عسكريون سوريون هجروا السلاح.. وقادة الجيش الحر سجناء في تركيا

عسكريون سوريون هجروا السلاح.. وقادة الجيش الحر سجناء في تركيا

[caption id="attachment_55253424" align="aligncenter" width="620"]عنصر من الجيش الحر السوري عنصر من الجيش الحر السوري[/caption]


مازن حسون مواليد 1977، من تلبيسة التابعة لمدينة حمص، تخرج عام 2000 ضابطًا متخصصا في الحرب الإلكترونية حتى نهاية عام 2011. وعندما اقترب من الترقي إلى رتبة «رائد» اندلعت الثورة السورية.. انضم كما غيره من مئات العسكريين المنشقين إلى الجيش الحر لحماية المظاهرات السلمية من بطش النظام، وهو كغيره أيضًا من المنشقين الذين هجروا السلاح قبل تحقيق النصر.
يقول حسون وفقا للشقيقة «المجلة»: «بعد انشقاقي تابعت عملي العسكري مع الجيش الحر وشغلت عدة مناصب ضمن تشكيلاته وشاركت بـ27 عملية عسكرية لحماية المدنيين. وفي نهاية عام 2013 وبداية 2014 قررت الخروج من حمص لإدراكي العميق بعد متابعة سير الأحداث أن حمص سوف تقع في قبضة النظام ﻻ محالة بعد الخذلان الدولي لها، خصوصًا للجيش الحر، وبعد زحف «داعش» باتجاه حمص من الجهة الشرقية، فكانت الخيارات محدودة؛ إما مبايعة داعش وإما مصالحة وتسوية مع النظام، والأمران مرفوضان بالمطلق بالنسبة لي».



عسكريون أجبروا على الانشقاق




ويتابع: «تلقيت دعوة من قيادة الأركان فخرجت بمهمة رسمية للتمرن على السلاح النوعي، وصلت إلى معبر باب الهوى وبقيت شهرين ونصف الشهر، وبعد التواصل مع الإخوة الضباط وعدم توفر عمل مقنع يخدم القضية في قيادة الأركان قررت الرحيل إلى تركيا، والضباط المنشقون في تركيا إما في المخيمات وإما في الطريق إلى أوروبا للحصول على لجوء، والقلة المحدودة تعمل للتنسيق مع الداخل والحصول على بعض الدعم»، منوها بأن «المنشقين في عزلة تلبى كل حاجاتهم في المخيم وهم جالسون، عادة مشكوك بهم لأنهم تخرجوا من مدرسة الأسد التي فقدت الثقة مع الشعب.. المنشقون نوعان منهم من كان ينتظر الثورة وكان يظن أنها لأبد قادمة، وكنت أنا منهم، والآخر أجبر على الانشقاق من قبل الجيش الحر.. وهناك من وقف في منطقة متوسطة بين طرفي الصراع لعدم قناعته بالطرفين. من هنا جاء الشك، كما أن بعض سياسات القوى الإقليمية كانت تتعمد زرع الشك وتعميق الهوة بين الشعب وضباط الجيش الحر».



[inset_right]• قيادات سورية منشقة لاتستطيع التحرك دون اذن المخابرات التركيةوضباط برتب عالية يغسلون الصحون ويعملون في طلاء الجدران باسطنبول[/inset_right]



ويسرد مثالاً عما أسلفه قائلاً: «في إحدى العمليات الضخمة لنا عندما كنا منضوين في العمل ضمن المكتب العسكري لحمص وريفها وكان آنذاك عدد الضباط المشاركين في العملية يصل إلى 17 ضابطًا، جاءت الأوامر من قيادة الأركان في تركيا ببدء العمل القتالي، وأن الذخيرة والإمدادات سوف تصل خلال ساعات.
وتم إيهامنا بأنه ﻻ مجال للتأخير في التنفيذ وأن الوقت ليس في صالحنا، علمًا بأن ذخيرتنا بالكاد تكفي ليوم قتالي واحد وبدأنا الهجوم واستمر ليومين ولم تصل الإمدادات وكانت الجبهة قد اشتعلت وكان ضروريًا استقدام تعزيزات ضخمة ﻻسترجاع المناطق التي خسرناها، حينها اضطررنا للانتقال إلى موقع الدفاع وبدأت حرب استنزاف استمرت ثلاثة أيام، كاد حينها الريف الشمالي لحمص أن يسقط في معركة (مللوك) فقدنا كثيرًا من شبابنا واضطررنا للانسحاب وفقدنا كثيرًا من مصداقيتنا لدى مقاتلينا واتهمنا بأننا كاذبون سارقون وأنها كانت خطة للقضاء على المعارضة المسلحة وحصل بعدها انشقاق كبير، ذهب بعدها كثيرون للانضمام إلى الفصائل الإسلامية (الأكثر مصداقية) بين هلالين - بعدها بمدة قصيرة تصدع المكتب العسكري وفشل»، متهكمًا: «ولم تصل الذخيرة لحد الآن».



