الخيار عند إيران

هل ترضخ إيران وتتجرع كأس السم كما تجرعه الإمام الخميني قبل ثلاثين عاما عندما وافق على وقف الحرب بين إيران والعراق؟

الخيار عند إيران

بقلم: إيلي فواز

في الحرب الدائرة في سوريا أكثر من بُعد واحد للصراع وأكثر من فريق متصارع ولو بدرجات من التوتر المتفاوتة. هناك الصراع المذهبي السني الشيعي، وأيضا الصراع الأميركي الروسي، كما هناك البعد التركي الكردي للصراع على سبيل المثال لا الحصر. ولكن أخطر تلك الصراعات التي يمكن أن تفضي إلى حرب إقليمية، هي الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل.
لم يكن يوما التدخل الإسرائيلي في الحرب الدائرة في سوريا سرا، ولكنه أصبح متدرجا وبوتيرة أكبر وأسرع وأخطر مع مرور الزمن وميل ميزان القوى على الأرض لصالح نظام الأسد وحلفائه الإيرانيين والروس.
إسرائيل كانت تقصف في بادئ الأمر قوافل السلاح التي كانت تحاول إيران نقلها لـ«حزب الله» عبر الأراضي السورية، وهي أيضا كانت تستهدف قوافل عسكرية محددة، كما في عملية اغتيال جهاد مغنية أو سمير القنطار. كما تدخلت إسرائيل في الحرب السورية من خلال إقامة مستشفيات ميدانية في الجولان لمعالجة جرحى الفصائل السورية المناهضة لنظام الأسد وحلفائه.
مع الوقت بدأ نظام الأسد وحلفاؤه بإعادة السيطرة على معظم المدن التي خسرها في أول أيام الثورة وبعد أن كان تنظيم داعش وحده يسيطر على ثلث مساحة سوريا تقريبا.
ولكن مع انقشاع غبار المعركة تدريجيا بدأ يتكشف للإسرائيليين أن لإيران قواعد عسكرية ثابتة لا سيما في العاصمة دمشق وفي أكثر من مكان كمطار «بلي» حيث يستعمله الحرس الثوري الإيراني كمنطلق للطائرات المسيرة، ومطار «المَزّة» حيث يعتقد المراقبون أنه يستعمل لتصنيع البراميل المتفجرة التي استعملها طيران نظام الأسد لتدمير مدن بأكملها. كما توجد القوات الإيرانية وميليشياتها بين حمص وحماه، مثلا مطار «الضبعة» حيث يتم تدريب الميليشيات الأفغانية، أو مطار «تي فور» الذي يعتبر مقر القيادة الإيرانية والذي دمرته إسرائيل مؤخرا.
وفي حلب توجد القوات الإيرانية وميليشياتها في مطار «النيرب» والتي شاركت بفعالية في معارك حلب وريفها.
ويحتوي المطار على مقر لقيادة الميليشيات، إضافة إلى مقرات إقامة دائمة لعدد كبير من المجموعات الميليشياوية كما يعتبر هذا المطار مهبطا لطائرات الشحن الإيرانية ومستودعا للذخائر والمعدات الحربية. كذلك مطار «كويرس» ومحيطه في ريف حلب حيث يستعمله الحرس الثوري الإيراني كثكنة برية لميليشياته.
إسرائيل، وأمام هذا الواقع المستجد، أعلنت رفضها بشكل قاطع أي وجود لإيران في سوريا. وجاء هذا الرفض مؤخرأ على لسان رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو وذلك قبل جولته الأوروبية التي سيلتقي فيها بالمستشارة الألمانية ورئيسة وزراء بريطانيا والرئيس الفرنسي. وعلى هذا الأساس بدأت إسرائيل منذ 2015 باستهداف تلك القواعد وتدميرها.
إسرائيل إذن لم تكتف بالتصريح فقط عن رفض الوجود الإيراني في سوريا، إنما أرفقت هذا الرفض بتكثيف عملياتها ضد هذا الوجود واستهدفته مخلفةً خسائر بشرية ومادية مهمة لم يكن آخرها قصفها عددًا من المواقع العسكرية في ريفي حلب وحماه تضمّ مخازن مهمة يستخدمها نظام الأسد وحلفاؤه الإيرانيون، حيث سجل خلال الانفجارات هزة أرضية وصلت قوتها إلى 6.2 درجة على مقياس ريختر.
