الإرهاب في أوروبا

هل حققت استراتيجيات وسياسات المكافحة أهدافها؟

الإرهاب في أوروبا

[caption id="attachment_55267075" align="aligncenter" width="4296"]زوجة الجهادي سامي ريتون، المتهمة بالتآمر فيما يتصل بعمل إرهابي ، عند وصولها إلى محكمة باريس في 25 يونيو 2018. (غيتي) زوجة الجهادي سامي ريتون، المتهمة بالتآمر فيما يتصل بعمل إرهابي ، عند وصولها إلى محكمة باريس في 25 يونيو 2018. (غيتي)[/caption]

بون: جاسم محمد

 

* تخشى الحكومات الغربية من ارتداد الإرهاب إليها وعودة آلاف الإرهابيين الذين شجعتهم على الذهاب إلى سوريا.
* رئيس جهاز الاستخبارات البريطاني: تنظيم داعش لا يزال يشكل خطراً على أوروبا، وقد ينفّذ هجمات إرهابية واسعة.
* رئيس مكتب حماية الدستور بهامبورغ: كلما تفكك تنظيم داعش في سوريا والعراق، زاد خطر حدوث هجمات في أوروبا.
* ما تحتاجه أجهزة الاستخبارات هو عدم المبالغة بحجم التهديدات، أو المبالغة بالتعامل مع الأحداث، ميدانياً أو إعلامياً.
* ما زالت هناك مساجد وبيوتات ومراكز تدار من قبل «أئمة التطرف» تدعو إلى عدم الاندماج الاجتماعي وإلى رفض التعايش السلمي ورفض البرامج الحكومية.
* بات ضرورياً ضخ موارد مالية جديدة إضافية إلى أجهزة الشرطة والاستخبارات مع التركيز بصفة خاصة على المخابرات والإنفاق على وسائل المراقبة.
* تبقى مقولة «لا يوجد أمن مطلق» هي السائدة داخل دول أوروبا، وهذا يعني أن حالة التأهب وإعلان التحذيرات سوف تبقى مستمرة.





