رئيس حزب الائتلاف الجمهوري الليبي: الواقع السياسي لا يبشر بانتخابات قريبة 

عز الدين عقيل أكد في حوار مع «المجلة» خطورة الميليشيات على مستقبل البلاد

رئيس حزب الائتلاف الجمهوري الليبي: الواقع السياسي لا يبشر بانتخابات قريبة 

* لا تتوفر مرجعية دستورية لكي تجري عليها الانتخابات. مسودة الدستور ما زالت تعاني. كما أن هذه المسودة تعرضت للهجوم من أكثر من طرف.

* المجتمع الدولي، منذ البداية، في 2011، اقتصر على استخدام القوة العسكرية فقط، دون أن يقدم رؤية سياسية موازية.

* لا يمكن الدخول على مشروع «نزع السلاح» إلا إذا أظهر مجلس الأمن العين الحمراء ضد أمراء الحرب

القاهرة: حذر رئيس حزب الائتلاف الجمهوري في ليبيا، عز الدين عقيل، من خطورة التطورات التي تمر بها البلاد، خاصة فيما يتعلق بقضية الترتيبات الأمنية التي تهدف إلى فرض الاستقرار في طرابلس برعاية البعثة الأممية.

وقال في حوار مع «المجلة» إن الميليشيات ما زالت موجودة في المشهد، وتقوم باستغلال الأوضاع في ليبيا من أجل الاستمرار على الأرض، مشيرا إلى أنه لا يمكن إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية طالما لم تتمكن الجهات المختصة من وضع حد لظاهرة الجماعات المسلحة، خاصة في الغرب الليبي.

وأكد عقيل الذي يشارك بصفته باحثا أيضا في مؤتمرات دولية معنية بقضية الأمن الإقليمي، على خطورة الوضع المعقد في تركيبة الميليشيات في عموم ليبيا. وقال إن الميليشيات الإسلامية تمكنت من التأسيس لنفسها، منذ وقت مبكر من أحداث فبراير (شباط) 2011، التي أطاحت بحكم الزعيم الراحل معمر القذافي، مشيرا إلى الخطأ الذي قال إن المجتمع الدولي ارتكبه في حق ليبيا، وذلك حين اعتمد فقط على القوة العسكرية في إسقاط النظام السابق، دون أن تكون لديه أي رؤية سياسية.    

وتابع موضحًا أن تغول الميليشيات الإسلامية أدى إلى ظهور ميليشيات مضادة لها، وأدى أيضا إلى ظهور الميليشيات القبلية التي تسعى لحماية قبائلها من الميليشيات الأخرى، قائلا إنه خلال السنوات الأولى التي أعقبت مقتل القذافي، نشأ أيضا ما يعرف بـ«شركات المقاولات الأمنية»، لتوظيفها لصالح الميليشيات، لأنها كانت تدفع مبالغ كبيرة وبسخاء، ثم خرج من هذا النوع من الميليشيات عمل إجرامي بصور مختلفة.

 

عز الدين عقيل، رئيس حزب الائتلاف الجمهوري الليبي.



وإلى أهم ما جاء في الحوار...

* هناك طموحات لإجراء انتخابات عامة في ليبيا، وفي نفس الوقت هناك شكوك حول القدرة على إنجاز هذا الأمر. كيف ترى الوضع؟
- هذا أمر خطير. في تصوري إن طرح موضوع الانتخابات قبل توفير البنية التحتية الطبيعية والملائمة لإجرائها، فيه من الانتحار، وفيه من المجازفة بما تبقى، على الأقل، من استقرار للشعب الليبي، أكثر مما فيه من نوايا حقيقية لمساعدة الليبيين على تجاوز هذه الأزمة.

* لماذا؟
- لعدة أسباب.. بداية، وحتى هذه اللحظة، لا تتوفر مرجعية دستورية لكي تجري عليها الانتخابات. مسودة الدستور ما زالت تعاني. كما أن هذه المسودة تعرضت للهجوم من أكثر من طرف. ما يهمني هو أن المواقف المتشككة من مسودة الدستور، مواقف تعكس وجود تحديات، مع وجود احتمالات كبيرة بأن لا ترى المسودة النور.

* أعتقد أن بعض الأطراف تحدثت عن إمكانية تطوير الإعلان الدستوري، المعمول به حاليا، لكي يكون مرجعية دستورية للانتخابات. ما رأيك؟
- أظن أن هذا الرأي طرحه منذ البداية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في قمة باريس مع بعض الأطراف الليبية في مايو (أيار) الماضي. لا أعتقد أن تطوير الإعلان الدستوري، بحيث يكون هو المرجعية الدستورية للانتخابات، خطوة صائبة. المشكلة أننا سندخل في نفس الجدل الذي تعاني منه مسودة الدستور. أعني بذلك أنه إذا جرى الأخذ بموضوع تطوير الإعلان الدستوري، فسوف نعاني من نفس ما عانينا منه من نقاش وحوار حول مسودة الدستور. وفي رأيي أن المسألة الأخرى، والأهم، هي البعد الأمني.