لم توقف إسرائيل من وتيرة عملياتها العسكرية حتى بعد سقوط طائرة إف16 التابعة لسلاحها الجوي، بل مضت قدما في تدمير واسع للدفاعات الجوية السورية ومواقع إيرانية استعملها الحرس الثوري من أجل إطلاق طائرة مسيرة فوق الجولان.
لم نسمع من الجانب الإيراني وبعد كل غارة إسرائيلية مدمرة سوى تهديد بالرد القاسي، مع كل ما يترافق وهذه التصريحات من وعيد بتدمير إسرائيل وإزالتها، خطاب دأبت عليه الشعوب الشرق أوسطية منذ انتصار الثورة الخمينية من دون أدنى نتائج عملية على الإطلاق. ردة الفعل الإيرانية الوحيدة والخجولة التي أنكرتها جاءت قبل أقل من شهر وبعد سنين من استهداف إسرائيل لمواقعها على شكل قصف لصواريخ «كاتيوشيا» على الجولان سقط معظمها في سوريا.
في آخر استعراضات إسرائيل إعلانها استعمالها في عملياتها العسكرية طائرات بي35. المعروفة «بالشبح» والتي تتميز خصوصا بقدرتها على مساعدة الطيارين في تجنب أنظمة الصواريخ المتطورة.
روسيا المعنية المباشرة في تلك المعركة الخطيرة والتي يمكن أن تتحول إلى حرب إقليمية قد تطيح بإنجازها في الحصول على قاعدة تطل على البحر الأبيض المتوسط، لم تبق صامتة، بل طالبت بخروج كل القوات الأجنبية من سوريا وهي تسعى إلى إرضاء إسرائيل من خلال تأمين انسحاب كامل للقوات الإيرانية من الجنوب. هذا لا يعني أبداً الافتراق بين الإيرانيين والروس، إنما هذا إعلان روسي بعدم القدرة على التدخل لصالح إيران في أي حرب إقليمية بين البلدين. أما أكثر ما تخشاه روسيا فهو تثبيت نظرية تفوق السلاح الهجومي الإسرائيلي على الردع الروسي ما قد يكلفها الكثير، خاصة من ناحية عقود بيع الأسلحة لبلدان المنطقة.
إذن إيران وحيدة في تلك المواجهة مع إسرائيل التي شددت من لهجتها ضد نظام الملالي بشكل تلقائي بعد وصول الرئيس ترمب إلى البيت الأبيض وخصوصا بعد إعلانه مؤخرا انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وتوعد إيران بعقوبات ستكون الأقصى في تاريخ العقوبات إن لم تمتثل للشروط التي وضعها وزير الخارجية الأميركي بومبيو والتي تتضمن انسحاب إيران من سوريا. الاستعراض الإسرائيلي في سرقة ملفات سرية تتعلق بملف إيران النووي من قلب طهران كان له هو الآخر وقع مؤلم على الحرس الثوري ومعنوياته.
إسرائيل تبدي كل يوم استعدادها لدخول حرب إقليمية مع إيران. هذه هي الرسالة الأبرز التي تُستنتج من جراء الغارات الإسرائيلية المتواترة منذ العام الماضي.
تقول إسرائيل إن لديها شرطين، على إيران أن تقبلهما إذا ما أرادت تفادي مواجهة معها لا تملك فيها فرصا للنجاح. أولهما انسحابها من سوريا، وثانيهما التوقف عن محاولات نقل السلاح الاستراتيجي لـ«حزب الله».
أما التهديد الإيراني المبطن باستعمال «حزب الله» كأداة من أجل الضغط على إسرائيل لوقف هجماتها أو نيتها دخول حرب شاملة وإقليمية ضد إيران فهذا لم يعد يجدي نفعا أمام استعدادات إسرائيل للمواجهة، من دون إغفال أنه في حال استعملت إيران «حزب الله» في أي حرب قادمة فهي ستخسر أقوى ورقة ضغط تملكها في المنطقة.
إيران تعاني اقتصاديا مع تجدد العقوبات الأميركية عليها وتمنع كبرى الشركات العالمية من دخول سوقها، حيث إن الخسائر التي ستمنى بها هذه الشركات إذا تحدت عقوبات واشنطن وتعاملت مع إيران لا تحرز أبدا.
فهل ترضخ إيران ببراغماتية لشروط إسرائيل، وتتجرع كأس السم كما تجرعه الإمام الخميني قبل ثلاثين عاما عندما وافق على القرار الأممي رقم 582 بوقف الحرب بين إيران والعراق؟
font change