كيف تدفع السعودية نحو رقمنة المال؟

التخلي عن «الكاش»

كيف تدفع السعودية نحو رقمنة المال؟

[caption id="attachment_55266083" align="aligncenter" width="1402"]متجر ذهب ومجوهرات في الرياض(غيتي) متجر ذهب ومجوهرات في الرياض(غيتي)[/caption]

جدة: معتصم الفلو


* رغم أن الانتقال نحو رقمنة المدفوعات احتاج إلى بنية تحتية قوية، فإن التغطية الواسعة لشبكة الإنترنت والتطور التقني الهائل للقطاع المصرفي السعودي، جعلت الانتقال سلساً.
* لا تزال الفئات العمرية الأعلى سناً هي الأكثر عشقاً للنقد، إلا أن التشريعات الحكومية الضاغطة في اتجاه رقمنة المدفوعات، ستجعل المصارف المسكن شبه الوحيد للنقد.



بين عالم النقد المعدود بالأيدي وعالم النقد المتداول عبر بطاقات الائتمان (Credit Card) وبطاقات الخصم المباشر (Debit Card) والمواقع الإلكترونية وتطبيقات المصارف ومنافذ التجارة الإلكترونية، تبقى الغلبة لصالح النقد المعدود، وبخاصة أن الكثيرين لا يزالون يعتقدون أن المال في اليد أكثر موثوقية وشعوراً بالأمان.
ولكن العالم يخطو باتجاه متسارع نحو التعاملات الإلكترونية والتخلي عن نظيرتها النقدية، ولذا تتخذ مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) وغيرها من المؤسسات الحكومية ذات التعاملات المالية مع الجمهور أو الموردين أو المقاولين خطوات متتالية باتجاه التخلي عن النقد (الكاش)، وتدريجياً الشيكات المصرفية؛ لتسود التعاملات المالية الإلكترونية على حساب غيرها. ليس هذا فحسب، فحتى التعاملات البينية للقطاع الخاص أو مع الجمهور تنحو لأن تكون تعاملاتها المالية رقمية. ويظهر من ذلك أن الجهات المعنية تريد الحفاظ على النقد داخل المصارف لأغراض عدة، منها الأمني والرقابي والمالي الصرف. فما هو حجم النقد المتداول خارج المصارف وما هي أهم خطوات التخلي عن النقد ولماذا يتسارع هذا الاتجاه؟


حجم النقد خارج المصارف



يقول آخر تقرير سنوي أصدرته «ساما» في ديسمبر (كانون الأول) 2017. وهو يحتوي على أرقام عام 2016 ويقارنها بالسنوات السابقة، إن النقد المتداول خارج المصارف واصل نموه؛ رغم الخطوات التحفيزية لتعزيز التعاملات الإلكترونية، إلا أن ذلك التراجع كان مفاجئاً عام 2016. وإذا استمر هذا الاتجاه عام 2017، فإن إجراءات رقمنة المدفوعات وتقليص النقد خارج المصارف تكون ناجعة وناجحة بالفعل. ولكن ينبغي الانتظار بضعة أشهر حتى صدور التقرير السنوي. ويوضح الجدول رقم (1)الأرقام ونسب النمو بالتفصيل:

[caption id="attachment_55266085" align="alignright" width="368"]الجدول رقم (1) الجدول رقم (1)[/caption]



رقمنة المدفوعات الحكومية




مع مطلع الألفية الجديدة وما قبلها، كانت فروع إدارات الجوازات، على سبيل المثال، تستقبل الدفعات النقدية لسداد رسوم الخدمات. ومنذ 10 سنوات تقريباً، لم يعد «الصندوق» موجوداً في الغالبية العظمى من الدوائر الحكومية ذات التعامل المباشر مع الجمهور كوزارات الداخلية والمالية والخارجية والاتصالات، بل حلت محله خدمة «سداد المدفوعات الحكومية» عبر القنوات المصرفية الإلكترونية أو تطبيقات البنوك أو خدمات الهاتف المصرفي أو الصراف الآلي.
لا يقتصر الأمر على الأموال التي يدفعها الجمهور للحصول على الخدمات، فحتى المدفوعات الحكومية لصالح المقاولين والموردين ومقدمي الخدمات، صار لها بوابات رقمية مثل بوابتي «اعتماد» و«حصر المطالبات المالية» الخاصة بسداد الأموال لهم.
ورغم أن الانتقال نحو رقمنة المدفوعات احتاج إلى بنية تحتية قوية، تربط البنوك بالأفراد بالجهات الحكومية ذات العلاقة لضمان وصول الدفعات في الوقت الحقيقي لإجراء العملية المصرفية، فإن التغطية الواسعة لشبكة الإنترنت والتطور التقني الهائل للقطاع المصرفي السعودي، كلها جعلت الانتقال سلساً.