منذ انطلاق موجات الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا عام 2015. ولحد الأن ودول أوروبا تشهد، حالة من التأهب الأمني والإنذار ونشر القوات على الأرض، إلى جانب إعلان أجهزة استخبارات دول أوروبا تحذيرات بين حين واخر، لتتحول إلى إجراء روتيني أكثر من أي شيء آخر.
ربما نجحت أوروبا بمسك حدودها الخارجية، ومنع عودة المقاتلين الأجانب، لكن هذا لا يعني أبداً، نهاية التهديدات الأمنية من قبل الجماعات الإسلاموية المتطرفة، التي تتخذ ميادين دول أوروبا، نقاط انطلاق لنشر آيديولوجيا التطرف وتقديم الدعم اللوجستي.
يبقى التطرف العنيف داخل أوروبا، هو التحدي الأصعب إلى دول أوروبا من الداخل، والذي يحتاج إلى خبرات في مجالات علوم الاجتماع والنفس ومحاربة التطرف ونزع الآيديولوجيا المتطرفة، وهذا ربما ما زالت تفتقده أوروبا.
قالت وكالة الشرطة الأوروبية (يوروبول) يوم 21 يونيو (حزيران) 2018 إن الهجمات الإرهابية ضد أهداف أوروبية زادت بأكثر من الضعف عام 2017. وحذرت الوكالة من خطر شن تنظيم داعش هجمات على أوروبا، رغم كونها أقل تطورا من سابقاتها.
تحذر وكالة شرطة الاتحاد الأوروبي (يوروبول) دائما من أن تنظيم داعش يسعى إلى تكثيف الهجمات على أهداف أوروبية في أعقاب هزيمته في منطقة الشرق الأوسط. وكشفت تقارير «يوروبول» أن المزيد من المقاتلين الأجانب سيحاولون العودة إلى أوروبا حيث سيكون هناك «عدة عشرات» من هؤلاء المقاتلين القادرين على تنفيذ هجمات، وتشمل خططهم شن هجمات بسيارات مفخخة وعمليات اختطاف وابتزاز، لكن تقرير «يوروبول» قلل من احتمالية شن هجمات على منشآت حيوية مثل المواقع النووية.
وحذر تقرير «يوروبول» عن الإرهاب في يونيو 2017. من تهديدات مستقبلية محتملة لتنظيم داعش الإرهابي، تشمل هجمات تفجيرية عبر طائرات من دون طيار مسلحة، إضافة إلى إمكانية استخدام أسلحة غير تقليدية «كيميائية وبيولوجية وإشعاعية ونووية».
وتخشى الحكومات الغربية من ارتداد الإرهاب إليها وعودة آلاف الإرهابيين الذين شجعتهم على الذهاب إلى سوريا حيث يطلق الكثير من المسؤولين الأوروبيين منذ فترة تحذيرات لتدارك مخاطر عودة هؤلاء لنشر الفكر المتطرف بين الشباب وتنفيذ اعتداءات إرهابية وجرائم في المدن الأوروبية.
أجهزة الاستخبارات تصدر أحيانا التحذيرات ربما بهدف الحصول على صلاحيات جديدة أو إيجاد ضغوطات على السلطة التشريعية للمصادقة على أي مسودة قوانين جديدة في مكافحة الإرهاب ويمكن أن تكون محاولة للحصول على مزيد من الميزانية والدعم السياسي. لكن مهما كانت الدوافع، فإن إطلاق هذه التحذيرات يمكن أن يكون مصدر تنبيه إلى المواطن والمؤسسات لاتخاذ اليقظة والحذر والقيام بواجباتها. لكن ما يتعلق بـ«يورويول»، باتت هذه التحذيرات، روتينية، تصدر بين فترة وأخرى، وكانها «إسقاط فرض».
وفي حديث إلى «المجلة» مع الدكتور عبد الكريم عتوق، من مدريد، وهو خبير في أمن الأشخاص والمنشآت في إسبانيا، يقول: «اتخذت دول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بعض الإجراءات الاحترازية لمكافحة عودة المقاتلين الأجانب إلى الغرب منها: مراقبة حدود دول الاتحاد الأوروبي الخارجية وكذلك ما بين دول الاتحاد خاصة فضاء (الشنغن). وفرضت الدول الأعضاء إجراءات أمنية مشددة على المطارات والمعابر الحدودية وتبادل البيانات والمعلومات حول المسافرين عبر نظام إلكتروني يسمح للدول الأعضاء بالدخول إليه».
وأضاف الدكتور عتوق قائلا: «وجاء قرار تشديد المراقبة على حدود الاتحاد الأوروبي استنادا إلى تعديلات البرلمان الأوروبي لقانون (الشنغن) في 16 فبراير (شباط) 2017. وبموجبه فإن دول الاتحاد الأوروبي تملك الحق في التفتيش الاختياري للأشخاص بالنقاط الجوية والبرية والمائية أي التحقق فقط من جنسية الشخص وقانونية الوثائق، لكن مع ذلك قد يتخذ مثل هذا القرار لتقييم الخطر».
ويرى المدير التنفيذي لوكالة حرس الحدود الأوروبية (فرونتكس)، فابريس ليجيري أن «التهديد الإرهابي لم يتقلص». وقال في خطاب أمام البرلمان الأوروبي في مارس (آذار) 2018 إنه «يجب علينا أن نكون على يقين من أنه لا توجد رحلات عبور لحدود الاتحاد الأوروبي دون أن يتم اعتراضها، لأن ذلك يضر بالأمن الأوروبي».


 

الاستخبارات الأوروبية تحذر من هجمات إرهابية




* الاستخبارات البريطانية: حذر رئيس جهاز الاستخبارات البريطاني «MI5» يوم 15 مايو (أيار) 2018 من أن تنظيم داعش لا يزال يشكل خطرا على أوروبا، وقد ينفّذ هجمات إرهابية واسعة. وأفاد رئيس جهاز المخابرات الداخلية البريطاني، يوم 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2017، بأن بريطانيا تواجه أخطر تهديد على الإطلاق من جانب الجماعات المتطرفة، وأكد أندرو باركر في كلمة، أن التهديد عند أعلى وتيرة يشهدها على مدار 34 عاما من عمله في مجال المخابرات.
وتوقعت وزارة الداخلية البريطانية خلال شهر يونيو 2018 «أن يبقى التهديد الذي يشكله الإرهاب عند مستواه الحالي المرتفع، لمدة عامين على الأقل، وكانت قد أكدت تيريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية في سبتمبر (أيلول) 2017 أن مستوى التهديد الإرهابي في البلاد سيبقى عند المستوى «الخطير»، والذي يعني أن هناك احتمالية عالية لحدوث هجوم، مشيرة إلى أن المستوى سيبقى قيد النظر في ظل استمرار التحقيقات في العمليات الإرهابية. وأشار مارك رولى كبير ضباط مكافحة الإرهاب في المملكة المتحدة في فبراير 2018 إلى أن بريطانيا تواجه تهديدا جديدا وكبيرا من الإرهاب، وبريطانيا هدف رئيسي للمتطرفين الإسلامويين المحليين والأجانب.
* الاستخبارات الألمانية: حذرت الاستخبارات الألمانية من مواجهة مخاطر جديدة على أيدي إسلامويين. وقال تورستن فوس، رئيس مكتب حماية الدستور بهامبورغ (الاستخبارات الداخلية بالولاية لصحيفة «هامبورغر أبندبلات» الألمانية في عددها الصادر يوم 28 ديسمبر (كانون الأول) 2017 إنه كلما تفكك تنظيم داعش في سوريا والعراق، زاد خطر حدوث هجمات في أوروبا.

