ضمن المقتطفات الكثيرة التي عُرضت من استراتيجية الأمن القومي الأميركي الجديدة التي صدرت مؤخراً

ضمن المقتطفات الكثيرة التي عُرضت من استراتيجية الأمن القومي الأميركي الجديدة التي صدرت مؤخراً

[escenic_image id="5592416"]

خلال مايو (أيار) الماضي، قدم الرئيس الأميركي باراك أوباما في أكاديمية ويست بوينت العسكرية الشهيرة خطة الأمن القومي الأميركية الجديدة، التي أطلق عليها رسميا استراتيجية الأمن القومي لعام 2010 وأصدرها البيت الأبيض في نهاية ذلك الشهر.

وكما هو متعارف عليه بين محللي السياسة الخارجية، والصحافيين والمراكز البحثية، تم نشر نطاق واسع من التحليلات حول هذه الاستراتيجية الجديدة. ومن النقاط الأساسية التي أولاها الجميع اهتماما بالغا تحديد العناصر الأساسية للتغيير وعناصر الاستمرارية مقارنة باستراتيجية الأمن القومي السابقة.

وسواء كانت الاستراتيجية الجديدة التي صدرت مؤخرا تختلف على نحو حقيقي عن استراتيجية إدارة (الرئيس الأميركي السابق) بوش التي صدرت عام 2002 أم لا، فما زالت استراتيجية الأمن القومي لعام 2006 تثير الجدل.

وفي خطابه، حاول أوباما أن يوضح مدى اختلاف هذه الاستراتيجية عندما قارنها باستراتيجية سلفه. ومن الواضح، أن هناك بعض المناحي في تلك الاستراتيجية الجديدة تمثل اختلافا، خاصة فيما يتعلق بالتعددية في مقابل القطب الواحد، الدبلوماسية في مقابل استخدام القوى العسكرية والاعتراف الصريح بمحدودية القوة الأميركية.

وبالإضافة إلى أوباما، قدمت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية، وجيمس جونز مستشار الأمن القومي، وجون برينان كبير مستشاري الرئيس لمكافحة الإرهاب، مقتطفات من الاستراتيجية الجديدة. وقد أبرز برينان، على نحو خاص، أن الولايات المتحدة في حالة حرب ضد تنظيم القاعدة وليس في «حرب ضد الإرهاب». وفي استراتيجية الأمن القومي التي صدرت عام 2005، كانت تعبيرات مثل «الحرب على الإرهاب»، «الحرب ضد الإرهاب» و«العدو الإرهابي» منتشرة في كافة أنحاء الوثيقة.

وقد أثبت مصطلح «الحرب على الإرهاب» الذي يعكس نظرة معينة للعالم وكيفية التعامل معه أنه مسيء للصورة الأميركية ومصالحها في النطاق الواسع للشرق الأوسط.

وكان برينان قد دافع عن التخلي عن ذلك المصطلح بداية 2009 في خطابه الأول بعدما انضم لإدارة أوباما، مؤكدا أن التوجه الجديد سوف يركز على «الأسباب الأساسية للإرهاب»، أي الأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي أفرزت التطرف، وهو ما يتناقض إلى حد بعيد مع طرح إدارة بوش بأن الإرهاب جاء نتاج الأنظمة الطغوية في الشرق الأوسط.

ولكننا ما زلنا في انتظار إذا ما كان التخلي عن مصطلح «الحرب على الإرهاب» سوف يقترن بأفعال تتخذها إدارة أوباما تؤسس لتغيير حقيقي في ذلك الإطار أم لا. وتبذل الاستراتيجية الجديدة جهدا للتأكيد على أن الإدارة الجديدة ليست في حرب ضد الإسلام - «.. إنها ليست حربا عالمية ضد الإسلام - سواء الإرهاب أو الديانة. فنحن في حالة حرب ضد تنظيم محدد وهو تنظيم القاعدة والمنظمات الإرهابية التابعة له التي تدعم جهوده في مهاجمة الولايات المتحدة وحلفائنا وشركائنا».

