بعد نورييغا وصدام.. أي مصير ينتظر القذافي

بعد نورييغا وصدام.. أي مصير ينتظر القذافي

[caption id="attachment_845" align="aligncenter" width="620" caption="العقيد معمر القذافي يتحدث في مقر الأمم المتحدة بنيويورك في 23 سبتمبر 2009 "]العقيد معمر القذافي يتحدث في مقر الأمم المتحدة بنيويورك في 23 سبتمبر 2009  [/caption]


ليست هناك مقارنة بين خطاب معمر القذافي الذي استمر 100 دقيقة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 23 سبتمبر (أيلول) 2009 وبين خطاب فيدل كاسترو الذي استمر لمدة أربع ساعات ونصف الساعة في 1960، بل وليس هناك وجه للمقارنة بينه وبين خطاب كريشنا مينون الذي حقق رقما قياسيا، حيث استمر لثماني ساعات في 1957. إلا أن القذافي تمكن من تجاوز الخطاب الذي استمر لخمس عشرة دقيقة المسموح بها وفقا لقوانين الجمعية العامة مما جعل مترجمه الخاص ينهار من الإرهاق قبل نهاية الخطاب.

وفي ذلك الخطاب، وهو يرتدي ملابس تشبه ملابس شرير من الفيلم الكلاسيكي الشهير "ماد ماكس"، تحدث القذافي حول العديد من القضايا، بما في ذلك حل الدولة الواحدة الذي يراه للصراع الإسرائيلي الفلسطيني والذي أطلق عليه "إسراطين". ومع ذلك فإن القذافي قضى معظم المائة دقيقة وهو يتحدث حول التدخل المسلح. وأخبر الجمعية العامة للأمم المتحدة كيف أن رجاله قد وضعوا العديد من الألغام على الجبهات الليبية قائلا "إذا أردتم غزوي فربما تقتلون".

كان القذافي يشعر بالتوتر نظرا لقيام الولايات المتحدة بخلع مانويل نورييغا من السلطة في بنما في 1989، وقد انتقد بقوة غزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة أيضا لخلع نظام صدام حسين. وأظهر القذافي اهتماما خاصا بالمعاملة التي تلقاها كلا الزعيمين من سجانيهما.

يبدو أن القذافي كان يشعر بأن ذلك سيحدث له. فقد وصلت الانتفاضات التي اندلعت في العالم العربي (على نحو طبيعي) إلى ليبيا، وبعدما استخدم القذافي القوات الجوية لقصف المتظاهرين، سرعان ما عاد اسمه إلى قمة القائمة السوداء للقوى الغربية، والتي يبدو الآن أنها تحتوي على كل تلك العناصر التي يحتاجها الغرب للتخلص منه. وطوال سنواته الـ 42 التي قضاها في السلطة، لم يستطع القذافي سوى عقد عدد قليل من الصداقات خارج ليبيا، ولم يظهر معظم جيرانه العرب قلقا كبيرا حيال رحيله.

والقضية المثيرة للجدل الآن ليست إذا ما كان العالم العربي بصفة عامة وليبيا بصفة خاصة سوف يكونان أفضل من دون القذافي، ولكن القضية تتعلق بالمدى الذي يمكن إلى حده أن تلعب الأطراف الخارجية دورا حيويا في الخلع القسري للرئيس الليبي. فقد أعلنت الدول العربية عبر الجامعة العربية أنه على الرغم من تأييدها لفرض الحظر الجوي فإنها لا ترغب في أن ترى الولايات المتحدة وهي تشارك في غزو ليبيا.