[caption id="attachment_55267077" align="alignright" width="150"] الدكتور عبد الكريم عتوق[/caption]


وأفاد أستطلاع أجراه معهد «يوغوف» في ديسمبر (كانون الأول) 2017 بأن ثلث الألمان يتوقعون مزيداً من الهجمات الإرهابية في أوروبا، حيث إن (34 في المائة) من الألمان يتوقعون تزايد خطر الإرهاب في ألمانيا وأوروبا عام 2018. ويتوقع (6 في المائة) فقط، أن يتراجع خطر الإرهاب في أوروبا عام 2018، بينما رأى (46 في المائة) من الألمان أن التهديد الذي يشكله تنظيم داعش سيظل كما هو.
* الاستخبارات الفرنسية: توصل المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، إلى حقيقة أن الاستخبارات الفرنسية، ربما من أكثر الاستخبارات الأوروبية التي أصدرت تقارير تحذر فيها من وقوع عمليات إرهابية محتملة وحول مخاوفها من عودة المقاتلين الأجانب وعائلاتهم إلى فرنسا، إلى جانب الاستخبارات البريطانية والبلجيكية. عدد التقرير التي أحصاها المركز الأوروبي والصادرة لعام 2017، كشفت أن الاستخبارات الفرنسية، كانت تصدر تقاريرها على مدار السنة، وهذا يعكس حجم المخاوف والقلق لدى الاستخبارات الفرنسية.
إن إصدار الاستخبارات الفرنسية هذا الكم من التقارير، يعكس مخاوفها، لكن في الوقت نفسه، نجحت الاستخبارات الفرنسية، في منع وقوع عمليات إرهابية نوعية على أراضيها، من خلال الضربات الاستباقية إلى خلايا «داعش» داخل الأراضي الفرنسية، واتخاذ إجراءات أمنية على الأرض إلى جانب اعتماد التعاون الاستخباراتي وتعزيزه بين وكالاتها الاستخبارية وكذلك مع أوروبا ودول المنطقة.
* الاستخبارات البلجيكية: حذر جهاز أمن الدولة البلجيكي يوم 29 يناير (كانون الثاني) 2018 من عواقب أمنية تترتب على اختراق مجموعات متشددة للجالية المسلمة في بلجيكا. ولفت إلى خطر تزايد «مجموعات ومبادرات سلفية» في البلاد و«إمكان تحوُّلها إلى مشكلة اجتماعية تهدد القيم الغربية والديمقراطية» في البلاد.
وفي حديث إلى «المجلة» مع الدكتور هشام عوكل من بروكسل، رئيس تحرير شبكة «المدار» الإعلامية الأوروبية «حول الإجراءات الجديدة التي اتخذتها الاستخبارات والشرطة البلجيكية خلال عام 2018» قال: «إجراءات دول أوروبا، الاتحاد الأوروبي، تكاد تكون متشابهة أمام التصدي إلى ظاهرة الإرهاب، التي شهدت اهتماما دوليا، كون القارة الأوروبية يمكن وصفها بأنها هي أحد مولدات الحركات المتطرفة والمتشددة». وقال: «تعتبر بلجيكا جزءا مهما داخل أوروبا، كون بلجيكا هذا البلد الصغير أنتج أعدادا كبيرة من المتطرفين التحقوا في القتال بصفوف داعش في سوريا والعراق نسبة إلى المساحة الجغرافية وعدد السكان». يذكر أن عدد من حملوا الجنسية الأوروبية في صفوف تنظيم داعش وصل ما يقارب 450 شخصا.
وأوضح الدكتور عوكل أن الإجراءات التي اتخذتها أوروبا فيما يتعلق بموضوعات الهجرة أو تدقيق الدخول والخروج من أوروبا، كانت عملية ناجحة ضبطت تحرك هذه الجماعات المتشددة داخل أوروبا. وأضاف أن بلجيكا طبعا كانت أكثر حزما في هذا الموضوع، وانعكس إيجابيا على المواطن البلجيكي، بشعوره بالارتياح، سواء كان ناطقا باللغة الهولندية أو الفرنسية، والمواطن البلجيكي أخذ يشعر بالطمأنينة، بأن هناك حداً لتمدد هذه الحركات.
* الاستخبارات الهولندية: حذرت وكالة الاستخبارات والأمن الهولندية في تقريرها الصادر يوم 6 مارس 2018، من تصاعد التطرف اليساري واليميني والإسلاموي. وقالت إن المتطرفين اليمينيين معادون للهجرة وللمسلمين، وتسببوا بظهور يسار متطرف.

