العريض: دستور تونس توافقي ويجمع بين الأصالة والحداثة

العريض: دستور تونس توافقي ويجمع بين الأصالة والحداثة

[caption id="attachment_55249671" align="aligncenter" width="620"]عامر العريض، رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة عامر العريض، رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة[/caption]

أكد عامر العريض في حوار خاص لـ«المجلة» أن الوضع التونسي سيتحسن كثيرا خلال السنوات المقبلة،وفي ما يلي النص الكامل لهذا الحوار:

بعد احياء تونس الاسبوع الماضي الذكرى الثالثة لثورتها (ذكرى 14 يناير/ كانون الثاني)، كيف يبدو لك المشهد السياسي؟

- تقدمنا خطوات لا بأس بها في إنجاز الجانب السياسي من أهداف الثورة، فلدينا اليوم قانون العدالة الانتقالية وهيئات لتنظيم وإصلاح الإعلام والقضاء وأخرى لمقاومة الفساد ومناهضة التعذيب، ولدينا أيضا هيئة عليا مستقلة للإشراف على الانتخابات وعمليات الاستفتاء العامة، ونشرف على إنهاء المصادقة على الدستور وهو دستور يؤكد على الحريات العامة والفردية وحقوق الإنسان، ويضمن الدولة المدنية والنظام الجمهوري، كما ينص على الهوية العربية الإسلامية، والأهم من كل ذلك أنه دستور توافقي يعبر عن التعدد والتنوع في المجتمع ويجمع بين الأصالة والحداثة، كما أننا على أبواب المصادقة على حكومة تتكون من شخصيات مستقلة ستتولى إدارة المرحلة حتى إنجاز الانتخابات الرئاسية والتشريعية خلال هذه السنة.. بطبيعة الحال يتزامن هذا مع الكثير من التجاذبات السياسية، بعضها يندرج ضمن التنافس في خدمة البلاد، وبعضها يندرج ضمن المزايدات وحتى ضمن التطرف في هذا الاتجاه أو ذاك.

• هل أنت راض عن محتوى الدستور الجديد؟

- نعم، أنا أعتبر أن الدستور بحسب ما وصلنا إليه من مصادقات وبحسب التوافقات دستور جيد ويعبر عن روح وطنية، وسيكون الركن الأساسي لتنظيم العيش المشترك بين المواطنين التونسيين.

• ما تعليقك على استقالة حكومة السيد علي العريض، وما هي دلالات هذه الخطوة.. ثم ألا تخشون - في حركة النهضة - الندم عليها في يوم ما؟

- استقالة السيد علي العريض رئيس الحكومة المنتخبة تأتي في إطار الحرص على إنجاح المرحلة الانتقالية وتوفير شروط إضافية لمناخ الانتخابات القادمة التي ستكون في ظل حكومة من المستقلين، ورغم أن ذلك ليس شرطا من شروط الديمقراطية فإن حركة النهضة وهي الأحرص على إنجاح التوافقات الوطنية وعلى بناء جسور الثقة بين الفرقاء في تونس أقدمت على خطوة هي الأولى من نوعها في العالم العربي، وقد تكون حتى خارج العالم العربي. نحن مستعدون لكل التضحيات من أجل نجاح بلادنا في بناء الديمقراطية خاصة لإثبات الإمكان الديمقراطي العربي بديلا عن الاستثناء العربي.

• هل تعتقد أن خيار الحوار الوطني كان الخيار الأنسب لتجاوز الأزمة السياسية، أم كانت هناك خيارات أخرى أفضل؟

- خيار الحوار الوطني هو خيار مناسب، ونحن ذهبنا إلى هذا الخيار بديلا عن منطق الصدام الذي رفعته الأحزاب والمجموعات المتطرفة يسارا ويمينا، وأيضا لأن عددا من شركائنا في الوطن لم يقبلوا الإمعان في العملية الديمقراطية بكل مراحلها، فكان لا بد من دعم الشرعية الانتخابية بتوافقات وطنية لضمان نجاح الانتقال الديمقراطي في تونس.

• هذا الحوار رأى فيه البعض من داخل حركة النهضة استسلاما وانقلابا ناعما على الثورة.. ما رأيك؟

- الحوار هدفه الوصول إلى توفير شروط إجراء انتخابات يشارك فيها الجميع ويعترف بنتائجها، وبهذا المعنى أظن أنه خيار صحيح، وفي كل الحالات هو أفضل من منطق الصدام الذي لن يربح منه أحد وستكون فيه خسارة كبيرة للبلاد والثورة لو انتهجناه.

