صلاح منتصر يروي شهادته عن «ثورة 23 يوليو»

صلاح منتصر يروي شهادته عن «ثورة 23 يوليو»

[caption id="attachment_55267752" align="aligncenter" width="954"]الكاتب صلاح منتصر الكاتب صلاح منتصر[/caption]

القاهرة: خالد أبو الروس



* من الطبيعي أن تثمر سنوات الناصرية وما بعدها إنسان اليوم بكل ما اكتسب من خداع.
* يكشف الكتاب عن أن عبد الناصر أحب سوريا وكان الانفصال سبباً رئيسياً في تحوله إلى نمر جريح.




بالتزامن مع ذكري ثورة 23 يوليو 1952. صدر كتب «شهادتي على عصر عبد الناصر... سنوات الانتصار والانكسار»، للكاتب الصحافي صلاح منتصر، يروي فيه شهادته عن عصر عبد الناصر خصوصا أحداث انفصال مصر عن سوريا، والذي تسبب في عقدة مستمرة ظل طوال حياته يربط بها الأحداث في مصر.
في حين كان كاتب الكتاب يكتب بصفة يوميه ملخصا لخطب وأحاديث جمال عبد الناصر في صدر صحيفة «الأهرام»، أي أنه كان لسنوات ظلا لـ«ناصر» على حد وصفه. ويذكر الكتاب أن هناك جيلين على الأقل لم يشهد أي منهما هذه الثورة، أو قرأ عنها قراءات متناثرة لا تجمع الخط الدرامي لما حدث.
يقول الكاتب في بدايات شهادته التي صدرت في كتاب عن «دار أخبار اليوم»: «لست من جرحى أو ضحايا 23 يوليو، ولم يأخذوا مني شبرا من أرض أو وضعوني تحت الحراسة يوما أو أمموا مشروعا أمتلكه أو حتى أوقفوني عن العمل في الصحافة التي بدأت مشوارها في دار أخبار اليوم في يناير (كانون الثاني) 1953 بعد ستة شهور من قيام حركة يوليو، كذلك فإنني لم أكن من الذين تفضلت عليهم، فعندما قامت يوليو كنت أستكمل دراستي وفي نفس الوقت أعمل موظفا حكوميا».. بما يعني أن شهادته كتبها بأمانة لتكون عونا لأجيال حاضرة أو حضرت ولم تعرف أو عرفت ولم تفهم.
تؤكد الشهادة على أنه، وبصرف النظر عن أي شيء آخر، فقد فشلت سياسة الاشتراكية بمختلف تسمياتها في مختلف الدول التي تبنتها، ولم تنجح دولة واحدة التزمت بهذه السياسة، حتى الصين لم تحقق نهضتها الكبرى إلا على يد دينغ شياو بنغ، والذي نجح في تحرير العقول وإطلاق الحوافز وتحطيم المقدسات التي تحرص عليها الشيوعية. ويشير إلى أن أخطر ما في الحقبة الناصرية تعويد المواطن على الاعتماد على الدولة في كل شيء تعليما وعلاجا وأكلا وشربا وفكرا ومن ثم ظهر ما أصبح يسمى «كارثة الدعم» أو الخداع.
في عصر ما قبل الثورة كان الدعم لا يقدم إلا في بند واحد وهو «الجاز» الذي ينير المصابيح. وكانت كل الأسعار حقيقية في كافة السلع ومناحي الحياة. وعلى سبيل المثال المدارس، إلا أنه كانت هناك حياة اجتماعية على أعلى مستوى... حدائق وملاعب كرة وصالات موسيقى.
وأضاف الكتاب أنه من الطبيعي أن تثمر سنوات الناصرية وما بعدها إنسان اليوم بكل ما اكتسب من خداع، فهو يعيش أزهى عصور الديمقراطية وهو فرعون ابن فرعون، وهو معين في عمل لا يعمله، ويقبض مبلغا لا يكفي حوائجه... يعتمد على الدولة في استكمال حاجته «ويفتح الدرج» للحصول على حقه من المواطنين مباشرة، ومن يقوم بحصر ملكية آلاف البيوت المبنية بالطوب الأحمر في طول مصر وعرضها يعجب أنها لموظفين صغار تكفي مرتباتهم بالكاد ثمن الخبز الذي يشترونه لأولادهم، ولكنهم أصبحوا اليوم من أصحاب الأملاك الذين لا يسددون أي ضريبة عقارية عن أملاكهم لأن مبانيهم بالطوب الأحمر التي يعفيها القانون من احتساب ضريبة باعتبارها لم تكتمل!
وكشف الكتاب عن أن عبد الناصر كان يعتقد أن العمل السياسي وتعدد الرأي يعطل مشروع عدالته الاجتماعية، لذلك لم يشجع التفكير الحر وأطلق أوصاف أعداء الثورة والرجعية وغير ذلك من الصفات التي تركت تأثيرا في فكر الملايين الصاعدين حتى بدا لهم أن من يكسب مالا فهو حرامي يمص دم الشعب وهو تفكير ظل تقريبا حتى اليوم.