* كيف؟
- الحقيقة أن ما قام به مجلس الأمن وحلف الناتو منذ عام 2011، جعل ليبيا عبارة عن دويلات متناحرة. وكل دويلة يحكمها أمير حرب، بكل ما في الكلمة من معنى. وبالتالي أمير الحرب هو الذي يسيطر على الدوائر الانتخابية، أو على أجزاء منها تقع داخل مناطق نفوذه.

* وهذا في رأيك يؤثر على المرشحين؟
- في تصوري، إن أولئك الذين يريدون الترشح، سواء لمجلس النواب أو للرئاسة، لا بد أن تكون لدى معظمهم تقاطعات مصالح مع أمراء الحرب الذين أشرت إليهم، بحكم الواقع على الأرض حاليا. فعلى الأقل ستكون المؤتمرات الانتخابية للمرشحين في مناطق نفوذ قادة الميليشيات، وكذلك ملصقاتهم ولافتاتهم الدعائية. كما أن مسألة التزوير ستكون سهلة في مناطق نفوذ الميليشيات. أي أن كل هذا سيكون موجودا، وبالتالي أخشى أن يكون تركيز المشروع الرئيسي للمرشح للرئاسة أو البرلمان، منصبا على استرضاء أمراء الحرب، وكيفية استمالة قلوبهم إلى أقصى درجة ممكنة. هذا أمر خطير، ويعني أننا سنكون أمام إنتاج منظومة سياسية مشلولة جديدة، وأنها ستكون متحالفة مع أمراء الحرب هؤلاء.

* وما الحل؟
- لو كنت مرشحا لجعلت العنوان الرئيسي لحملتي الانتخابية هو استئصال الورم الميليشياوي بأي طريقة من الطرق، وتقديم سيناريوهات مختلفة للناس للالتفاف حولها من أجل استئصال هذا الورم.

* هل هذا أمر سهل؟
- بالطبع ليس سهلا. وقلت لك إن هذا يحتاج إلى التفاف الناس حول البرنامج. أما إذا ظل المرشح وحيدا، فإنه، وبمجرد أن يطرح هذا البرنامج الرافض للميليشيات، فسوف يتعرض للقتل، أو سوف يتم تفجير المنصة التي سيطرح من فوقها برنامجه. وستتعرض وسائل الدعاية الخاصة به للتلف. هذا يعني أن ثمة خللا كبيرا في التوازن، وخللا كبيرا في حق المرشحين في أن يطرحوا القضايا والتحديات الحقيقية التي تواجه البلاد. لكل هذا أظن أن مسألة إجراء الانتخابات، في ظل هذا الواقع، ستكون بالغة الصعوبة.

* وهل أصبح للميليشيات كل هذه السطوة؟
- أنت تعرف أن المصاب بالإيدز، أي الذي فقد مناعة الجسم، يصبح تطور وضعه الصحي من سيئ إلى أسوأ يوما بعد يوم. الميكروبات ستهاجم في البداية الأجزاء الأضعف داخل جهاز المناعة. وكلما ضعف جزء داخل جهاز المناعة، سيسمح للميكروب بمهاجمة أجزاء أخرى، وهذا سيتسبب في انهيار تدريجي كامل للجسم إلى أن يصل إلى الموت.

* ماذا تريد أن تقول؟
- أقول إن المجتمع الدولي، منذ البداية، في 2011، اقتصر على استخدام القوة العسكرية فقط، دون أن يكون هناك تقديم لرؤية سياسية موازية. أعتقد أن العملية، من البداية، كانت عملية انتقامية من القذافي. وبالتالي لم تكن الحرب لمساعدة الليبيين، ولا لحماية المدنيين، ولا لمساعدتهم على انتقال ديمقراطي. المسألة كانت فقط انتقاما قام به العالم الغربي ضد القذافي.

* كيف أصبحت الميليشيات بكل هذه القوة؟
- أستطيع أن أؤكد أن الميليشيات الإسلامية كانت قوية، منذ اللحظات التي كان فيها الصراع ما زال قائما مع النظام السابق. هذا النوع من الميليشيات تحديدا لعب دورا كبيرا في تطور البنية الميليشياوية في البلاد، لأن هناك بعض الميليشيات نشأت أساسا لكي تقاوم هذه الميليشيات الإسلامية. أي أن هذا النوع من الميليشيات كان هو المركز، وهناك من خرج لكي يقاومها، وهناك من خرج لكي يصنع شركة مقاولات أمنية يوظفها لحساب هذه الميليشيات، لأنها كانت تدفع مبالغ كبيرة وبسخاء. وهذه تحولت، فيما بعد، للعمل الإجرامي المختلف. كما أن بعض هذه الميليشيات التي كانت تقدم نفسها كجهة «مقاولات أمنية»، تحولت نحو الجريمة المنظمة، ونحو العمل في الهجرة غير الشرعية، وفي تهريب السلاح، والمخدرات، ومحاصرة البنوك.

