مقري: «حمس» ستعود للحكم أكثر نضجا.. وترشحي للرئاسة سابق لأوانه

مقري: «حمس» ستعود للحكم أكثر نضجا.. وترشحي للرئاسة سابق لأوانه

[caption id="attachment_55245453" align="aligncenter" width="618"]عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم الجزائرية (حمس) عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم الجزائرية (حمس)[/caption]


أكد عبد الرزاق مقري أنه ضد فكرة تأجيل موعد الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل، وأنه ضد فكرة ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة رئاسية رابعة، وطالب بالمقابل بـ«ضرورة تأجيل مشروع التعديل الدستوري إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية القادمة».
وبشان حركة مجتمع السلم (حزب إسلامي معارض) أشار مقري إلى أن تجربة الحركة من خلال مشاركتها في السلطة رغم سلبياتها «حققت لها رصيد تجربة لم يسبق أن حققته أية حركة إسلامية أخرى في العالم العربي»، وأن الحركة التي يترأسها خلفا لأبو جرة سلطاني «تملك شبكة من الوزراء السابقين ومن البرلمانيين»، لذلك فهي برأيه «تعرف كيف تسير الدولة وكيف يدار الشأن العام»، وأن «لها مشروعا جاهزا للحكم»، وأكد مقري أن حركته «ستعود إلى الحكم أكثر نضجا، وأكثر مقدرة من أي حركة إسلامية أخرى في العالم العربي».
ووصف مقري ما يحدث في سوريا بأنه «حرب عالمية بالوكالة»، وأن «مختلف القوى خاصة أميركا وإسرائيل وحزب الله وإيران كلها أطراف تعمل بمصالح مختلفة على أن تكون سوريا بلدا مدمرا بالكامل». ويتابع: «إذا لم تكن سوريا في يد إيران كما كانت فلا بد أن يكون هذا البلد مدمرا بشكل كامل»، وانتقد بالمناسبة موقف بلاده الرسمي من الأزمة السورية.

وفيما يلي نص الحوار:

• غياب الرئيس بوتفليقة بسبب مرضه أقلق كثيرا فيما يبدو من المعارضة، رغم تطمينات الوزير الأول الذي عاب على الجزائريين «تصديق معلومات تأتي من الخارج في حين يتم تكذيب المعلومات الرسمية في الداخل»، أليس بوتفليقة مثله مثل كل الجزائريين معرضا للمرض؟

- في الحقيقة مرض الرئيس لم يقلق المعارضة كحدث خاص برجل مريض، الموضوع ليس من هذه الزاوية، السيد رئيس الجمهورية ليس كغيره من الجزائريين، هو رئيس للجمهورية في نظام رئاسي مطلق، كل مؤسسات الدولة مرتبطة به، وأغلب التعيينات الأساسية تتم عن طريقه، المراسيم تمضى من طرفه، لذلك مرض الرئيس يؤثر على مسار الدولة حينما يحفه الغموض، ورغم ذلك نحن نعتبر أنه شيء إيجابي أن تهتم الطبقة السياسية والمواطنين بمرض الرئيس، ونتمنى الشفاء لرئيس الجمهورية والعودة الميمونة إلى الجزائر.

كل الذي نطلبه هو التعامل بشفافية مع هذا الملف، خاصة حينما تكثر الإشاعات، ومن أجل قطع دابر هذه الإشاعات يجب أن يظهر رئيس الجمهورية عبر وسائل الإعلام، ونحن نتساءل ما الذي يمنع ذلك، إذا كان الرئيس كما تفضل الوزير الأول عبد المالك سلال، والمسألة في هذه النقطة ليست أن نصدقه أم لا، ليس هذا هو الموضوع، إذا كان الرئيس في صحة وعافية وهذا الذي نتمناه، فلماذا إذن لم يظهر عبر وسائل الإعلام، وحدث أن رؤساء الدول مرضوا، وانتقل إليهم التلفزيون الرسمي لدولهم وتم الحديث إليهم، حتى يطمئن مواطنوهم على صحتهم، وحتى يفهم السياسيون الأفق السياسي الموجود في بلادهم.

