بين أوباما وترمب

بين أوباما وترمب

بقلم: إيلي فواز


* الرئيس ترمب غيّر من مقاربة بلاده لأزمات الشرق الأوسط وأعاد إنتاج مواقف الولايات المتحدة التقليدية التي شذ عنها أوباما.





بعد مرور أكثر من سنة على رئاسة دونالد ترمب، وهو الذي لا يزال يثير الجدل في العالم جراء أدائه الفريد والغريب نوعا ما عما هو متعارف عليه في عالم السياسة، قد يكون مفيدا المقارنة بين توجهاته وتوجهات سلفه أوباما، أقله في الأمور الخارجية التي قد لا تهم أغلب الأميركيين، ولكنها من دون شك محط اهتمام ومتابعة العالم أجمع، لما لها من تأثير جدي على مسار الأمور والأزمات في العالم.

من دون شك فإن منطقة الشرق الأوسط، محط اهتمامنا، هي مسرح لأعقد أزمات العالم اليوم، فالحروب فيها مشتعلة في أربع مناطق على الأقل، وهناك بلدان لم يعد لها وجود، مثل ليبيا وسوريا أو اليمن، حيث تحولت تلك البلدان إلى مناطق صراع مسلح بين فصائل مختلفة، وتداخل فيها المحلي مع الإقليمي ثم العالمي.

الرئيس السابق أوباما لم يكن يريد أن تدخل الولايات المتحدة حربا جديدة في الشرق الأوسط، بل كان قد انتخب على أساس سحب جنود بلاده من مناطق النزاع، كما تعهد بالشروع في لعب دور مساعد فقط مع القوى الإقليمية المعنية مباشرة بالنزاعات القائمة والدول الأوروبية لإيجاد حلول جماعية لها وكان قد أطلق على فلسفته مصطلح «القيادة من الصفوف الخلفية».

الرئيس أوباما وبن رودز مستشاره للأمن القومي، الأقرب إلى تفكيره، يلتقيان حول سؤال طرحاه كلٌّ من زاويته - عقب مأساة 11 سبتمبر (أيلول) -: «ماذا فعلنا لكي يكرهونا إلى هذا الحد؟».

الجواب لدى أوباما، الذي سيصبح رئيسا فيما بعد، لم يختلف «فلسفيا» عن جواب الأوروبيين: فهم لطالما نظروا إلى الولايات المتحدة كقوة عظمى مهيمنة حلت مكانهم في قيادة ما اتفق على تسميته العالم الحر»، هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى فهناك اختلاف جوهري بين أوروبا وما تمثله الولايات المتحدة من ليبرالية يرونها «مفرطة» أو «متوحشة»؛ ليبرالية تتناقض مع سلم القيم الاجتماعية الأوروبية التي تنحى نحو الاشتراكية.

أوباما كان أقرب إلى الفكر الأوروبي. يقول كيسنجر وزير خارجية أميركا الأسبق في وصفه لسياسة أوباما الخارجية إنها سياسة سلبية. يقول وزير خارجية أميركا الأسبق في إحدى مقابلاته، إن «عقيدة» أوباما ترى أن أميركا تصرفت ضد قيمها الأساسية في عدد من الأماكن حول العالم، وبالتالي وضعت نفسها في مواقف يستحيل معها أي حلول. لذا، فعلى الولايات المتحدة الانسحاب من مناطق النزاعات التي خلقها تدخلها فيها من أجل إعادة الاعتبار لقيمها.

من هذا المنطلق لم يفكر أوباما يوما باستعمال القوة العسكرية، التي يرى فيها سببا أساسيا «لكره العالم للولايات المتحدة». حتى عندما سنحت الفرصة لمعاقبة الرئيس السوري لقصفه شعبه بالأسلحة الكيماوية وتخطيه خطوطا حمراء كان رسمها له الرئيس الأميركي نفسه، تراجع. هناك من يقول إن عدم رغبة أوباما في تخريب المفاوضات السرية بين أميركا وإيران دفعته لعدم استعمال القوة العسكرية ضد نظام الأسد، وهي حجة مقنعة ولكن يبقى أن الرئيس أوباما لم يكن يريد أساسا استعمال القوة العسكرية الأميركية لحل النزاعات التي تواجهها، لاعتقاده أنها أحد أهم أسباب هجوم 11 سبتمبر.

