الإسلام السياسي ملة واحد

من إيران للإخوان وحماس... كشاف المراحل الضبابية

الإسلام السياسي ملة واحد


[caption id="attachment_55260736" align="aligncenter" width="2226"]رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية خلال زيارة سابقة إلى إيران رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية خلال زيارة سابقة إلى إيران[/caption]

دبي – عمر البشير الترابي

* علاقات إيران بالإخوان ممتدة، فحركة فدائيي الإسلام الإرهابية يقول بعض الباحثين الإيرانيين إنها مستوحاة من جماعة الإخوان.
* الخلاف بين الجناحين، العسكري والسياسي لحماس يتسع، كحال الانقسامات الداخلية في الإخوان، وقد تستغل إيران هذا الخلاف للمراوغات السياسية.
* يوافق التصوّر الإيراني لمكافحة الإرهاب التصوّر الإخواني، وهما يلقيان باللائمة كليًا على التيار السلفي، ويودان تأكيد براءة حال الإسلام الآخر.
* بقدر ما تتقارب إيران مع دولةٍ ما بقدر ما يضعف اهتمام إيران بالمعارضة في تلك الدول، وتبعًا لذلك ستقل رغبة إيران بالتقارب مع الإخوان في تلك الدول.
* وما أن أفكار حسن البنا وسيد قطب ملهمة لنوّاب صفوي وللخميني، فإنّ ثورة الخميني غيّرت من تفكير الإخوان المعاصرين.


يقدم دارسو العلاقة بين إيران والإخوان خلاصة متكررة، يمكن إيجازها في التصريح بأنّ الحركة الإسلاميّة السياسية في العصر الحديث، العالميّة، أسسها البنا (ت1949) والمودودي (ت1979) وسيد قطب (1966) والخميني (ت1989)، وإذا نظرنا لتنظيرات البنا السطحية بموضوعية، يمكن أن نعتبر المودودي أول مفكر نظري قدم تأصيلاً فكريًا لآيديولوجيا الحركة الإسلامية الجديدة، وتنسب إليه بذرة الحاكمية الأولى، وهي البذرة التي انسربت عصارتها إلى فكر «تنظيمات» الإخوان عبر سيد قطب، الذي طوّرها وجعلها في الإطار التنظيمي وقدّم طروحاته الكبرى التي تقدّم الطليعة لإقامة الدولة والمجتمع المبني على فكرة الحاكمية لله، وتأثر الخميني بها، في كتابه «الحكومة الإسلامية» ورأى أن الولي الفقيه هو من يطبقها. وبمحاذاة هذا نمت علاقة تنظيمية تظهر للعلن وتستتر، وفقًا للظروف السياسية. وكأي علاقة استراتيجية، يتغيّر التعاطي السياسي مع الأمر، ففي زمان الأزمات يلجأ الطرفان إلى الإطار الثقافي، وفي كل وقتٍ ما يناسبه.

[caption id="attachment_55260737" align="aligncenter" width="4000"]حركة حماس ترفع اعلام الإخوان ومؤسسها البنا حركة حماس ترفع اعلام الإخوان ومؤسسها البنا[/caption]