• بوتفليقة حسب تصريحات رسمية يمارس مهامه ويصادق ويمضي على المراسيم من مشفاه بباريس، ما موقفكم من هذا الأمر؟

- هذا الموضوع مثار قلق بكل تأكيد لكثير من الملاحظين السياسيين، إذا كان السيد الرئيس في فترة نقاهة، يمكنه أن يمضي هذه الفترة في الجزائر، الجزائر بلد جميل وفيه من وسائل الراحة الكثير، والإنسان حينما يكون في بلده، وبجانب أسرته يحس بالراحة أكثر، وبذلك يمكنه أن يمضي على مختلف المراسيم هنا بالجزائر.

• ما السيناريوهات المتوقعة لاستمرار هذا الغياب، البعض طالب بعزل الرئيس، والمرور بمرحلة انتقالية، مع تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة؟

- نحن لم نطالب بتنظيم انتخابات مسبقة، بالنسبة إلينا أفضل السيناريوهات، هو أن تكون الانتخابات في وقتها المحدد في 2014.

• في حال عودة الرئيس إلى ممارسة مهامه بشكل عادي، وفي حال ترشحه لعهدة رئاسية رابعة كيف سيكون موقفكم حيال ذلك؟

- عودته شيء يسعد كل الجزائريين بكل تأكيد، ولكن فيما يتعلق بترشحه، فنحن ضد مسألة تمديد العهد الرئاسية، اقتراحاتنا المقدمة بشأن تعديل الدستور تتضمن تحديد العهد الرئاسية.

• لجنة تحضير مشروع التعديل الدستوري تواصل عملها بشكل عادي، ما موقفكم من هذا المشروع، في ظل مرض الرئيس؟ البعض طالب بوقف عمل اللجنة لأن عملها مرتبط أساسا بإرادة الرئيس بوتفليقة؟

[caption id="attachment_55245455" align="alignright" width="295"]الرئيس بوتفليقة الرئيس بوتفليقة[/caption]


- نحن الآن لا نرى فائدة في تعديل الدستور قبل الانتخابات الرئاسية القادمة، لا يعقل أن نعدل الدستور أشهرا قليلة قبل هذا الموعد الهام، هذا نعتبره اعتداء على عهدة الرئيس المقبل، نحن كنا نتمنى أن يتم تعديل الدستور في بداية مشروع الإصلاحات السياسية المعلنة من طرف الرئيس، ولكن هذا رأي لم يتكفل به، وتم الشروع في إصلاح مختلف المنظومات القانونية قبل تعديل الدستور، وللأسف الشديد كل هذه الإصلاحات سطحت وحزبت، الأمر الذي تسبب في فشلها، وبالتالي تعديل الدستور في ظل هذه الظروف غير مفيد، ونحن نطالب بتأجيل تعديل الدستور إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.

• هناك حديث يدور حول إمكانية دعم الحركة لترشح رئيس الحكومة الأسبق للانتخابات الرئاسية المقبلة، هل هناك توجه فعلا داخل الحركة يؤيد هذه الفكرة؟

- لم نتحدث عن هذا الموضوع على الإطلاق، ولم يتداول داخل الحركة على الإطلاق، نحن الآن بصدد مشاورات سياسية متعددة من أجل فهم الساحة السياسية، وحينما يحين الوقت سنقدم السيناريوهات المقترحة إلى مجلس الشورى الوطني ليفصل في الموضوع، وأنا أقول لماذا لا يدعمنا غيرنا؟ لماذا نحن الذين ندعم الغير؟

• هل في نية مقري الترشح لمنصب الرئاسة؟

- الحديث في هذا الموضوع سابق لأوانه، الأفق السياسي محدود والساحة السياسية غامضة، ولا يمكن لأي سياسي أن يتخذ أي خطوة في الوقت الحالي، قبل فهم المعادلة السياسية الحالية في الجزائر، حينما تتضح الصورة ويتضح المشهد وهل الانتخابات ستكون حرة ونزيهة وأنها فرصة لإحداث تغيير حقيقي، حينها سيتم اتخاذ القرار المناسب بشأن الرئاسيات المقبلة.