مخيم يضم المنشقين وعوائلهم





«مخيم أبايدن (كما يسميه الأتراك) هو مخيم يضم المنشقين وعوائلهم، يقع في الأراضي التركية ولا يبعد عن الحدود السورية أكثر من 4 كم، ويوجد حول المخيم سور من الأسلاك الشائكة للحفاظ على سلامتنا، هكذا كان يقول لنا الأتراك، صراحة يشبه السجن. والخروج من المخيم لم يكن مسموحًا. هناك يوم واحد في الأسبوع مسموح فيه للذهاب إلى السوق»، الكلام لأحد المنشقين عن جيش النظام ويدعى أبو أحمد، الذي غادره متسائلاً: «ماذا كنا نفعل؟ نحتسي الشاي.. كانت هناك حلقات لحفظ القرآن والإنشاد وقراءة الشعر، مثلا الشيخ أبو مسلم والأستاذ عبادة بركات كانوا يقومون بمثل هذه النشاطات لذا خرجت من المخيم».
عمل أبو أحمد في مهن متعددة إلا أنه الآن عاطل عن العمل ولم يفلح في تأمين مبلغ يمكنه من السفر واللجوء إلى إحدى الدول الأوروبية ووجوده في تركيا منعه من الإفصاح عن المزيد واحتفى بحديث مقتضب مع «المجلة».



ما خلف أسوار أبايدن




مخيم أبايدن في مدينة هاتاي جنوب تركيا، يضم جنرالات وعسكريين وشرطيين سوريين معارضين مع عوائلهم، قوات الدرك التركي مسؤولة عن حماية المخيم من الخارج ويعمل عدد من موظفي وزارة الخارجية وجهاز المخابرات التركية داخل المخيم.
ورفض قوات الأمن المرابطة حوله الزيارة، يثير كثيرًا من التساؤلات حول المخيم،ويبرر مسؤولي حكومة العدالة التركية الحاكمة،ذلك بالدواعي الأمنية، رغم اعتراضات برلمانيين أتراك وتشديدهم على أنه يجب عدم تجاهل المادة 92 من الدستور التركي، التي تنص على أن البرلمان وحده يملك صلاحية إعطاء الإذن فيما يتعلق بوجود كانتونات أجنبية مسلحة، معتبرين أن إقامة مخيم للعسكريين انتهاك لدستور البلاد.



إقامة جبرية




لمى الأتاسي الناطقة السابقة للجيش الحر، والتي زارت المخيم في ظروف أمنية مشددة، تفيد قائلة في حديث لـ«المجلة»: «في الشهر الثالث من عام 2012 توجهت إلى هاتاي مخيم الضباط الأحرار لأزور من رأيت فيهم أملاً سوريًا، قبلها بأشهر كان قد تواصل معي العقيد رياض الأسعد قائد الجيش الحر واجتمعت في باريس وبروكسل مع أصدقائه وتم تعييني مديرة المكتب الإعلامي للجيش الحر وناطقة رسمية له»، منوهة «كمعارضة لم أكن أتوقع أن تتحول المظاهرات السلمية إلى مقاومة مسلحة، بشكل تلقائي تحمست لكل عسكري سوري انشق بعدما رفع زملاؤهم في الجيش النظامي السلاح في وجه أبناء بلدهم وقتلوا متظاهرين واقتحموا حرمة البيوت الآمنة.. كانت التجربة المصرية حية أمامنا؛ الجيش المصري لم يقبل أن يرفع بنادقه في وجه أخيه داخل الوطن.
مهمتنا كانت أن أثبت للعالم أن الضباط المنشقين إن حملوا سلاحًا في سوريا خارج المؤسسة النظامية فهو لحماية المتظاهرين. كنا نعمل على الدفاع عن صورة المنشقين. والحقيقة أنني لمست لدى الأغلبية منهم تفانيًا لا حدود له وحبًا لسوريا ووعيًا وشعورًا بالمسؤولية نفتقده تمامًا اليوم.. هؤلاء ظلموا.