الانحناء للعاصفة: اتصالات إيران وسنّة لبنان وفلسطين


في بحث بعنوان «إيران والإخوان المسلمون في العالم العربي، أفضل الأعداء»[1] نشرته مجلة «مراجعات الشرق الأوسط للشؤون الخارجية»، كان التركيز على علاقات إيران بفروع الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط. وابتدأ بالحديث عن الخلفية التاريخية والآيدولوجية لهذه العلاقات، مارًا على علاقة إيران بكل من حركة حماس الفلسطينية والجماعة الإسلامية اللبنانية.
استهل البحث بالرؤية الإيرانية لجماعات الإخوان على أنها جماعات صديقة، باعتبار الإخوان يسعون لإقامة حكم إسلامي بحكومة دينية قائمة على أساس جمهوري مستند على انتخابات شرعية. يشير البحث لتشابه الموقف الضبابي لإيران وجماعات الإخوان من الديمقراطية بصيغتها (الغربيّة)، ولكنه يعتبر الشرعية أرضية مشتركة للطرفين، وعلى أساس هذه الخلفية المشتركة، يذكّر بأن جماعة الإخوان المصرية كانت من المناصرين لقيام الثورة الإيرانية، وكما أن إيران مرجعيتها المرشد الأعلى للجمهورية، فكذلك إخوان مصر، مرجعيتهم مرشدهم الأعلى. وتاريخ علاقات إيران بالإخوان تاريخ ممتد، فأول حركة دينية إرهابية في إيران، هي حركة فدائيي الإسلام، بقيادة نواب صفوي، والتي يراها الكاتب مستوحاة وملهمة من جماعة الإخوان المصرية وقائدها سيد قطب.
يذكر البحث وجهة النظر الإيرانية، التي تقول إن الخلاف السني - الشيعي، لا يؤثر على علاقة إيران بجماعة الإخوان، إلا أن هذا الخلاف على أرض الواقع «يُقيّد» إمكانية التعاون بين الطرفين. كما أن النظام الإيراني على علم بدور الصراعات الإقليمية في تعقيد التعاون بينه والإخوان.
يورد البحث كذلك تفصيلاً عن مجرى العلاقات بين إيران وحماس، فيذكر أن هذه العلاقة امتدت عبر السنين بين الحرس الثوري والاستخبارات الإيرانية، مع حركة الجهاد الإسلامي، ومع الجناح العسكري لحماس، حيث عمدت إيران إلى دعم الحركة، عبر تهريب السلاح وتوفير الدعم المادي لها على مر وجودها، وذلك سعيًا لاحتواء هذا الكيان السني إليها.
استمر هذا التقارب بين الطرفين حتى قيام الربيع العربي وبروز الأزمة السورية على السطح، ما وضع قيادة حماس، والتي تتخذ من دمشق الموالية لإيران مقرًا لها، في موقف حرج، بين التعاطف مع الغالبية السنية في ثورتها في وجه نظام الأسد من جهة، واستمرارها في ولاية النظام الشيعي من جهة أخرى، مما دفعها في الأخير للانحياز للجانب السني وهروب القيادات الموجودة في سوريا سرًا نحو قطر وتركيا، ما أدى لانخفاض حاد في حجم المساعدات الإيرانية المقدمة للحركة. ليس هذا فحسب، لكن وضع الحركة ازداد تعقيدًا إثر إسقاط الجيش المصري لنظام الإخوان المصري الذي تولى الحكم إبان الربيع العربي. هنا، باتت حماس في مأزق استراتيجي عسير: إما السعي لإصلاح العلاقات مع إيران، باعتبارها القوة الوحيدة القادرة على دعمها في الصراع مع إسرائيل، وإما التقارب مع السنة في بلاد الخليج، تحديدًا مع السعودية وقطر، وذلك اعتبارًا للعُرى العربية والروابط المشتركة، بيد أنها على دراية بأن السعودية، لو وافقت على دعمها ماليًا، فذلك سيكون لاستخدام المنظمة لخدمة المصالح السعودية في المنطقة[2].
أعلنت الحكومة الإيرانية، في أواخر 2015 عن استمرار دعمها لفصائل المقاومة، بما فيها حماس والجهاد الإسلامي و«حزب الله». ويرى مراقبون أن الدعم الإيراني العسكري لفصائل عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، سيظل متواصلاً، غير أن الإشكالية مع القيادة السياسية للحركة، ممثلة في خالد مشعل الموجود في قطر، وإسماعيل هنية الموجود في غزة، ستظل قائمة. على هذا، فإن الخلاف بين الجناحين، العسكري والسياسي لحماس يظل في اتساع، كما هو حال الانقسامات الداخلية في الفروع المختلفة لجماعات الإخوان في المنطقة، وقد تستغل إيران هذا الخلاف للحصول على مساحة أكبر للمراوغات السياسية.