• ما هي أهمية النتائج المحققة إلى حد الآن في إطار الحوار الوطني؟

- كما تعلمون إلى حد الآن توافقنا على رئيس حكومة مستقل، وأدى هذا الحوار إلى عودة المجلس التأسيسي إلى القيام بمهمته الرئيسة وهي كتابة الدستور بحضور كل النواب، وتقدمنا كثيرا في المصادقة على هذا الدستور، واستطاع الحوار أن ينقل الأوضاع العامة في البلاد من التوتر إلى حالة حوارية تحسن فيها منسوب التفاهم والتوافق بين الفرقاء السياسيين، واقتربنا اليوم أكثر من إجراء الانتخابات، وهي محطة ضرورية لإثبات نجاحنا في هذه الطريق ولتأكيد أن تونس تجاوزت حدود اللارجعة في بنائها للديمقراطية.

• يقال إن بعض الأطراف في المعارضة تريد من هذا الحوار إقصاء حركة النهضة وإبعادها عن الحكم.. فما تعليقك على هذا الكلام؟

- هذا صحيح، الأطراف التي لا تؤمن بالديمقراطية لا تحترم إرادة الشعب، ولم تعترف من الناحية العملية بنتائج انتخابات 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2011.. ولكن بعد الحوار الوطني وبعد إيفاء النهضة خاصة بكل تعهداتها رغم أن التزام الآخرين كان نسبيا أعتقد أن المشهد تغير قليلا، وأصبحت المجموعات التي لا تؤمن للنهضة بحقها في الوجود معزولة حتى في محيطها الفكري والآيديولوجي.

• كيف هي علاقتكم في حزب النهضة بالأحزاب الراديكالية التي تدعو إلى استئصال الإسلام السياسي في تونس؟

- تشارك في الحوار الوطني كل الأحزاب الممثلة في المجلس التأسيسي، وبعضها يعمل على إقصاء النهضة، ومع ذلك نجلس معهم على نفس طاولة الحوار حرصا منا على تعديل هذه التوجهات العدمية أحيانا ودفعا إلى الاعتدال.

• البعض يعتبر أن حركة النهضة هي أكثر الأحزاب استفادة من الحوار الوطني.. ما مدى صحة هذا الرأي؟

- أنا في تقديري المستفيد الأكبر، والمنتصر الحقيقي في الحوار هو تونس، ومسارها الانتقالي وثورتها المباركة، وبهذا المعنى فكلما كان الإنسان أقرب إلى المصالح العليا للبلاد وكان أكثر حرصا على نجاحها، رحب بالنتائج الإيجابية للحوار.

• رغم أن حركة النهضة تعج بالشخصيات والكفاءات والأسماء النشيطة والمؤثرة في الساحة السياسية فإنها لا تعرف حرب زعامات كما هو حال باقي الأحزاب.. فما تفسير ذلك؟

- بالتأكيد لا يوجد صراع زعامات ولا حتى تنافس على تولي المسؤوليات داخل حركة النهضة. نحن نعتبر المسؤولية تكليفا وليس شيئا آخر، لكن ذلك لا ينفي أنه في النهضة هناك نقاش وحتى تنافس بين الآراء مبني على الاختلاف في تقدير المصالح وأحيانا في قراءة الواقع وفي تحديد بعض الأولويات.

• هل صحيح أن النهضة وقبل مغادرة الحكم عينت الكثير من أبنائها وأنصارها في الإدارة والمناصب المهمة لضمان سيطرتها على دواليب الدولة؟

- ليست لدينا مشكلة في موضوع التعيينات، هذه الحكومة شأنها شأن الحكومة القادمة مطلوب منها تطبيق القانون والتعامل مع موضوع التعيينات بموضوعية وفق مقاييس الكفاءة ونظافة اليد والالتزام بمصالح البلاد والمواطنين.

• يبدو أن الأيام قد أكدت أن الائتلاف الثلاثي الحاكم (المتكون من أحزاب النهضة والمؤتمر والتكتل) ائتلاف هش وقابل للتصدع، وكل مرة نسمع عن خلافات داخله.. ما رأيك؟

- تجربة الائتلاف هي تجربة فيها الكثير من النقاط الإيجابية، أولاها أنها قطع نهائي مع حكم الحزب الواحد وتأكيد لأهمية الشراكة في الحكم، وأيضا هناك نجاح للائتلاف بين الإسلاميين وغيرهم. ومعلوم أن الحكم الائتلافي هو من أصعب أنواع الحكم، وفيه الكثير من التعقيدات في اتخاذ القرار، لكنه أكثر ديمقراطية من غيره من الأنواع باعتبار ما يحدثه من توازن داخل الائتلاف الحاكم نفسه، بالإضافة إلى الفصل بين السلطات وحريات الإعلام واستقلال القضاء وغير ذلك.

