أي مستقبل للاقتصاد المصري بعد التغيير

أي مستقبل للاقتصاد المصري بعد التغيير

[caption id="attachment_649" align="aligncenter" width="620" caption="الشعب يريد رغيف الخبز"]الشعب يريد رغيف الخبز[/caption]
لا يمكنك إرضاء الجميع طوال الوقت، ولكن من الأسهل أن ترضي الجميع لبعض الوقت إذا سارت الأمور على نحو طيب، على الأقل اقتصاديا. ولنأخذ على سبيل المثال، سائق التاكسي الذي سنطلق عليه مروان. خلال ذروة الانتفاضة، وعندما كان ميدان التحرير يعج بأكثر من مليون متظاهر ضد الحكومة، كان مروان يخسر المال مع كل ساعة تمر، حيث وجد مروان، الذي يعتبر بالمعايير المصرية من ذوي السعة والقادرين على كسب مقدار كبير من المال يوميا، نظرا لامتلاكه سيارة، نفسه فجأة غير قادر على العمل، أو سحب أمواله أو حتى العثور على الطعام. وكل ذلك وسط حالة عامة من الخوف من عمليات النهب والفوضى العامة. وبغض النظر عن ميوله السياسية، كان مروان - على غرار العديد من المصريين - متحمسا لأن تعود حياته إلى الوضع الطبيعي بأسرع ما يمكن.

ولكن التوازن الاقتصادي لم يتحقق حتى الآن. فوفقا لتقرير أصدره البنك الفرنسي كريدي أغريكول، فإن استمرار الاضطرابات المدنية كان يكلف الاقتصاد المصري ما يزيد عن 300 مليون دولار يوميا، نظرا لإغلاق البنوك والمصانع وتعليق نشاط البورصة والانخفاض الهائل في نشاط السياحة. «فقد كانت السياحة تمثل 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2010 ويمكن أن تتراجع تلك العائدات بسهولة إلى مستويات ما قبل عام 2004 التي كانت أقل من 5.5 مليار دولار»، وفقا للتقرير، وفي العام الذي كان خبراء الصناعة يتوقعون فيه عائدات قياسية تصل إلى ما يقارب 14 مليار دولار، فإن ذلك يعني عواقب اقتصادية وخيمة لتغطية التكلفة.

وبالتالي فهل من المستغرب، أن الغالبية العظمى من المصريين الذين صوتوا في الاستفتاء الوطني الأخير حول التعديلات الدستورية اختاروا تجنب حدوث تغيير راديكالي كبير؟ فالناس، مثل مروان، شهدوا الأوضاع الاقتصادية السيئة وهي تزداد سوءا خلال الأشهر القليلة الماضية. كما تفاقمت البطالة - التي كان يبلغ معدلها وفقا للمصادر الرسمية 8.9 في المائة ولكنها تصل في الواقع إلى نحو 20 في المائة - بسبب عودة نحو 200 ألف مصري، هاربين من الفوضى في ليبيا المجاورة. والاهتمام الأساسي الآن هو محاولة تحقيق قدر من الاستقرار - وهي ليست بالمهمة السهلة والبلاد في هذه المرحلة الانتقالية.

وكان أول إجراء لمعالجة أزمة البطالة في هذا العصر الجديد هو الإجراء الذي اقترحه وزير القوى البشرية والهجرة، أحمد حسن البرعي. وقد تم الترحيب بقراره بعدم إصدار تصاريح عمل للأجانب (عدا المتخصصين) باعتباره تشجيعا بسيطا لدفع المصريين للعمل، ولكن ما زال هناك كثير من القرارات التي يجب اتخاذها. وتتعلق الصعوبة التي تواجهها مصر الآن بالنزاع حول الطريق الذي يجب أن تسلكه صوب التعافي الاقتصادي. فيعتقد بعض الاقتصاديين البارزين أن تحفيز الروح الريادية هو الطريق لتوفير فرص العمل. فتقول عليا المهدي من جامعة القاهرة لشبكة الأخبار الإنسانية (أيرين): «تستطيع الحكومة تشجيع المشاريع بمجرد أن تخبر أصحاب المشاريع الصغيرة أنهم سوف يحصلون على إعفاءات ضريبية.. كما يمكن أن توفر الحكومة كثيرا من الحوافز الأخرى لتشجيع المستثمرين على العودة». ومن جهة أخرى، فإن عقودا من محاباة المعارف والفساد العام في عهد حسني مبارك خلفت حالة من التشكك حول السوق الحرة في مصر. وبالتالي، فإن أصحاب المصالح الاقتصادية والمستثمرين المرتبطين بالنظام القديم هربوا خوفا من الربط بينهم وبين الحرس القديم.

ويثق المحللون في أنه نظرا لهذه الفترة غير المستقرة، لن ينخفض فقط معدل النمو الاقتصادي من نسبة 5.8 في المائة المتوقعة إلى 3.8 في المائة ولكن عجز الموازنة سيرتفع أيضا من 7.9 إلى 8.5 في المائة. وفي مثل هذا الوضع المتأزم، يجب تشجيع النمو. وأخذا في الاعتبار المأزق الآيديولوجي بين تحفيز السوق الحرة والمشاريع الوطنية الجديدة – وهو ما يعني اضطلاع الدولة بدور أكبر في الشؤون الاقتصادية، ومن المحتمل أن يتضمن قطاعا عاما غير مقيد مع تزايد الدعم - فمن الصعب معرفة أي الطرق ستسلكها البلاد.

إن الشعار الأساسي الآن هو الاستقرار. ومن السهل أن نضع الاتهام بعدم الاستقرار على عاتق الثورة إذا ما افترضنا أن النظام الذي سبق الأزمة الحالية كان مستقرا. فنحو 20 في المائة من السكان في مصر يسيطرون على معظم رأسمال الدولة، ونفس هؤلاء الـ20 في المائة هم الذين - حتى الآن - يقررون إذا ما كان الاقتصاد مستقرا أم لا.

وقد اقترح بعض المراقبين أن الأفضل بالنسبة للبلاد هو نوع من الاقتصاد المختلط، وهو القادر على توفير شبكات أمان للفقراء - نحو 20 في المائة من المصريين يعيشون تحت خط الفقر - وتشجيع النمو والاستثمار. وفي نفس الوقت، يعمل على التخلص من الفساد من خلال فتح الاقتصاد أمام الشركات التي كانت محرومة من الفرص من قبل.

ربما تقول إن القول أسهل من العمل. وربما يكون ذلك صحيحا، ولكن مصر لديها كثير من الموارد - قناة السويس، سد أسوان، نهر النيل - بالإضافة إلى إمكانات بشرية هائلة، وجامعات مرموقة، وسكان متعلمين وروابط تجارية تاريخية. ويمكن استغلال كل ذلك لتطوير نظام اقتصادي ليس معتمدا على المشاريع الكبيرة وليس ضعيفا على مستوى المؤسسات. وعلى الرغم من عدم استعداد الجماهير الواضح للاحتفاء بتغيير شامل وهو ما تبدى في الاستفتاء الأخير، فإن أفضل شيء يمكن قوله حول الاقتصاد المصري اليوم هو أنه سوف يبتعد قطعا عن الرأسمالية الصديقة التي اتبعها خلال الثلاثين عاما الماضية.
font change