السيرة الذاتية لدايفيد كاميرون، زعيم حزب المحافظين البريطاني

السيرة الذاتية لدايفيد كاميرون، زعيم حزب المحافظين البريطاني


منذ عام 2005 ظل دايفيد كاميرون تنظر إليه في وسائل الإعلام والساسة البارزين، على أنه رئيس وزراء بريطانيا المنتظر. وإذ لم يتجاوز بعد الثانية والأربعين، فقد بدا كاميرون وكأنه معجزة في عالم السياسة ونسب إليه ما تم إحرازه من نجاح في إظهار حزب المحافظين الذي يرأسه في ثوب جديد. ومع ذلك، ليس كل البريطانيين يعتقدون أن لديه من الخبرة ما يمكنه من أن يصبح رئيساً للوزراء. والطريقة التي ينظر بها إلى شخصيته تتراوح بين إعتباره شخصاً مهموماً بهموم وطنه والنظر إليه على أنه مغتر بنفسه، بعد أن صرح في يومه الثالث كعضو في البرلمان لرئيس الوزراء في ذلك الوقت توني بلير قائلا : " لقد كنت أنت المستقبل يوماً ما". وكتقييم متشائم لحالة السخط التي يعاني منها المواطن البريطاني، يبدو أن كاميرون قد كرس جانباً كبيراً من حياته السياسية داخل حزب المحافظين لسعيه إلى أن يصبح هو مستقبل البلد ولاقتراح حلول لجبر ما يسميه " بريطانيا المنكسرة". والآن وبعد تضاؤل التأييد لجوردون براون، حيث صار يواجه أزمة تلو الأخرى، يبدو حزب المحافظين في مركز لا يقهر.


وقد أظهرت استطلاعات الرأي أن المناخ السياسي في بريطانيا أصبح مؤهلاً للترحيب بكاميرون كرئيس وزراء بريطاني جديد. ومع ذلك، فبعد أن قضى السنوات الأربع الأخيرة تحت الأضواء، يحق لنا أن نتساءل: كيف أثرت هذه الدعاية على فرص النجاح المتاحة أمامه؟ ووفقاً للتكهنات، فبالرغم مما شهدته شعبية حزب المحافظين من تحسن، يمثل التفكير في اختياره لمنصب رئيس الوزراء على مدى أربع سنوات بعض التحديات التي قد تعوق إنتخابه. وبالفعل قد أصبح كاميرون واجهة حزب المحافظين، إلا أن هذا قد يؤثر عليه سلباً، نظراً لأن الأخطاء التي وقع فيها الحزب قد أدت أيضاً إلى تشويه صورته السياسية. والميزة التي يتمتع بها الساسة في جبهة المعارضة هي أنهم يتم الحكم عليهم بشكل مطرد على أساس وعودهم وليس على أساس ما حققه حزبهم من نجاح سابق أو ما مُني به من إخفاق. وبإعتباره صورة حزب المحافظين الجديد، فربما يكون كاميرون قد فقد هذه الميزة.


والسؤال الذي يبقى ليس ما إذا كانت بريطانيا مستعدة لتقبل كاميرون كرئيس للوزراء، ولكن هل هي ترى نهجه في إصلاح سياسات المحافظين على أنه السبيل إلى إحراز تقدم؟


وبالرجوع إلى تلك الأيام التي كان فيها كاميرون طالباً يدرس الفلسفة والسياسة والإقتصاد في أكسفورد، يبدو لنا جلياً أنه كان مقدراً له أن يحقق نجاحاً في مجال السياسة. فمعلمه في أكسفورد بروفسير فيرنون بوجنادور وصفه بأنه أحد الطلاب القديرين الذين قام بتعليمهم وبأن لديه أفكاراً معتدلة ومنطقية ومحافظة. ومع ذلك، فإن الإنجازات الحديثة لدايفيد كاميرون في مجال السياسة تشير أكثر إلى قدرته على تقدير إهتمام الناخبين في بريطانيا. وبالرغم من وجود جدل حول مدى "انكسار" بريطانيا، وهو التعبير الذي استخدمه كاميرون، استطاع أن يستغل المخاوف المنتشرة من تزايد الفقر واتساع نطاق الخدمات العامة بشكل مبالغ فيه وزيادة العنف.


ومن ثم تركز سياسات كاميرون على تحسين الحراك الإجتماعي في بريطانيا. وبإعتباره محافظاً، يحبذ الحكومة الصغيرة ويدافع عن الأسلوب المقيد للإنفاق العام. وقد ذكر كاميرون أن أولوياته السياسية تشمل الدعم الاجتماعي والتعليم والأسرة. "فإذا كنت تريد أن تصلح مجتمعاً مكسوراً، فتلك هي الأشياء التي ينبغي عليك أن تركز عليها".