هذا ما فهمه تماما مفاوض أوباما الإيراني، والروسي. لم يتنبه الرئيس الأميركي إلى أن المشكلة في هذه المقاربة تكمن في فقدان أهم أداة تمتلكها الولايات المتحدة لإقناع الطرف الآخر. وما تفاقُم المأساة السورية وارتكاب النظام السوري مدعوماً بروسيا وإيران من فظائع وإبادة للشعب السوري، إلا دليل على فشل وضعف مقاربة الرئيس الأميركي في حل النزاعات.

وهنا يكمن كل الفرق بين الرئيسين ترمب وأوباما فيما خص السياسة الخارجية؛ ترمب ابن البيئة الليبرالية التي ينعتها البعض بالمتوحشة، وهو من نتاجها وتجلياتها. تاريخه المهني التجاري أكبر دليل على ذلك. هو في مكان ما ابن هذا «الحلم الأميركي» الذي يسعى إليه حالمون كثر من أنحاء العالم كافة. ترمب لا يستحي من قوة أميركا العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، بل على العكس تماما، فهو يسعى في كل لحظة إلى تذكير القريبين والبعيدين بها. فهل كان هناك من داع مثلا لتحريك 12 بارجة حربية باتجاه الشرق الأوسط قبل شهرين تقريبا من أجل قصف الأسد بصواريخ قليلة سوى الإعلان الصارخ عن عظمة إمكانات أميركا العسكرية؟ يرى ترمب أن التهديد باستعمال القوة من أدوات العمل الأساسية في أي مفاوضات.

من الواضح أن ترمب ليس وحيدا في هذا العالم، ولكنه من دون أدني شك الأقوى. فقراراته وإن كانت أحادية وتلاقي اعتراضا من قبل الأوروبيين، فإنها ذات أثر عميق. انسحاب ترمب من الاتفاق النووي الإيراني جاء منفردا رغم كل الاعتراض العالمي على هذه الخطوة. ولكن قرار ترمب أجبر كبريات الشركات العالمية على الانسحاب من السوق الإيرانية. فبدا أن الاعتراض على خطوة ترمب لم يبدد شكوك رأس المال الذي ما زالت بوصلته باتجاه واشنطن.

من هنا أعاد ترمب ترتيب سياسة بلاده الخارجية على أساس مصالح الولايات المتحدة أولا، فتقرب من حلفائه الذين عانوا طوال فترة أوباما الرئاسية، لا سيما الخليجيين منهم من انفتاحه على طهران التي عاشت شهر عسل مع الرئيس أوباما الذي غض النظر عن انتشار الحرس الثوري الإيراني خارج حدوده وهيمنته على أربع عواصم عربية وتشكيله خطرا على حلفاء الولايات المتحدة.

التغيير مع ترمب في السياسة الخارجية أتى بإعادة التهديد باستعمال القوة العسكرية كأداة للمفاوضات، وإعادة الاعتبار للحلفاء الذين همشهم الرئيس السابق أوباما.

هل هذا يعني أن ترمب ذاهب إلى حرب أميركية أخرى في الشرق الأوسط؟ ليس بالضرورة فهو أيضا لا يحبذ دخول بلاده في مستنقعات الشرق الأوسط ولكن هذا لا ولم يمنعه من استعمال القوة العسكرية كما فعل في أفغانستان أو حتى سوريا. الرئيس ترمب غيّر من مقاربة بلاده للأزمات في الشرق الأوسط وأعاد إنتاج مواقف الولايات المتحدة التقليدية التي شذ عنها الرئيس السابق أوباما: مع الحلفاء وضد الأعداء.
font change