• معلوم أن لجهاز المخابرات بشكل خاص، والمؤسسة العسكرية بشكل عام، دور مهم في انتخاب الرئيس، كيف يرى الدكتور مقري دور هذا الجهاز في هذا الموضوع تحديدا؟

- نحن ندعو إلى تمدين العمل السياسي، وأن يكون الترشيح من الإرادة الحرة للأحزاب، التي تقدم برامج وتتنافس عليها، أما تشكيل الرؤساء وتنصيبهم فهو أمر تجاوزه الزمن، وهذا السلوك أثبت أنه مضر للبلد، لذلك بات واضحا أن التنافس على البرامج هو الذي ينفع البلد.

• مؤخرا تم انتخابكم كرئيس لحركة مجتمع السلم، وانتخابكم خلفا لأبو جرة، حسب متتبعين، هو انتصار للتيار المعارض داخل الحركة لخيار المشاركة في السلطة.. هل هذا صحيح؟

- أكيد كل الناس يعلمون هذا، نحن الآن لسنا في الحكومة، وما دمنا لسنا في الحكومة، فمكاننا الطبيعي في المعارضة.

• يقال عن الدكتور مقري إنه شخص انفعالي، وغالبا ما يصدر تصريحات ثم يتراجع عنها بعد ذلك، والكل يتذكر حديثك في التلفزة الجزائرية عشية إقصاء الشيخ نحناح من الترشح للانتخابات الرئاسية في 99، حينما قلت مهددا من أقصى الشيخ نحناح: «سترون العجب العجاب»، وكان الكل ينتظر ماذا تفعلون، وإذا بالحركة تساند مرشح النظام وهو ما كان بمثابة صدمة لأنصار الحركة، ويقال أيضا إنه كل ما يخرج مقري بتصريح ضد النظام تتقرب الحركة من النظام أكثر؟

- أنا أولا لم أقل هذا الكلام (سترون العجب العجاب) هذا الكلام غير سياسي، وأنا لم أقله، صحيح أنا احتججت احتجاجا كبيرا على إقصاء الشيخ، وصحيح أن الحركة ساندت بوتفليقة، ولكنني لم أتراجع عن رأيي، أنا داخل الحركة بقيت على رأي، وواصلت التعبير عن هذا الرأي حتى عبر وسائل الإعلام، وكنت دائما أمثل هذا الرأي داخل الحركة، ولكن نحن كنا مجموعة لم تكن لها الأغلبية داخل مؤسسات الحزب، ورغم ذلك كافحت وناضلت خدمة لأفكاري المعارضة لفكرة المشاركة مع الحكومة، ومع مرور الزمن ومع تضافر الكثير من الظروف، أصبح هذا الرأي يمثل الأغلبية داخل الحركة، فصوت مجلس الشورى الوطني بالخروج من الحكومة سنة قبل المؤتمر، ثم جاء المؤتمر وجسد هذا التوجه، وصادق على وثيقة بالإجماع تدعو إلى جعل المعارضة وظيفة وطنية شريفة، وبعد أن تشكل هذا التيار بحثوا عن الرجل المناسب الذي يقودهم، فوجدوا هذا العبد الضعيف الماثل أمامكم، ولو لم أكن صاحب رأي واضح ثابت على قضية المعارضة لما تم اختياري، إذن أنا لم أغير رأيي ولم أتبدل.