في وقت الأزمة: إيران تغازل حماس[3]


مقال آخر كتبه Y. Ben Menachem، يؤكد أن إيران، قبل الانتخابات الحمساوية التي جرت قبل سنة كانت قد عاودت «مغازلة» حماس، بعد فترة من توتر العلاقات بعد الحرب في سوريا، بحسب ما نسب لمركز القدس للشؤون العامة. يقول الكاتب إن إيران عمدت لمحاولة استمالة الحركة للمعسكر الشيعي بغرض شق الصف السني وتحسين علاقتها مع جماعة الإخوان المسلمين العالمية، خصوصاً مع تركيا، وكذلك الترويج لإمكانية الوصول لحل سياسي في سوريا، تحت مظلة الرعاية الروسية الأميركية. ويشير إلى أن إيران كانت من أوائل من وقف مع حكومة إردوغان إبان محاولة الانقلاب الفاشلة على نظامه، كما سعت إيران لبناء علاقات مع قطر. [4]
بحسب تقرير نشر في صحيفة «السفير» اللبنانية، ذلك الوقت، فقد التقى مسؤول إيراني رفيع بممثل لحماس في لبنان، بتاريخ 2 سبتمبر (أيلول) 2016. وقد حضر اللقاء محمد ماجدي، وهو مستشار رفيع للسفارة الإيرانية في لبنان، وعلي بركة، ممثل حماس في لبنان. وقد أكد ماجدي في اللقاء على أن مساعدات إيران لحماس ومناصرتها للقضية الفلسطينية لن تتوقف. وبحسب مصادر إيرانية، فإن وفدًا من حماس يتهيأ لزيارة قريبة لطهران. حينها وإن كانت إيران تتهيأ أن يكون خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي للحركة، على رأس الوفد الزائر، لكنها تصر على مشاركة الدكتور محمود الزهار في الوفد، وهو قائد وعضو مؤسس للحركة، ويتمادى البعض ليصفه بأنه ممثل لإيران في الجناح السياسي لحماس، وهي حقيقة لا ينكرها أو يحاول إخفاءها الزهار، بل إنه يفتخر بها، حسب وصف بعض التقارير. ويرى الزهار، حسب الكاتب، أن قيادة حماس يجب أن توالي كليًا الجانب الإيراني الشيعي، لأن إيران وحدها، وليس العرب، هي القادرة على دعم الفلسطينيين. وقد وبخ الزهار محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، بشدة، إثر لقاء الأخير بالقيادية في المعارضة الإيرانية، مريم رجوي. وأطلق الزهار على عباس وصف «العميل الغربي»، وهو ذات الوصف الذي درج المسؤولون الإيرانيون على إطلاقه على عباس. مواقف الزهار تعكس المواقف الإيرانية، والتي نتيجة لرفضها معاهدة أوسلو، ترفض المصالحة مع السلطة الفلسطينية، وتدعم محاولات حماس للتوسع في الضفة الغربية.
لا تزال حماس غير واثقة إن كانت خطوتها تجاه إيران ستكون أقل كلفة من بقائها في الوسط بين قطر وخصومها، أو مع قطر ودوائرها، لذلك فلا تزال القنوات المنخفضة التكلفة هي التي تقود كل شيء.