[caption id="attachment_55253427" align="alignright" width="300"]مازن حسون مازن حسون[/caption]

بعد أشهر من العمل الجاد في باريس قررنا اللقاء مع قائد الجيش الحر لمناقشة بعض القضايا. بعد وصولي لإسطنبول ثم إلى مطار هاتاي، أرسل لي أصدقاء العقيد رياض الأسعد سيارة لتقلني إلى المخيم، وصلت أمام سور ضخم وباب كبير فشعرت بأنني أمام سجن، وفعلاً كان سجنًا حراسه ضباط أتراك، سئلت عما إذا كنت صحافية فرنسية، فقلت لهم لا، وطلبت منهم أن يسألوا قائد الجيش الحر عني، ولكن أصغرهم كان لا يأبه بجيش حر أو بقائده.. بعد مشاورات وإلحاح وطول انتظار سمح لي بالدخول إلى المخيم»، لافتة: إلى أنه كان مسموحًا لها بالوجود في مكان واحد فقط وهو خيمة الاستقبال - مكان اللقاء - كما في السجن، «طاولة تفصل بيني وبين العقيد رياض الأسعد وعلى باب الخيمة عسكريون أتراك مسلحون يحرسوننا ويراقبوننا، متظاهرين بانهم مشغولون بقراءة القرآن، إلا أنهم كانوا حريصين على سماع كل كلمة ننطق بها»، مضيفة «رياض الأسعد كان سعيدًا باللقاء يتكلم الناس عن الجيش الحر ونظافته، وتكلمنا بالألغاز وخفضنا الصوت لكي لا نُسمع.. لكن عبثًا، كان هو أكثر العسكريين تقييدًا والآخرون كذلك سجناء ولكنهم مراقبون بشكل أقل، للعلم تعرض رياض الأسعد لمحاولات اغتيال كثيرة داخل المخيم، ولكننا كنا قد أعددنا جهاز تواصل سري معه؛ كان يختبئ ليحدثنا منه، كانت له شخصيتان، وأحيانا يتم تهريبه ويعود إلى تركيا مجددًا في محاولة لكسر الحصار. تركيا كانت تريد أن تسيطر عليهم وتجعلهم ورقة بيدها، ولكن في ذات الوقت عندما اتخذ قرار بأفغنة سوريا تم إعطاء القرار لترك الحدود لتركيا معتبرًا هذا كله قرارًا دوليًا مشتركًا».

وتتابع الأتاسي: «البذات العسكرية السورية نزعت عن حماة الديار وها هم أمامي يتجولون بجلاليب بيضاء وكاسات شاي واليأس بادٍ على وجوههم والوساطات الوحيدة لتحركاتهم وتعاملهم مع الحراس الأتراك هم الإخوان المسلمون. بدا لي الوضع مأساويًا وحزينًا؛ ما هذا الجيش الحر السجين بتركيا؟»، مضيفة «الخلافات بين المنشقين كانت كثيرة؛ قطر وكلت عشائر تابعة لها بقيادة ماهر النعيمي، ومن جهته مصطفى الشيخ كان يريد القيادة؛ لأنه يرى أنه الأولى بالقيادة لأنه الأعلى رتبة بين المنشقين وانقسم المخيم لقسمين قسم يؤيد رياض الأسعد وقسم يؤيد مصطفى الشيخ أما ماهر النعيمي فكان يشعل نار الخلافات بينهما.. المجلس الوطني آنذاك لعب دورًا أيضًا لتسعير الخلافات».