ومع ذلك، واجه كاميرون ضغوطاً كثيرة كي يصنف فلسفته السياسية في صورة عقيدة سياسية من أي نوع، لكنه بدلاً من ذلك صرح بأن الجوانب العملية هي الموجه له عند صنع قراراته. ومع ذلك فإن تركيزه على مشكلات الطبقة الوسطى جعلت سياسته موضع مقارنة بسياسات مارجريت ثاتشر. فأسلوب كاميرون في توجيه الإصلاح السياسي نحو ما ينفع الطبقة العاملة يتبع مساراً مثيراً في السياسة البريطانية. ففي حين ظل المحافظون يمثلون الحزب الذي يتمتع بالكثير من الامتيازات، وظل قادة حزب العمل أبطال الطبقة العاملة، فإن الإتجاه المحافظ لدى ثاتشر شهد تحولاً جذرياً وأخذ يستميل ناخبي الطبقة العامة. وكان بلير يحرص على الاستجابة لمصالح الطبقة الوسطى وفاز بثلاث فترات شغل فيها منصب زعيم حزب العمل الجديد في ظل هذه السياسات. ولذلك بدلاً من اعتبار الاتجاه المحافظ لدى كاميرون متأثراً في طبيعته بثاتشر، تشير سياساته إلى ضرورة الاهتمام بمصالح الطبقة العاملة بالنسبة لجميع الأحزاب. كما أن وعي كاميرون بمصالح الناخبين البريطانيين وقدرته على ضبط إستراتيجيته السياسية بناءاً على ذلك يسلط الضوء على برجماتيته أكثر من ميله إلى اتباع اتجاهات جديدة تظهر في الحزب المحافظ.      


وقد أثارت المناقشات حول فهم كاميرون لما تحتاجه بريطانيا اهتماماً أيضاً بما يشكل فكره السياسي. وربما يعكس توجهه العملي فترة شبابه أو عدم خبرته نسبياً في السياسة. وقد تفسر خلفيته في مجال الأعمال كمدير شؤون شركة كارلتون للاتصالات توجهه غير التقليدي داخل حزب المحافظين، وخاصة المنهج العملي الذي يميز رجال الأعمال الرواد الذين يقيسون النجاح بمعايير الكفاءات والإنجازات.


وفي كلتا الحالتين، وعلى الأرجح نتيجة لجميع هذه العوامل، استطاع كاميرون تنمية قاعدة متزايدة من الدعم لحزب المحافظين بتقديم سياسات كانت خارج نطاق تفويضه التقليدي، وأحياناً خارج نطاقه الشخصي.


في عام 2003 على سبيل المثال، عارض كاميرون إلغاء تشريع عام 1988 الذي يحظر على السلطات المحلية والمدارس "الترويج" للشذوذ الجنسي، ودفع بأن موقفه الأصلي كان مخطئاً. ويشير أيضا دايفيد ديفيز، عضو حزب المحافظين في البرلمان، أن كاميرون سوف يتحدث عن "نزع السم من الحزب"، حيث أنه كان يرى ذلك المهمة الأولى. ووفقاً لتقييم ديفيز، كان فهم كاميرون لحالة الحزب صحيحاً، وهذا ما سمح للحزب بالدعاية لنفسه في أعين الناخبين.


ويدعم نجاح هذا التكتيك، إذا جاز لنا أن نسمي السياسة الذرائعية تكتيكاً، استطلاعات الرأي التي تقيم دوماً تفضيل الناخبين لحزب المحافظين على حزب العمال. وشهدت زعامة كاميرون في بدايتها تفوق حزب المحافظين في استطلاعات الرأي على حزب العمال بزعامة توني بلير للمرة الأولى منذ أكثر من عشر سنوات. ورغم أن حزب المحافظين تخلف عن حزب العمال بعد حلول جوردون براون بدلاً من بلير، فإن مكانة حزب المحافظين تحت قيادة كاميرون قد ارتفعت في استطلاعات الرأي، وظل متقدماً على حزب العمال باستمرار.


 إلا أن ظهور كاميرون تحت الأضواء خلال السنوات الأربع الماضية كرئيس وزراء منتظر، قد دفع الكثيرين للتساؤل حول ما إذا كانت نجاحاته الماضية قد أعلت كثيراً من قدره.