بيان ضفتي الخليج: بين الحقيقة وأخواتها


على خلفية إعدام القيادي الشيعي السعودي نمر باقر النمر، ضمن تنفيذ حكم بالإعدام على 47 مدانًا، من بينهم مصري، وتشادي، وثلاثة من الشيعة السعوديين، في يوم 2 يناير (كانون الثاني) 2016، ظهر التشتت داخل تيارات الإسلام السياسي، حيث أحدث الإعدام، حالة من الصمت في أروقة الجماعة الأم، وجاء رد التنظيم صامتًا، فيما استنكر الشباب، وتضامن معهم كمال الهلباوي، المتحدث السابق باسم التنظيم العالمي للإخوان المسلمين في الغرب، والرئيس المؤسس للرابطة الإسلامية في بريطانيا، الذي هاجم قرار الإعدام، مرجحًا أنه سيزيد من أزمات الأمة الإسلامية. [5]
صدر بيان منسوب للجماعة – وشكك فيه البعض - تضمن مطالبات باسم الجماعة ممن سمتهم الدول على ضفتي الخليج بـ«ضبط النفس، وعدم تصعيد الأمور بين (أبناء القِبلة الواحدة)»، في إشارة إلى الكعبة. وأضاف البيان: «لا نملك حلاً نقدمه لأطراف الأزمة التي جرت وقائعها هذا الأسبوع على ضفتي الخليج، والتي كنا نأمل أن يتم احتواؤها من خلال مسارات أخرى غير تلك التي جرت فيها».
وتابع البيان: «بدلاً من مشاعر الجفاء والنيران المشتعلة على الأرض التي تأكل أواصر وعرى الأخوة الإيمانية، فإننا في جماعة الإخوان نوقن أن فريضة الوقت تقديم العمل لصالح الدين السامي والهوية واستقرار الأوطان على كل ما عداه».[6]

شباب الإخوان... لا يعبرون عن الجماعة ولكنهم إخوان


أبدى عناصر من تنظيم الإخوان شماتتهم وفرحتهم في قطع السعودية علاقتها مع إيران، معلنين دعمهم الكامل لطهران، نتيجة لموقف المملكة العربية السعودية من التنظيم ودعمها للنظام المصري في مواجهة الإخوان ودورها في الضغط على بريطانيا لإصدار قرار يعتبر الإخوان تنظيمًا إرهابيًا. ودشن عناصر التنظيم وسومًا (hashtags) على مواقع التواصل الاجتماعي، يعلنون فيها دعمهم لإيران، على حساب السعودية. وقال حسام محمود، أحد الكوادر الشابة في التنظيم، على صفحته على «فيسبوك»، إن دعم إيران في مواجهة السعودية ضرورة ملحة، نتيجة لموقف السعودية من الإخوان ودعمها لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي ودورها في تقرير بريطانيا ضد الإخوان[7].

الإخوان واختبار «حزب الله»


وبينما التزم إخوان مصر الصمت، حيال اعتبار «حزب الله» إرهابيًا من قبل مجلس التعاون الخليجي، أعلن الغنوشي رفضه لذلك، وقالى إنه «لا يمكن الحكم بصفة مطلقة على تنظيم (حزب الله) اللبناني، على خلفية تصنيف مجلس وزراء الداخلية العرب له بالإرهابي». وجاءت تصريحات الغنوشي، في حديث لصحافيين على هامش ندوة، نظمها مجلس شورى حركة النهضة، في العاصمة تونس، بعنوان السياسات العمومية تجاه الشباب في تونس. وقال الغنوشي إنه حسب فهمنا فإن المجلس لم يصنف «حزب الله» كتنظيم إرهابي، لأنه لا أحد يستطيع أن يزايد على الحزب في دوره الوطني تجاه تحرير لبنان من الاحتلال الصهيوني، وفي ردع الغطرسة الصهيونية، وهذا دور زكّاه العرب وأحرار العالم وهو إيجابي، وفقًا لتعبيره[8]. توافق موقف الغنوشي، والذي عاد فيما بعد وقال إن كلامه فهم خطأ، مع ما كتبه الكاتب المقرب من جماعة الإخوان فهمي هويدي، في مقاله «مخطئون لا إرهابيون»، قائلاً: اشتراك «حزب الله» في الدفاع عن نظام الأسد يصدمنا، واعتبار الحزب منظمة إرهابية يخجلنا[9].