مدفوعات الأجور والقطاع الخاص




هناك مجموعة من الإجراءات التي اتخذتها الوزارات السعودية المختلفة لتوسيع رقعة التعاملات المالية الإلكترونية ضمن القطاع الخاص نفسه، حيث ليس للحكومة أي منفعة مباشرة.
فقد بدأت وزارة العمل بإجبار الشركات الكبرى وبعدها المنشآت المتوسطة والصغيرة (SME) على إيداع الرواتب الشهرية لموظفيها في المصارف، اعتباراً من عام 2013 للشركات العملاقة (3 آلاف موظف فأكثر)، وصولاً إلى العمالة المنزلية قريباً. قد يبدو ظاهر الأمر أن هذه الخطوة تأتي لضمان التزام القطاع الخاص والأفراد بسداد أجور المشتغلين لديهم، إلا أنه ينبغي عدم إغفال مسألة أن تلك الخطوة تقلص النقد خارج المصارف وتحفز التعاملات الرقمية، فلن يكون هناك داعٍ لحمل الكتل النقدية (قد تصل إلى الملايين أحياناً) وتوزيعها نقداً على الموظفين.
كما أصدر مجلس الضمان الصحي التعاوني (الهيئة الإشرافية على شركات التأمين الصحي بالتعاضد مع «ساما») قراراً في مارس (آذار) الماضي بإيقاف المدفوعات النقدية أو حتى إصدار الشيكات لصالح الموردين أو الشركاء أو حتى الأفراد، والاكتفاء فقط بالحوالات المصرفية عبر رقم الحساب المصرفي الدولي (IBAN).
وأبلغ «المجلة» عاملون في أقسام المحاسبة وإدارة النقد ضمن المتاجر الكبرى بقطاع التجزئة السعودي أن المصارف أصبحت توفر آلات إيداع نقدي ضمن الأقسام نفسها، وهي خاصة بإيداع الإيرادات على أساس يومي؛ لتأتي سيارة المصرف المصفحة وتأخذ النقود لإيداعها. وهكذا لن تضطر المتاجر إلى تخزين الأموال في الخزائن أو تحمل خطر إرسال مندوبيها لإيداع المبالغ الكبيرة وتحمل الأخطار.



نقاط البيع




صحيح أن منافذ البيع (PoS) في السعودية لا تفرض طريقة دفع محددة على الزبون، نقداً أو عبر بطاقات الائتمان أو البطاقات المصرفية الأخرى، إلا أن السعودية حققت قفزات هائلة في أحجام المبيعات عبر نقاط البيع، فقد تضاعف عدد أجهزة نقاط البيع أكثر من 3 مرات بين 2012 و2016. حيث كان 92.5 ألف نقطة بيع في 2012 وصار 276.17 ألف نقطة بيع عام 2016. كما زاد حجم التعاملات عبرها بنحو 50 في المائة خلال الفترة نفسها.
كل تلك الأموال التي كان يمكن أن تبقى ككتلة نقدية خارج المصارف، صارت داخل المصارف وحفزت التعاملات الإلكترونية، وهو ما يتوافق مع السياسات الحكومية. ويوضح الجدول رقم (2) الصادر عن «ساما» ضمن تقريرها

[caption id="attachment_55266087" align="alignleft" width="374"]الجدول رقم (2) الجدول رقم (2)[/caption]

إن متوسط نسبة نمو 9 في المائة سنوياً في عمليات الشراء عبر نقاط البيع تعني أن التحول نحو المدفوعات الرقمية ناجح ومجدٍ ويمكن ضخ المزيد من الاستثمار، المادي والمعنوي، لتعزيزه.



أسباب خفية وظاهرة




يقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن الأحمد: «إن إجراءات التحول نحو التعاملات الرقمية، سواء على مستوى القطاعين العام والخاص أو الأفراد، تحمل في طياتها جوانب أمنية وقانونية وقضائية، غير السهولة والسرعة، تتمثل في سهولة إثبات حصول المدفوعات وتوثيقها أكثر من الطرق التقليدية المتمثلة في النقد أو الشيكات المصرفية (التي يمكن تزويرها). فالعمليات المصرفية من تحويل وسداد مستحقات وشراء ودفع، حقيقية وثابتة ويمكن تعقبها بكل سهولة، الأمر الذي يحد من عمليات التزوير أو هوامش الخطأ. كما أن عمليات الاقتصاد الأسود تعتمد على النقد غالباً، ورقمنة المدفوعات لا تصب أبداً في صالح ذلك النوع غير الشرعي من الاقتصاد، مما يعزز الشفافية».

وأضاف: «لن يتمكن أحد من نفي حصول عملية مصرفية واردة أو صادرة من حسابه، مهما كانت الحجة (باستثناء التهكير). ولا يتوقف الأمر عند ذلك، فرؤية المملكة 2030 تقارب هذه الناحية من حيث تعزيز الاتجاه نحو تقليل الكتلة النقدية المتداولة ورقمنة التعاملات المالية، الأمر الذي يواكب الاتجاهات العالمية في تلاشي النقد بين أيدي الناس لصالح التطبيقات والمواقع الإلكترونية والدفع اللاتلامسي وغيرها».
ويتوقع الأحمد استمرار تقلص نمو الكتلة النقدية خارج المصارف مع تتالي الإجراءات الحكومية في هذا الصدد.
قد يكون لمس المال وعده متعةً بالنسبة للبعض، ولا تزال الفئات العمرية الأعلى سناً هي الأكثر عشقاً للنقد، إلا أن التشريعات الحكومية الضاغطة في اتجاه رقمنة المدفوعات، ستجعل المصارف المسكن شبه الوحيد للنقد، والحكم للمستقبل!

font change