النخبة في خدمة النخبة

أشياء يحصل عليها الأغنياء «مجاناً» والفقراء يدفعون ثمنها

النخبة في خدمة النخبة


جدة: معتصم الفلو



* محاسب عتيق: الرؤساء التنفيذيون لا ينفقون أكثر من 10 % من رواتبهم، فكل الأساسيات التي ندفع عليها الحصة الكبرى من أجورنا، هي مجانية بالنسبة لهم
* كلما زاد تركيز الثروة في أيدي القلة، زادت الامتيازات التي يبتكرونها لأنفسهم.




لطالما دار الصراع البشري حول مسألة توزيع الثروة، إذ لم تتمكن جميع النظريات الاقتصادية من تقديم حلول مجدية للتوزيع العادل للثروة. أما في العصر الحديث، وبخاصة بعد السقوط المدوي للاتحاد السوفياتي مطلع تسعينات القرن الماضي، فقد سادت النيوليبرالية الاقتصادية، التي زادت الفجوة بين الأغنياء والفقراء إلى حد صارخ. والدليل على ذلك أن واحداً في المائة فقط من سكان الأرض يستأثرون بنحو 50 في المائة من ثروات العالم. ولا يقتصر ذلك على دول الشمال الغنية، بل شمل ذلك كل أنحاء العالم، حيث يسود اقتصاد «القلة» الذي يخدم فئة قليلة من السكان إلى درجة أصبح معها الأغنياء ورؤساء الشركات وكبار التنفيذيين والملاك لا يدفعون شيئاً مقابل الحصول على طائفة واسعة من الخدمات والامتيازات والسلع.

المسألة باختصار أن مجرد الدخول إلى نادي أصحاب الثروة والنفوذ الاقتصادي، يمنحك امتيازات وخدمات وسلعاً بشكل «مجاني». فما هي تلك الأشياء التي يحصل عليها أعضاء ذلك النادي دون تكبد أي مبالغ مالية أو شرائها بثمن زهيد، بينما يحتاج الفقراء أو متوسطو الحال إلى دفع ثمنها مضاعفاً أو أكثر؟



سكن ومدارس وسيارات... وتأمين VIP




إضافة إلى حصولهم على رواتب تتراوح بين مجزية وخرافية وفلكية، يحظى الرؤساء وكبار التنفيذيين ورؤساء الأقسام في الشركات حول العالم، الحكومية أو الخاصة، بامتيازات حصرية، لا يحصل الموظفون العاديون ولو على جزء بسيط منها، مثل السكن الذي يقدم لهم في أرقى المجمعات السكنية ويجري دفعه من أموال الشركات، إلى جانب سداد الأقساط المدرسية لأطفالهم مع حصولهم على أعلى درجات التأمين الصحي «VIP»، حيث لا يؤخذ منهم نسبة استقطاع (مبلغ مالي يغطي جزءاً من تكلفة العلاج) في المرافق الصحية. ولا يتوقف الأمر عند ذلك، فالسيارات الفاخرة كل عام صارت جزءاً من تلك الامتيازات دون أن ننسى الوقود!

يقول محاسب عتيق في إحدى الشركات لـ«المجلة»: «إنهم (الرؤساء التنفيذيين) لا يحتاجون لإنفاق أكثر من 10 في المائة من رواتبهم، فكل الأساسيات التي ندفع عليها الحصة الكبرى من أجورنا، هي مجانية بالنسبة لهم. إنهم في اجتماعات دائمة، وعندما يتناولون وجبة مع العملاء، فإنهم لا يتورعون عن إرسال فواتير غداءات وعشاءات العمل لسدادها. أما في سفرهم، فهم لا يكتفون بفنادق الخمس نجوم وتذاكر الطائرات من فئة رجال الأعمال، بل يحصلون على بدل مالي يومي (per diem)، يضاف إلى رواتبهم المتضخمة أصلاً».
وأضاف ساخراً: «قد يخرجون بعض الأموال من جيوبهم عندما يرسلون أولادهم لشراء الشوكولاته من المتاجر!».

تقول إحصائية معهد السياسات الاقتصادية في الولايات المتحدة حول أرقام الرواتب عام 2016 إن الرؤساء التنفيذيين في أكبر الشركات الأميركية يتقاضون أجوراً وحوافز تزيد 271 مرة عما يتقاضاه العمال العاديون. ووفقاً للمصدر ذاته، قفزت أجور وحوافز الرؤساء التنفيذيين بمعدل 937 في المائة بين الأعوام 1978 و2016!

كل ذلك يعني أن هذه الفئة هي الأقدر على دفع أجرة السكن ومدارس الأطفال والرعاية الصحية أكثر من الموظفين أو العمال العاديين. وليس الأمر مقتصراً على الدول الغربية، بل هو اتجاه عالمي يشمل جميع الاقتصادات، المتقدمة والنامية والمتخلفة، من دون استثناء.


امتيازات مصرفية




إذا كنت موظفاً عاديا وترغب في تحويل مبلغ مالي إلى قريب أو صديق في إحدى الدول، فإنك ستدفع رسوم الحوالة المالية. أما عند تحويل العملة المحلية، أيا كانت، إلى الدولار أو اليورو مثلاً، فإنك ستحصل على العملة الصعبة بالسعر المعلن الموجود لدى متاجر الصرافة، والذي يتضمن هامش ربح.