وفي وقت أدانت فيه بشدة فصائل فلسطينية كثيرة، مقربة من «حزب الله» وإيران، وأبرزهم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والقيادة العامة، وحركة الجهاد الإسلامي وحركة الصابرين في غزة التابعة لإيران، أبدى مسؤولوها رفضهم لتصنيف «حزب الله» كإرهابي، التزمت حركة حماس الإخوانية الصمت ولم تبدِ أي موقف حيال هذه القضية، ويبدو أن حماس كانت حذرة ومحرجة في آن معًا، وذلك نظرًا لعلاقاتها المضطربة في الآونة الأخيرة مع إيران والمملكة أيضًا. خصوصا أن مواقفها السياسية تتفاوت بين هذين المحورين، إضافة إلى أنها تسعى إلى بناء علاقات جيدة مع دول الخليج، كما أنها تحاول ترميم العلاقة مع إيران، كما أنها في المأزق نفسه مع «حزب الله»، إذ أدرجتها مصر من قبل على لائحة الإرهاب لعلاقاتها بالإخوان المسلمين فيما استثنتها السعودية.

خلاصات: الحفاظ على المشترك


في ظل العلاقة المقيّدة، على الرغم من خطوط الالتقاء، يعود الطرفان إلى الاستراتيجية القديمة، المتمثلة في الحفاظ على المشترك، فالعلاقة الباردة تضمن أن يواصل الإيرانيون تمجيد حسن البنا، ودعم أفكاره وسيد قطب، على أن يواصل الإسلاميون الاحتفاء بالخميني والثورة الإسلامية، وتبقى الخلافات السياسية مسكوتًا عنها بقدر الإمكان. وفي هذه الأثناء يواصل الطرفان الجانب الاستخباراتي، بشكل كامل، فيتواصل الدعم العسكري لحماس وللفصائل الفلسطينية وحتى لدول أخرى، دون أن يكون هناك أي إعلان عن الأمر.

الواجهات الثقافية: السيد هادي خسرو شاهي... سيد قطب


السيد هادي خسرو شاهي، من المنظرين الأساسيين للأساس الفكري للعلاقة بين الإخوان وإيران، يستشهد به المصري فهمي هويدي. كتب عن ميلاد البنا أنه «ميلاد النور»، وقضى ردحًا طويلاً من عمره في دراسة تراث جمال الدين الأفغاني، عمل في مصر مسؤولاً عن مكتب مصالح إيران منذ 2001، وتقابل مع قيادات جماعة الإخوان ومرشدها مصطفى مشهور أكثر من مرة، ثم التقى بالمرشد السادس مأمون الهضيبي عدة مرات، ويتهمه البعض بأنه أستاذ لحسين الحوثي. [10]
يقول هادي خسرو شاهي في كتابه «جمال الدين الحسيني ونضاله» الصادر عن مركز الثقافة الإسلاميّة في أوروبا في 1985: «الهجوم على شخصية السيد جمال الدين الحسيني وجهاده تحت ستار الدراسة الأكاديمية... لا يأتي إلا لتشويه سمعة السيّد بين الشباب الثوري المسلم، فهم لا يبغون إلا أن يقولوا لشباب مصر، جيل الشهيد سيد قطب وخالد الإسلامبولي، بأن خط الجهاد الاستشهادي الذي تسيرون عليه ليس بأصيل... وليقولوا للمسلمين في باكستان والهند وأفريقيا الشمالية بأن أطروحة السيد في الكفاح ضد المستعمر لا تمثّل طموحاتكم في تحقيق العدالة الاجتماعية... وليقولوا للعرب إن السيد كان شيعيًا إيرانيًا غامضًا». وعاد في سنة 2003 لينشر كل أعمال الأفغاني في كتاب خاطرات الأفغاني[11].
خسرو ظهر في الإعلام أخيرا، بشكل مكثف، وهو يقود الحملة ضد السعودية، ووصل به الأمر لمقاطعة الحج، والبحث عن بديل روحي له[12].