وعلى الرغم من التخلص من مصطلح «الحرب على الإرهاب»، ما زالت هناك شكوك حول إذا ما كان جوهر المصطلح ما زال كامنا في الاستراتيجية الجديدة.. «لما يقرب من العقد كانت بلادنا تحارب شبكة واسعة من العنف والكراهية». وما زال السؤال هو إذا كانت إدارة أوباما مدركة حقا أن التعامل الخاطئ مع العنف لم يولد إلا المزيد من التطرف أم لا.

فلكي تنهي «الحرب على الإرهاب» يجب على إدارة أوباما أن تفعل أكثر من مجرد إزالة المصطلح من الاستراتيجية.

لقد كان أحد الشعارات الأساسية لحملة أوباما الانتخابية هو إغلاق معتقل غوانتانامو وهو أكثر الرموز السلبية لحملة بوش «الحرب على الإرهاب» وهي المهمة التي ثبت أنها أصعب مما كان يعتقد في البداية، كما فشلت الإدارة في الوفاء بالميعاد المبدئي لإغلاقه في يناير (كانون الثاني) من العام الحالي. حيث لم تكن مشكلة التصرف في السجناء الموجودين به سوى واحدة من الألغاز التي يجب على إدارة أوباما حلها. كما أن إرسال السجناء اليمنيين الموجودين في غوانتانامو إلى اليمن ليس أحد الخيارات المطروحة. فعلى الرغم من أن تحويل ذلك السجن إلى معسكر تعذيب كان أحد ابتكارات إدارة بوش لمحاربة «الإرهاب» بـ«الإرهاب»، فإن عدم قدرة إدارة أوباما على إغلاق المعتقل كان له آثار سلبية على إدارته. وهناك تطور آخر له على الأقل نفس الآثار السلبية لعدم قدرة الإدارة على إغلاق معتقل غوانتانامو بالنسبة للمصالح الأميركية على المدى البعيد وهو الزيادة الهائلة للهجمات التي تشنها بطائرات الدرون في باكستان منذ أن تولت إدارة أوباما السلطة. فكما ذكرت أحد المقالات التي نشرت سابقا في «المجلة» فإنه على الرغم من «أن بعض خبراء مكافحة الإرهاب ينظرون إلى ذلك البرنامج باعتباره انتصارا حقيقيا، أكد بعض الخبراء في مقاومة التمرد بوضوح أنه يرسل برسائل خاطئة للشعب الباكستاني». كما أصدر الخبراء كثيرا من التحذيرات حول الأثر العكسي المحتمل لتلك الاستراتيجية بما في ذلك ديفيد كيلكولن وأندرو أكسوم من مركز الاستراتيجية الأميركية الجديدة، والبروفسور فواز جرجس من كلية لندن للاقتصاد في مقال حديث له بمجلة الـ«نيوزويك».

إن هذه الاستراتيجية التي كانت مسؤولة عن مقتل كثير من المدنيين تتناقض مع كثير من الأفكار المطروحة في استراتيجية الأمن القومي الجديدة، وتحديدا «تعزيز الأعراف الدولية نيابة عن حقوق الإنسان» أو «تعزيز الجهود المبذولة لكي نطبق قيمنا ونحافظ على مبادئ الديمقراطية في مجتمعنا، وتأييدنا لتطلعات المقهورين بالخارج الذين يعلمون أنهم يستطيعون أن يلجأوا إلى أميركا من أجل العدالة والأمل». ومن الصعب أن نفهم كيف يمكن لتفجير القرى في المناطق القبلية في باكستان الذي تشنه طائرات الدرون الأميركية أن يساهم في تحقيق الأهداف الذي تضمنتها الاستراتيجية الجديدة من «بناء شراكة إيجابية مع المجتمعات الإسلامية حول العالم».

وحتى يتم على الأقل التعامل مع هاتين القضيتين (إغلاق غوانتانامو وتقييد هجمات الدرون) لن تنتهي فعليا «الحرب على الإرهاب» بل ستغير وجهها فقط.

* مانويل ألميدا

font change