 

التهديد الإرهابي في أوروبا ما زال عالياً




أظهر استطلاع للرأي أجرته المفوضية الأوروبية في يونيو 2018، أن (29 في المائة) من الأوروبيين يمثل الإرهاب مبعث قلق لهم، ومرة أخرى كانت أعلى معدلات القلق منه في دول لم تشهد أي هجمات إرهابية في الأعوام الماضية وهي ليتوانيا وقبرص وآيرلندا والتشيك وبلغاريا وبولندا ولاتفيا، وأظهر الاستطلاع، زيادة بمقدار نقطة مئوية في معدل الثقة في الاتحاد الأوروبي.
وأفادت وكالة الشرطة الأوروبية (يوروبول) في أبريل (نيسان) 2018 بأن التهديد الإرهابي في أوروبا يبدو عاليا، وأن العدد المحتمل للإرهابيين في الاتحاد الأوروبي، يمكن أن يصل إلى (30) ألف شخص، وأن المخاطر الإرهابية في دول الاتحاد الأوروبي كبيرة ومعقدة، وخصوصا عند الأخذ في الاعتبار المشاركة الفعالة للكثير من المواطنين الأوروبيين في نشاطات الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق واحتمال عودتهم إلى بلادهم لاحقا.
وأوضح مسؤولون أوروبيون في فبراير 2018 إمكانية عودة نحو(1000) متشددة إلى الغرب، وهو ما يشكل خطرا حقيقيا على أمن وسلامة دول أوروبا، وكشف تقرير صادر عن «فرونتكس»، أن التهديد «في تصاعد ويتطور من يوم لآخر، ومن الصعب حاليا تقييم التهديد، لكننا على يقين من أن أمده سيطول».
وأكدت «فرونتكس» أن «ما يقدر بنحو (30 في المائة) من5000 مقاتل إرهابي أوروبي عادوا إلى بلدانهم قادمين من سوريا والعراق وليبيا»، وأضافت: «نحو ألف عروس غادرت أوروبا صوب الجماعات المتطرفة وخصوصا داعش، سيعدن لا محالة إلى دولهن».

[caption id="attachment_55267078" align="alignleft" width="150"] الدكتور هشام عوكل[/caption]