فهل يؤثر هذا القدر الكبير من الاهتمام سلباً على انتخابه؟ وبعبارة أخرى، هل اقتنعت بريطانيا بأن هذه النوعية من التوجه المحافظ هي التي تحتاجها اليوم؟ وأشارت جريدة الجارديان إلى أن "زعيم المحافظين يعرف أكثر من غيره أنه لا يزال أمامه الكثير من الأمور العالقة التي يتعين عليه القيام بها قبل أن يجتاز خط النهاية". وبعبارة أخرى، قد يكلفه ارتكاب خطأ واحد خسارة الانتخابات. "ورغم أي شيء آخر يمكن قوله عن جوردون براون، فهو قوي التحمل، وعلى المدى الطويل يفوز حزبه بشكل يفوق منافسه عدة مرات".


 ومن الواضح أن المنافسة على انتخاب رئيس الوزراء لم تنته بعد. ومع ذلك، ثمة مثال على قوة حزب المحافظين، والتي كانت مثاراً للمزيد من الاهتمام في الآونة الأخيرة، يتعلق بميزانيتي الحزبين المتنافسين.


ويشير هذا المثال إلى أن بريطانيا، كنتيجة للأزمة الاقتصادية، تميل أكثر إلى الثقة في زعيم حزب المحافظين والذي وعد الدولة بتحقيق مزايا للطبقة المتوسطة وجعل القيود المالية فوق كل شيء. وأظهر استطلاعان للرأي على الأقل، في جريدتى الجارديان والديلي تلجراف الآن، إلى أن الاتجاه نحو الاستثمار من جانب حزب العمال بزعامة جوردون براون في مقابل توجه التخفيضات من جانب حزب المحافظين هو رسالة يبدو محكوماً عليها بالفشل لأن الناخبين يفضلون التخفيضات.


ولهذا فإن حجم الدين العام الذي تكشف، يقدم لحزب المحافظين، ولكاميرون على وجه الخصوص، فرصة سياسية كبيرة وهى القدرة على ربط أرقام الدين ببراون ودارلنج.


 كما تمكن كاميرون أيضاً من استغلال متاعب حزب العمل مع العراق سياسياً، وكذلك الفضيحة الأخيرة لنفقات النواب. ورغم أنه ليس من الإنصاف القول بأن كل النجاحات الأخيرة لحزب المحافظين يمكن تفسيرها فقط في إطار زلات حزب العمال وصراعه الداخلي، فإنه وفقاً لما ذكرته مجلة تايم "أمر جوهري في السياسة البريطانية أن تخسر الحكومات الانتخابات؛ ولا تفوز بها المعارضة".


وإذا صح مقال مجلة التايم فإن إستراتيجية كاميرون السياسية تعكس فهماً ذكياً لحالة الاستياء الحالية في بريطانيا. ويبدو أن مفهوم التيار المحافظ التقدمي، أو السعي وراء أهداف تقدمية عبر وسائل المحافظين كأنه حل مناسب للمشاكل التي تعانى منها الحكومة اليوم. وقد عرف كاميرون علناً هذه المشاكل بأنها نتائج حتمية تأتى من حرمان الفرد والمجتمع من الحكم وإعطائه إلى نخبة سياسية وبيروقراطية.


وعلى هذا يكون موقف كاميرون: "إن السياسات الجديدة التي تحتاجها بريطانيا ينبغي أن تكون إعادة توزيع السلطة بشكل واسع وشامل وجذري ويتدفق من الدولة إلى المواطنين، ومن الحكومة إلى البرلمان، ومن مقر الحكومة إلى المجتمعات، ومن الاتحاد الأوروبي إلى بريطانيا، ومن القضاة إلى الشعب، ومن البيروقراطية إلى الديمقراطية".


ولهذا فإن الحجة الرئيسية وراء توجه كاميرون المحافظ هي أن المشاكل التي تواجهها بريطانيا اليوم هي نتيجة تضخم حجم الحكومة لدرجة أنها لا تسيطر على نفسها. وبعبارة أخرى، فإن الحكومة الحالية هي المشكلة. وتتجاوب أصداء الأزمة الاقتصادية وفضيحة النفقات الأخيرة مع هذه الرسالة. وحيث إن أغلبية شعب بريطانيا غير راضٍ عن الطريقة التي تم التعامل بها مع الأزمتين، وعن سبب حدوثهما في المقام الأول، فيبدو أن حل كاميرون مقدر له النجاح رغم طول الفترة التي ظل فيها تحت تركيز وسائل الإعلام. وعندما تقع الحكومة في مشكلة، تكون الأولوية الأساسية لحزب المعارضة هي تجنب عدم انتخابه. ويرى كيلنر، رئيس إحدى مؤسسات استطلاعات الرأي، أن ما حققه كاميرون هو إمكانية نجاح حزب المحافظين في الإنتخابات.

font change