بعد اغتيال رفيق الحريري، تم الدفع بابنه سعد الحريري إلى قلب الساحة السياسية اللبنانية. وهو يواجه حاليا، في منصبه كرئيس للوزراء، مهمة شاقة في تخفيف التوترات الطائفية إذا أصبح الاستقرار الهش الذي يخطط من أجل تحقيقه مستداما.

بعد اغتيال رفيق الحريري، تم الدفع بابنه سعد الحريري إلى قلب الساحة السياسية اللبنانية. وهو يواجه حاليا، في منصبه كرئيس للوزراء، مهمة شاقة في تخفيف التوترات الطائفية إذا أصبح الاستقرار الهش الذي يخطط من أجل تحقيقه مستداما.

[escenic_image id="5590749"]

تقرير «الشرق الأوسط» مايو (أيار) 2010

 

بعد أشهر من المفاوضات السياسية، أصبح للبنان حكومة جديدة أخيرا، بعد نجاح رئيس الوزراء سعد الحريري في تشكيل حكومة وحدة وطنية في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي. وهذه بالتأكيد لحظة مهمة لتقييم الساحة السياسية المتغيرة في البلاد، ولكن يكشف هذا التقرير الصادر عن مجموعة الأزمات الدولية عن أنه ليس من المرجح أن ينتهي تاريخ عدم الانسجام السياسي في لبنان إلى الأبد. واليوم، لا يزال موقف الحريري هشا وهو يواجه عددا ضخما من التحديات. ويشير هذا التقرير إلى أنه لكي يحقق الحريري الاستقرار للبلاد، سيتعين عليه أن يغير من الوضع الراهن من الانقسامات الطائفية الكبيرة في السياسة اللبنانية.

كان أداء رئيس الوزراء سعد الحريري لليمين الدستورية في يونيو (حزيران) 2009 نقطة تحول ونهاية للاضطراب السياسي الذي بدأ بمقتل والده قبل خمسة أعوام. ولكن، يوضح هذا التقرير ثبوت أن مثل تلك النهاية البارعة أمر مستحيل. ويعرض أحدث تقرير من مجموعة الأزمات الدولية تحت عنوان: «السياسة اللبنانية: المجتمع السني وتيار المستقبل برئاسة الحريري»، بالتفصيل ما يلزم الحريري لكي يبني على استقرار لبنان الهش.

من العدل أن نتفق مع اعتراف التقرير بأن حادث اغتيال رفيق الحريري عام 2005 ما زال يلقي بظلاله على جميع أنحاء لبنان. كان «سيد لبنان»، كما كان يطلق على نفسه، يسيطر على الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد، ويرجع إليه فضل كبير في جعل البلاد تقف على قدميها بعد انتهاء الحرب الأهلية الدموية. وقد ترأس رفيق الحريري خمس حكومات منذ عام 1992، وقاد خلالها عملية إعادة الإعمار الاقتصادي للبلاد. ويوضح تقرير مجموعة الأزمات الدولية بالتفصيل منحنى حياته المهنية اللامعة، التي بدورها تشير إلى حجم الفراغ في السلطة الذي نتج عن مصرعه. وفي هذا السياق، كما يشير التقرير، تم الدفع بوريث «سيد لبنان» فجأة إلى دائرة الضوء على الرغم من ممانعته في البداية للخوض في العمل السياسي.

قبل اغتيال والده، كان سعد الحريري مقيما في المملكة العربية السعودية، وكان يستمتع بعدم شهرته نسبيا كرئيس لشركة الإنشاءات التي تملكها العائلة، شركة «سعودي أوجيه»، وهي واحدة من أكبر الشركات في الشرق الأوسط ذات عائد يزيد على ملياري دولار. ويبدو أن غيابه عن البيئة السياسية اللبنانية كان في صالحه، حيث استطاع الاحتفاظ بالبعد عن السمات السلبية في الحكم. ولم يغفل كاتبو هذا التقرير الضغوط الهائلة التي يتعرض لها الحريري من أجل إنجاز المطلوب منه.

وينقل تقرير مجموعة الأزمات الدولية بقوة ووضوح تعقيدات المشهد السياسي اللبناني. ويظهر أيضا أنه، كما في العراق، تسود الاعتبارات الطائفية العملية السياسية بدرجة كبيرة. وفي لبنان، يعد العثور على مسيحي ماروني يدلي بصوته لصالح حزب مسلم أمرا نادرا، مثل العثور على كردي في شمال العراق يصوت لصالح حزب غير كردي. ويؤكد التقرير أنه من المهم للحريري أن يبتعد عن تلك النزعة الطائفية، حيث تحول دون الانسجام السياسي.

ويبدو أن المناورة السياسية التي جاءت بعد الانتخابات التي أجريت في العام الماضي هي العَرَض الوحيد الذي يشير إلى وجود مشكلة أكثر عمقا: وهو نظام بالٍ مُتبع منذ ستة عقود.

كان الهدف من اتفاقية الاشتراك في السلطة، التي وضعت عندما حصلت البلاد على استقلالها من الاستعمار الفرنسي، هو تحقيق التوازن بين الطوائف الدينية البالغ عددها 18 طائفة، بتقسيم السلطة بين رئيس مسيحي ماروني ورئيس وزراء سني ورئيس برلمان شيعي. ويمتد هذا النظام من أعلى المناصب في الحكومة إلى أقل المناصب الوظيفية، ولم يتغير على الإطلاق منذ أن تم تنفيذه. وهكذا يعترف التقرير بأن النزعة الطائفية أصبحت هي «المخزون السياسي» الذي يملكه لبنان. وقد تم تخصيص التقرير في الأساس لتناول السبب الجذري لعدم الاستقرار السياسي، واختتم بأنه من دون تغيير هذا الوضع لن يعني وجود حكومة جديدة انتهاج سياسة جديدة.

لقد طويت صفحة في تاريخ لبنان عندما ارتدى سعد الحريري عباءة والده كرئيس للوزراء. ويتسم تقييم مجموعة الأزمات الدولية الإجمالي للوضع الراهن بالشمول والتفاؤل المؤقت، حيث يلفت الانتباه إلى أن الحريري وحكومته لديهما القدرة على الحفاظ على الانسجام السياسي. ويتجنب التقرير بنبرته المعتدلة تهويل الفوضى التي حدثت في الماضي في لبنان، وفي الوقت ذاته يؤكد على أنه لكي تستطيع تلك الحكومة الجديدة النجاح، يجب أن تنأي بنفسها عن السياسات الطائفية القديمة. وسيكون للخيارات التي ستتخذ تأثيرات خطيرة، ليس فقط على لبنان، بل على المنطقة ككل.

لقراءة التقرير، يمكن الرجوع إلى هذا الرابط.

http://www.crisisgroup.org/en/regions/middle - east - north - africa/iraq - syria - lebanon/lebanon.aspx

font change