• يقال إنه بانتخابكم خرجت الحركة من عباءة «المشيخة»، باعتبارك شخصية أكاديمية أكثر منها دينية؟

- لا أدري ما مدى دقة هذا الكلام، العبد الضعيف الماثل أمامكم كان شخصا يشتغل في الدعوة الإسلامية منذ سنوات طويلة، ومارس الإمامة، ورجل يكتب ولديه مؤلفات عديدة جدا، وأنا شخص موجود في المجتمع المدني عبر مركز دراسات، وموجود عبر الكثير من المشاريع الدعوية، ونحن في العمل السياسي باعتبارنا نحمل فكرة، ونحمل مشروعا، ونحمل دعوة، لذلك لست أدري ما مدى دقة هذا الكلام.

• مشاركة حركة مجتمع السلم في السلطة يعتبرها البعض أضرت كثيرا بسمعة ومصداقية حركة مجتمع السلم، كيف تتوقع مستقبل هذا الحزب في ظل الخيار الجديد الذي تبتنه القيادة الجديدة؟

[caption id="attachment_55245456" align="alignleft" width="300"]الوزير الأول عبد المالك سلال الوزير الأول عبد المالك سلال[/caption]

- كل تجربة بشرية لها سلبيات ولها إيجابيات، ومشاركتنا في الحكومة لها إيجابيات تتمثل في أننا ساهمنا في إنقاذ البلد من أزمة، وأننا جسدنا منهج الوسطية والاعتدال، في أننا أعطينا فرصة كبيرة جدا لاستمرار محاولات الانتقال الديمقراطي، ووجود التيار الإسلامي في الساحة السياسية، وتجنبنا الصدام الدموي الذي وقع في كثير من الدول بين التيار الإسلامي والسلطة، وتركنا الفرصة للحركة الإسلامية أن تستمر، للمشاركة إيجابيات استراتيجية كبيرة، تتعلق بمصلحة البلد بمصلحة المشروع الإسلامي، وتتعلق بالخبرة الكبيرة التي اكتسبناها، نحن الآن مثلا لسنا حركة متشنجة، تتعامل بردود الأفعال فيما يتعلق بمسألة الحكم، نحن خرجنا من المشاركة في الحكومة برصيد تجربة كبيرة جدا، لم تحصل عليه أي حركة إسلامية في الوطن العربي، نحن نملك شبكة من الوزراء السابقين، ومن البرلمانيين، ونعرف كيف تسير الدولة، نعرف كيف يدار الشأن العام، وهذا غير مسبوق.
إذن نحن مشروع جاهز للحكم، بوزراء ناجحين، باعتراف رئيس الجمهورية، لذلك نحن في المعارضة الآن نعد أنفسنا لتقديم برنامج متكامل، من خلال إعادة التوازن للعمل السياسي بين الدولة والمجتمع، بين نظام الحكم والأحزاب، حتى نضمن انتخابات حرة ونزيهة، وسنعود للحكم أكثر نضجا، وأكثر مقدرة من أي حركة إسلامية أخرى في العالم العربي.

• الحركة لا تزال تعاني من آثار ظاهرة الانشقاقات، وهناك جهود بذلت قبل المؤتمر الأخير، من أجل لم شمل (الإخوة الفرقاء)، إلى أين وصل مشروع (الوحدة) داخل الحركة؟

- بخصوص ظاهرة الانشقاقات، أنا لا أعلم أن هناك تجربة بشرية لم يحدث فيها انشقاق، سواء في الدول العربية أو غير العربية، ولكن العبرة بالجسم الكبير للحركة، الذي بقي قويا مستمرا وثابتا، ونحن اليوم في مشاريع وحدة حقيقية.
رؤيتنا نحن هي (الوحدة الاندماجية) بين كل الإخوة الذين خرجوا من الحركة، بآليات نتفق عليها، ولكن قضية (الوحدة الاندماجية) ليست رأينا نحن فقط، هناك رأي الآخرين، هل يرون مثلما نرى نحن، وهي (الوحدة الاندماجية)، أو كما يقول بعضهم، أن يكون هناك مجرد تنسيق.

