سعاد عبد الرحيم... الكيمياء بين الصيدلية والبلدية

أول رئيسة في تاريخ بلدية تونس العاصمة منذ تأسيسها عام 1789

سعاد عبد الرحيم... الكيمياء بين الصيدلية والبلدية



قلم: منصف المزغني
ريشة: علي المندلاوي



*هل بلديات العواصم بوابة للقصر الرئاسي؟





- 1 –
هي سعاد عبد الرحيم، أصيلة قرية (المطوية) في ضواحي مدينة قابس، ومولودة في صفاقس سنة 1964. وهي الصيدلانية (المحسوبة في الكيمياء السياسي على حزب النهضة، (ولكن دون خمار أو زي طائفي!)... وسعاد عضو بالمكتب السياسي لحركة النهضة ولكنها تعرف نفسها بالمستقلة، وهي متزوجة وأمٌّ لبنتيْن.
- 2 -
سعاد كانت مرشحة حزب حركة النهضة، فازت برئاسة بلدية تونس العاصمة، ضمن سباق شارك فيه مترشحون من أحزاب أخرى، كانوا يتنافسون...
- 3 -
اللافت في السيدة سعاد هو أنها سافرة الوجه الوحيدة من بين نساء الحزب الإخواني في حركة النهضة، فكلهن أو أغلبهن من المتحجبات والمنتقبات. وتظهر السيدة سعاد في مجلس النواب، وفي نشاطها السياسي سافرة الوجه، عارية الرأس ولباسها لا يختلف عن باقي النساء التونسيات العاديات والعصريات.
- 4 -
ولهذا التميز المظهري لدى سعاد عبد الرحيم قصة تروى مع الحجاب؛ فقد كانت ترتديه أيام الجامعة، وفي كلية الصيدلة بالمنستير (مسقط رأس الزعيم الحبيب بورقيبة) وهي المنتمية إلى الاتجاه الإسلامي، منذ تعليمها الثانوي في تونس العاصمة.
- 5 –
ولكن صار لزاما عليها أن تخلع الحجاب، دون اقتناع في البداية، ثم أيام وصول الجنرال زين العابدين بن علي إلى وزارة الداخلية فالوزارة الأولى وصولا إلى الإمساك برياسة الدولة بعد انقلاب على الرئيس مدى الحياة: الحبيب بورقيبة.
- 6 –
حاول نظام بن علي الانفتاح على الجميع، في الأيام الأولى من تسلم السلطة، وأطلق سراح المساجين السياسيين وكانت أغلبيتهم من حزب حركة النهضة بقيادة راشد الغنوشي، ثم انتهى بالتشدد الذي وصل إلى حد الملاحقة الأمنية ضد الحجاب والنقاب لدى النساء، وضد اللحية المحفوفة لدى الرجال، على اعتبار أنه كناية عن الطائفية الحزبية والمعارضة أو المقاومة السياسية.
- 7 –
ولكن السيدة سعاد لم تخلع قناعاتها الحزبية داخل حركة النهضة الإسلامية، واقتنعت بذلك المثل الفرنسي الشهير القائل: الزيّٓ لا يصنع الراهب. L'habit ne fait pas le moin
- 8 –
ولكن... حين جاء الدور على بن علي في الخلع الشعبي بعد 23 سنة من الحكم في ثورة 14 يناير (كانون الثاني) 2011. واصلت سعاد عبد الرحيم خلع الحجاب، كما لو أن الرئيس بن علي في الحكم.
- 9 –
لقد رأى حزب حركة النهضة في مظهر السيدة سعاد، نوعا من الطرافة والتنوع، وخصوصية الحالة، لأن هذه السيدة تؤمن بمبادئ الحركة الإسلامية، وتمثّل نوعا من «التعددية» التي يسمح بها الحزب، وتعكس ما يريد الحزب أن يظهر به أمام الرأي العام: وجه التسامح والعصرية في فكر الإخوان المسلمين.
- 10 –
تصر سعاد عبد الرحيم على كونها مستقلة وتقول حركة النهضة إنها مرشحة النهضة. وتقول أطراف أخرى إن البلدية بوابة محتملة (وليست أكيدة) نحو رئاسة الجمهورية (انظر جاك شيراك الذي جاء إلى الرئاسة الفرنسية بعد بلدية باريس، والرئيس الإيراني أحمدي نجاد قدم من بلدية طهران، وإردوغان وصل إلى القصر الرئاسي من بوابة بلدية إسطنبول، ولا يغامر أحد بالسؤال: هل بلديات العواصم بوابة للقصر الرئاسي؟ وقال آخر: ولكن البلديات حبلت بكثير من الرؤساء وأجهضتهم قبل وصولهم إلى القصر الرئاسي.
- 11 –
وقال بعض من حزب سعاد عبد الرحيم: ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة... وقال المتفائلون: لنجرب امرأة في الشؤون البلدية، من يدري؟ وقالت بعض النساء: نأمل أن تتحسن الأوضاع البلدية في عهد سعاد. وقال آخر: كل الأمل في أن يترك حزب النهضة ابنته تعمل مع أعضاء المجلس البلدي المنتخبين والعاملين تحت رئاسة سعاد عبد الرحيم.
- 12 -
وصعود سعاد عبد الرحيم الرئيسة الجديدة، لبلدية تونس العاصمة شكل حدثا نسويا تاريخيا: إنها المرأة الأولى التي فازت بمنصب رئيس(ة) بلدية تونس العاصمة، أو شيخ (ة) مدينة تونس بعد أن تداول الرجال على هذا المنصب منذ تأسيس البلدية عام 1789. باسم مشيخة وصارت بلدية فيما بعد.
- 13 -
ولكن، سعاد عبد الرحيم لا تستطيع أن تعمل إلا تحت أضواء المعارضة الكاشفة، بمعادلات كيميائية سياسية عارفة، فالقرارات البلدية تشبه أدوية الصيدلية، ولكن بمواصفات، وموافقات، وتنافسات ومعايير بعيدة، ولا شك، عن الصيدلة، وقريبة من كيمياء الشؤون اليومية للمواطن. أضف إليها التجاذبات السياسية بين الأحزاب.

font change