إسلاميو الجزائر أمام امتحان تجاوز خلافاتهم القديمة

إسلاميو الجزائر أمام امتحان تجاوز خلافاتهم القديمة

سنوات طويلة من الانشقاق و التصدع تحت وطأة فكرة الزعامة و الخلافات الشخصية و الآيديولوجية



[caption id="attachment_55256926" align="aligncenter" width="1949"]منارة جامع كتشاوة التاريخي بالعاصمة الجزائرية. (غيتي) منارة جامع كتشاوة التاريخي بالعاصمة الجزائرية. (غيتي)[/caption]

الجزائر: ياسين أبودهان

مع اكتمال مشهد اندماج وتحالف الإسلاميين بالجزائر، ثمة تساؤلات مطروحة في المشهد السياسي بالبلاد بشأن أهمية ودوافع هذه التحالفات وعمليات الاندماج، بعد صراع واستقطاب مرير دام لسنوات طويلة بين أبناء المنتسبين لتيار الإسلام السياسي، خاصة أن هذا الأمر يأتي قبل أشهر من تنظيم الانتخابات البرلمانية.
فبعد سنوات طويلة من الانشقاق والتصدع، تحت وطأة فكرة الزعامة والخلافات الشخصية والآيديولوجية، والمواقف المتباينة بشأن المشاركة في الحكومة، والصراع على المناصب الوزارية ومقاعد البرلمان التي تمنح لهذه الأحزاب ضمن سياسة الكوتة أو الحصة، أعلنت مؤخرا كل من «حركة مجتمع السلم» و«جبهة التغيير» التي انشقت عن الحركة قبل خمس سنوات من الآن عن عملية اندماج يتحول من خلالها الحزبان إلى حزب وحد، وفق خريطة طريق تتضمن معالم وتفاصيل مسار يدوم ست سنوات.

كما أعلنت كل من «حركة النهضة» و«جبهة العدالة والتنمية» عن الاندماج والعودة إلى وضع ما قبل 1999 تاريخ انشقاق حركة النهضة، وبروز حزبين جديدين عنها هما «حركة الإصلاح» و«جبهة العدالة والتنمية».

ورغم هذا المشهد فإن مشاريع الوحدة لم تكتمل، فحركة مجتمع السلم هي أمام خيار استعادة كتلة تضم الكثير من القيادات السابقة تكتلت في حركة البناء الوطني التي فضلت التحالف مع حركة النهضة وجبهة العدالة والتنمية، في حين يبقى أمام هذا التكتل أيضا استرجاع واحتواء أبناء حركة الإصلاح الوطني.

وعن أسباب عدم تحالف البناء مع حركة مجتمع السلم كشف أمين عام حركة البناء الوطني أحمد الدان في حديثه لـ«المجلة» أن «حركة متجمع السلم رفضت التحالف المركزي وإحالة الموضوع على القواعد النضالية في الولايات (المحافظات)»، وأضاف أن «تحالف حزبه مع النهضة وجبهة العدالة سياسي، استراتيجي، وحدوي، الجانب السياسي يتعلق بالرؤية السياسية والبرنامج السياسي والانتخابات التشريعية والمحلية هي جزء من التحالف السياسي، والجانب الاستراتيجي يتعلق برؤية العلاقات المستقبلية وترقية الفعل الديمقراطي، والدور الشعبي في الفعل السياسي ورؤية ترشيد الحكم مستقبلا والملفات المتعلقة بالأمة مثل فلسطين والمعادلات الدولية، وأما الجانب الوحدوي فيتعلق بالهياكل الناظمة لهذا التحالف والتي تبدأ دراستها بعد التشريعيات».

وبالعودة إلى تاريخ الانشقاقات والتصدعات، قد برزت بذورها في أحد أكبر الأحزاب الإسلامية وهي «حركة مجتمع السلم» بدأت في البروز عام 1999 تاريخ بداية الولاية الأولى للرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، حيث أثار موقف الحركة التي أقصي حينها رئيسها محفوظ نحناح من الترشح للرئاسيات بمساندة مرشح السلطة آنذاك بوتفليقة حالة من الغليان والتذمر وسط القواعد النضالية وبعض القيادات التي لم تتقبل هذا الموقف.

ودائما ما كانت الانتخابات السبب الأبرز والمناسبة التي تخرج الصراعات داخل خذه الأحزاب للعلن، وقد تسبب موقف الحركة الداعم لبوتفليقة في رئاسيات 2009 موجة غضب داخل قواعد حزبه، حيث برز صراع علني بينه وبين نائبه عبد المجيد مناصرة انتهت بقرار مناصرة مغادرة الحزب بعد تزكية سلطاني كرئيس حزب لولاية ثانية، وتشكيل حزب جديد تحت اسم حركة الدعوة والتغيير لتتحول بعد ذلك إلى جبهة التغيير.