في يونيو (حزيران) 2016، ضمن عدد خصص في مجلة «ماهنامه زمانه»، بعنوان «قطب وإخوانه»، تناول دراسات عن قطب والمودودي، والجهل عند قطب، وقطب بين قطبين، وقطب وجماعة الإخوان المسلمين، ولماذا سيد قطب، وضرورة العمل على إعادة بعثه. أُجري معه حوار، طويل، قبيل الندوة التي خصصت للمجلة، ونشر الحوار بعنوان لماذا نهتم بسيد قطب؟ ركز في جوانب كبيرة، على قدرة سيد قطب على إلهام الشباب، وهذا يعبر عن اهتمام تنظيمي. يَعتبر قطب أداة سياسية مناسبة للحفاظ على العلاقة مع الإخوان المسلمين، على المستوى الثقافي، باعتباره بطلاً عابرًا للأديان، وهنا نلاحظ استحضار التراث الثقافي، والأصول الفكرية، والتركيز على المشترك، والتغاضي عن الأخطاء.
أصدر، هادي، في يونيو 2016، كتابًا عما سماه «انقلاب في مصر: الأزهر... الإخوان... الشباب)، تحدث فيه عن «قمع السيسي»[13]. وفي حواراته تحدث مطوّلاً عن التحشيد ضد السيسي ومظلومية جماعة الإخوان[14].

هل تكون إيران مأوى؟


في 15 يوليو (تموز) 2016 كتب عبد الرحمن الراشد، معلقًا على إرهاصات مصالحة تركيا ومصر، والأخبار التي انتشرت عن تضييق أنقرة على قيادات الإخوان قبل محاولة الانقلاب[15]: «وعند تفعيل التفاهم المصري التركي يكون الإخوان قد خسروا آخر محطاتهم الرئيسية، ولن يتبقى لهم سوى اللجوء إلى أوروبا التي سيذوبون فيها. والملجأ الأنسب لهم هو إيران، على اعتبار أنهم حلفاء لها منذ وصول الخميني للحكم أواخر السبعينات٬ كما أن فرعهم في غزة، حركة حماس الإخوانية، لا يزال على علاقة جيدة بالنظام الإيراني، لكن إن فعلوا فستكون الخطوة التي ستقضي عليهم».[16]
بالطبع لم يكتمل التحوّل التركي، وانقطع الحديث عن إبعاد إردوغان للإخوان، ولكن الخيار لا يزال مطروحًا، في أفق الحسابات السياسية، والاحتياج المتبادل، لا يزال يجعل عين الإخوان على جيب طهران، وموارد الدعم اللوجيستي، خصوصا، لصياغة رؤية موحدة ضد الإرهاب. ولإزاحة شبهة «الطائفية» عن الطرفين. وهو ما قد يحتاجاه لرضا المجتمع الدولي.

مسألة مكافحة الإرهاب... سيد قطب يوحدهما


يوافق التصوّر الإيراني لمكافحة الإرهاب التصوّر الإخواني، وهما يلقيان باللائمة كليًا على التيار السلفي، ويودان تأكيد براءة حال الإسلام الآخر. بالتحديد يشتركان في تحديد معنى «جهادي» لفكر سيد قطب.
فإيران تقيم في الفترة الأخيرة عشرات الأعمال لمكافحة الإرهاب والتطرف، وتجعلها من مسؤولية مكاتب التقريب، التي هي في الحقيقة الفرع المسؤول عن إدارة علاقات مع الإخوان المسلمين. [17]