• هل هناك مشاريع توحد وتكتل مع تيارات إسلامية أخرى استعدادا للاستحقاق الرئاسي المقبل في شاكلة ما يسمى بــ«التكتل الأخضر » (تكتل إسلامي يضم حركة حمس والنهضة والإصلاح)؟

- هناك مشاريع وحدوية وتعاونية كبيرة جدا، هناك اتصالات مكثفة مع مفردات الحركة الإسلامية، من أجل إعطاء صورة جديدة ونفس جديد وتوجه وحدوي تعاوني كبير، بين مفردات الحركة الإسلامية.

• أنت تقول إن لحركة مجتمع السلم رصيد تجربة كبيرة جدا، هل هناك تفاعل بينكم وبين مختلف الحركات الإسلامية خارج الجزائر، لتصدير هذه التجربة نحو الخارج، خاصة في ظل المتغيرات الجديدة مع هبوب رياح ما يسمى «الربيع العربي»؟

- التعاون والتعارف وتبادل الخبرات كان قبل ظاهرة الربيع العربي، نحن أبناء مدرسة واحدة، وهي مدرسة الوسطية والاعتدال، ولذلك هم يدعوننا إلى مؤتمراتهم، ونحن ندعوهم إلى مؤتمراتنا، ونلتقي من أجل التعاون، وتبادل وجهات النظر، وهذا الأمر كان قبل عقود من ظاهرة الربيع العربي.

• التيار الإسلامي الآن يواجه عدة تحديات (الإخوان المسلمون) يواجهون تحديات من موقعهم الجديد في السلطة، وتيار (السلفية) يتجه إلى تبني سياسة العنف من أجل إثبات وجوده في الساحة السياسية، ألا تعتقد أن تجربة الإسلاميين وأخطاءهم في الجزائر، خلال مرحلة التسعينات تتكرر الآن في دول الربيع العربي، جزء من الإسلاميين في السلطة والجزء الآخر متورط في العنف؟

- التيار الإسلامي في الجزائر لم يحكم حتى يقال إنه وقع في الخطأ، هو نجح في انتخابات 91، ومنع من الحكم بإلغاء الانتخابات، وبالزج بالناس في السجون، ثم التيار الإسلامي المعتدل شارك في الانتخابات الرئاسية باسم الشيخ محفوظ نحناح وزورت الانتخابات، على الرغم من أن الجميع يقر بأن الشيخ محفوظ نحناح هو الذي فاز، التيار المعتدل شارك في الانتخابات التشريعية في 1997 وزورت الانتخابات مرة أخرى، وشكلت لجنة برلمانية، وأثبتت بالدليل القانوني من خلال لجنة التحقيق البرلمانية أن الانتخابات كانت مزورة، الانتخابات الأخيرة كذلك شهدت اللجنة الرسمية التي شكلتها الدولة الجزائرية، بأن الانتخابات مزورة، وأصدرت حكمها بأن الانتخابات فاقدة للمصداقية.

[caption id="attachment_55245460" align="alignright" width="150"]عبد العزيز بلخادم عبد العزيز بلخادم[/caption]

التيار الإسلامي إذن في الجزائر منع من الحكم، ولأن حركة مجتمع السلم وطنية لم تعمل على ردود الأفعال والانتقام، بل فضلت المشاركة على موازين غير عادلة، ونحن حينما شاركنا كانت هناك أزمة، لذلك مشاركتنا كانت بهدف المساعدة في إخراج البلاد من أزمتها، ومحاولة التغيير من داخل الحكومة، لذلك لم تكن لنا السلطة، أو النفوذ الكافي لنحاسب على هذه التجربة، هذه ليست تجربة حركة مجتمع السلم، وإنما هي تجربة شاركت فيها فقط.

وحركة مجتمع السلم مرت عبر ثلاث مراحل: المرحلة الأولى كانت منذ بداية التسعينات حتى 1997، كان سبب المشاركة المساعدة على إطفاء نار الفتنة، وإخراج البلد من الأزمة الخطيرة التي كانت تتخبط فيها، وهذه المرحلة كانت تمثل مرحلة إجماع داخل مؤسسات الحركة.