* وماذا عن الميليشيات القبلية؟
- الميليشيات القبلية هي التي أقصد بها النوع الثالث من الميليشيات، وهي غير مؤدلجة، وظهرت بوصفها نداً للميليشيات المؤدلجة والإجرامية. وظهرت بعض الميليشيات القبلية وازدهرت لأسباب عدة، إما لأنها بجوار آبار نفط، أو حقول بترولية، أو موانئ أو منافذ برية، أو مطارات، لكي تستفيد منها في تحقيق ثروات من خلال عمليات تهريب وغيرها، وإما أنها كانت تريد أن تحمي نفسها من صراعات أو من تراكمات تنافسية مع قبائل أخرى كما يحدث بين قبيلتي التبو، وأولاد سليمان، مثلا الآن، أو حتى بين مصراتة وورفلة (بني وليد)، نظرا لحساسيات قديمة. أريد أن أقول إن هناك ميليشيات بدأت كقوة للحماية، ثم وجد عدد من مؤسسيها أنها يمكن أن تستخدم في تحقيق ثروات وأموال، باستخدام المرفق نفسه المفترض أنها تحميه لصالح الحكومة.  

* كيف؟
- بعض الميليشيات تحقق ثروات من خلال ممارسة الضغط على الحكومة.. أي بالقول للحكومة إذا أردتِ أن أعلن لك بأن هذا المرفق تابع لك، وبالتالي تزداد سيادتك، فعليكِ أن تدفعي.. أي بيع الولاء السياسي. وهناك ميليشيات تستفيد من التدخل الخارجي الذي يحدث عبر حدود البلاد، خاصة من الجنوب.

* قبل الخلافات الكبيرة التي جرت في 2014 وأدت إلى انقسام البلاد بين غرب وشرق، كان البعض يتحدث عن أن رئيس الحكومة آنذاك، علي زيدان، حاول نزع سلاح الميليشيات، لكنها انقلبت عليه. كيف ترى هذه القصة؟
- بالعكس أنا أرى الوضع من منظور مختلف.. وأعتقد أن فترة تولى زيدان السلطة كانت مهمة للغاية لمعرفة ما آلت إليه الأمور فيما بعد. فهو لم تكن لديه خبرات إدارية حقيقية. ويعد من أهم من أسسوا لحالة الفشل الكامل للدولة الليبية. ففي ذلك الوقت جرى تقديم رشى كبيرة جدا، وبالملايين، لقائد الميليشيا الذي كان يسيطر على الموانئ النفطية. ووصل في ذلك الوقت أكبر دعم مالي للجماعات المتطرفة، وهي الأموال التي تم اختطافها في مطار سرت، على يد تنظيم أنصار الشريعة، وكانت تقدر بحوالي 600 مليون دولار ما بين عملات أجنبية وعملات محلية. وأعتقد أن هذه الأموال هي التي دفعت الإرهاب للدخول في منعرج جديد وقوي جدا.

* اليوم يدعو البعض إلى نزع سلاح الميليشيات. هل هذا ممكن؟
- بالنسبة لنزع السلاح، ومن خلال كتاب أعكف على تأليفه الآن، وأعتقد أنني في المراحل الأخيرة منه، أستطيع أن أقول لك إن هناك حوالي 66 دولة فاشلة مرت على العالم خلال القرن العشرين، والعشريتين الجاريتين في القرن الـ21. ليس هناك دولة منها استطاعت أن تدخل فعلا إلى حالة الاستقرار إلا بمشروع نزع السلاح. وكل من يقول إنه يمكن «نزع السلاح في المطلق»، لا يعبر عن الحقيقة ولا عن الواقع.

* لماذا؟
- أنا أرى أنه لا يمكن الدخول على مشروع «نزع السلاح» إلا إذا أظهر مجلس الأمن العين الحمراء ضد أمراء الحرب، لكي يجلسوا على مائدة للتفاوض، ويقرروا فيها السبيل لكي يحلوا عن سماء الشعب المنكوب بهم. وغالبا ما يطلبون عفوا من جرائم الحرب التي ارتكبوها، وتسوية للأموال التي تحصلوا عليها. وهناك مدن أو جماعات أو قبائل معينة، قد تكون أوغلت في سفك دماء أبناء الوطن أكثر من غيرها، وستحتاج دائما إلى ضمانات لتفكيك ميليشياتها. وبعد تفكيك الميليشيات ونزع أسلحتها، وتسليم مقارها العسكرية، وبعد أن تحصل على ما يكفي من ضمانات من المجتمع الدولي، ومن الجهات السيادية المحلية، يتحول الأمر برمته إلى ما يعرف بإدارة حفظ السلام في الأمم المتحدة، وذلك من أجل التعامل مع تداعيات حل الميليشيات، سواء بالعلاج النفسي أو الإدماج في المجتمع، أو غيرها، كما حدث من تجارب في دول مرت بظروف مماثلة، مثل ما جرى في دولة الكونغو. وبعد ذلك يمكن البدء في تحريك المسار الدستوري والمسار السياسي ومسار المصالحة الوطنية، وغيره.
 

font change