحت متوغلة في العديد من المستويات المختلفة. وأن الطبيعة الحزبية للصراع في أميركا تجعل من الصعب على الرئيس الأميركي أن يقوم بممارسات يجب عليه القيام بها لتحقيق ما يجب عمله. أعني أن لدينا أسوأ حكومة في إسرائيل في الوقت الخاطئ.

«المجلة»: من الواضح أنها معركة مستمرة على الأرض الأميركية بين الأميركيين. كيف يمكن أن نغير ذلك؟

- لقد كان الأمر دائما كذلك. أعني أن أميركا قد اختارت طريقا للحل وأغمضت عينها عن بناء إسرائيل للمستوطنات وسياسات القمع، وعندما تتوقف أميركا عن منح ذلك التأييد المطلق، لن يتغير سلوك إسرائيل لأن المسألة ليست الإسرائيليين في مقابل الفلسطينيين، بل الإسرائيليون بدعم أميركي في مقابل الفلسطينيين.

فالسؤال هو كيف نغير أميركا. لم يفعل العرب شيئا في هذا الإطار. فقد بذلوا جهودا ضئيلة بخلاف اللقاءات الدبلوماسية هنا أو هناك أو التعبير عن الإحباط هنا أو هناك، ولكنهم لم يفعلوا شيئا حيال الحملة المكثفة في أميركا التي يمكنها أن تجعل الأمر يتم التعامل معه بجدية. وبالتالي فقد كنا نفعل ذلك بمفردنا. أعني أن جماعات الضغط الموالية لإسرائيل تمكنت من دفع إسرائيل للعمل طوال الوقت لمساندتها. فليست هناك جهود حقيقية من قبل العرب في الولايات المتحدة طوال الوقت. وبالتالي فقد كنا نفعل ذلك بمساعدة حلفاء في الجالية اليهودية وحلفاء في جاليات السلام ولكن ذلك لم يكن كافيا أبدا. وما لم نكن قادرين على إحداث تغيير وخلق موقف يتمكن عبره الرئيس الأميركي من أن يقول لإسرائيل «يكفي»، يمكن أن يتوقف ذلك أو غيره أو اتبعوا ذلك المسار أو غيره بمساندة الكونغرس بدلا من التمرد في الكونغرس، فإن السلام لن يحدث.

«المجلة»: لماذا في هذا الوقت يتمرد العرب على حكوماتهم في الشرق الأوسط؟

- أولا، ليس كل العرب ضد حكوماتهم. فبعض الحكومات العربية لديها درجات أكبر من الشرعية والمساندة من غيرها. فقد كانت الدول التي سقطت أو المعرضة للسقوط لديها مشكلات طويلة المدى ظهرت في بعض الأوقات وكان يتم قمعها وبالتالي فقد استمرت في الغليان. وقد تفاقمت مشكلة الشرعية تلك نظرا للسياسات المدمرة لعصر بوش والتأييد الذي أعطته تلك الحكومات للسياسات الأميركية التي تفتقد الشعبية في المنطقة، وهو ما أسفر عن اتساع الفجوة بين الحكومات والشعوب. وليس هناك شك في أن ما حدث في تونس خلق موجة من التمكين الذاتي الذي تحول إلى ثورات في العديد من تلك المناطق المضطربة وتسبب في غليانها.

وما يؤكد ذلك هو أن هناك «عالما عربيا». حيث إن مظاهرات المحامين والانتفاضات الشعبية في باكستان التي أسقطت الحكومات هناك لم تؤثر على المنطقة العربية فيما خلقت الانتفاضة في تونس ومصر عدوى انتقلت إلى اليمن وليبيا وغيرهما.

وبالنسبة لوسائل الإعلام الجديدة أو القنوات الفضائية، كانت تلك أدوات وليست أسبابا. فقد انتشرت الثورات عبر أجزاء من العالم العربي قبل ظهور وسائل الإعلام الحديث، على سبيل المثال في حرب 1948.

«المجلة»: هل تعتقد أن القيادة الأميركية مستعدة لتقبل ديمقراطية حقيقية في العالم العربي. أم أننا سنشهد المزيد من تشجيع قيم الديمقراطية من دون الاستعداد لتأييدها على المدى البعيد؟

- ما زلنا لا نعرف إذا ما كانت تلك الانتفاضات سوف تسفر عن «ديمقراطية حقيقية». حيث لم ينته الأمر بعد وما زالت هناك العديد من التساؤلات من دون إجابة. فهل يستحوذ الجيشان في تونس ومصر على السلطة ويخلقان مساحة كافية لديمقراطية حقيقية؟ هل تضع الجيوش في تلك البلدان أنفسها تحت سيطرة مدنية منتخبة؟ هل تظهر أحزاب سياسية منتخبة قادرة على التنافس في الانتخابات والحكم؟

وسواء ستقبل الولايات المتحدة حكومات جديدة أم لا، على أحد المستويات، ليس هو القضية. فإذا أصبحت حقيقة وديمقراطية ومستقرة سيكون عليهم أن يتقبلوها. أما إذا ما كانوا سوف ينجحون في أن يصبحوا «ديمقراطية حقيقية»، فإن الرأي العام أصبح عاملا جديدا يجب على الولايات المتحدة وأي حكومات سوف تتشكل في المنطقة أن تضعه في اعتبارها عند وضع سياستها. وهو ما سوف يضع بعض القيود على السياسة الأميركية - وهو ما لن يرحب به البعض بالطبع في الولايات المتحدة - ومن المرجح أن يجعل القيادة العربية أقل تكيفا مع المصالح الأميركية وسلوكها إذا ما افتقرت للشعبية في الداخل وهو ما لن تحبه الولايات المتحدة أيضا ولكنها سيكون عليها أن تضعه في حساباتها السياسية.

حوار أجرته جاكلين شون

تاريخ النشر: الجمعة 25 مارس 2011 تم التحديث: الجمعة 25 مارس 2011
font change