القوانين الجديدة منحت أجهزة الاستخبارات والشرطة الكثير من الصلاحيات، تسمح لرجال الأمن بتفتيش منازل المشتبه بهم أو فتح الطرود البريدية، كما يحق لرجال الأمن زرع أجهزة التنصت أو الكاميرات وعندما تتوفر أدلة قوية عن وجود أطراف خارجية في ملف التحقيقات، يحق لرجال الأمن مراقبة عمليات تمويل للمساجد.
وقد اعتمدت المفوضية الأوروبية قوانين وإجراءات أمنية جديدة لمواجهة التحديات أبرزها:
- تعزيز تبادل المعلومات الاستباقية والتنسيق بين المؤسسات المالية ووكالات إنفاذ القانون والاستخبارات والهيئات القضائية من خلال منصة استخبارات مالية أوروبية لمكافحة الإرهاب، ويمكن أن تديرها وكالة الشرطة الأوروبية (يوروبول)، وتشمل قاعدة بيانات عن المعاملات المشبوهة.
- وضع لائحة بالأفراد والكيانات العاملة في ظل أنظمة مبهمة أو معروفة بالتعاملات المشبوهة وزيادة مراقبة المنظمات التي تمارس التجارة غير المشروعة والتهريب والتزوير والممارسات الاحتيالية.
- إلزام البنوك بمراقبة بطاقات السحب الآلي المدفوعة مسبقًا وذلك لضمان عدم إعادة تحميلها إلا عبر التحويلات المصرفية والحسابات الشخصية.
- مراقبة أماكن العبادة والتعليم والمراكز والجمعيات الخيرية والثقافية إذا كان هناك اشتباه معقول في ارتباطها بالجماعات الإرهابية.
- تحسين الرقابة على الطرق التقليدية لتحويل الأموال، وأيضًا تقييم ما إذا كانت العملات الافتراضية والتشفيرية وغيرها تساعد في تمويل الإرهاب وينبغي أن تنظمها قواعد الاتحاد الأوروبي.
- تحسين مكافحة تمويل الإرهاب: اعتمد البرلمان الأوروبي في أبريل 2018 مقترحا لمفوضية بروكسل يتضمن مزيدا من الشفافية المالية اللازمة لتحسين مكافحة تمويل الإرهاب وتعطيل تمويل الجماعات الإرهابية وغسل الأموال والجريمة المنظمة، ويقول «فرانس تيمرمانس» نائب رئيس المفوضية الأوروبية، إن اعتماد البرلمان الأوروبي للتوجيه الخامس لمكافحة غسل الأموال، يعني وجود قواعد جديدة ستجلب المزيد من الشفافية لتحسين مكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي.
- تعزيز نظام شنغن لتبادل المعلومات: أعلن المجلس والبرلمان الأوروبي في يونيو 2018 عن التوصل إلى حل سياسي حول مقترح المفوضية الأوروبية للعدل والاتحاد الأمني بشأن تعزيز نظام شنغن لتبادل المعلومات بين الاستخبارات، وحرس الحدود والشرطة، ليضمن مراقبة أفضل لمن يعبر حدود الاتحاد الأوروبي، ويساعد قوات الشرطة في القبض على «الإرهابيين»، المرتبطين بتنظيم داعش.


 

دول أوروبا: استراتيجيات جديدة لمكافحة الإرهاب
بريطانيا




تبنت بريطانيا استراتيجيات جديدة لمكافحة الإرهاب في يونيو 2018، وتشمل تبادلا للمعلومات على نحو أسرع بين جهاز «MI5» الاستخبارات الداخلية البريطانية والشرطة والسلطات المحلية وكذلك القطاع الخاص، وتهدف هذه الخطة إلى مشاركة فضلى للمعلومات الخاصة بـ«MI5» مع الشرطة والسلطات المحلية، وزيادة تبادل المعلومات بين وكالات المخابرات والشرطة لمعرفة المعرضين لخطر التورط في الإرهاب وإتاحة الفرصة لنطاق أكبر من التدخلات، وتحسين الأمن في المناطق المزدحمة وتقليل المخاطر.
واعتمدت وزارة الداخلية البريطانية برنامج «بريفينت» (Prevent) في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017 لمكافحة االتطرف، ويهدف البرنامج إلى تقليص التهديدات التي تواجه المملكة المتحدة، ويضم البرنامج أكثر من (2000) طفل ومراهق، منهم نحو (500) فتاة، وكشفت الأرقام أن نحو (30 في المائة) من المحولين إلى البرنامج التأهيلي كانوا دون سن الخامسة عشرة، وأن أكثر من (50 في المائة) فوق سن العشرين، وأن واحدًا فقط من كل (20) طفلاً تلقى مساعدة متخصصة لإبعادهم عن السلوك المتطرف، وأن (16 في المائة) منهم تسربوا خارج البرنامج التأهيلي.
ويعتبر البرنامج جزءا من استراتيجية حكومية لمكافحة الإرهاب في بريطانيا، ويقوم على محاولة الاكتشاف المبكر لمن تظهر عليهم «علامات تطرف» والتعامل معهم قبل تحولهم لمتطرفين، ويهدف لمنعه كذلك من السفر للقتال بالخارج، كما يسعى البرنامج للتحديد الدقيق للأفراد والجماعات المتطرفة عبر تعاون المدارس والمساجد والجامعات مع الشرطة، والإبلاغ عن أي علامات تطرف تظهر على الأفراد والجماعات.
ودعت السلطات البريطانية في فبراير 2018 إلى معاهدة أمنية جديدة مع الاتحاد الأوروبي تدخل حيز التنفيذ عام 2019. وذلك لضمان التعاون في المجال العسكري، وفي مجال المخابرات ومكافحة الإرهاب بعد خروج لندن من التكتل.