السيناريوهات البديلة


من المهم أن ننتبه إلى أن الظروف السياسية، عوضًا عن الآيديولوجية، التي ساعدت على قيام العلاقة بين الإخوان وإيران، تمثلت في موقف السادات من الشاه، ومناخ السبعينات، وحينما كان التنظيم يخشى من علاقات مباشرة، كان يستعين بأعضاء من الصين وماليزيا وآخرين بعيدين عن الأعين. كان سفيرهم في هذا المضمار رجل الأعمال المصري يوسف ندا، وقد صرّح يوسف ندا بذلك في غير مناسبة، وأكد أنه استأجر طائرة خاصة ضم فيها نخبة من قيادات الجماعة والتنظيم الدولي في مصر، وعدد من الدول الأخرى، وذهبوا إلى طهران لتهنئة الخميني بنجاح ثورته، وإزاحة الشاه كشُرطي في المنطقة، يعمل لحساب الولايات المتحدة الأميركية، فضلاً عن تدارس سبل التعاون على الصعيدين الدولي والإقليمي[18]. قال يوسف ندا: «كنت المسؤول عن الاتصال بإيران، وهذا الكلام يعرفه الإيرانيون جيدًا، وقبل نجاح الثورة تكوّن وفدٌ إخواني والتقى بالخميني في باريس بمجرد أن ذهب إلى أبو الحسن بني صدر هناك، بهدف تدعيمه، وكان من ضمن الوفد راشد الغنوشي، رئيس حزب النهضة بتونس، وحسن الترابي من السودان، وعدد من الإخوة من لبنان، وكانت لنا صلة بآية الله بهشتي، والسفير الإيراني في مصر هادي خسرو شاهي، وهناك علاقات قديمة بين الإخوان وإيران منذ أيام حسن البنا، فهناك علاقة بين حسن البنا ومحمد القمي في إيران، وكذلك علاقات بين حركة الإخوان وحركة فدائيي الإسلام الإيرانية، التي ناصرت الخميني وأسهمت في إنجاح الثورة، وكانت لنا علاقة بآية الله محمد بهشتي منذ أن كان موجودًا في الولايات المتحدة الأميركية، وعلاقات بإبراهيم يزدي منذ أن كان مقيمًا بمدينة هامبورغ الألمانية». ويذهب يوسف ندا إلى أبعد من ذلك فيقول، إن الوفد الذي ذهب إلى الخميني بعد الثورة لتهنئته بالإطاحة بالشاه، ضم أعضاء من التنظيم الدولي، من ماليزيا وإندونيسيا والصين.

خلاصة خاتمة: إيران والإخوان


العلاقة بين إيران والإخوان المسلمين عميقة وقديمة ولكن أيضًا معقّدة للغاية. تجمعهما مصالح وعداوات وقيم مشتركة ولكن أيضًا تفرّق بينهم مصالح محلية مختلفة.
تاريخيًا إيران كانت هي التي تضبط العلاقة باعتبارها دولة، في حين الإخوان منظمّة. ولكن الإيرانيّين لا يتعاملون مع الإخوان المسلمين ككتلة واحدة، وإنما وفق الدولة التي هم فيها، وذلك لإدراكهم أمورًا عدة:
أولاً: مصالح الإخوان المسلمين تتفاوت من دولة لأخرى.
ثانيًا: التنظيم العالمي للإخوان المسلمين لا يستطيع فرض أجندة مشتركة تتفوّق على المصالح المحليّة.
ثالثًا: ولعله المتغيّر الأساسي الذي يحكم رغبة إيران في التقارب أو التباعد مع الإخوان، هو علاقة إيران بالدول المختلفة. فبقدر ما تتقارب إيران مع دولةٍ ما بقدر ما يضعف اهتمام إيران بالمعارضة في تلك الدول، وتبعًا لذلك ستقل رغبة إيران بالتقارب مع الإخوان في تلك الدول. الحالة النموذجية لإيران هي عندما يكون الإخوان في السلطة وفي دولة هم بحاجة إليها. لأنّها بذلك تستطيع استثمار العلاقة التاريخية والمشترك الآيديولوجي لبناء علاقة قوية بينها وبين الدولة المعنيّة.

الإخوان المسلمون من جهتهم أيضًا يتعاملون مع إيران وفق مصالحهم المحليّة. ولكن بحكم الانتماء العالمي، فإنهم قد يبتعدون عن إيران إذا رأوا أنها تستهدف قوى إخوانية في منطقة ما. كما في الحال بين الإخوان وإيران منذ بدايات فشل الثورات العربية ووقوف إيران إلى جانب بشار الأسد. ولكنّ هذا البُعد مؤقت ولا يغيّر أرضية المصالح والعداوات والقيم المشتركة، وإنما يُعقّد التعامل معها. وقد رأينا كيف تقاربت حماس أخيرا مع إيران، وكيف استطاعت تركيا عزل القضية السورية عن علاقتها الاستراتيجية بإيران.
تبقى العلاقات الآيديولوجية المغروسة في أساس التكوين الفكري، الملاذ الحقيقي، الذي يحيا عليه الطرفان، فهما يعلمان بالاتصال الوجداني، وكما أن أفكار حسن البنا وسيد قطب ملهمة لنوّاب صفوي وللخميني، فإنّ ثورة الخميني غيّرت من تفكير الإخوان المعاصرين، وفي كل الحالات تعبّر الخدمة المكثفة للتراث المشترك ككتب قطب والأفغاني، عن حالة من حالات الهروب إلى الاتفاق الثقافي في وقت الإحراج السياسي، حتى تحين ميسرة.