• ماذا تقول عن اختيار المهدي جمعة رئيسا للحكومة المقبلة.. وهل هو مستقل فعلا؟

- عملية اختيار المهدي جمعة مرشحا توافقيا لرئاسة الحكومة لم تكن عملية سهلة، وحصل قبلها جدال، وتعطل الحوار لأسابيع وكاد يفشل.. وأعتقد أن المهدي جمعة هو شخصية مستقلة بما في الكلمة من معنى، ويقف على نفس المسافة من الجميع، ونأمل أن تكون تركيبة الحكومة كلها من المستقلين فعلا.

• هل سيكون وجود حكومة مستقلة وحده عاملا كافيا لضمان نجاح الانتخابات المقبلة؟

- لا، هذا غير كاف.. نحن اشترطنا أن يكون الوزراء وكل الحكومة ملتزمين باستكمال المسار الانتقالي الديمقراطي في الآجال التي سيوافق عليها الحوار الوطني.

• ما هي في رأيك أولويات حكومة المهدي جمعة؟

- أولى الأولويات هي تهيئة البلاد للانتخابات، والعمل على النجاح في تنظيمها، بالإضافة إلى المهام الأمنية والاقتصادية وحماية وتدعيم المرفق العام، وهي المهام الملحة لهذه الحكومة.

• كيف ستكون علاقة هذه الحكومة بالمجلس التأسيسي وبمؤسسة رئاسة الجمهورية؟

- هي حكومة توافق وطني ستكون مسنودة من أغلب الأحزاب خاصة الأحزاب البرلمانية، ولن تكون هناك أغلبية وأقلية ومعارضة وأحزاب حكم، وبالتالي فالأصل أن علاقتها بالمجلس التأسيسي ستكون علاقة دعم وتسهيل أسباب النجاح، ونأمل أن تكون علاقتها برئاسة الجمهورية علاقة تعاون مثلما كان الأمر مع حكومة علي العريض.

• كيف ستستفيد النهضة من كوادرها الذين سيغادرون الحكومة المستقيلة (حكومة علي العريض)؟

- الإخوة الوزراء الذين سيغادرون الحكومة ستستفيد الحركة من تجربتهم وكفاءتهم مثلما ستستفيد منهم البلاد في أي موقع آخر الآن، وربما في مواقع حكومية في المستقبل.

• هل ستقدم «النهضة» مرشحا للانتخابات الرئاسية المقبلة؟

- كل الخيارات مطروحة.

• كيف تحكم على أداء أحزاب المعارضة في الحوار الوطني؟
- المعارضة معارضات، بعضها عبر عن حرص على نجاح الحوار الوطني وبعضها اجتهد في إفشاله.

• كيف ستكون خارطة التحالفات الحزبية في المرحلة المقبلة حسب رأيك؟

- من السابق لأوانه معرفة خارطة التحالفات في المرحلة المقبلة، لكن من الواضح أنها ستتغير بحكم وجود حكومة توافقية، وستتقلص مساحة المعارضة.. ومن ناحية ثانية فإننا نقترب أكثر فأكثر من الانتخابات الرئاسية والتشريعية وهي أهم محدد لخارطة التحالفات.

• ما مدى إمكانية تشكيل حركة النهضة لائتلاف واسع يضم عددا كبيرا من الأحزاب في المرحلة المقبلة؟

- هذا متوقع، وسنعمل على توسيع تحالفنا للفوز في الانتخابات ولحسن إدارة مرحلة ما بعد الانتخابات.

• كيف يبدو لك مستقبل تونس.. وهل أنت متفائل؟

- تونس تخلصت من الاستبداد، وهي تبني اليوم تجربتها الديمقراطية، وأمامها صعوبات اقتصادية واجتماعية كبيرة تحتاج إلى استقرار وعمل دؤوب للتغلب عليها، وتحتاج أيضا إلى دعم الأشقاء والأصدقاء لتحقيق التنمية ومعالجة هذه المشكلات، وأتوقع أن يتحسن الوضع التونسي كثيرا خلال السنوات المقبلة إن شاء الله.






font change