ممنوعون من التحرك




وتشير قائلة: «المنشقون مجردون من الباسبورات وممنوعون من التحرك، هم في إقامة جبرية واضحة. كل هذا وهناك طريقة ممنهجة لإذلالهم.. لم يكن لهم حساب بنكي بل كان لأحد المفوضين من قبل الإخوان الذين يدعمون من يرضون عنه، والقيادة السياسية في رأي تركيا مضمونة عبر جماعة الإخوان، شاء من شاء وأبى من أبى. الضباط هنا شعروا بالغبن: لماذا طالبتمونا بالانشقاق،إن كنتم تريدون تكوين كتائب غير محترفة وفي أحيان كثيرة يقودها أصحاب سوابق ومحتالون؟ هل انشققنا عن جيش النظام الدموي؟ لنشرب شايًا بالمخيم ونهيم جوعانين دون أوراق ثبوتية؟ أهكذا يعامل حماة الديار والجيش المحترف يا سياسيي المجلس؟ أهكذا يحترم السوري جيشه؟»، لافتة إلى أن «هؤلاء المنشقين كانوا أصحاب مناصب ضحوا وتركوا كل شيء ليس ليغتنوا، واستغنوا عن كل مميزاتهم عن قناعة بأن هناك ثورة تنتظرهم كمصر وتونس، إلا أنه تدريجيًا تحولت الثورة السلمية لكتائب إسلامية يسودها التطرف والغلو وتم تهميش الجيش الحر الذي وجد نفسه خارج العمل».
وتختم حديثها مع «المجلة» كاشفة عن أنها استقالت في نهاية 2012. وفي ذات الوقت «استشهد» ابن قائد الجيش الحر رياض الأسعد، وبعدها بعام تعرض لحادث السيارة الذي فقد فيه ساقيه، عندها فقط أفرجوا عنه فجأة وسمحوا له بالخروج ومنح جواز السفر!.



[inset_right]• مخيم أبايدن شديد الحراسة في جنوب تركيا، يضم جنرالات وعسكريين وشرطيين سوريين معارضين مع عوائلهم[/inset_right]



العميد مصطفى الشيخ، رئيس فرع الكيمياء وضابط أمن المنطقة الشمالية في سوريا سابقًا، صاحب الرتبة العسكرية الأعلى الذي أعلن انشقاقه عن الجيش السوري، منذ بدء الثورة السورية 2011، وعمل فور انشقاقه على تأسيس المجلس العسكري الأعلى، كما تعتبر عائلته من العائلات القليلة التي شهدت في صفوفها انشقاق أكثر من ثلاثة ضباط من بينهم أخوه وابن أخيه.

بعد شهر على انشقاقه رسميًا، أعلن العميد الركن مصطفى أحمد الشيخ، عن إنشائه «المجلس العسكري السوري الثوري الأعلى» الذي تولى رئاسته ليكون بمثابة «هيكل تنظيمي» للمنشقين، وعين الرائد المظلي المنشق ماهر النعيمي ناطقًا رسميًا باسم المجلس. استقال الشيخ وهو الآن لاجئ في السويد بعد أن اضطرته قسوة الحياة إلى أن يستعين بأحد المهربين ويركب قوارب الموت لترسوا به على أحد الشواطئ الأوروبية، يعتاش على راتب السوسيال.
يحمّل الشيخ في حديث لـ«المجلة»، الإخوان المسلمين مسؤولية إفشال المنظومة العسكرية للثورة، ويقول: «إن الثورة كانت منذ بدايتها الأولى ثورة مدنية بكل المعايير، ثم انتهج النظام سياسة القمع والبدء بتحويلها إلى صراع مسلح لاعتقاده أن الجيش والأمن قادران على إنهائها وبسهولة، ثم ما لبثت الثورة أن تم التسلق عليها من الإخوان المسلمين وبكل وضوح وأنا شاهد على ذلك»، مضيفًا: «لقد استطاعوا في أواخر عام 2011 أن يفرقوا صفوفها من خلال الدعم المشروط بالموالاة وإلا التشويه وعدم الدعم، هذا الإسفين الذي فتح باب التطرف على أوسع نطاق، لأن الإخوان المسلمين ركبوا الثورة من خلال اللعب بعواطف البسطاء من السوريين مع إبعاد الوطنيين. وتجلى ذلك في تشكيل المجلس الوطني الذي هيمن عليه الإخوان بصورة واضحة، حتى إن الصابوني له تصريح واضح بأنهم وضعوا الأخ برهان غليون واجهة ليس إلا».
ويكشف قائلاً: «كانت لي اجتماعات مع المجلس آنذاك عندما أسسنا المجالس العسكرية على أسس وطنية، فبدأوا بتشكيل الجسم الموازي لذلك وهو (هيئة حماية المدنيين) وفي اجتماع مع قيادة المجلس الوطني وبحضور أبرزهم قلت لهم سأحارب هذه الهيئة كونها تحمل بذور الانشقاق والأسلمة والتسلق، ثم شكلوا ألوية الدروع التي أثبتت فشلها هي وهيئة حماية المدنيين، هذا الفشل سببه واحد وهو أن الثورة ليست مؤدلجة والشعب خرج بثورة حقوق مدنية صرفة والتي فجرها هم جيل الشباب، ثم استطاع الإخوان من خلال مؤتمر أنطاليا أن يسيطروا على المشهد السياسي برمته، هذه الحالة من الأدلجة للثورة مع إخفاقات ألوية الدروع وهيئة حماية المدنيين أسست إلى الانتقال إلى التطرف ودخوله بشكل شبه مبرر وفق معطيات وسلوك الإخوان وتحكمهم بالثورة».