مغادرة مناصرة لحركة مجتمع السلم كانت القطرة التي أفاضت الكأس وفتحت المجال لانشقاقات أخرى مستقبلا، حيث أعلن القيادي عمار غول عام 2012 مغادرته للحركة وإعلانه تأسيس «حزب تجمع أمل الجزائر»، كما أعلنت قيادات أخرى انشقاقها والتموقع في حزب جديد أطلق عليه اسم «حركة البناء الوطني» في مارس 2013.

[caption id="attachment_55256927" align="aligncenter" width="940"] البرلمان الجزائري في إحدى الجلسات التي حضرها رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال. (غيتي) البرلمان الجزائري في إحدى الجلسات التي حضرها رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال. (غيتي)[/caption]

وبالنسبة لحركة النهضة (تأسست عام 1989 تحت اسم حركة النهضة الإسلامية) فقد مزقتها الانقسامات منذ بعد حرب داخلية بين القيادي لحبيب آدمي ورئيس الحركة عبد الله جاب الله حول مسألة المشاركة في الحكومة، حينها قرر جاب الله مقاطعة رئاسيات 1995 التي أوصلت الرئيس الأسبق اليامين رزوال لكرسي الرئاسة، كما رفض المشاركة في تحالف حكومي عام 1997، وهو الموقف الذي أطاح به عام 1997 ليتولى غريمه لحبيب آدمي رئاسة النهضة وفتح قنوات اتصال مع السلطة.

وبالمقابل أسس جاب الله حزبا إسلاميا جديدا تحت اسم حركة الإصلاح، لكنه لم يدم طويلا في رئاسته حيث تمت الإطاحة به، وعيّن جهيد يونسي خلفا له، لينشئ بعد ذلك جاب الله حزبا جديدا حمل اسم جبهة العدالة والتنمية في الـ10 من فبراير (شباط) 2012.

ويجمع مراقبون على أن عودة الود بين أبناء أسرة الإسلام السياسي بالجزائر ليست خيارا استراتيجيا بقدر ما هو مصلحة انتخابية بامتياز، لمواجهة احتمالات السقوط في أقرب موعد انتخابي قادم، وهو الانتخابات البرلمانية المقررة قبل العاشر من نيسان القادم، كما يشكك البعض في قدرة هذه الأحزاب على تجاوز الخلافات والمشكلات التي عصفت بهذه الأحزاب على مدار العقدين الأخيرين.

وانتقد دكتور العلوم السياسية والأستاذ بجامعة المسيلة محمد بوضياف تسرع البعض في الحكم على مشاريع الاتحاد (الاندماج) التي يتباهى بها إسلاميو الجزائر، ويصورونها على أنها استفاقة وتدارك لواجبات تمليها مسؤولية قيادة المجتمع نحو أصوله الحضارية، وتماهي مع مبادئ المشروع الإسلامي الواعد، والتي طالما تشبثت به الطبقة الوسطى في الجزائر، وكذلك الطبقة المحرومة المتطلعة إلى عيش كريم بعيدا عن الاضطرابات واللايقين، الصورة الوردية التي يسوقها هؤلاء من هذا الطرف أو ذاك لا تعد أن تكون برأيه سوى «سلوكا غرزيا، دفاعيا يصدر عن كل الكائنات الحية حين تشعر بالخوف والتهديد»، وقد يستغل في تقديره «النظام العارف بشؤون هذه التنظيمات من حيث إدراكاتها ومن حيث إمكاناتها وحتى من حيث نفسياتها وطبائعها وتفاصيل العلاقات بينها، لحظة الهلع هاته ليهندس المشهد بكل راحة».

وبرأيه فإن مساعي الاندماج ليست سهلة بالمرة خاصة مع وجود حزازات نفسية بين قادة المشاريع الاندماجية، فالذي عجز يقول لـ«المجلة» عن «التعاون وغض الطرف داخل تنظيم واحد كيف له أن يتنازل عن امتياز قيادته للتنظيم في حد ذاته»، كما أوضح أن «الاندماج يتطلب هيئات فوق تنظيمية تدير المسار، ووضوح المصالح المادية والمعنوية لقيادات الكيانات المندمجة، بالإضافة إلى تفاوض مؤسس على مساومات شخصية قد تغري بعض من يتذمر منه مناضلوه ويعجز عن فتح آفاق للعمل والتمكين للمشروع»، وقد يتطلب نجاح التجربتين برأيه «الدخول في مسارات تمهيدية تكاملية تفتح الأبواب أمام القرار الاندماجي».