فرنسا
كشف تقرير في يونيو 2018 أن الاستخبارات الفرنسية قامت بتوفير ملفات متكاملة للأشخاص الذين تعتبرهم خطرين أمنيا، وهذه الملفات تم تعميمها على الأجهزة الأمنية الأخرى، وعمدت السلطات الحكومية والأمنية إلى تشكيل جهاز خاص تنحصر مهمته في متابعة وملاحقة هؤلاء الأشخاص، وستكون مهمة الجهاز الجديد العمل على رصد المؤشرات التي يمكن أن تدل على الرغبة في التحرك وارتكاب عمل إرهابي.
وأعلن ماكرون، الرئيس الفرنسي، في أبريل 2018، مجموعة محاور حول المشروع الجديد لمكافحة الإرهاب تتركز على وضع أطر قانونية جديدة لتأسيس الهيئات التمثيلية للمسلمين، وأن القوانين الحالية والتنظيمات المتنوعة الحالية قد تتعرض للحظر، وبخاصة تلك التابعة للتنظيمات الإرهابية والمتطرفة وتنظيم قضية تمويل دور العبادة ومراقبتها من طرف الدولة الفرنسية، ووضع آليات جديدة لمراقبة الحسابات والجهات الممولة للمساجد، وتشكيل «تحالف باريس» لمكافحة الإرهاب، ميدانيا وعبر الإنترنت.

بلجيكا
وافق البرلمان البلجيكي على تعديلات تشريعية تعطي لإدارة شؤون الأجانب والهجرة الحق في طرد الأجانب الذين يهددون الأمن العام والأمن الوطني، حتى لو كان هؤلاء الأشخاص قد ولدوا على التراب البلجيكي، أو نشأوا فيها.

ألمانيا
اعتزمت وزارة الداخلية الألمانية في أبريل 2018 تجريد المقاتلين مزدوجي الجنسية، من الجنسية الألمانية، وحرمان الإرهابيين من جوازات السفر والجنسية الألمانية، بشرط أن تكون لديهم جنسية أخرى. وأكدت فرانتسيسكا غيفي وزيرة الأسرة الألمانية في أبريل 2018، إتاحة (20) مليون يورو وإرسال أكثر من (170) خبيرًا في مكافحة التطرف إلى المدارس التي تعاني من مشكلات العنف والتطرف.
وكانت الوزيرة طالبت مؤخرا بزيادة عدد الاختصاصيين الاجتماعيين في المدارس، في ظل تزايد المشكلات بالمدارس التي توجد بها نسب مرتفعة من المهاجرين. وشجعت الوزيرة المدارس على الإبلاغ عن حالات التطرف بين طلابها.

إيطاليا
تشهد إيطاليا تهديدا إرهابيا منخفضا إلى متوسط، لكنها لم تشهد عمليات إرهابية على أراضيها على غرار ما شهدته عدة دول أوروبية أخرى وتحديدا ألمانيا وفرنسا، وتتميز بإجراءاتها الواسعة في مجال مكافحة الإرهاب، لكنها تعتبر نقطة عبور مهمة للإرهابيين نحو أوروبا، ضمن حشود المهاجرين غير الشرعيين، حيث طردت إيطاليا أكثر من 133 مشتبها فيهم على خلفيات إرهابية خلال عامي 2015-2016.

السويد
اعتمدت السويد قوانين وأجراءات جديدة من شأنها اعتقال المشتبه بهم، أي المحتمل أن يقوموا بالتخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية، وتشمل القوانين الجديدة، الأشخاص الذين يعملون على جمع مواد متاحة، لكنها يمكن أن تستخدم في عمليات صنع المتفجرات. وتتطلع أجهزة الأمن السويدي، إلى تشريع قانون جديد يسهم في تسهيل تطبيق قانون تجريم سفر الأشخاص بهدف الانضمام إلى الجماعات الإرهابية، بالإضافة إلى التوجه لمنع استخدام بطاقات الهاتف المدفوعة مسبقا وغير المسجلة. إذ تعتقد الشرطة السويدية أن استخدام هذا النوع من البطاقات (simcard) منتشر في «بيئة الجريمة».

