عراق جديد وكويت مفرطة في المحلية

عراق جديد وكويت مفرطة في المحلية

[escenic_image id="5595672"]

ففيما اعتبر وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري عشية الذكرى العشرين لاحتلال القوات العراقية للكويت 2/8/1990 في حديث لوكالة الأنباء الفرنسية أن «اجتياح الكويت كان أحد أكبر الأخطاء المروعة التي ارتكبها صدام وأعوانه على الإطلاق، وأن غزو القوات العراقية للكويت على يد صدام حسين خطأ كارثي ما زال يلقي بظلاله على العلاقات بين البلدين»، لا يزال الكويتيون مرتابين من وضع العراق الجديد، خاصة مع ظهور سياسيين كويتيين وعراقيين «يقتاتون» على ملف العلاقات الثنائية بهدف التكسب الشعبي.

وفي الكويت تحول الغزو العراقي إلى مناسبة وطنية تستدعي تذكر تلاحم الشعب حول قيادته وصمود المواطنين بوجه الغزاة، إلا أن تداعيات الملفات الإقليمية وتنامي النفس الطائفي والروح العدائية تلقي بثقلها على المجتمع الكويتي، غير أن عددا من كتاب الصحف توقفوا في مقالات متفرقة أمام مسألة تحول ذكرى الغزو إلى مجرد مثال يضرب للوحدة الوطنية، مشيرين إلى أن الكويتيين أحوج ما يكونون لتطبيقه اليوم بدلا من استذكاره.

وتراجعت الكويت عن قريناتها الخليجيات على مستوى البنى التحتية والتحول إلى مقاصد مالية واستثمارية؛ متعذرة بتداعيات الغزو، كونها أولت الملف الأمني أهمية قصوى لدرجة رفعته إلى خانة الأولويات خلال الفترة الفاصلة بين تحريرها عام 1991 وسقوط نظام صدام حسين في 2003، فقد انغمست بسياسات التسلح وتوقيع الاتفاقيات الأمنية مع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهذا بدوره سحب البساط من تحت ملف التنمية وتعزيز الاقتصاد، كما انعكس أيضا بتفاعلها على صعيد المنطقة، فغرقت في المحلية بإفراط، مقابل تراجع إقليمي ملحوظ وتراجع دورها كلاعب فاعل كانت تجسده قبل الغزو، خاصة على صعيد منظمة دول عدم الانحياز ومنظمة الدول المصدرة للبترول إلى جانب الملفين الفلسطيني والعلاقات العربية - العربية.

ويعد الغزو العراقي نقطة تحول فاصلة في تاريخ الكويت المعاصر، فقد ترك ندوبا على وجه علاقة الكويت بعدد من الدول العربية، وهو ما تحاول اليوم تفاديه وتجاوزه، خاصة فيما يتعلق بدول الضد، وهي تسمية غير رسمية لدول عربية دعمت نظام صدام حسين بمواجهة الكويت عام 1990، ومن بينها السودان واليمن والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، إلا أن المتابع لنشاط الكويت الدبلوماسي، منذ تحريرها على يد قوات دولية عام 1991، يرى تغيرا رسميا في الموقف ويقابله رفض شعبي لخطى الحكومة تجاه هذه الدول، فقد رفعت الكويت مستوى تمثيلها الدبلوماسي إلى درجة تبادل السفراء في هذه الدول تحديدا، ونحت باتجاه دعم عدد من مشاريعها التنموية بقروض مولها الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية التابع لوزارة الخارجية، إلا أن عددا من نواب البرلمان يقودون تحركات لتوجيه دفة دعم الصندوق ناحية مشاريع تنموية داخلية، بدلا من توجيها للخارج، على حد قولهم، لأن هذه الدول لم تقدم اعتذارا رسميا عن مواقفها السابقة بحق الكويت، ونظرا لإقرار البرلمان يناير (كانون الثاني) الماضي خطة تنموية بقيمة 130 مليار دولار أميركي تهدف لإعادة بناء البلاد وإقامة مشاريع تنموية ستساهم في تحسين مستوى المعيشة ودعم القطاع الخاص المحلي وخلق فرص عمل للمواطنين، وعليه فإن الكويت أحوج داخليا للتمويلات التي تقدمها للخارج.