وقد اتهم الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف الولايات المتحدة بالإمبريالية، فيما أدانت الصين الهجمات العسكرية ضد ليبيا واستخدام القوة. كما أعرب عدد من الزعماء الأفارقة عن اعتراضهم على التدخل العسكري. ودعا الاتحاد الأفريقي الذي كان القذافي يترأسه من قبل إلى إنهاء التدخل العسكري فيما أكد على شرعية مطالب الشعب الليبي. وقد أكد رئيس زيمبابوي روبرت موغابي الذي عرض تقديم ملجأ للقذافي أنه "كان يجب علينا أن لا نمنح الغرب، في ظل معرفتنا بميوله الدموية السابقة، تلك المساحة التي تمكنه من الوصول للشعب في أفريقيا".

ولا يجب أن يكون مفاجئا أن الانتقاد الشديد لاستخدام القوة العسكرية يأتي من هؤلاء الذين لا تقع حقوق الإنسان في قائمة أولوياتهم، بل وتعد في العادة عبئا عليهم. ومن جهة أخرى فإن القوى الغربية لديها تاريخ حديث أسود في الشرق الأوسط، بخاصة بعد الغزو الكارثي للعراق، حيث لم يعد هناك مجال لارتكاب الأخطاء في ليبيا.

إلا أنه من الصعب تخيل أن تقف الأمم المتحدة وفرنسا وبريطانيا موقف المتفرج فيما يذبح القذافي شعبه. فعلى حد تعبير ألان جوبيه، وزير خارجية فرنسا: "إذا لم نفعل ما نفعله الآن، يجب أن نشعر بالعار". أضف إلى ذلك العلاقة الطويلة والمضطربة بين القذافي والغرب، وموجة اللاجئين التي تهدد بنشر الفوضى في دول البحر المتوسط، وهو ما يجعل عدم اتخاذ الغرب لردة فعل، على الأقل، أمرا غريبا.

ومن جهة أخرى يسمح قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 1973 والذي صرح بالتدخل العسكري باتخاذ "كل الإجراءات الضرورية" لحماية المدنيين المهددين. وعلى حد تعبير بن رودز، نائب مستشار الأمن القومي الأميركي لشؤون الاتصالات الاستراتيجية، فإن أهداف العملية العسكرية هي "حماية المدنيين الليبيين، ووقف تقدم قوات القذافي على المدن الليبية، والتمكن من فرض حظر الطيران، والتمكن من توصيل المساعدات الإنسانية إلى الشعب الليبي". حيث إن "فرض الحظر الجوي" لا يقدم أي تبرير لنوع العمليات التي يقوم بها التحالف. وأخذا في الاعتبار أن معارضة قوات القذافي في معظمها مدنية، أصبح التحالف على نحو غير رسمي القوات الجوية للثوار. وعندما يتم القضاء على القوات الجوية للقذافي، سوف تنتقل قوات التحالف لاستهداف الجيش النظامي للقذافي.

وفي أقل من عشرة أيام منذ بداية الحملة الجوية، استعادت المعارضة سيطرتها على عدد من المدن الساحلية – أجدابيا، راس لانوف، البريقة، وبن جواد – من دون أن تجد مقاومة بعدما مشطت غارات التحالف المدن قبل دخولهم. وهناك تقارير حول أن قوات القذافي تترك وراءها الأسلحة والزي الرسمي. لقد تم تدمير قوات القذافي الجوية تقريبا، كما أصبحت قدرات جيشه إلى حد كبير محدودة مقارنة بقدراتها قبل أسبوعين. فقد خسر القذافي الزخم، ومن الصعب أن نتصور أن يستعيد اليد العليا.

إن المشكلة المتوقعة الآن هي أن تتحول الحرب الأهلية بليبيا إلى مأزق، حيث يقف كل من الفريقين عند المناطق التي استطاع الاستحواذ عليها من دون أن تكون لديه القدرة على الفوز بالحرب. ومن جهة أخرى، فمن الصعب وضع سيناريو يستطيع فيه القذافي أن يستعيد الهيمنة، أخذا في الاعتبار تعهد التحالف باستمرار الحملة الجوية التي يقودها حلف شمال الأطلسي مهما تطلب الأمر.

مانويل ألميدا
font change