ماحدث طفرة في إدراك العراقيين للفهم الديمقراطي

ماحدث طفرة في إدراك العراقيين للفهم الديمقراطي


ما ظهر من جو ديمقراطي ومتابعة ديمقراطية في العراق خلال الأيام القليلة الماضية ما هو إلا وجه من وجوه الممارسة الديمقراطية، على الأقل مظهرها الخارجي. ولكن المتابع لذلك النموذج من الفعل الديمقراطي سيواجه لا محال من مجموعة ليست بالقليلة من المفاجآت ومن بينها :


فلا يخفى على أحد أن العراق، هو صاحب التاريخ العريق، والمجد التليد، فهو أول من سن القوانين ومارسها على وجه الخليقة، وهو أول من أدخل العلم في العمل، ونقل الإنسان من حالة اللاوعي إلى بناء المجتمعات وزرع الأمل. لكن الحقيقة أيضًا تقول، أنه مع ذلك فقد ظل حبيسًا للنظم السلطوية في معظم تاريخه الطويل وأصبح نموذجًا للخروج على الجو الديمقراطي، على الرغم من بعض المحاولات التي أرادت له الانتقال إلى حالة الممارسة الديمقراطية الصحيحة.




فالاحتلال الذي أقدمت عليه الولايات المتحدة وحليفاتها عام 2003، لم يكن إلا احتلالا من النوع الشرس المدمر الذي بنى إستراتيجية في العراق على أساس " الفوضى غير الخلاقة "، بل كانت في محتواها ومرماها  " فوضى هدّامة ". وقد التزمت بذلك النمط الهدمي منذ الاحتلال حتى يومنا هذا. وبذلك فإن ما دعت إليه من بناء جو ديمقراطي صحي في العراق لم يبتعد كثيرًا عن حقيقة التسلطية الهدمية. ولهذا السبب ظلت التجارب الديمقراطية التي مارسها الشعب العراقي لا ترتقي إلى مستوى أبسط الديمقراطيات التي تمارس في مناطق أخرى في العالم. وعلى مدى الأعوام السبعة من الاحتلال، مارس الشعب العراقي نوعًا من الديمقراطية. وخاض عددًا من الانتخابات من بينها انتخابات 2005 وانتخابات المحافظات والمجالس المحلية 2008.


لكنها لم تكن بالدرجة الكافية التي تؤهل المجتمع العراقي للادعاء بالممارسة الديمقراطية المقبولة.وانتظر الشعب العراقي على اختلاف فئاته وتوجهاته وطموحاته للانتخابات الحالية التي أجريت أخيرًا. وبالرغم من الاهتمام الدولي والإقليمي بالانتخابات العراقية الأخيرة فإن عناصر التأثير اختلفت من حالة إلى أخرى.  ففي الوقت الذي كان على الدولة المحتلة، وهي الولايات المتحدة أن يكون لها دور إيجابي فيما يخص الانتخابات ونتائجها التي تمس بشكل مباشر المصالح الأمريكية وخاصة قرار الانسحاب العسكري الأمريكي وتمشيته بموجب الجداول التي ألزمت نفسها بها، وكانت عملية المراوغة والانتقال بالمواقف على حساب الوضع السياسي العراقي ومستقبله واضحة وحاجته الماسة لتهدئة الأحوال وتوفير حالة من الأمن تبعث في الفرد العراقي الأمل بإعادة البناء والعودة والمساهمة في خلق جو سياسي مريح لكل العراقيين، ونشر حالة من التآلف والتقارب فيما بين أطرافه المختلفة.


 
ولكل هذا فإن ما جرى في الانتخابات الحالية يشكل طفرة في إدراك الإنسان العراقي للفهم الديمقراطي، والممارسة المقبولة. ولكنها مع ذلك لا يمكن أن تكون نموذجية أو خالية من الهفوات المؤثرة. والتي يقع ضحيتها بعض الفئات من المجتمع العراقي..من هذا المنطلق يمكننا القول، إن الديمقراطية التي دخلت على العراق فجأة وبدون سابق إنذار، قد خلقت جوًا من الفوضى التي يمكن أن يطلق عليها تسمية الديمقراطية الفوضوية، ولكنها مع هذا أصبحت تشكل في الوقت ذاته، مفتاحًا للقبول الديمقراطي، الذي ربما سيكون في المستقبل القريب الخيار الأفضل لكل الشعب العراقي بعد أن يدرك مزايا الديمقراطية ويمارسها بفهم وعلم وصدق وقناعة وبعد أن يتحرر الجميع من تبعات الماضي الثقيلة وعٌقده وأن يختاروا شعلة الحياة لتتغلب على ظلام الأنظمة الفاسدة المنحرفة فكرًا وممارسة. وألا نضع خيارنا فقط بالقول القائل، " الحياة شعلة: إما أن نحترق بنارها، وإما أن نطفئها ونعيش في ظلام ".

font change