البلاستيك ليس هو المشكلة وحظره ليس الحل

البلاستيك ليس هو المشكلة وحظره ليس الحل



جدة: إيمان أمان



* تشكل جماعات الضغط البيئية سبباً رئيسياً للتأثير على السياسات المتعلقة بحماية البيئة.
* المواد المصنعة من البلاستيك مفيدة، فهي خفيفة الوزن ومتينة ومتعددة الاستخدامات.
* اقتصاد البلاستيك الجديد يعتمد على مبدأ الاقتصاد الدائري ويشجع على الابتكار.




في قرار فاجأ كثيرين، أعلنت «ستاربكس» الشركة المتخصصة في تقديم مشروب القهوة، بالتخلص نهائياً من المصاصات «القش» المصنوعة من البلاستيك، وذلك بحلول عام 2020م.
باتت المواد المصنعة من البلاستيك جزءاً لا يتجزأ من تفاصيل حياتنا اليومية، والتي من دونها لن تكون حياتنا كما اعتدنا عليها اليوم. ومع ذلك، فإن من يعتبرها «شراً بيئياً» وينادي بالتخلص منها بسبب النفايات التي تؤثر سلباً على البيئة. سواء كانت النفايات في شوارعنا أو حتى في المجاري المائية والمحيطات. ويتوقع أن تفوق كمية النفايات البلاستيكية الأسماك في المحيط خلال الثلاثين عاما القادمة!



لماذا التركيز على المصاصات البلاستيكية؟




يمارس نشطاء البيئة ضغوطا على الشركات والمؤسسات للتخلص من القش البلاستيكي الذي غالبا ما ينتهي به المطاف في المحيطات ويتسبب في إيذاء للبيئة البحرية. واستخدمت لتحقيق هذا الهدف وسائل الإعلام الحديثة ومنصات التواصل الاجتماعي المختلفة. وعلى سبيل المثال تم تداول فيديو على برنامج «يوتيوب» يظهر أحد الناشطين البيئيين يحاول مساعدة «سلحفاة» بإخراج قشة بلاستيكية علقت في تجويفها الأنفي. ولقد أصبح حظر القش المصنوع من البلاستيك أكثر شعبية على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث نرى كثيراً من المشاهير والشخصيات المؤثرة، يدعمون حملة الحظر باستخدام هاشتاغ #stopsucking و# plasticfreeocean لإظهار دعمهم.
وتعتبر «ستاربكس» واحدة من أكبر الشركات العالمية التي ستنفذ خطة التخلص من المصاصات البلاستيكية لمرة واحدة single use من أكثر من 28 ألف متجر حول العالم بحلول 2020م. وستعمل «ستاربكس» وغيرها من الشركات على اعتماد كوب بغطاء ذي بروز يسمح بالشرب، أو استخدام مصاصات مصنعة من مواد قد تكون قابلة للأكل أو من بلاستيك عضوي قابل للتحلل. والجدير بالذكر أن «ستاربكس» ليست هي الشركة الوحيدة التي قررت أن تحظر القش البلاستيكي، بل هناك شركات عالمية أخرى، مثل: ماكدونالدز، وشركات الطيران، وإيكيا، وغيرها، والتي ستتبع نهج الحظر في متاجرها.



هل المصاصات البلاستيكية هي المشكلة؟ :الإجابة بالتأكيد لا؛ إذ إن المصاصات البلاستيكية تشكل فقط 4 في المائة من مجموع النفايات البلاستيكية! ومع ذلك فإن أولئك الذين يدعمون توجه حظر المصاصات البلاستيكية، يرون أن الراحة والسهولة في تناول المشروبات التي تقدمها المصاصات البلاستيكية، لا تستحق كمية الأضرار البيئية الكبيرة التي تتسبب بها! ويؤمنون أن حظر المصاصات هو بداية للتخلص من منتجات بلاستيكية أخرى مثل الأكياس البلاستيكية غير القابلة للتحلل.
الحديث عن البلاستيك من أكثر المواضيع الجدلية في العصر الحديث، ومن وقت لآخر نرى احتجاجات ومطالبات من جماعات الضغط ونشطاء البيئة ضد استخدام البلاستيك والمطالبة بالاستغناء عنه. وتتباين الآراء مع أو ضد حظر البلاستيك، وتبرز تساؤلات عدة، منها: هل البلاستيك يشكل تهديداً وتحدياً لمجتمعاتنا البيئية؟ هل الحظر هو الحل الوحيد والأفضل؟ هل تحتاج المجتمعات البشرية إلى تغيير سلوكها نحو البلاستيك من ناحية استخدامه وتقليل الهدر؟
هناك رأي علمي يررى أن اللدائن البلاستيكية تعتبر «ثروة» بمعنى أنه من الممكن إعادة تدويرها وتصنيعها لمرات كثيرة. وأن المشكلة تتمحور حول طريقة استخدام المنتجات البلاستيكية بشكل غير مسؤول. ومع النمو السكاني العالمي المتوقع، وما يصاحب ذلك من التوجه نحو اعتماد نمط أسلوب الحياة المعاصرة، فإن الحل ليس في حظر البلاستيك، بل ضرورة ضمان استخدامه بشكل مسؤول وإعادة تدويره بشكل صحيح. ولتحقيق هذه المعادلة غير المستحيلة (الاستمرار في استخدام البلاستيك والحفاظ على البيئة) لا بد من العمل على تشجيع البحث والابتكار التقني، هذا مع العمل على زيادة الوعي الاجتماعي حول أفضل الطرق الممكنة لإدارة التلوث وللتخلص من النفايات البلاستيكية بشكل آمن بدلا من مجرد حظرها. واليوم وأكثر من أي وقت مضى، تقع على عاتق الصناعة البلاستيكية مسؤولية المساهمة في رفع الوعي الاجتماعي بضرورة الاستخدام المسؤول وإعادة تدوير البلاستيك. إن دور «الفرد المسؤول» هو أمر بالغ الأهمية فمتى ارتفع وعي الناس بأن النفايات البلاستيكية ذات قيمة، فلن تجد أي نفايات بلاستيكية مؤذية للبيئة في أي مكان!