[inset_left]
• الناطقة السابقة للجيش الحر: تحمست لكل عسكري سوري انشق بعدما رفع زملاؤهم في الجيش النظامي السلاح في وجه أبناء بلدهم وقتلوا متظاهرين واقتحموا حرمة البيوت الآمنة [/inset_left]



ويعبر عن قناعته بأن «الفشل الذي تسبب به الإخوان للمجلس العسكري ومحاربته كانت سببًا أساسيًا في توقف الانشقاقات العسكرية والمدنية، بل كانوا بسلوكهم ينفرون كل من يخطر على باله بالانشقاق، من الجيش ومسؤولي الدولة»، مستدركًا: «ناهيك بعدم ثقة الإخوان المسلمين بضباط الجيش متهمين إياهم بأنهم تربية النظام ومجرد بغاة تائبين لا أحد يتزوجهم، هذا ما قيل للإخوة العسكريين في مخيم اللجوء وأنا كنت شاهدًا على ذلك، إذ من الإنصاف والعدل أن نقول لقد أدى هذا السلوك إلى إفراغ الثورة تمامًا من النخب الوطنية، وتمت ملاحقتهم بالداخل والخارج حتى في لقمة عيشهم، واعتمد الإخوان بذلك نظرية النظام ذاتها وهي الولاء بغض النظر عن الثقافة والوعي، ووضعوا رتبًا صغيرة تتحكم بمقدرات الدعم المقدم للثورة. وهؤلاء الضباط قد وصفتهم بتركيا حينما كنت موجودًا في أحد الاجتماعات الرسمية بأنهم شبيحة ولصوص بامتياز،، حتى استطاعوا أن يهيمنوا على المجالس العسكرية التي قمت بتأسيسها ومعي عدد قليل من الزملاء الضباط».
ويؤكد قائلاً: «منذ ذلك الحين والثورة بحالة تشظٍ واضح وبدأ ظهور الأنماط المتطرفة الأخرى مثل (داعش) وأخواتها وحزب الله وميليشيات أبو الفضل العباس، هذه النتائج ما كان يريدها الشعب السوري على الإطلاق، وما انشققت عن النظام - على الأقل أنا شخصيًا - لأكون بيدقًا بيد الإخوان المسلمين لتهميش وإقصاء مكونات الشعب السوري، فهل الشعب السوري مجبر على أن يكون وفق رغبة تنظيم لا تتجاوز نسبته لدى مكون واحد وهم العرب السنة 3 في المائة فقط؟ وهم من ركب الثورة ولم يفجرها واستغلوا حاجة الناس ليتحكموا بأرواحهم وولاءاتهم، إنه المال السياسي والجموح إلى السلطة ولو تفتت الوطن».



روسيا والجيش الحر




أعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مقابلة مع قناة «روسيا-1» التلفزيونية عن استعداد بلاده لدعم الجيش السوري الحر في مواجهة تنظيم داعش، وأن هناك أملاً في حدوث تقدم بالعملية السياسية في سوريا بالمستقبل المنظور.
فهد المصري أحد مؤسسي الجيش السوري الحر ومنسق مجموعة الإنقاذ الوطني التي تضم عدة مئات من الضباط، كشف لـ«المجلة» عن اجتماعه ومجموعة من العسكريين مع ميخائيل بوغدانوف نائب وزير خارجية الاتحاد الروسي ومبعوث الرئيس الروسي للشرق الأوسط والمكلف بالملف السوري، وقيادات من وزارة الدفاع الروسية في باريس في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2015، وكان محور اللقاء «الجيش السوري الحر».


