الجهود الأمريكيّة الإيرانية لاستقطاب تركيا في الملف السوري

الجهود الأمريكيّة الإيرانية لاستقطاب تركيا في الملف السوري

[caption id="attachment_55248949" align="aligncenter" width="620"]أكدت الخارجية التركية في تصريحات لصحيفة "الشرق الأوسط" على توافق مع إيران  لإنهاء الأزمة السورية أكدت الخارجية التركية في تصريحات لصحيفة "الشرق الأوسط" على توافق مع إيران لإنهاء الأزمة السورية[/caption]

شهدت العلاقات التركيّة- الإيرانيّة، والتركيّة الأمريكية -خلال العامين والنصف الأخيرين تقريبًا- توترًا حادًّا في الحالة الأولى، وتباينًا ملحوظًا في الحالة الثانية على خلفيّة الموقف من نظام الأسد والثورة السوريّة فيما يخص طهران من جهة، وكيفيّة التعامل مع الملف السوري والنظام السوري فيما يخص واشنطن من جهة أخرى.

لكن مع الانعطافة الحادّة التي حصلت مؤخرًا بعد المجزرة الكيميائية على إثر الاتفاق الأمريكي– الروسي، الذي أعاد ترميم ما بقي من نظام الأسد، متبوعًا بالدفء الطارئ في العلاقات الأمريكيّة- الإيرانيّة على خلفيّة الاتفاق الذي جرى بين الطرفين مؤخرًا حول البرنامج النووي الإيراني، يبدو أنّ هناك محاولات لإعادة ترتيب المشهد الإقليمي على الصعيد الجيو-سياسي لناحية إدخال اللاعب التركي في اللعبة الجارية، أو تحييده على الأقل من الملفات التي قد تشكّل عقبة أمام الدفع باتجاه المسار السياسي في الملف السوري، والذي عبّر الأتراك في أكثر من مرّة عن عدم إيمانهم بجدواه مع وجود الأسد في السلطة، أو أمام التوصّل إلى تفاهمات إقليميّة مشتركة بين واشنطن وطهران.

وتمثّل سياسة العصى والجزرة التي يتّبعها الطرفان إزاء تركيا لب المبادرات التي طُرِحت على خلفيّة هذه التطورات المتسارعة. فبالتوازي مع الضغط الأمريكي على المعارضة السورية وأصدقاء سوريا للالتزام بالخيار السياسي، تعرّض مدير الاستخبارات التركيّة "هاكان فيدان" مؤخرًا لحملة عنيفة من قبل واشنطن والصحافة الأمريكيّة بتهمة قيامه بدعم راديكاليين إسلاميين في سوريا. وقد استخدمت واشنطن هذا الملف كأداة للضغط على أنقرة لتغيير موقفها السياسي مما يجري في سوريا، سيما وأنّ الدخول في هذا المسار من دون كسب تأييد تركيا سيؤدي إلى فشله حتمًا، خاصّة في ظل الخلاف الحاصل مع السعودية. وقد كان المقصود بهذه الخطوة إيقاف أي عملية تسليح قد تكون جارية للمعارضة السورية من خلال تركيا.

وقد ولّدت هذه الهجمة الإعلامية حالة من التساؤلات لدى الأوساط الدبلوماسيّة عمّا إذا كانت أنقرة تدعم فعلاً من يسمون "الراديكاليين الإسلاميين" أو "القاعدة" لأهداف خاصة بها، وهو انطباع حرصت العديد من الأطراف على الترويج له كوسائل الإعلام الروسيّة والإيرانيّة، وكذلك فعل آخرون من بينهم زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي السوري صالح مسلّم الذي زار قبل ثلاثة أشهر إيران بطلب من وزارة الخارجية، والتقى مسئولين إيرانيين وآخرين من الحرس الثوري أكّدوا له دعم طهران منذ ذلك الحين في إقامة "إدارة انتقالية للأكراد".

وقد أدّت هذه الضغوط إلى وضع أنقرة في موقع دفاعي، حيث بدا أنّ هناك تحوّلاً في الأولويّات لدى الأوساط الأمنيّة التركيّة التي باتت ترى مؤخرًا أنّ حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني (PYD) بقيادة مسلّم والميليشيات التابعة له -بالإضافة إلى المجموعات المرتبطة بالقاعدة في سوريا- هما الأكثر تهديدًا على أمن تركيا، وهو الأمر الذي يجعل التركيز عليهم أولويّة لاسيما مع تحوّل الأجندة الإقليمية والدوليّة إلى المشروع السياسي، وعدم قدرة تركيا على القيام بتحمّل أعباء الملف السوري لوحدها في مواجهة الأسد وحلفه الإقليمي والدولي في ظل تفكك منظومة عمل أصدقاء سوريا عمليّا، وتراجع نوعيّة العمل المشترك مع بعض الدول الإقليمية في هذا الصدد لاسيما بعد الأزمة المصريّة.

وبموازاة الابتزاز الأمريكي، تحاول إيران تقديم الجزرة إلى تركيا متمثّلة بإطلاق سراح الطيّارين الأتراك المختطفين سابقًا في منطقة نفوذ حزب الله في لبنان، ودفع حكومة المالكي للتصالح مع أنقرة، وإعادة فتح قنوات التواصل التي كانت عالقة سابقًا على خلفية الملف السوري، مع التركيز على جذب انتباهها من خلال العزف على وتر المخاوف التركية من الجماعات الراديكالية ومحاربة "الإرهابيين"، وهو الملف الذي من الممكن أن يتحوّل بكل سهولة إلى مصلحة مشتركة بين روسيا وأمريكا وإيران وتركيا والعراق، ويحل محل المصلحة المشتركة السابقة بين تركيا وعدد من الدول الإقليمية والدولية والمتمثلة بالإطاحة بالأسد.

وتعدّ هذه الخطوات الإيرانية الأخيرة باتجاه أنقرة بمثابة رسالة مفادها أن إيران قادرة على جعل الأمور الإقليميّة أسهل بالنسبة إلى تركيا إذا ما لقيت المبادرات الإيرانية تجاوبًا مماثلاً، وبدأ الطرفان بالعمل على الملفات المشتركة، خاصة أنّ صانع القرار التركي المقبل على معارك سياسية في العام 2014 في ظل حالة من عدم الاستقرار الإقليمي والضغط الخارجي والداخلي، ومن مصلحته تلقّف هذه المبادرات بدل تجاهلها، وهو أمر حتى وإن لم ينجح كليًّا على اجتذاب أنقرة إلى الساحة الإيرانية، فإنه سيعمل على الأقل على تحييدها، وهذا بحد ذاته يعد ضربة قاصمة في إطار جهود تفكيك المحور المضاد للأسد عمليًّا، وعزلها عن المسار الخليجي التي تقوده السعودية.

كما لوحظ مؤخرًا تركيز إيران على نغمة ضرورة التعاون مع تركيا لتخفيف التشنجات المذهبيّة والطائفية في المنطقة، وهو كلام ظاهره التقارب، وباطنه إبعاد أنقرة عن المحور الخليجي، سيما وأنّ أحدًا لا يتصور أنّ طهران ستقوم فجأة بإيقاف سياساتها وأدواتها الطائفية التي تعبث في المنطقة من المحيط إلى الخليج، حتى في ظل تقارب أمريكي- إيراني من الواضح أنّه لا يتطرق إلى مصير هذه السياسات والأدوات الإيرانية بأيِّ حال من الأحوال.

font change