إسبانيا
أفاد تقرير في أبريل 2018 أن الحكومة الإسبانية اتخذت مشروع «الذاكرة ومناهضة الإرهاب» لدى إدارات التعليم المختلفة في مدن «لاريوخا» و«قشتالة» و«ليون»؛ من خلال تخصيص وحدة ‏تعليمية كاملة في مادة الجغرافيا والتاريخ عن الإرهاب، والتي تم إعدادها بالتعاون بين وزارات الداخلية، والتعليم، والثقافة، والرياضة، إضافة إلى مؤسسة ضحايا الإرهاب، ومن المقرر تنفيذ هذا المشروع التربوي في جميع أنحاء إسبانيا خلال العام الدراسي2019 ‏بالمرحلة الثانوية.

هولندا
وضعت السلطة الهولندية قانونا يسمح بسحب الجنسية كإجراء لصالح الأمن القومي والذي دخل حيز التنفيذ في هولندا في مارس 2017، وقامت هولندا لأول مرة بسحب الجنسية من أربعة أشخاص وصفتهم بـ«جهاديين»، وأكدت وزارة العدل في سبتمبر 2017 أن الرجال الأربعة انضموا إلى ميليشيات إرهابية، مثل تنظيم داعش في سوريا، وبحسب القانون، يمكن سحب الجنسية من أفراد حتى في حالة عدم إدانتهم جنائيا، إلا أن هذا القرار يتطلب مراجعة من قاض مختص. ولا يمكن سحب الجنسية الهولندية إلا من أفراد يحملون جنسيتين.

 

النتائج




إن حالة التأهب في دول أوروبا، تعكس حجم المخاطر والتهديدات، خاصة أن التحذيرات كانت ولا تزال تصدر من داخل أجهزة الاستخبارات الأوروبية إلى جانب تحذيرات اليوروبول. وأكدت أجهزة الاستخبارات أن نوعية الهجمات المرتقبة أو المتوقعة في أوروبا، محدودة وغير واسعة، لكن هناك إجماعا بأنه رغم محدوديتها، فإنها تثير الكثير من الرعب لدى المواطن الأوروبي والقلق لدى أجهزة الاستخبارات.
وتبقى أسباب إعلان هذه التحذيرات موضع تساؤلات، لكن هناك رأياً يقول إن أجهزة الاستخبارات تهدف من إعلانها التهديدات الحصول على صلاحيات جديدة وتمويل وموارد بشرية أكثر، وهذا ما يحصل الآن في أوروبا.
وقد وجدت أجهزة الاستخبارات الأوروبية، نفسها غير قادرة أمام التحديات، وأعداد المجموعات الإرهابية، وهذا ما يرجح تنفيذ عناصر أو أنصار تنظيم داعش والجماعات المتطرفة عملياتهم، رغم تصنيفهم ضمن العناصر المتطرفة. فالمشكلة تكمن في إمكانيات ربما أكثر من قدرات أجهزة الاستخبارات، بتعقب العناصر الخطرة. خبراء الأمن والمعنيون بمكافحة الإرهاب يقدرون أن مراقبة شخص واحد على مدار الساعة يمكن أن تحتاج إلى ما لا يقل عن 25 عنصراً من أجهزة الاستخبارات، ما عدا تعقب المراقبة الهاتفية، والمراقبة الفنية، في مقرات السكن والإقامة أو دفع مصادر معلومات بشرية بالقرب منه.
منذ عام 2015 وموجات الإرهاب تضرب أوروبا، رغم حالة الإنذار والتأهب، ربما حل المشكلة لا يكمن في نشر القوات على الأرض، بقدر ما يتعلق بضرورة تعزيز العمل الاستخباراتي: جمع المعلومات حول المطلوبين والقدرة على تصنيفهم حسب درجة خطورتهم؛ فإن تصنيف العناصر الخطرة حسب خطورتها، يوفر الكثير من الجهود والكلفة لأجهزة الاستخبارات، والتصنيف الدقيق يعني تحديد مصادر التهديدات.
ما تحتاجه أيضا أجهزة الاستخبارات هو عدم المبالغة بحجم التهديدات، أو المبالغة بالتعامل مع الأحداث، على مستوى العمليات الميدانية أو الإعلامية، للأسف الكثير من وسائل الإعلام والمتحدثين باسم الشرطة والاستخبارات والحكومات، أصبحوا ناقلين لدعاية تنظيم داعش ووكالة «أعماق» من دون قصد.
ربما تنظيم داعش أيضا نجح باستنزاف قوات وأجهزة الاستخبارات الأوروبية، رغم ما حققته هذه الأجهزة من نجاحات بالتعامل المهني بردها السريع على عمليات التنظيم، خاصة خلال عام 2017 و2018، جعلت أوروبا نسبيا ساحة نظيفة مقارنة بما شهدته من عمليات إرهابية واسعة.
تبقى مسألة البيروقراطية في التعامل ما بين القضاء وأجهزة الشرطة والاستخبارات، مسألة مهمة، كثيرا ماتصطدم الشرطة بأوامر قضائية، وهذا ما دفع فرنسا وبقية دول أوروبا إلى منح أجهزتها صلاحيات واسعة بالتحري والتفتيش والمداهمات وفرض المراقبة.
ورغم ما تقوم به الحكومات الأوروبية من تعديلات قانونية واتخاذ إجراءات جديدة، في مجالات مكافحة الإرهاب، يبقى التطرف من داخل أوروبا تحديا كبيرا، بسبب حقيقة أن دول أوروبا ما زالت لم تصل إلى فهم حقيقي للفرز أو الفصل بين التطرف وأنشطة الجماعات المتطرفة تحت اسم «أنشطة دعوية» أو حرية ممارسة العقيدة والرأي. لقد نجحت الجماعات المتطرفة بسبب ذلك في تقديم الدعم الوجستي إلى تنظيم داعش، من داخل ميادين أوروبا ومن منصات الدعاية الأوروبية، وهذا ما أغفلته دول أوروبا، ولم تدركه حتى وقت متأخر. وهذا ما جعل جهود دول أوروبا في محاربة التطرف ضعيفة جدا وبائسة، ويكمن ذلك بعدم وجود الموارد البشرية والخبراء المعنيين بتطبيق برامج «المناصحة الفكرية» أو إعادة التأهيل الاجتماعي إلى بعض العائدين من القتال داخل صفوف تنظيم داعش والتنظيمات الأخرى.