[caption id="attachment_55253426" align="alignleft" width="289"]لمى الاتاسي لمى الاتاسي[/caption]


يقول فهد المصري إن «الاجتماع ضم أيضًا الجنرال الأميركي المتقاعد بول فاليلي ومستشاره لشؤون الشرق الأوسط ناجي نجار الضابط السابق في المخابرات.. واستهللت اللقاء، بسؤال بوغدانوف: لماذا تستهدفون المدنيين وفصائل الجيش السوري الحر؟ لكن بوغدانوف نفى الأمر مما استدعاني لعرض صورة العقيد عبد الرزاق خنفورة القيادي في الجيش السوري الحر الذي تم استهداف منزله من الطيران الروسي في بلدة الهبيط في ريف إدلب الجنوبي والذي أسفر عن (استشهاد) العقيد خنفورة وعدد من أفراد أسرته وجرح آخرين بإصابات بالغة».
وأكد المصري أن «أي حوار جدي مع القيادة الروسية يتطلب الوقف الفوري لاستهداف المدنيين وفصائل الجيش السوري الحر.. لا يمكن لروسيا أن تحافظ على مصالحها في سوريا ما دامت تقف في خانة العداء للشعب السوري وهذا خطأ تاريخي أن تفقد روسيا علاقاتها مع سوريا والتي عمرها أكثر من 60 سنة أي أن العلاقات الروسية السورية كانت قبل وصول عائلة الأسد للسلطة»، مشددًا: «نحن لا نرحب بوجود المقاتلين العرب والأجانب في سوريا من (حالش) و(داعش) وإخوانهما.. الحرب على التطرف والإرهاب تقتضي بناء جيش وطني سوري على أسس وطنية ومهنية».
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن عن أن الأسد أبلغه أثناء زيارته الأخيرة لموسكو بأنه مستعد للتفاوض مع بعض جماعات المعارضة المسلحة، إذا كانت ملتزمة حقًا بالحوار ومكافحة تنظيم داعش.


بقايا معتدلين




ما الذي تبقى من المعارضة السورية المعتدلة في سوريا؟ يجيب مازن حسون: «نحن ورغم أن انشقاقنا كلفنا الكثير، فهناك من أصيب بجلطة بسبب ما آلت إليه أحواله فلم يقبل الذل وانفجر قلبه، وهناك من عمل في دهان الجدران وغسل الصحون بالمطاعم، وفي أحسن الظروف باع واشترى في الأسواق. وتابع حسون « من قرر الانشقاق عن نظام القتل لن تجبره الظروف أن يكون تابعًا لأي دولة أو جهة.. نحن عسكريون أكاديميون، سنجد يومًا مكانًا نحقق من خلاله أهداف ثورتنا»..
حسون المنشق السابق، ومدير مدرسة اليوم، اختار مدينة صغيرة جميلة طبيعتها رائعة تتوسط المسافة بين العثمانية وغازي عنتاب تدعى مدينة (بهجة) وتعني البستان، يقول: «كانت ابنتي (هدى) تكبر أمامي وصارت في سن الدراسة فأحضرت بعض الكتب والدفاتر لزوجتي لتعلمها وكانت زوجتي تعمل مدرسة سابقًا خلال الحرب الدائرة في حمص وريفها الشمالي، لم أغفل أهمية التعليم، فقمت بافتتاح 12 مركزًا في ريف حمص الشمالي لتعليم الأطفال في مرحلة التعليم اأساسي بجهود شخصية وكان العمل تطوعيًا وسميتها جمعية (نون)..
هنا في تركيا طلبت من مفتي المدينة مكانًا لتعليم الأطفال، فلم يتوفر حينها إﻻ قبو تحت مبنى، فسررت كثيرًا وعزمت على تجهيزه ليناسب العملية التدريسية، بعدها نقلنا إلى مدرسة تركية وأعطونا صفين وكانت زوجتي تدرس الأطفال حتى الصف الثالث وأنا من الرابع وحتى السادس الابتدائي، وهكذا حتى نهاية العام الدراسي. وبعد جهد كبير حصلت على ستة صفوف في مدرسة داخلية بعيدة على أطراف المدينة كانت مخصصة للتعليم الصيفي فقط (للنشاط الصيفي) أي أنها غير مشغولة شتاء، عندها قمت بالتواصل مع الأصدقاء لتأمين كادر تدريسي. كان العمل تطوعيًا لم نتقاض أي شيء، بالمقابل ركزنا على النشاط إخراج الطلاب من العزلة. تلقيت دورة في اليونيسيف لأساليب إزالة الآثار النفسية للحرب عند الأطفال وهكذا نجحت في إنشاء مدرسة نموذجية دون أجر لتعليم الأطفال السوريين دون تمييز».


font change