لماذا يجب علينا أن نقف مع منع حظر البلاستيك؟




تعد صناعة البلاستيك واحدة من أكبر الصناعات في العالم، وتساهم بدورها وبدرجة كبيرة في النمو التجاري والاقتصادي العالمي. توفر المنتجات البلاستيكية مثل الحاويات والأكياس البلاستيكية وغيرها الكثير في الاستخدامات الطبية والصناعية، كما تعتبر بديلاً ممتازاً له خصائص مثل قوة التحمل والمرونة وإمكانية إعادة الاستخدام، وعلى سبيل المثال يعد بديلاً جيداً ورخيصاً للمنتجات المصنعة من الورق والخشب وحتى المعادن.



ووفقا لبحث أجرته وكالة حماية البيئة الأميركية، فإن الأكياس الورقية أكثر ضررا للبيئة. إنها تولد أكثر من 70 في المائة من ملوثات الهواء و50 في المائة من ملوثات المياه إلى البيئة، حيث يستهلك أكثر من أربعة أضعاف الطاقة التي يتم إنتاجها. كما أن إعادة تدوير الأكياس الورقية تستهلك أكثر من 85 في المائة من الطاقة أكثر من الأكياس البلاستيكية.
وعند الوصول إلى مكبات القمامة، حيث تأخذ الأكياس الورقية مساحة أكبر بمقدار 9 مرات من المواد البلاستيكية وأيضا تحتاج وقتا زمنيا لتتحلل. علاوة على ذلك، فإن الأكياس البلاستيكية تتمتع ببصمة كربونية أقل من بدائلها. وفي دراسة من جامعة أوريغون الأميركية، خلصت إلى أن الأكياس البلاستيكية لها نصف البصمة الكربونية فقط مقارنة بالقطن والأكياس الورقية! فهي تستخدم كميات أقل من المواد الكيميائية والموارد وتنتج كميات أقل من الغازات الدفيئة عند تصنيعها أو حتى وجودها في مرادم النفايات.
والجدير بالذكر أنه بعد إعلان «ستاربكس» عن قرارها بحظر المصاصات البلاستيكية نهائيا بعد 2020م، بدا أن هناك شريحة من المجتمع ستتضرر بسبب هذا الحظر وهم «الأشخاص ذوو الاحتياجات الخاصة» والذين يعتمدون على القش البلاستيكي لتناول الطعام والشراب في حياتهم اليومية. ويعتبر ذوو الاحتياجات الخاصة أن القش البلاستيكي هو ضرورة حياتية وليست فقط كما يروج نشطاء البيئة المتعصبون أنها شيء صغير وغير مهم.



نحو مفهوم اقتصاد جديد للبلاستيك...




بدأت المبادرة عالمية من مؤسسة «إلين ماك آرثر» بين اللاعبين الرئيسيين في سوق الصناعات البلاستيكية (المصنعين والمبتكرين) بمهمة محددة وهي إعادة التفكير وإعادة هيكلة مستقبل البلاستيك. وتكمن هذه الفكرة في تحويل الاقتصاد الخطي للبلاستيك (المقصود استخدام البلاستيك لمرة واحدة ومن ثم التخلص منه على شكل نفايات) إلى التحول إلى اقتصاد دائري (اقتصاد يعتمد على الابتكار وإعادة التدوير). وتتمثل الرؤية الشاملة لاقتصاد البلاستيك الجديد في أن المنتجات البلاستيكية لا تصبح نفايات أبدا، بحيث يمكن تحقيق نتائج اقتصادية وبيئية أفضل في دورة تصنيعها وتدويرها مرة أخرى. هذا بالإضافة إلى المساهمة في الحد من تسرب المواد البلاستيكية إلى البيئة والمحيطات. ولا يقتصر إنشاء اقتصاد بلاستيكي فعال، على الحصول على القيمة المادية أو الزيادة في إنتاجية الموارد، بل يوفر أيضا الحافز الاقتصادي لإدارة النفايات البلاستيكية وعدم تسربها للبيئة والمحيطات.
font change