ولكن إذا كنت من كبار العملاء، فإن المصارف التجارية، سوف تعفيك من رسوم تحويل أي مبالغ مالية وسوف تحصل على العملة الأجنبية بسعر تفضيلي يقل عما هو موجود لدى متاجر الصرافة، أي من دون هامش ربح!

ويضاف إلى ذلك، أن كبار العملاء يتم إعفاؤهم من رسوم البطاقات الائتمانية وإصدار كشوف الحسابات ودفاتر الشيكات والحوالات الداخلية. ومن السهل معرفة حجم الامتيازات الممنوحة لكبار العملاء عبر الدخول إلى المواقع الإلكترونية للمصارف.

لا تقتصر المزايا التي تقدمها المصارف لكبار العملاء على الإعفاء من رسوم العمليات، إذ تمتد إلى الخصومات المدهشة التي يقدمها شركاء العروض التجارية للمصارف، والتي تشمل السيارات والأثاث والسفر والملابس وغيرها.

صحيح أن المصارف تهتم بذوي الملاءة المالية العالية لأنها تريد الاحتفاظ بثرواتهم لديها، وتغريهم لإبقائها وتوفر لهم تلك المزايا، إلا أن ما ذكر أعلاه هو مجرد سرد لما يحصل عليه الأثرياء مجاناً من خدمات مصرفية؛ دون أحكام. ففي نهاية المطاف، تزيد المزايا كلما تضاعف حجم الأصفار (على اليمين) في رصيدك.



فخامة الأسفار




لو كنت مسافراً على الدرجة السياحية، (VIP Lounge IP Lounge) فلن تحظى بساعات انتظار مريحة في صالات الانتظار الخاصة في المطارات إلا إذا قمت بدفع مبلغ يتراوح بين 10 - 60 دولاراً.

أما إذا كنت من ميسوري الحال من حملة الفئات العليا من البطاقات الائتمانية، فإنك ستحظى بساعات انتظار في جميع مطارات العالم تقريباً، تتوفر فيها ألوان الطعام والشراب والحلوى والصحف والاتصال بالإنترنت؛ حتى إن بعض الصالات توفر لك ميزة الاستحمام!

وإذا كنت من الفئات الأكثر ثراء، فإن بطاقتك الائتمانية سوف تمنحك فرصة مجانية لدعوة 4 من أصدقائك الذين تسافر معهم ليستمتعوا بالراحة حتى يحين موعد صعود الطائرة.

لن يتوقف الأمر عند ذلك، فإذا كنت من الأثرياء الذين يسافرون بتكرار على درجة رجال الأعمال أو الدرجة الأولى، فإنك ستحصل على مكافآت أكثر من الخطوط الجوية، التي تداوم السفر على متنها، إلى جانب ترقيات أو مقاعد مجانية، إلى جانب امتيازات أخرى تتعلق بوزن الحقائب.
وينبغي التذكير هنا بأن تلك المزايا مبنية أصلاً على إنفاق مالي كبير، تتراكم مزاياه المجانية، يوماً بعد يوم. ورغم ذلك، فإنك إذا كنت موظفاً عادياً ورغبت في عيش تجربة الفخامة بإنفاق بعض المدخرات أو الحوافز، فلن تحصل إلا على الخدمات الأساسية، ولن يكون لك نصيب كبير من الامتيازات المجانية.


أجهزة ومنتجات حديثة..




إذا قدر لك أن تكون أحد المشاهير الأثرياء في أي مجال كالغناء والتمثيل ووسائل التواصل أو حتى الدعوة الدينية، ستتسابق عليك شركات التقنية الحديثة والمفروشات والمطاعم والفنادق والسفر لإهدائك أحدث منتجاتها أو باقاتها أو خدماتها لتكون أول من يجربها ويمتلكها مجاناً، بل إنها قد تدفع أموالاً طائلة مقابل قبولك باستخدامها وربما تصويرها ونشرها على حسابك الرسمي في وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي السعودية على سبيل المثال، فإن الكثير من الشركات تتسابق على الاستحواذ على قلوب أولئك المشاهير وإهدائهم منتجاتها وخدماتها، مقابل تغريدة تصل أسعار بعضها إلى 60000 ريال (16000 دولار).

كما تقدم شركات الاتصالات أحدث الهواتف الجوالة إلى كبار عملائها مجاناً؛ رغم أنهم الأقدر على اقتنائها، إلا أن حجم فواتيرهم الضخم يجعل ذلك مبرراً.



هل تستمر تلك الموجة؟




بالتأكيد، ستستمر وتنتعش، وكلما زاد تركيز الثروة في أيدي القلة، زادت الامتيازات التي يبتكرونها لأنفسهم. فلم تكن ظاهرة الامتيازات المجانية لنادي أصحاب الثروة والنفوذ الاقتصادي موجودة قبل 30 أو 40 عاماً. ولن يكون اليوم الذي تستحوذ فيه فئة الواحد في المائة عن 70 في المائة أو 80 في المائة من مجمل الثروة العالمية بعيداً. فالعالم أصبح فقيراً بالأفكار التي تطرح مسألة توزيع الثروة بجدية أكبر. فهل تحققت نهاية التاريخ على مستوى المال والاقتصاد؟
font change