وبعد تأسيس التجمع الوطني الديمقراطي، والتزوير الفظيع الذي وقع، وأثبتته لجنة التحقيق البرلمانية، صار هناك رأي داخل الحركة آمن بفكرة المشاركة في الحكومة، من أجل محاولة الإصلاح من الداخل، وكان هناك رأي معارض لفكرة المشاركة وأنا كنت أحد هؤلاء، وبعد فشل تجربة التحالف مع الحكومة، وانتشار ملفات الفساد، ومع هبوب رياح الحرية في المنطقة العربية، صار الرأي الذي يقول إن الإصلاح من خارج الحكومة ينبغي أن يكون هو الغالب، إذن ندخل الآن تجربة جديدة، وهي محاولة الإصلاح من خارج الحكومة، لذلك لا يمكن القول إن الحركة الإسلامية في الجزائر حكمت لتحاسب على هذه التجربة.
أما بالنسبة للمنطقة العربية، فشيء طبيعي أن تكون هناك صعوبات، بعض البلدان العربية تحت عقود من الحكم الأحادي الديكتاتوري، والهيمنة الكلية، فليس من المتوقع أن يكون التيار الإسلامي، الذي وصل إلى الحكم عن طريق الانتخابات بإمكانه أن يحقق النجاح خلال سنة أو سنتين فقط من الحكم هذا أمر غير ممكن.

• الوضع في سوريا كارثي بكل المقاييس، ما موقف حركة مجتمع السلم مما يحدث في سوريا؟

- الشعب السوري للأسف الشديد متروك لحاله، والعالم يتفرج عليه وهو يقتل ويباد كل يوم، ما يحدث في سوريا هو حرب عالمية بالوكالة بكل المقاييس، وأكيد أن التدخل الأجنبي موجود بأشكال متعددة، ولكن التدخل المباشر والواضح البين هو تدخل حزب الله وإيران، والقتل الفظيع الممارس على الأطفال والنساء، ودعم هذا النظام الظالم والمجرم، ما يقع في سوريا شيء مؤسف إلى أبعد الحدود، ونحن نتعاطف مع الشعب السوري، ونشد على يديه في مطالبه، ونتمنى أن يخرج من محنته في أقرب وقت.
• الموقف الرسمي الجزائري يوصف بأنه متخاذل، وأنه مساند للنظام السوري، كيف تقيمون الموقف الرسمي الجزائري من الأزمة السورية؟

نحن ضد الموقف الرسمي الجزائري تجاه ما يحدث في سوريا، نعتبر الموقف الجزائري تقصيرا في حق الشعب السوري الشقيق، مع العلم أنه توجد جالية كبيرة جدا من الجزائريين مقيمة بسوريا، وهناك عدد كبير جدا من السوريين لهم أصول جزائرية، وكان الأجدر هو التفكير في الشعب السوري ككل، وفي هذه الجالية المندمجة اندماجا كليا عبر قرون من الزمن مع الشعب السوري.

• الجزائر قررت مؤخرا إعفاء ديون نحو 14 دولة أفريقية، ما موقف حركة مجتمع السلم من هذا القرار؟

- الذي يهمنا في هذا هو غياب الشفافية، من المفروض أن مثل هذه القرارات الكبيرة تكون في إطار الشفافية، وأن تناقش في البرلمان على الرغم مما فيه من اختلالات، وأن يعلم الرأي العام بالأمر، لأن هذه الأموال هي أموال الجزائريين، وإذا كان هناك أي قرار في هذا الجانب، يجب أن يكون شفافا، حتى ندرك أنه ينفع الجزائر والجزائريين، وينفع كذلك الشعوب التي تحتاج إلى مساعدة.