واعتبر أن السلطة التي تحاول التطبيع مع جماعة الإخوان المسلمين «الأحزاب السابقة تحسب على جماعة الإخوان لاعتبارات بعضها استراتيجي وبعضها الآخر إقليمي، تدرك أن التأهيل الانتخابي للاتحاد الجديد سيمنحها وقتا كافيا لاستعادة أنفاسها في مواجهة معارضة بدأت تتشكل أنيابها وتتمرس على الفعل السياسي الموجع (حالة حركة مجتمع السلم)، تتقاطع مع طموحات ممزوجة بالذاتية، وفرض الذات من بعض قيادات الاتحاد، ورهانات قيادة التيار الإسلامي واستيعاب مكوناته المجهرية (العدالة والنهضة) والتي تفتقد إلى الرؤية والأفق، وتفتقد كذلك إلى الإمكانات البشرية والمادية»، وهي بذلك، يقول بوضياف: «تهرول إلى الانضواء تحت أي ستار خوفا من المواجهة والتنافس، بالإضافة إلى مشاكلها الداخلية فقد تابع الجميع حيثيات مؤتمرات هذه الأحزاب والنزعة التسلطية التي طبعتها».

وبناء على ما سبق ذكره فقد توقع للمشروعين الفشل، خاصة مع وجود خلفيات صراعية بين من يقود، بالإضافة إلى أن «الإخوان المسلمين برأيه والممثلة في حركة البناء المنشقة عن حركة مجتمع السلم لن تتمكن من المساس بالمنهج التنظيمي المتمايز، اللهم إلا إذا انضوى أفراد النهضة والعدالة في التنظيم والتسليم لها فرادى، أي حل تشكيلاتهم السياسية»، أما فيما يخص حمس والتغيير فقد يكون الأمر أسهل برأيه لو «استطاع الطرفان فرز قيادات مشتركة تقود مسار الاندماج فلهما سابقة في العمل مع بعض».

بالمقابل يعتقد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر عبد العالي رزاقي أن ثمة دوافع كثيرة تدفع بالإسلاميين إلى الذهاب لمشاريع التكتل والاندماج، أهمها قانون الانتخابات الذي يجبر الأحزاب الصغيرة والتي لا تمتلك نسبة 5 في المائة في المجالس المنتخبة بضرورة جمع التوقيعات لدخول الانتخابات، وهذا الأمر يشكل مشكلة بالنسبة للبعض منها، لذلك هي مجبرة على التحالف والاندماج لضمان ترشح أفرادها، وضمان تسجيل حضورها في المشهد السياسي.

[caption id="attachment_55256928" align="aligncenter" width="940"]رئيس جبهة العدالة و التنمية عبدالله جاب الله في مقر الحزب الإسلامي في عاصمة الجزائر. (غيتي) رئيس جبهة العدالة و التنمية عبدالله جاب الله في مقر الحزب الإسلامي في عاصمة الجزائر. (غيتي)[/caption]

ويضيف رزاقي في حديثه لـ«المجلة» قائلا بأن «تجارب الإسلام السياسي في الكويت والأردن والمغرب شجعت الإسلاميين في الجزائر، في محاولة منهم لتكرار واستنساخ التجربة بالجزائر».

وقلل رزاقي من أهمية هذه التكتلات، ومدى قدرتها على تشكيل خريطة سياسية جديدة بالبلاد، وأوضح أن «الوعاء الانتخابي للإسلاميين ثابت ولا يتغير، وهو لا يتجاوز 25 في المائة من الوعاء الانتخابي العام»، واعتبر أن «فرص عودة هؤلاء للمشاركة في الحكومة منعدمة، لأن الوضع الآن متغير، وللرئيس وحده دستوريا صلاحيات تعيين أعضاء الطاقم الحكومة ولا تشكل الأغلبية النابية أي تأثير يذكر».

وتوقع رزاقي بروز تكتل يساري بين حزب العمال الذي تقوده التروتسكية لوزيرة حنون وبين حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية.
بالمقابل يعتقد الكاتب والإعلامي عثمان لحياني أن الإخفاقات السياسية المؤلمة للإسلاميين في الجزائر وتقلص حضورهم في المشهد كان أكبر دافع لمراجعة مساء التفتت الذي نخر الجسم السياسي للإسلاميين، وأضاف قائلا لـ«المجلة» إن «الوقت والفترة الفاصلة بين فترة التشتت والوقت الراهن، أسهم في مداواة الآثار والقضاء على مسببات الخلافات بين هذه الأحزاب».

كما يعتقد أن «إخفاق السلطة في الوفاء بالتزامات الشراكة السياسية وإشراك الإسلاميين في الحكم، واستمرارها في الانفراد بصناعة القرار والتوجهات الكبرى، هو أحد الدوافع لهذه الوحدة»، لكنه شدد بالمقابل على أن «الأحزاب التي كانت ضحية لانشقاقات بسبب خيار الشراكة مع السلطة اكتشفت أن هذا الخيار خاطئ بالمرة».
font change