 

التوصيات




ما تحتاجه دول أوروبا في الوقت الحاضر، هو إيجاد برامج خاصة في محاربة التطرف تحديدا، وردع التطرف داخل أوروبا، فما زالت هناك مساجد وبيوتات ومراكز تدار من قبل «أئمة التطرف» تدعو إلى عدم الاندماج الاجتماعي وإلى رفض التعايش السلمي ورفض البرامج الحكومية.
وتبقى الجماعات المتطرفة التي عادت من القتال بصفوف تنظيم داعش، هي الأخرى، تحتاج الكثير من الجهود والتطبيقات والبرامج في مجال نزع آيديولوجيا التطرف، وربما في هذا المجال تحتاج دول أوروبا الاستعانة بمؤسسات عريقة في دول المنطقة أبرزها «مشيخة الأزهر الشريف» من أجل الاستعانة بها في تدريب وإعداد أئمة المساجد وتفسير نصوص القرآن الكريم بشكله الصحيح.
كذلك يتطلب فرض أحكام وعقوبات شديدة على من يسافر إلى مناطق تشهد نزاعات ويلتحق بالتنظيمات الإرهابية ويتورط بجرائم حرب أو عمليات إبادة وقتل، وتصنيف تلك الدول بالمناطق الخطرة.
ما زالت غالبية دول أوروبا تتعامل مع محاربة الإرهاب والتطرف بطريقة «جنائية»، من قبل المدعي العام، ويعمل على جمع الشواهد والأدلة حول العائدين، بعيدا عن تمجيد ودعم والقتال إلى جانب تنظيم داعش. ما تحتاجه أوروبا أن يكون عندها «فهم» للإرهاب وفصل بينه وبين حرية الرأي والعقيدة.
بات ضرورياً ضخ موارد مالية جديدة إضافية إلى أجهزة الشرطة والاستخبارات مع التركيز بصفة خاصة على المخابرات وتعيينات إضافية والإنفاق على وسائل المراقبة الفنية والإلكترونية. وتخفيض حالة التأهب ونشر القوات على الأرض واعتماد نظام معلوماتي يقوم على مراجعة سجلات المتورطين في جرائم جنائية وكذلك الإرهاب المنظم. وبات ضروريا إيجاد آلية لتبادل المعلومات بين وحدات الشرطة وأجهزة الأمن والاستخبارات من جانب وكذلك مع أجهزة استخبارات أوروبية وإقليمية لمكافحة الإرهاب والتطرف.
يبقى التعاون الاستخباري داخل دول أوروبا ومع الدول التي تواجه الإرهاب في معاقله مطلوبا. وتبقى مقولة «لا يوجد أمن مطلق» هي السائدة في مشهد الأمن داخل دول أوروبا، وهذا يعني أن حالة التأهب وإعلان التحذيرات سوف تبقى مستمرة.
font change