• هذا القرار جاء تزامنا مع حراك اجتماعي في الجزائر في ظل احتجاجات الشباب العاطل، واحتجاجات نقابية في مختلف القطاعات، ألم يكن الأجدر بالحكومة تخصيص مثل هذه المبالغ لإيجاد حل لهذه المشاكل الاجتماعية؟

- نعم كان المطلوب تخصيص هذه المبالغ ومبالغ أخرى لتحقيق التنمية الاقتصادية، مشكل الجزائر الآن هو أن اقتصادها مرتبط بشكل كلي بالمحروقات، الآن اثنان من ثلاثة عمال جزائريين يتلقون مرتباتهم من عائدات الجباية البترولية، وهذا خطر كبير جدا على الجزائر، كل الذي يحدث هو أننا نبيع البترول في أسواق خارجية لا نتحكم فيها، بعملات أجنبية متقلبة ولا نتحكم فيها، ونشتري بهذه العوائد مختلف المواد الاستهلاكية للشعب الجزائري، من أسواق عالمية لا نتحكم فيها أيضا، وكثيرا ما ننقل التضخم في الأسواق العالمية إلى الجزائر.
لذلك المشكل المطروح الآن هو مشكل هيكلي في الاقتصاد الجزائري، ونحن لدينا برنامج طموح، من أجل تحريك العجلة الاقتصادية، وبناء اقتصاد متكامل، يعطي قيما مضافة خارج قطاع المحروقات، توفر مناصب شغل قارة، وتجعل الناتج الإجمالي القومي للجزائر مبنيا على عوائد خارج المحروقات، بالمقابل يتم توجيه عوائد المحروقات إلى مشاريع استثمارية، تخلق قيمة مضافة أخرى خارج قطاع المحروقات، ولكن للأسف الشديد هذا غير موجود وهو أمر مؤسف فعلا.

• الحديث عن الاقتصاد يقودنا إلى الحديث عن ظاهرة الفساد المنتشر في مؤسسات الدولة الجزائرية، ما موقف حركة مجتمع السلم من هذه الظاهرة، وكيف تقيمون تعامل السلطة معها؟

- من بين أسباب انسحابنا من الحكومة هو انتشار ملفات الفساد، في 2005 لما كنا في الحكومة أنشأنا ما يسمى مشروع (فساد قف)، بدأنا حينها ننبه من خلال المعلومات التي لدينا، إلى أننا مقبلون على انتشار الفساد بشكل خطير جدا، لسبب بسيط وهو أن المال كثير والرقابة غائبة، لا رقابة برلمانية، ولا رقابة قضائية، ولا رقابة إعلامية، ولا رقابة مجتمع مدني، ولا هم يحزنون.
كنا نقول إنه يوجد اختلال كبير في التوازن، وإن هذا سيؤدي إلى فساد كبير جدا، لذلك أطلقنا مشروع (فساد قف)، لكن للأسف الشديد كان التعامل معنا تعاملا شديدا جدا من طرف رئيس الجمهورية، الذي طالبنا بإظهار وتقديم ملفات الفساد، مع أنه شخصيا خلال بداية عهدته الرئاسية الأولى، صرح بأن هناك 15 مسؤولا نافذا، يسيطرون على المال، وعلى التجارة الخارجية، لذلك قلنا له إذا كنت تطلب منا إظهار الأدلة، وتقديم الملفات، فأنت حددت بالضبط العدد، فما عليك إلا أن تعطينا أنت أولا الملفات، وللأسف الشديد لما بدأ الفساد في الانتشار بشكل فاحش انسحبنا من الحكومة.

• لكن بروز ملفات الفساد إلى العلن يعتبره البعض أمرا إيجابيا لأنه إشارة إلى أن الحكومة لديها النية وعازمة على مكافحة الظاهرة؟

- لا.. ملفات الفساد تم الكشف عنها من دول أجنبية، أغلب الملفات ظهرت من خلال قضايا رفعت في: إيطاليا وكندا، وفي فرنسا وإسبانيا، ولم تظهر من الداخل، إذن لا توجد أية إرادة لمكافحة ظاهرة الفساد في الجزائر، ولا لمعالجة هذه الاختلالات إطلاقا.
font change