الطائفية مقتل لبنان

الطائفية مقتل لبنان

إيلي فواز

 

* أن يُهان اللبناني في يومياته الاقتصادية أو الاجتماعية أو الصحية أمر لا يستدعي منه الاعتراض، أما أن تُهان الطائفة فالويل والثبور.




من يتابع السجالات بين السياسيين اللبنانيين، إن كان في الإعلام أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يدرك أن القعر الأخلاقي الذي أدركناه كلبنانيين جميعاً مخيف، ومن تابع ردود مناصري هذا الزعيم أو ذاك يستنتج من دون عناء يذكر أن في عقول معظم اللبنانيين شيئاً أقوى من المنطق والحكمة، اللذين يحثانهم على تفادي أخطاء الماضي والعمل على عدم تكراره.
أذكر جيداً عندما كان أساتذتي في الثانوية نهايات ثمانينات القرن الماضي يقولون لي إن مرحلة ما بعد الحرب هي أبشع من الحرب نفسها. طبعا لأن الحروب لا تدمر الأشياء فقط، إنما الإنسان الذي يشهد على العنف إن من خلال ممارسته أو من خلال تعرضه له، فيترك في داخله آثارا لا يمحوها الزمن بسهولة. ولكن من المفروض أن يكون هناك أمل في أن تمحى آثار الحرب مع الأجيال الجديدة التي لم تخضع أو تمارس العنف ولكنها أدركت آثاره المدمرة على الحياة الجماعية كما الفردية، وبالتالي عملت على تفاديها. هذا ما لم يحصل في لبنان. فالأجيال الجديدة بكافة طبقاتها تتشوق للحرب وتمارس العنف الكلامي بشغف غريب لا يبشر بالخير.
كتب شارل شارتوني في افتتاحية مجلته «الماغازين» في عام 1986: «إن من يستطيع إعادة إحياء هذا البلد اقتصاديا واجتماعيا هم الشباب. ولكنهم يهاجرون بأعداد مخيفة. لن يبقى في لبنان إلا من يحب الحرب».
وبالفعل بعد أكثر من ثلاثة عقود على انتهاء الحرب في لبنان لم يبق إلا من يحب الحرب، ومن يعشق الاقتتال.
على كل الأحوال، لبنان بلد لم تتغير أحواله كثيرا بعد انتهاء الحرب. لم يتقدم، لم يتطور. هو بلد حكوماته المتعاقبة منذ عام 1991 لم تستطع تأمين الطاقة للبنانيين 24 ساعة حتى يومنا هذا. وزراء الطاقة المتعاقبون بعد اتفاق الطائف لم يجدوا حلا لانقطاع النور الدائم عن البلد.
لبنان بلد أيضاً يغرق في مشكلة النفايات. تماما كما أيام الحرب الأهلية. في عصرنا حيث النفايات مصدر تستغله كثير من الحكومات حول العالم كمصدر لاستصدار الطاقة مثلا، لبنان لا يعرف ما يفعل بها، أو كيف يتخلص منها.
شاطئ لبنان الذي كان جميلا ويُشهد له، أصبح ملوثاً، لأن مجارير الصرف الصحي أغلبها تصب فيه، وحتى بعض النفايات تجد طريقها إليه. معامل كهرباء الزوق غيرت وجهة استعمالها، فبدل أن تنتج كهرباء، أصبحت - بسبب الدخان الأسود الذي تبصقه مداخنها - مصدراً أساسياً لمرض السرطان لأبناء المنطقة.
المشاكل الاجتماعية لا تُعد ولا تُحصى. فلا يكاد يمر نهار من دون خبر انتحار ما، أو جريمة مروعة غالباً ما تكون ضمن أفراد عائلة واحدة.
المواصلات في لبنان أيضا مشكلة لا تجد لها حلا وتكبد خزينة الدولة خسائر بمليارات الدولارات. فالبنى التحتية بحاجة إلى إعادة تأهيل لتستوعب زيادة السيارات الجديدة سنويا التي تجتاح الطرقات، وطبعا لأجل حل مشكلة الازدحام المروري. فالذهاب إلى بيروت مثلا من مناطق مجاورة هو أشبه بمغامرة سفر، يجب التخطيط لها، والانتباه لتوقيت بدء الرحلة للتخفيف قدر الإمكان من عذابات الانتظار على الطرقات. هذا ناهيك بأبسط قواعد السلامة المرورية غير المتوفرة في لبنان.
الوضع الاقتصادي منهار هو الآخر، والفساد يقول السياسيون إنه المتهم.
حسب بعض الإحصائيات 60 في المائة من متخرجي الجامعات لا يجدون فرص عمل. وأغلبهم يفكر بالهجرة.
مع هذا يجد السياسيون متسعاً من الوقت لمهاجمة بعضهم البعض، على خلفياتٍ معظمها مذهبية. يتفننون في كيل الشتائم، ليحصدوا إعجاب المناصرين على مواقع التواصل الاجتماعي.
ليس هناك طائفة في لبنان تكن الود للأخرى. أحقاد دفينة تتحكم فيما بينها، وتعود إلى تواريخ سابقة لتقاتلهم وتخاصمهم. علاقاتهم مع بعضهم البعض هي تصفية حسابات مستمرة تعود إلى أيام المتصرفية والقائمقاميتين.
لبنان أهميته الوحيدة على مستوى المنطقة والعالم تعود لسببين أساسيين لا علاقة له بهما على كل الأحوال. أولهما أزمة اللاجئين السوريين، ثانيهما تعاظم قوة «حزب الله».
الأولى وهي نتيجة الحرب الأهلية السورية، يسعى الأوروبيون إلى محاصرتها كونهم متضررين من موجات الهجرة التي تصيبهم، من خلال وعود مساعدات للحكومة اللبنانية من أجل إبقائهم حيث هم.
أما مشكلة «حزب الله» فمرتبطة بإيران، وحساباتها إقليمية، وأهميتها بالترسانة التي يملكها، وبالأعمال الإرهابية المتهم بافتعالها في كثير من البلدان الغربية والعربية. والعالم مهتم باحتواء الحزب وإضعافه فقط. الداخل اللبناني تفاصيل لا تعنيه كثيرا.
لبنان بحاجة إلى عقود من الزمن من أجل التخلص من مشاكله، هذا إذا وجدت طبقة سياسية وشعب راغب في التخلص من الأعباء الغريزية التي تعوق أي تقدم إلى الأمام.
في هذا الوقت كل البلدان المجاورة تتقدم بأشواط على لبنان، تتطور بشكل يستحيل معه اللحاق بهم، تجذب المستثمرين الذي يرغبون في بيئات مستقرة، فيها بنى تحتية تسهل الترويج والنجاح لتلك الاستثمارات. وهذا غير متوفر للأسف في لبنان.
أن يهان اللبناني في يومياته الاقتصادية أو الاجتماعية أو الصحية أمر لا يستدعي منه الاعتراض. أما أن تهان الطائفة فالويل والثبور.
font change