[caption id="attachment_55267757" align="alignleft" width="704"]غلاف الكتاب غلاف الكتاب[/caption]

ولذلك كانت آمال عبد الناصر بالنسبة للمواطن محصورة في الأكل والشرب وعندما وجد أناسا أغنياء اعتبر أن ثراءهم خروجا عن الدين والشرع وأن العدل الاجتماعي الذي رفع شعاره، وتذويب الفوارق بين الطبقات، يقتضي الاستيلاء على أموال الأغنياء ومساواتهم بالفقراء.
ويؤكد الكتاب على أن عبد الناصر لم يكن شيوعيا عندما بدأ حكم مصر، لكنه بعد سنوات قليلة آمن بحتمية الحل الاشتراكي، وسيطرة الدولة على وسائل الإنتاج، مما استدعى تأميم مئات الشركات الخاصة بهدف تقليم أظافر القطاع الخاص من الثروة.
ولا يعفي الكاتب قصة الوحدة مع سوريا باعتبارها من أسباب اتجاهه إلى الاشتراكية، وما صحبها من قرارات تأميم وفرض حراسة وغيرها. ويقول: «لقد تبين له أن الذي قام بالانفصال عن مصر عدد من الضباط السوريين تم شراؤهم بالمال، مما رسخ في ذهن عبد الناصر قدرة المال على التغيير والتآمر، فكان أن اتجه إلى مطاردة أصحاب المال تحت شعار تذويب الفوارق بين الطبقات، بينما الذي حدث أن الاشتراكية (أفقرت الأغنياء) بالاستيلاء على أموالهم باعتبارهم يمثلون الرأسمالية المستغلة التي تسعى إلى الكسب، وأصبح القطاع الخاص نتيجة لذلك يمثل صورة كريهة ضاعف منها أن الاشتراكية أعطت العاملين المشاركة في الإدارة والمشاركة في الأرباح وتقليل عدد ساعات العمل وتمييز من ينتمي إلى العمال والفلاحين على أي فئة أخرى من فئات المثقفين والعلماء».
ويكشف الكتاب عن أن عبد الناصر أحب سوريا وكان الانفصال سببا رئيسيا في تحوله إلى نمر جريح، وكما ذكر سابقا أن المال والرشوة كانا خلف هذا الانفصال، شعر عبد الناصر بالكراهية لكل أصحاب المال لذلك جاءت القرارات الثورية عام 1961. وبناء على القرارات الثورية قام باعتقال بعض الأشخاص الذين ظهر منهم نشاط معاد للثورة وإعادة بعض السياسيين القدامى إلى السجن، وهؤلاء كان من حكم عليهم بالسجن من محكمة الثورة وأفرج عنهم إفراجا صحيا، وقد تم تكليف زكريا محيي الدين وزير الداخلية في ذلك الوقت بهذه المهمة.
وفي 17 أكتوبر (تشرين الأول) 1961 أصدر وزير الداخلية قرارا باعتقال 40 مواطنا معظمهم من حزب الوفد المنحل، كما أعلن مصادرة أموال وممتلكات 400 شخص آخرين و167 من كبار الرأسماليين في مصر ونحو 80 مصرفا وشركة تأمين كانت موضوعة تحت الحراسة المؤقتة.
ويقول الكتاب: «في 30 أبريل (نيسان) 1966 وقع حادث في قرية كمشيش بمحافظة المنوفية شمال العاصمة القاهرة كانت له أصداء واسعة في مصر، فقد قتل بطلق ناري المواطن صلاح حسين الناشط السياسي وعضو الاتحاد الاشتراكي في مشادة جرى تصويرها بأنها من تدبير عائلة رأسمالية والتي تعد من أكبر ملاك الأراضي هناك، ولصداقة القتيل بأحد كبار المسؤولين، كما قيل، أخذت القضية بعدا سياسيا خاصة بعد أن أطلت عقدة الانفصال السوري الذي كان وراءه الإقطاع السوري».
ويضيف: «على الفور اقتحم الأمن القرية وتتبع كل أفراد هذه العائلة رجالا ونساء وتمكن من القبض على 314 شخصا أودعهم السجن ووقع ضدهم جرائم جاء عنها في تقرير المستشار عبد الحميد عمر بعد نكسة 1967: (إن الفترة التي جرت فيها أحداث هذه القضية هي أسوأ فترة مرت بها مصر فهي فترة ذبحت فيها الحريات ووطئت فيها أجساد الناس بالنعال، وأقر الرجال فيها بالتسمي بأسماء النساء ووضعت ألجمة الخيل في فم رب العائلة وكبير الأسرة، ولطمت الوجوه والرؤوس بالأيدي، كما ركلت بالأقدام. والمحكمة لا يسعها إلا أن تسجل أن المخلوق الذي ينسى خالقه ويأمر الابن أن يصفع وجه أبيه أمام الناس هو مخلوق وضيع وتافه)».

font change