وفي فبراير (شباط) الماضي، طالب النائب المعارض في البرلمان الكويتي مسلم البراك بتدريس الغزو العراقي الغاشم في المناهج الدراسية، وإطلاق أسماء الشهداء على شوارع الكويت، في خطوة لتوثيق هذه الفترة بكل تفاصيلها وتضحياتها من أجل التاريخ، كما قال.

ورغم الأجواء الهادئة التي تعيش فيها العلاقات الكويتية - العراقية، فإن هناك عدة ملفات تطفو على السطح في محاولة تعكير الأجواء، ومن بينها ملف الحدود التي رسمتها الأمم المتحدة ووافق عليها العراق والكويت بموجب القرار 833 لمجلس الأمن عام 1993، وكذلك ما تعلق بالتعويضات المقررة للكويت من بغداد بموجب القرار 692 لمجلس الأمن الصادر عام 1991 الذي تقتطع بموجبه نسبة من عائدات النفط العراقي لمصلحة صندوق التعويضات التابع للأمم المتحدة لتسدد إلى الكويت، كما أن هناك عددا من الكويتيين المفقودين في العراق لا يزال مصيرهم غامضا، وهو ما تحدث عنه وزير الخارجية العراقي مبينا في التصريح ذاته أن «نحو 600 شخص كويتي للأسف باتوا في عداد المفقودين منذ الاجتياح، بينما أعيدت رفات 285 كويتيا، كما أن العراق متعاون فيما يتعلق بإعادة الأرشيف والوثائق الكويتية».

موقف زيباري تطابق مع تأكيدات سفير العراق لدى الكويت محمد حسين بحر العلوم؛ حين صرح للصحف الكويتية صبيحة الذكرى العشرين للغزو العراقي للكويت قائلا لجريدة «الجريدة» إن «الحكومة العراقية أخذت على عاتقها إنهاء كل الملفات العالقة بين البلدين والعمل على تفعيل العلاقات بين الطرفين، ووضعها في المسار الصحيح والسليم، فنحن مصممون بصدق على إزالة ذلك الإرث الثقيل، وفي ما يتعلق بالتعويضات، فالقرار دولي ونحن ملزمون بتنفيذه، وقد صدر بيان رسمي نهاية شهر يونيو (حزيران) الماضي من مجلس الأمن الدولي يظهر كم تبقى على العراق من التزامات بعدما سدد وفق جدول زمني الاستحقاقات التي عليه، فنحن ملتزمون بالسداد ولن نؤخر قسطا واحدا، والكويتيون يعلمون ذلك».

وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية، فإن قيمة صندوق التعويضات المستحقة على العراق جراء غزوه للكويت تبلغ 30.15 مليار دولار أميركي، يضاف إليها 22.2 مليار دولار أخرى مسجلة كديون مستحقة للكويت على العراق، إلى جانب مطالبات مالية تصل إلى مليار دولار مقيدة كتعويضات لمؤسسة الخطوط الجوية الكويتية ناتجة عما لحق بها من أضرار جراء الغزو العراقي وتدمير أسطول طائراتها ومسجلة على مؤسسة الخطوط الجوية العراقية، كما تؤكد اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن مصير أكثر من 300 شخص في عداد المفقودين (بينهم 215 كويتيا و82 عراقيا).

ومن جانبها، اعتبرت النائبة في البرلمان الكويتي الدكتورة معصومة المبارك أن «العلاقات بين العراق والكويت ستبقى موضع جدل لحين استقرار العراق داخليا وتمكن حكومته من تحقيق علاقات خارجية موحدة، أما الآن فلا تزال الجروح عميقة، ومن الصعب نسيانها، لكننا نحاول فتح صفحة جديدة للعلاقات الكويتية العراقية».

ويتعين على العراق اليوم العمل بشكل مكثف لتحسين علاقته مع الكويت بغية الخروج من عقوبات الفصل السابع للأمم المتحدة، التي تحتم عليه الموافقة على قرار ترسيم الحدود مع الكويت، وكشف مصير المفقودين، إلى جانب دفع التعويضات الدولية المترتبة عليه تمهيدا لرفع العراق من الفصل السابع للأمم المتحدة الذي يعد العراق بموجبه تهديدا للأمن الدولي.

* أحمد عيسى.

font change