الهوامش:

1. H. Pisecky and A. Grinberg, “IRAN AND THE MUSLIM BROTHERHOOD IN THE ARABIC-SPEAKING WORLD: THE BEST OF ENEMIES?,” Middle East Rev. Int. Aff., vol. 19, no. 3, pp. 10–18, 2015.
2. H. Pisecky and A. Grinberg, “IRAN AND THE MUSLIM BROTHERHOOD IN THE ARABIC-SPEAKING WORLD: THE BEST OF ENEMIES?,” Middle East Rev. Int. Aff., vol. 19, no. 3, pp. 10–18, 2015.
3. Y. Ben Menachem, “Iran Is Courting Hamas,”9/6/2016.
4. كان خالد مشعل صرح في مارس 2016 بأن إيران لم تعد داعمًا رئيسيًا لحماس، وأنهم يبحثون عن مصادر بديلة، وأنهم خفضوا العلاقات إلى مستوى إرسال الوفود فقط.http://alkhaleejonline.net/articles/1458020896320126800// ثم بعث لاريجاني تعزية لخالد مشعل في وفاة والدته: http://ar.farsnews.com/middle_east/news/13950616001544. وصرح القدومي ممثل حماس في طهران، في أغسطس 2016، بأن الترتيبات جارية للإعداد لزيارة مشعل لطهران. http://www.al-vefagh.com/News/84194.html
5. http://24.com.eg/Mnwat/689796.html
6. «الشرق الأوسط»، بيان ضبابي من الإخوان، 7 يناير 2016، الرابط: http://aawsat.com/home/article/537581
7. لطفي سالمان، الوطن المصرية، 7 يناير 2016 http://www.elwatannews.com/news/details/903022
8. http://www.alquds.co.uk/?p=494128
9. فهمي هويدي: مخطئون لا إرهابيون، 5 مارس 2016. http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=05032016&id=70a68c90-1571-4785-8d9c-2a743eab8d93
10. ثروت الخرباوي، خسرو شاهي، العربية: مارس 2015. https://goo.gl/jRjvDb
11. سعود السرحان، باحث يقضي كباحث يقضي خمسين عامًا في جمع آثار الأفغاني :23 فبراير 2003. http://archive.aawsat.com/details.asp?article=154327&issueno=8853#.WAM7MuArLIU
12. تحريم فريضة الحج لهذا العام، مباشر24، http://www.mubasher24.com/26742
13. موقع هادي خسرو، سجل اللقاءات الثقافية. http://www.khosroshahi.org/main/index.php?Page=definition&UID=3982353
14. من موقع خسرو شاهي، سجل المساهامات، الفكرية. http://www.khosroshahi.org/main/index.php?Page=definition&UID=3971494
15. Turkey’s Choices: Muslim Brotherhood or Regional Isolation By Gönül Tol and Feyza Gumusluoglu | May 02, 2016 http://www.mei.edu/content/article/turkey%E2%80%99s-choices-muslim-brotherhood-or-regional-isolation
16. عبدالرحمن الراشد، تركيا آخر محطات الإخوان، صحيفة الشرق الأوسط، 15 يوليو(تموز) 2016، العدد 13744 الرابط:
http://aawsat.com/home/article/690076/-1-2
17. مؤتمر لمكافحة التطرف في إيران، http://www.taghrib.org/pages/news.php?nid=1416
18. من حوار ليوسف ندا مع الإعلامي أحمد منصور لفضائية الجزيرة القطرية منشور على موقع يوتيوب، بدون تاريخ.
font change